هل الشّعر قضية أم متعة؟
هل الشّعر قضية أم متعة؟
عمر شبلي
هذا سؤال يجيب عن نفسه بنفسه حين نعي معنى الشّعر رسالةً وسلوكًا، وما الفصل بين كون الشّعر قضية أم متعة إلّا تفسير ظاهريّ لجوهرهر الشّعر وغايته. حتى أولئك الذين يحصرون الشّعر في كونه متعة هم لا يعون أنّ متعة الشّعر تدخل في قضيته التّكوينيّة، وتجعله رسالة لأنّه حين يمتّع النّفس أو يفرّغ أحزانها أو يمدّها بالدّهشة الإيجابيّة والانتصار لقضية وينقلها إلى ضفة يرى فيها ما لايراه على الضّفة الأخرى، وقتها يغدو أبعد من متعة آنيّة عابرة، لقد قرأت كلامًا لطيّارٍ مصريّ أنّه كان يردّد شعرًا للشّاعر محمود درويش وهو يقصف خط بارليف على القناة، كان الشّعر يخلق فيه متعة الاندفاع ويمدّه بإرادة الصّمود، ولعلّ المتعة هذه هو ما يسمّى بلذة النّصّ، وكلّ ما يخلق في الإنسان لذة إيجابيّة يكون بناء وارتقاء إلى الأعلى.
لقد استعمل العرب الشّعر غناء، وهذا ما عزّز رواية الشّعر، وجعله أبعد من النّثر، إنّ غنائيّة الشّعر تعطيه معنى أبعد من معناه. فالغناء لغة، تخلق معنى أبعد من المباشر، وأعني اللّحن الذي هو “فضل في المنطق لم يقدر اللّسان على استخراجه فاستخرجته الطّبيعة بالألحان” كما يقول صاحب كتاب العقد الفريد. والمنطق هنا هو النّطق الذي يفسّره الإيقاع ويأخذه إلى أقاليم داخليّة في النّفس البشريّة.
لقد أثّر الغناء عند العربيّ في المواشي والإبل والخيول في تصريف أمور القطعان ومواردها وزجرها وخطابها بغناء أصبح لغة تخاطب بين الإنسان والحيوان في تلك العصور المبكرة، ومن منا لا يذكر قول عنترة في معلقته عن جواده حين تضايق من جراح الرّماح في صدره:
فازورّ من وقع القنا بلبانه وشكا إليّ بعبرةٍ وتحمحمِ
نعم حمامة الجواد هنا كانت لغة فهمها عنترة بلا ترجمان.
الشّعر هنا أبعد من المتعة، إنّه تجاوز محدوديّة الحواس إلى أعمق ما في الإنسان، وماذا نسمّي الشّعر الذي كان به قيس يتداوى من حبّ ليلى: “ولم أنشد الأشعار إلّا تداويا”؟ أوليس دواء حين يهدئ صخب النّفوس المعذبة.
والشّعر بمتعته يصل إلى كونه رسالة حين ينحاز إليها وينصرها، كان الشّعر العميق يأبى أن يمّحي من صدور النّاس حتى لكأنّه ذخيرة تداني المقدس، وحين يتخلّى الشّعر عن رسالته العميقة يصبح سلاحًا شريرًا حين يقيم العداوات بين النّاس وينشرها، وقد أدّى هذا النوع من الشّعر إلى إثارة الفتن وسيل الدماء.
وليس الشّعر رسالة حين يصبح وسيلة للتّكسب ومدح مالا يجب مدحه، وهذا النّوع من الشّعر يُعدّ من مآسي الشّعر العربيّ. حتى ولو حمل هذا النّوع من الشّعر صورًا خلّابة. ولنا حديث مطول مع هذا النوع من الشّعر. في مقالات لاحقة.
والشّعر الذي هو رسالة يجب أن يعاني بؤس النّاس ويحرّض على صانعي هذا البؤس، ولنا معه وقفات.
عدد الزوار:921