أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

الأوضاع الدّاخليّة في جبل لبنان ( 1697 – 1841م)

الأوضاع الدّاخليّة في جبل لبنان ( 1697 – 1841م)

Internal conditions in Mount Lebanon (1697 – 1841 AD)

صفاء أسعد

Safaa Asaad

تاريخ الاستلام 15/5/2024                                                  تاريخ القبول 30/5/2024

 

الملخص

تتناول الدّراسة حقبة تاريخيّة مهمة من تاريخ جبل لبنان السياسيّ، وهي المرحلة الممتدة بين عامي 1697 و1841م، أي منذ انتقال الإمارة الإقطاعيّة التي تمثلّت بثنائية درزيّة – مارونيّة من المعنيّين إلى الشّهابيّين أقرباء آل معن، وما رافق هذه المدّة من شدّ ونفور تجاه السّلطة المركزيّة العثمانيّة في اسطنبول. لقد شهد جبل لبنان خلال هذه المرحلة العديد من التّجاذبات التي أفضت إلى العديد من الخلافات والأزمات والثّورات والفتن، وكانت فرصة ذهبيّة للقوى الأجنبيّة للاستفادة منها لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها الاستعماريّة والتّحكم في سياسة جبل لبنان كما يحلو لها.

تعدّ الإمارة الشّهابيّة وريثة وامتدادًا للإمارة المعنيّة، إذ شهدت في نهاية عهدها تحوّلات جذريّة في مناطق حكمها وسيطرتها، مع نزوح الموارنة جنوبًا، ما أدّى إلى تزايد نموهم الدّيموغرافيّ وتنامي نشاطهم الزّراعيّ والمهنيّ، فضلًا عن تنصّر جزء من الأسرة الشّهابيّة واعتناقها المارونيّة، بالإضافة إلى علاقاتهم المتنامية مع الغرب. حيث كشفت حملة نابليون عن موقف الزعماء في جبل لبنان منها، وكان من تداعياتها إعادة ترتيب التّحالفات الدّاخليّة. أمام كل هذا كان الدّخول المصريّ إلى بلاد الشّام الذي قُبل بالتّأييد والتّرحيب من الأمير بشير الثّاني، ففاقم الأوضاع السّياسيّة داخل الجبل واندلعت الثّورات في وجه المصريّين وحلفائهم الشّهابيّين، وكانت الدّول الأوروبيّة التي دعمت الحملة المصريّة في البداية سُرعان ما تراجعت ووقفت إلى جانب الدّولة العثمانيّة، واضطرّ المصريّون إلى الانسحاب من جبل لبنان بل من كامل بلاد الشّام، ومع خروجهم تحوّلت الخصومات السّياسيّة المحليّة إلى مواجهات دمويّة طائفيّة بين الدّروز والموارنة، مع تعاظم التّدخل الأوروبيّ في شؤون جبل لبنان الدّاخليّة ليدخل الجبل مرحلة جديدة مليئة بالصّراعات الدّمويّة والطّائفيّة. انطلاقا من هذا ما هي التّطوّرات والتّحوّلات السّياسيّة التي طرأت على جبل لبنان منذ انتقال الحكم إلى الإمارة الشّهابيّة وصولا إلى قيام نظام القائمقاميتين؟

Abstract

    The study deals with an important historical period in the political history of Mount Lebanon, which is the period between 1697 and 1841 since the transfer of the feudal emirate, which was represented by a Druze-Maronite duality from the concerned to the Chehab relatives of the Ma’an family, and the accompanying tension and alienation towards the Ottoman central authority in Istanbul. Mount Lebanon has witnessed during this stage many tensions that led to many disputes, crises, revolutions and strife, and it was a golden opportunity for foreign powers to benefit from them to enhance their influence, achieve their colonial goals and control Mount Lebanon’s policy as they wish.

  The Chehab Emirate is considered an heir and an extension of the Emirate concerned, as it witnessed at the end of its reign radical transformations in the areas of its rule and control, with the displacement of the Maronites to the south, which led to an increase in their demographic growth and the growth of their agricultural and professional activity, as well as the Christianization of part of the Chehab family and its embrace of Maronite, in addition to their growing relations with the West. Napoleon’s campaign revealed the position of the leaders in Mount Lebanon towards it, and one of its repercussions was the rearrangement of internal alliances. In front of all this, the Egyptian entry into the Levant, which accepted the support and welcome of Prince Bashir II, had exacerbated the political situation inside the mountain and revolutions broke out in the face of the Egyptians and their Chehab allies, and the European countries that supported the Egyptian campaign at first we see had retreated and stood by the Ottoman Empire, as the Egyptians were forced to withdraw from Mount Lebanon, but from the entire Levant, and with their exit, local political rivalries turned into bloody sectarian confrontations between the Druze and the Maronites, with the increase in European intervention in Mount Lebanon’s internal affairs to enter a new phase full of bloody and sectarian conflicts. Based on this, what are the political developments and transformations that have taken place in Mount Lebanon since the transfer of power to the Chehab Emirate until the establishment of the Qaimaqamayn system?

 

أوّلًا: انتقال الإمارة من المعنيّين إلى الشّهابيّين

سيطر الأمير فخر الدّين المعنيّ الثّاني[1] على جبل لبنان في بداية القرن السّابع عشر. وذلك بعد وراثته للمناطق الدّرزيّة في الجنوب، ثم بسط سيادته فيما بعد على المناطق المارونيّة في الشّمال. وبهذا يكون قد وضع الإئتلاف المارونيّ – الدّرزيّ الذي قام عليه لبنان كولاية عثمانيّة.

كان فخر الدّين داهية في السّياسة جذبت سيرته أمراء توسكانا واسبانيا، في عهده ازدهرت البلاد اقتصاديًّا وعاش النّاس في رخاء وراحة، كما ازدهرت التّجارة مع أوروبا والدّول المجاورة[2]. وعندما ذاع صيته في أنحاء الدّولة العثمانيّة وتحالفه مع الغرب، شعرب الدّولة بأنّ هذا الأمر يشكّل خطرًا عليها، فأرسل السّلطان مراد الرّابع حملة عسكريّة تمكذنت من القبض عليه وأرسل إلى اسطنبول حيث اُعدِم خنقًا بعد عامين[3].

أنجب الأمير فخر الدّين خمسة أولاد، لم يبق منهم بعد انتهاء حُكمه سوى الابن الأصغر، عمل في البلاط العثمانيّ، وأصبح سفيرًا في الهند[4]. وخلف فخر الدّين ابن أخيه الأمير ملحم، ومن ثمّ ابنه الأمير أحمد العام 1657م[5].

وبعد وفاة الأمير أحمد العام 1697م، انقطعت سلالة الإمارة المعنيّة، حينها أذن العثمانيّين لوجهاء البلاد بانتخاب ابن اخت الأمير فخر الدّين من آل شهاب، فانتخب الأمير بشير من وادي التّيم أميرًا على البلاد[6].

لم يكن انتخابه يرضي العثمانيّين، مع العلم بأنّ هم من طلبوا انتخاب أمير على البلاد ووقع الاختيار على الأمير بشير. فما كان منهم إلا أن أصرّوا على أن تؤول الإمارة إلى حيدر شهاب من أقرباء أحمد معن وبشير شهاب. وبعد التّفاوض تم الاتفاق على أن يحكم الأمير بشير الأوّل كوصيّ على الإمارة حتى يكون حيدر شهاب قد بلغ سن الرشد[7]. وبذلك يكون الشّهابيّون أقرباء المعنيّين، وأصحاب وادي التّيم أمراء على جبل لبنان.

ذكر المؤرّخ اللّبنانيّ كمال الصّليبيّ أنّ الشّهابيّين يدينون بالسّنّة، إلاّ أنّ الإمارة التي انتهت إليهم، قد خضعت للإقطاعيّة الدّرزيّة لأنّهم الاكثر عددًا. أمّا النّصارى لا سيما موارنة الجبل شكوا آنذاك من الضّعف السياسيّ[8].

فمن آواخر القرن 17، وقعت مناطق بشري والبترون وجبيل المارونيّة والكورة الأرثوذكسيّة تحت نفوذ مشايخ آل حمادة الشّيعة الذين تولّوا حكم هذه المناطق عن ولاة طرابلس. وكان ظالمًا عنيفًا كما يقال[9]. ولم يكن للشّهابيّين من الأمراء حكم عليهم، وفي الوقت نفسه كان آل الخازن الموارنة في منطقة كسروان قد استعادوا جزءًا كبيرًا من الآراضي التي استوطنها الشّيعة بمساندة آل معن، وتمتّعوا بوزن سياسيّ بعكس موارنة الشّوف وجوارها، حيث النّفوذ القوي للشّهابيّين والمعنيّين. شجّع المعنيّون مسيحيّ الشّمال على النّزوح إلى المناطق الدّرزيّة، فتزايد عددهم بشكل كبير في العهد الشّهابيّ، عمل هؤلاء النّازحين فلاحين في مزارع أعيان الدّروز الذين كان لهم السّيادة والسّلطة السّياسيّة على البلاد[10].

فكان الدّروز منذ أن استوطنوا، أقاموا نظام إقطاعيّ خاص بهم، ولم يعمل العثمانيّون على تغير الوضع في البلاد الدّرزيّة حيث سمحوا للدّروز بممارسة تقاليدهم الإقطاعيّة وتدبير شؤونهم[11]، لذلك بلغت المكانة والنّفوذ لدى آل معن حيث استطاع الأمير فخر الدّين أن يوسّع حكمه إلى أن شمل جبل لبنان كلّه. وفي عهده وعهد خلفائه دخل النّظام الإقطاعيّ مناطق الشّمال فنهضت أسر مارونيّة كآل الخازن التي تبوأت مكانة إقطاعيّة مستمدة من تعاونها مع مشايخ الدّروز الإقطاعيّين. وتولّت ادارة مناطقها على الطّريقة الدّرزيّة واعترفت بالسّيادة الدّرزيّة عليها.

هذه المكانة والسّيادة للإقطاع الدّرزيّ لم تدم طويلا، فمع دخول منتصف القرن 18 ارتفع عدد الموارنة وأصبح لهم مكانة اجتماعيّة مهمة بعد احتلالهم مراكز النّفوذ كمستشارين للأمراء ومساعدين. ودخل الانقسام الدّاخليّ بين الدّروز فوقع التّنافس بين الأسر الدّرزيّة الإقطاعيّة – الانقسام الحزبيّ اليمنيّ (آل علم الدّين)– القيسيّ (آل معن)[12].

وقعت عدّة صراعات بين الحزبيّن ولكن ظلّ لهما مكانة وسيادة، فمثلًا رغم السّيادة القيسيّة على بلاد الشّوف وكسروان إلا أنّ اليمنيّين ظلّوا أقوياء حتى حين خلف الشّهابيّون المعنيّين عام 1697م. فكانوا قوّة لا يستهان بها وظلّ آل علم الدّين يعدّون أنفسهم أحق بالإمارة.

وكان العثمانيّيون يشجعون كما يُذكر على هذه الخصومة القيسيّة – اليمنيّة بين الدّروز. ومع تولّي الشّهابيّون الإمارة نجحوا إلى حد ما في الحد من نفوذ اليمنيّين. وكان الأمير بشير الأوّل ( 1697 – 1707م) أوّل أمير من السّلالة الشّهابيّة يتولّى شؤون الإمارة.

ثانيًا: الأمير حيدر الشّهابيّ

تولّى الإمارة العام 1697م، بسط سلطته جنوبًا على جبل عامل وبلاد صفد، ما أربك الوالي صيدا العثمانيّ، وكان الأمير حيدر الشّهابيّ الذي تولّى الإمارة عام 1707م عمل على عزل حاكم جبل لبنان الذي عّينه والي صيدا واستبدله بحاكم آخر. هذا أثار غضب الوالي العثمانيّ في صيدا وأمر بتعيين يوسف علم الدّين زعيم الحزب اليمنيّ أميرًا على بلاد الشّوف وكسروان. وأرسل فرقة عسكريّة لمواجهة حيدر الشّهابيّ في دير القمر العام 1709م ونجح في ذلك بأن هرب الأمير حيدر ونصب يوسف علم الدّين أميرًا. لكن هذا أثار موجة غضب الدّروز والمسيحيّين القيسيّين وعمدوا إلى مواجهة اليمنيّين، فاجتمع نفر من القيسيّين في عين دارا العام 1711م، ووقعت معركة طاحنة أبيد فيها آل علم الدّين، وقضي على الحزب اليمنيّ، وتم طرد معظم الدّروز اليمنيّين وقضى على الخلاف القيسيّ-  اليمنيّ[13].

ترتب على طرد اليمنيّين من المناطق اللّبنانيّة نقص في عدد الدّروز وارتفاع في عدد الموارنة. وهذا ما أدّى لاحقًا إلى خلق مشكلة في ميزان القوى بين الطّوائف. لكن خلال هذه الحقبة بقي دون تغير إذ التفّ القيسيّون حول الأمير حيدر شهاب للحصول على المغانم. عمد الأمير إلى تعزيز النّظام الإقطاعيّ وأعاد توزيع المناطق على الأسر القيسيّة ورفع مقامهم ومنحهم ألقابًا تميّزهم عن عامة الشّعب.

وانتصبت الأسرة الشّهابيّة على رأس الأسر الإقطاعيّة الدّرزيّة وحمل الأمير الشّهبيّ لقب” ملتزم بلاد الشّوف وكسروان“. وبلغت الأسرة الشّهابيّة مكانة من القوّة بحيث رسخت في أذهان النّاس كما يذكر الصّليبيّ استحالة زعزعتها.

تلا الشّهابيّون في الوجاهة أسرة آل ابي اللّمع الدّرزيّة، فبعد معركة عين دارا أعطاهم الأمير حيدر مراتب عليا وتقرّب منهم بالزّواج – زوّج شقيقته وابنته من أميرين لمعيين –  فوضع تقليدًا من التّزويج بين الشّهابيّين واللّمعيين. وفي المقام الثّالث جاء آل ارسلان أسياد الغرب وجوارها.

أمّا أسر المشايخ فكانت أكثر عددًا وأبعد نفوذًا منهم آل جنبلاط – آل علم الدّين – آل أبي النّكد وأضاف الأمير حيدر أسرة آل تلحوق وآل عبد الملك. وكوّنت هذه الأسر الخمس من الطّائفة الدّرزيّة طبقة “المشايخ الكبار”. وعند الموارنة آل الخازن وآل حبيش آل الدّحداح[14].

كان آل جنبلاط أرفع المشايخ الكبار مقامًا بين الدّروز وكان لهم خصم سياسيّ هو الشّيخ يزبك الذي يذكر أنّه ناصر فخر الدّين الثّاني ضد آل جنبلاط. وكان لهذا سبب في الانقسام الدّرزيّ في الشّوف حينها بين الفريق الجنبلاطيّ والفريق اليزبكيّ، وحين تولّى الأمير حيدر تدعيم النّظام الإقطاعيّ اللّبنانيّ اعترف بآل جنبلاط مشايخ على الشّوف فوسّعوا نفوذهم في إقليم التّفاح وجبل الرّيحان. ونجحوا في تحقيق الثّروة والجاه هذا ما أثار حسد المشيخات الدّرزيّة لا سيما آل عماد الذين أيّدوا الفريق اليزبكيّ.

فما كادت الخصومة تنتهي بين القيسيّة واليمنيّة حتى بدأ الدّروز ينقسمون بين الجنبلاطيين واليزبكيين. وارتبط الانقسام بينهم بالنزاع بين الشّهابيّين على الإمارة.

أقفل القرن 18 صفحاته بنزاع عنيف بين العائلات الدّرزيّة، و تطوّر الصّراع الدّرزيّ – الدّرزيّ ليشمل كامل الإمارة، ولم يستطع الدّروز التّأثير في الواقع القائم ذلك أنّه بعد اعتزال الأمير ملحم أصبح الدّروز أقلية في مناطقهم.

أما الموارنة فبدأوا يزدادون قوّة. ويذكر أنّ الأمير ملحم تأثّر باختلال التوازن بين الطّوائف، وفي بداية تعزز قوّة الموارنة سمح لأبنائه المسلمين بأن يصبحوا مسيحيّين وشجّعهم على ذلك. اقتدى سائر أمراء الشّهابيّين واللّمعييّن بالأمير ملحم لاحقًا، وأصبحوا مسيحيّين، هذا ما أورده المؤرّخ كمال الصّليبيّ في كتابه تاريخ لبنان الحديث. وفي العام 1770 عندما تنازل الأمير منصور عن الحكم وخلفه الأمير يوسف المارونيّ المذهب، بدأ عهد الإمارة الشّهابيّة المسيحيّة – عهد الشّهابيّين النّصارى[15].

ثالثًا: عهد الشّهابيّين النّصارى

ازداد الموارنة قوّة بسبب ارتباطهم بصناعة الحرير إذ كانوا أكبر المنتجين اللّبنانيّين، حيث عملوا على إحياء الصّلات التّجاريّة مع أوروبا وبلاد الشّرق. وهذا ما عزّز تفوّق الطّائفة اقتصاديًّا على سائر الطّوائف في لبنان. وفي هذه الحقبة كان قد نزح الكثير من الأسر الثّريّة من طائفة الرّوم الكاثوليك من الدّاخل السّوريّ إلى لبنان. فتحالفت مع الموارنة وقد استفاد الموارنة أنّ لكنيستهم علاقة وطيدة مع أوروبا. فكان غالبية رجال الدّين الموارنة يتلقون العلم في إيطاليا وكان مرسلو الكنيسة الكاثوليكيّة الرّومانيّة من الفرنسيسكان واليسوعيّين مستشارين لدى البطاركة الموارنة، يسهمون في الرّقابة على الكنيسة وفي إدارة شؤونها.

في العام 1596م والعام 1736م أقرّ المجمعان الكنسيان المنعقدان في قنوبين واللويزة اتّحاد الكنيسة المارونيّة مع رومية.

وفي العام 1535م عقدت معاهدة بين فرنسا والسّلطان العثمانيّ منحت بموجبها فرنسا امتيازات خاصة مما سمح لها بأن تنمي مصالحها في بلاد الشّام. وكانت أقوى دولة كاثوليكية في أوروبا فعدت نفسها حامية الموارنة.

ففي العام 1655م عيّن أحد مشايخ آل الخازن الموارنة قنصلًا لفرنسا في بيروت، وظلّ هذا المنصب وراثيًّا إلى أن جرى تعيين مارونيين آخرين، وكان لهؤلاء القناصل تأثير شديد على الشّهابيّن إلى أن نظروا إلى فرنسا نظرة الدّعم الحليف.

يمكن القول بأنّ صلة الموارنة مع الكنيسة الكاثوليكيّة الرّومانيّة فائدة اذ زوّدتهم بتأييد سياسيّ خارجيّ لم يحصل عليه أي من الطّوائف الاخرى، وكان للصلة هذه فائدة ثقافية فالكثير من الذين تخرجوا من المعهد المارونيّ في رومية عادوا إلى لبنان وعملوا على إنشاء المدارس لنشر التّعليم وأصبحت هذه المدارس بإدارة الآباء اليسوعيّين مراكز تربويّة ذات شأن تزود الأمراء الشّهابيّين بالكتبة والمعاونين. وهكذا نشأت طبقة من المتعلمين الموارنة تبوأت أعلى المناصب. وتجدر الاشارة ان الإقطاعيّة الدّرزيّة استخدموا الموارنة المتعلمين.

إلى جانب هذا كان للكنيسة الكاثوليكيّة الرّومانيّة نفوذ سياسيّ مباشر في لبنان – منذ أن حصلت على الحماية من فخر الدّين الثّاني ازداد مراسلوها إلى البلاد وكانوا أصحاب كلمة مسموعة- ما أن بدأ القرن 18 نشط عدد الإرساليّات من فرنسيسكان والعازاريين والكرمليين واليسوعيين، وكانوا مقربين من الشّهابيّين وعلى صلة مباشرة. فرأوا أنّ هذه خطوة مهمة لتعزيز المصالح الكاثوليكيّة في لبنان.

يمكن القول بأنّ ميزان القوى بين الدّروز والموارنة أصيب بتغيّر خطير. وذلك لحلول الموارنة مكان الدّروز في السّيطرة السّياسيّة. وحين تنصّر أبناء الأمير ملحم، ثم تولّى الإمارة الأمير يوسف 1770م بدأ نجم الدّروز بالأفول مع تفوّق الموارنة المتزايد لكن مع ذلك ظلّوا قوّة لا يستهان بها. لذلك حرص الشّهابيّون الموارنة على الظهور بمظهر الدّروز.

لكن الدّروز ظلّوا ينظرون إلى الموارنة على أنّهم حلفاء من دون الشّك في مطامعهم السّياسيّة. فكان الموارنة يستوطنون القرى الدّرزيّة بحريّة وكذلك الطّوائف المسيحيّة الأخرى ليزداد عدد المسيحيّين في البلاد، وكان الجو السّائد هو التّسامح الدّرزيّ الذي لم يقابله المسيحيّين بالمثل على حد ما ذكر كمال الصّليبيّ.

رابعًا: الوضع العام في جبل لبنان

في هذه المدّة بدأ الضّعف يصيب الدّولة العثمانيّة مما سمح لعدد من المغتمرين بالاستيلاء على الحكم في بعض الولايات. هذا الضّعف أثار اهتمام أوروبا في الشّؤون الدّاخليّة للدولة[16]، فاغتنمت روسيا الفرصة لتوسيع رقعة نفوذها. ففي العام 1768 جرت حرب ثالثة بين العثمانيّين والرّوس، حاول هؤلاء إثارة الإضراب في بلاد الشّام لتحويل انتباه العثمانيّين، فوجدت المنطقة نفسها موضع نزاع دوليّ خطير.

فكان أوّل من تورّط في النّزاع العثمانيّ – الرّوسي ” ضاهر العمر” حيث جعل من نفسه واليًا على عكّا العام 1750، لم تتعرّض الدّولة العثمانيّة بادىء الأمر لكن كثرة الشّكوك ضده من ولاة دمشق وطرابلس وصيدا جعلته في موضع حرج[17]. فلم يجد ضاهر العمر في هذه الاثناء سوى استغلال الحرب بين الرّوس والعثمانيّين لحماية نفسه، وفي المقابل وجدت روسيا في الخلاف بين ضاهر العمر ووالي دمشق وطرابلس وصيدا فرصة من ذهب للتّدخل لتحقيق غايتها. فعرضت على ضاهر المساعدة وتشديد عزائمه ضد الدّولة فأبحرت البوارج الحربيّة إلى سواحل شرق المتوسط للوقوف إلى جانب ضاهر العمر في محاربته لوالي دمشق.

وفي الوقت نفسه وجد ضاهر العمر أنّ والي مصر علي بك الكبير[18] يطمح أيضًا إلى فرض سيطرته على بلاد الشّام بعد ان انتزع السّلطة في مصر ونادى بالاستقلال عن السّلطان العثمانيّ عام 1763م. وعرض عليه فكرة القيام بعمل مشترك ضج وتلي دمشق، رحبّ علي بك بالفكرة وأرسل العام 1770م قائد عسكره “محمد أبو الذّهب” للزّحف مع ضاهر العمر إلى دمشق. وهاجموا الوالي الذي لاذ بالفرار واستسلمت المدينة وأصبح محمد أبو الذّهب الحاكم المطلق في بلاد الشّام.

هنا لم يجد العثمانيّين حيلة الاّ أن يعرضوا على محمد أبو الذّهب تعينه واليًا على مصر أن انقلب ضد علي بك الكبير. تحالف محمد أبو الذّهب مع العثمانيّين لينسحب من بلاد الشّام تاركًا ضاهر العمر، ثم زحف إلى مصر وطرد علي بك الكبير العام 1772م.

أما ضاهر العمر كان لا يزال يحظى بتأييد الرّوس حاول الصمود بمفرده ضد العثمانيّين. وكانت الدّولة العثمانيّة في هذه الأثناء قد وقعت معاهدة “كوجك قينارجة” عام 1774م[19] وانتهت الحرب بينها وبين الرّوس، وعادت البوارج الرّوسية إلى وطنها تاركة ضاهر العمر وشأنه[20].

فتسنى للباب العالي أن يكرّس جهوده للقضاء على ضاهر العمر وانتزاع صيدا منه. وتحقّق ذلك بعد أن حاصر الأسطول العثمانيّ عكّا، وطلب من ضاهر العمر الاستسلام لكنّه رفض، وأخذ يتحضّر لمغادرة عكّا، لكنّه قتل على يد أحد معاونيه.

في العام 1775م بعد هزيمة ضاهر العمر عيّنت الدّولة العثمانيّة على ولاية صيدا “أحمد باشا الجزار” فجعل عكّا مقرًا له، وأصبح حتى وفاته 1804 أقوى رجل عثمانيّ في بلاد الشّام، حيث تولّى شؤون دمشق وصيدا وعزم على وضع جبل لبنان تحت سيادته. فعزل بيروت عن جبل لبنان، وعمد إلى إضعاف الأمير يوسف الشّهابيّ بتحريض أخويه ” أفندي وسيّد أحمد”. كما أنّه أخذ يتدخّل في الشّؤون الدّاخليّة لجبل لبنان، فأيّد الجنبلاطيين ضد اليزبكيين. وشجع دسائسهم ضد الأمير يوسف. وأثار الأمراء على بعضهم ليرغب كل منهم بان يصبح أميرًا.

ومع حلول العام 1788م قامت حرب أهليّة سمحت للجزار بأن ينتصر على الأمير يوسف وترك كرسي الإمارة. وعين مكانه بشير شهاب( مسيحيّ) عرف ببشير الثّاني حكم جبل لبنان حوالي 52 سنة.

خامسًا: عهد الأمير بشير الثّاني ( 1788 – 1840)

جاء الأمير بشير الثّاني إلى الإمارة نتيجة ظروف سياسيّة معقدة، حيث كان شخصية انتهازيّة قوي الإرادة واسع الدّهاء، شرس الطّبع وعبوس الوجه. عمل عند الأمير يوسف الشّهابيّ وأصبح فيما بعد شخصية مرموقة في البلاط الشّهابيّ. لفت وجوده خصوم الأمير يوسف لاسيما آل جنبلاط. حاولوا استماله إلى جانبهم، وفي العام 1787م أوفده الأمير يوسف إلى حاصبيا ليقوم بمهمة تقييم إرث له هناك بعد قتله لخاله أحد أمراء الشّهابيّين المسلمين في وادي التّيم. وهناك التقى بالأميرة شمس وتزوّج بها وكانت صاحبة ثراء واسع. هنا وجد نفسه مستعدًا للسّير مع الجنبلاطيين للمطالبة بالإمارة. في الوقت الذي كان الأمير يوسف يمارس الجشع والطّغيان من زيادة الضّرائب، حيث كلما فرض الجزار عليه زيادة في المال عمد هو إلى زيادة الضّرائب. ما أثار نقمة شعبيّة على حكمه[21].

ففي العام 1788م هبّ مماليك عكّا إلى العصيان ضد أحمد باشا الجزار، وكان الأمير يوسف قد أيّد المماليك في العصيان لكنّهم فشلوا، وبعد أن أعاد الجزار الأمن، وجه جيش عساكره إلى جبل لبنان لمحاربة يوسف الشّهابيّ وتمكّن من هزيمته ونادى أعيان لبنان لتعيين الأمير بشير الثّاني على الإمارة. فتوجّه إلى عكّا الأمير بشير لضمان تعينه أميرًا على جبل لبنان.

كان واضحًا أنّ الجزار من جعل الأمير بشير أميرًا على البلاد لكن هذا لم يكن من دون ثمن، مثلًا: عندما ذهب الأمير بشير إلى عكّا ليتولّى الإمارة أعاده الجزار إلى لبنان مع 2000 جندي لطرد الأمير يوسف. فتم ذلك العام 1789م ولجأ الأمير يوسف إلى حوران ومن هنّاك اتّجه إلى عكّا مطالبًا الجزار بالعودة إلى الإمارة. فاستقبله الجزار وأكرمه وأعاد تعينه أميرًا مقابل وعده بدفع مبلغ من المال[22].

علم الأمير بشير الثّاني وشعر بالحرج وبدأ يدفع زيادة من الأموال على المبلغ الذي دفعة الأمير يوسف، فأعاد الجزار يوسف إلى السّجن بناءً على طلب الأمير بشير ليعدم شنقًا بتهمة التّآمر كما ذكر كمال الصّليبيّ[23].

لكن هذا لم ينهِ متاعب الأمير بشير، ذلك أنّ الجزار سرعان ما استدعى أبناء الأمير يوسف ” حسين – سعد الدّين – سليم” إلى عكّا ليوليهم الإمارة بالمشاركة. حتى كانت الحرب تندلع بين أنصار بشير وأنصار أبناء الأمير يوسف. فيتدخّل الجزار لإثارة الدّروز ضد المسيحيّين، وبعض الأحزاب السّياسيّة ضدّ بعضها البعض[24].

وفي العام 1798م تم تعين أبناء الأمير يوسف مكان الأمير بشير وفي الوقت نفسه احتلّ نابليون بونابرت مصر فأبقى الجزار الأمراء الثّلاثة في عكّا بانتظار نتيجة الأحداث.

زحف نابليون إلى فلسطين وحاصر الأسطول الفرنسي عكّا العام 1799م. شعر الأمير بشير الثّاني بالسّرور بينما شعر الجزار بالخطر فطلب المساعدة من الأمير بشير، لكنّ الأمير اعتذر عن المساعدة. كما اعتذر عن مساعدة نابليون.

وكان اقتراب الحملة الفرنسيّة قد عزّز التّوتر والخلاف بين الموارنة والدّروز. فالموارنة أصدقاء فرنسا انتظروا بشوق وصول بونابرت إلى لبنان بينما الدّروز شعروا بخشية وخوف شديد. وهنا كان حرص الأمير بشير على تهدئة خواطر الدّروز، وكان سببا لاعتذاره عن مساعدة الفرنسيين، لكنّ الظّروف تغيّرت وعاد نابليون بونابرت إلى فرنسا مع جيشه.

لكن الجزار لم يغفر للأمير بشير، وقرّر الاقتصاص منه، ما أدّى إلى حصول فوضى في لبنان، وعيّن الجزار خمسة من الشّهابيّين لمناوأة الأمير بشير.

في هذه الاثناء وبسبب الضّغوطات غادر الأمير بشير البلاد على متن بارجة بريطانيّة هربًا من الجزار – حيث كان البريطانيّون حينها يساعدون العثمانيّين على إخراج الفرنسيين من مصر- ونزل الأمير بشير في قبرص ثم في العريش على حدود مصر. وقابل قائد الحملة العثمانيّة على مصر سليمان باشا عام 1801م. وكان الأمير أن دفعت به حذاقته إلى تزويد الجيش العثمانيّ بالمؤن عند اجتيازه بلاد الشّام للقاء بونابرت، فحفظ له العثمانيّون هذا الجميل وأقنع سليمان باشا الجزار بالسّماح للأمير بشير بالعودة إلى لبنان، وبقي تحت رحمة الجزار إلى أن توفي الأخير العام 1804م.

حرص الأمير بشير على توطيد مركزه في لبنان وكان تدخّل الجزار في الشّؤون الدّاخليّة لجبل لبنان لمدة 30 عامًا قد أضعف مكانة الإمارة. فكان يدعم فريق ضد آخر واستمرت الأمور على هذا المنوال إلى أن توفّي الجزار. فسارع الأمير بشير إلى كسر شوكة الإقطاعيّين الدّروز وإعادة الإمارة إلى سابق عهدها.

وانصرف إلى تعزيز مكانته، فبنى قصرًا فخمًا ضخمًا في بيت الدّين القريبة من دير القمر. ونقل إليه مقر إمارته، وجرّ إليه المياه من ينابيع نهر الصّفا، وأقام الجسور والطّرق المعبدة، واعتنى برعاياه وأقام الحكم العادل الخيّر. وبين 1804 – 1819م قدّر له أن يصبح سيد لبنان الأوّل وأكبر مناصر للعثمانيّين في بلاد الشّام كما ذكر الصّليبيّ.

بعد وفاة الجزار 1804م عين الباب العالي إبراهيم باشا على عكّا، لكنّ أنصار الجزار نادوا بإسماعيل باشا واليًا، وعملوا على مقاومة إبراهيم باشا، ووقع أبناء بشير الثّاني رهينة عند إسماعيل باشا فما كان من الأمير بشير إلا أن تظاهر بالصّداقة معه. وزحف إبراهيم باشا عبر لبنان وتلقى المساعدة خفيةً من بشير الثّاني لانتزاع الولاية من إسماعيل. ونجح في ذلك وقتل إسماعيل باشا في أثناء المعركة. ودخل إبراهيم باشا عكّا. لكن العثمانيّين سرعان ما استبدلوه بسليمان باشا فتحالف الأمير بشير مع سليمان باشا وامتدّ نفوذه إلى جميع الأنحاء الشّامية[25].

ففي العام 1810م زحف الوهابيّين[26] إلى دمشق فأرسل الأمير بشير لمساندة العثمانيّين وشدّ أزرهم ضدّ هجمات الوهابيّين الذين اضطروا إلى التراجع بعد ان كسر شوكتهم محمد علي باشا والي مصر عام 1818م[27]. وقد رافق ظهور الوهابيّين في بلاد الشّام، ضغط على المسيحيّين وسائر الطّوائف غير السّنّة، ربما لتهدئة خواطر الوهابيّين المتمسكين بالسّنّة. وأمام الضّغط هذا نزح الكثير من مسيحيّ بلاد الشّام إلى لبنان وبيروت تحديدًا. وهذا كان له دور مهم لجعل المدينة مركزًا تجاريًّا كبيرًا. ويذكر أنّ الأمير بشير شجّع على هذه الهجرة ودعا الدّروز المضطهدين في حلب إلى اللّجوء إلى الشّوف والمتن وساعدهم في ذلك الأمير بشير والشّيخ بشير جنبلاط.

وفي العام 1819م  عزل سليمان باشا وعيّن مكانه عبدلله باشا واليا على عكّا. وكان طامحًا في إخضاع الأمير بشير، وطالبه بدفع ضريبة باهظة اضطر الأمير إلى قبول الطّلب بعد أن وضع عبدلله باشا يده على رعايا الأمير في صيدا وبيروت وعددهم 170 شخصًا. فأوكل الأمير بشير إلى مساعديه جمع المال من البلاد، لكنّ هذا الأمر أثار ردّة فعل سلبيّة لدى الأهالي فهبّوا إلى العصيان لا سيما في المتن وكسروان، وعندما عجز عن جمع الضّرائب والقضاء على العصيان غادر الأمير بشير البلاد إلى حوران وصدر أمر من عبدلله باشا يتعين “حسن وسلمان شهاب” خلفا له.

وقعت الفوضى في البلاد ولم يستطع الأميرين حسن وسلمان شهاب من إمساك زمام الأمور، فوجد عبدلله باشا أنّه لا بدّ من عودة الأمير بشير وتنازل الأميرين عن الإمارة واجتمع أعيان البلاد وأعادوا انتخاب الأمير بشير بموافقة عبدلله باشا، فجرّد حملة عسكريّة سحق فيها العصاة وأعاد الامن والنّظام إلى البلاد. وأصبح الأمير صديقًا مع عبدلله باشا.

كان عبدلله باشا يطمح في ولاية دمشق كما طمح بها الجزار من قبل، وكانت دمشق في عهدة “محمد درويش باشا”، وكان بينه وبين بشير الثّاني عداوة سببها طمح درويش في البقاع التي تحت سيطرة الأمير بشير وعندما أرسل عساكره تصدّت لها عساكر بشير الثّاني وعادت إلى أعقابها مهزومة. وحين وقع النّزاع بين درويش وعبدلله باشا أيّد الأمير بشير عبدلله باشا، وسار على رأس حملة عسكريّة لمهاجمة دمشق، فسحق عساكر درويش في معركة المزة العام 1821م. لكنّ هذا لم يكن يرضي الباب العالي فنقل عبدلله باشا من عكّا وعيّن درويش باشا واليًا عليها. ضغط العثمانيّون على الأمير بشير لمصالحة درويش باشا، لكنّه أبى واختار مغادرة البلاد إلى مصر حيث محمد علي باشا تاركًا الإمارة إلى عباس شهاب.

وكان عبدلله باشا رفض الإنصياع والخضوع لأوامر السّلطان العثمانيّ، فجردت إليه حملة من دمشق وحلب وأضنة لمحاصرة عكّا، فاستعان بمحمد علي والي مصر وكان الأمير بشير في هذه الاثناء ضيفًا لمحمد علي، فناشده بمساعدة حليفه عبدلله باشا. ونزلت الاستانة عند رغبته، وتلافيًا للانقسام صفحت الدّولة العثمانيّة عن عبدلله باشا وكلّفت بشير الثّاني بتبليغ عبدلله باشا قرار تعينه من جديد واليًا على عكّا، وعاد الأمير بشير إلى لبنان.

لكن مساعدة محمد علي باشا والي مصر لم تكن من دون مصالح، فكان قد طمع في بلاد الشّام وأخذ يوطّد صلات قوية مع بشير الثّاني وعبدلله باشا. لكن العثمانيّين لم يغب عن بالهم نوايا محمد علي باشا تجاه بلاد الشّام، لهذا السبب وافقت تدخله لصالح عبدلله باشا لاعتقادهم بأنّ واليًا قويًا في عكّا  يجعل الجهة الجنوبيّة من بلاد الشّام في مأمن من المصريّين.

وفي الوقت نفسه كان اليونانيون قد أعلنوا الثّورة ضد الدّولة العثمانيّة 1820 – 1821م. وكان على والي مصر نجدة السّلطان العثمانيّ محمود الثّاني لقمع الثّورة. وفيما كان بشير الثّاني ضيفًا لدى محمد علي عقد اتفاقًا بأن يعطيه وعدًا بإمداد حملته على اليونان بعشرة آلاف مقاتل من لبنان إذا ما لزم الأمر.

عاد بشير الثّاني إلى لبنان شاعرًا بالقوّة فأراد القضاء على خصومه وأولهم بشير جنبلاط الذي تآمر مع عباس شهاب لمنع عودة بشير الثّاني إلى البلاد. فزحف على المختارة وهدم قصر الشّيخ بشير جنبلاط وصادر أملاكه، بعد أن فرّ الشّيخ جنبلاط إلى حوران وعندما علم بذلك عاد مصممًا على الثّورة لكنها باءت بالفشل وهرب إلى دمشق حيث اعتقل واقتيد إلى السجن واعدم خنقًا. وبسقوط بشير جنبلاط قضى الأمير بشير الثّاني على الزعامة الدّرزيّة ولم يغفر له الدّروز ذلك وأخذوا ينتظرون الثأر لذلك.

إنّ الأمير بشير سحق الشّيخ جنبلاط الدّرزيّ ليس لأنّه درزيّ، بل لأنّه خصمٌ سياسيٌّ له. لكنّ الدّروز نظروا إليه كعدوٍ مسيحيّ لطائفتهم.

في هذه الأثناء كانت حرب اليونان في شبه جزيرة المورة[28]، وكان العثمانيّون قد استعانوا بمحمد علي لقاء حصوله على بعض الممتلكات لا سيما بلاد المورة التي وعد السّلطان إسنادها إلى إبراهيم باشا نجل محمد علي. لكنّها لم تبقَ في عهد الدّولة العثمانيّة، ولم يحصل محمد علي الاّ على جزيرة كريت. ورفض السّلطان أن يعوض له وألحّ محمد علي أن يوليه السّلطان بلاد الشّام عوضًا عن المورة ، لكن السّلطان رفض هذا الأمر. فقرّر والي مصر الزّحف إلى البلاد الشّامية واصطنع خلافًا مع عبدلله باشا والي عكّا وبعث إبراهيم باشا العام 1831م لاحتلال عكّا[29].

سادسًا: الاحتلال المصريّ لبلاد الشّام

كان لزحف جيش إبراهيم باشا على عكّا ردّة فعل في جبل لبنان، حيث وقع الخصام بين الموارنة والدّروز. ونشب القتال في دير القمر والمتن والبقاع ونظم الدّروز النّاقمون على الأمير بشير ثورة ضدّه لإحراج إبراهيم باشا في زحفه. والتحق عدد من الدّروز بالجيش العثمانيّ الزّاحف لمواجهة الجيش المصريّ. فيما الموارنة رأوا إبراهيم باشا صديقًا وحليفًا له.

ما إن بلغ إبراهيم باشا مدينة عكّا حتى طلب المساعدة من الأمير بشير الثّاني لكن الأمير تردد، وأخذ يخلق الأعذار خشية من السّلطان العثمانيّ وخوفه من اندلاع حرب أهلية. وعندما علم محمد علي بموقف الأمير بشير أرسل إليه كتابًا يذكّره فيه بالوعود السّابقة ويهدّده باجتياح لبنان. فسارع الأمير بشير إلى تلبية دعوة إبراهيم باشا واضعًا رجاله تحت تصرفه.

وبينما كانت عكّا تقاوم الحصار المصريّ، حتى زوّد إبراهيم باشا بشير الثّاني بجنود مصريين لاحتلال صيدا وصور وبيروت وقاومت طرابلس بعض الشّيء فهبّ إبراهيم باشا بنفسه لنجدة الأمير بشير حتى سقطت المدينة. واحتلت بيت الدّين ودير القمر. وبعد سقوط عكّا توجّه إبراهيم باشا والأمير بشير إلى دمشق لاحتلالها فهرب الوالي العثمانيّ وهزم في حمص 1832م وخضعت بذلك كل بلاد الشّام للحكم المصريّ. ولم يتوقّف إبراهيم باشا في دمشق بل استمر في زحفه إلى كوتاهية وكاد يصل إلى غرب الأناضول[30].

سابعًا: نتائج الحكم المصريّ على بلاد الشّام ( ايجابيّات وسلبيّات)

يذكر أنّ إبراهيم باشا أقام حكما أفضل مما كان قبله. حيث أنشأ إدارة حازمة ونظامًا فعالًا للأمن والعدل. وأقام مجالس تمثيليّة سمحت للأهالي المشاركة في إدارة البلاد، وأهمّ ما بذله الحكم المصريّ أنّه عمل على محاربة الفساد والمحسوبيّة، وعمل على توطيد دعائم المساواة السّياسيّة والاجتماعيّة بين المسيحيّين والمسلمين، وحرر المسيحيّين من الكثير من الضّغوطات وبدأوا في منافسة المسلمين في التّجارة التي كانت حكرًا عليهم وحدهم. الأمر الذي أدّى إلى زيادة شعبية إبراهيم باشا عند المسيحيّين فيما ضعفت عند المسلمين[31]. هذه بعض ايجابيّات الاحتلال المصريّ لبلاد الشّام.

أما سلبيّاته أنّه أصبح فيما بعد الحكم المصريّ حكمًا ممقوتًا وزادت الاعباء والنّفقات. وعوضًا أن تدفع الجزية للدّولة العثمانيّة باتت تدفع للحكم المصريّ. وفرضت ضرائب باهظة على الأهالي، ولجأ إلى تدابير تعسفيّة يمقتها الشّعب كالسّخرة والتّجنيد الإجباريّ. وكان الأمير بشير شريكًا للمصريين في ذلك وهذا ما أثار نقمة الأهالي على الحكم المصريّ والأمير بشير تمثّلت فيما يلي:

في العام 1834 وقعت أوّل حركة تمرّد ضد المصريّين في فلسطين وطرابلس واللاذقية، ونجح إبراهيم باشا في قمعها بمساعدة الأمير بشير.

والمشكلة التي أثارت نقمة الأهالي هو الطّلب بتجنيد 1600 مقاتل من الدّروز في الجيش المصريّ. اضطرب الدّروز ورفضوا ذلك. كما طلب بتجنيد 1500 مقاتل من المسيحيّين هنا ثارت ثائرة المسيحيّين وأعلن البطريرك المارونيّ مقاومته التّجنيد محدّدًا بالاستنجاد بفرنسا، وضغطت القناصل الأوروبيّة للاقلاع عن عدم تجنيد المسيحيّين، بينما الدّروز لم يلقَ أيّ دعم بسبب أنّهم كانوا من العاصين على الحكم المصريّ، واستطاع الأمير بشير بتزويد إبراهيم باشا بألف نفر من الدّروز وتنظيمهم في فرقة خاصة بمعزل عن بقية الجيش.

وبعدها ألحّ محمد علي باشا بتجريد الدّروز من السّلاح، وسار إبراهيم باشا على رأس قوّة إلى الشّوف عام 1835م وعاونه الأمير بشير بهدف ان يلقوا السّلاح.

في هذه الاثناء أحدث الاحتلال المصريّ لبلاد الشّام تغيرًا خطيرًا، ووجّه المسألة الشّرقيّة وجهة جديدة. فإبراهيم باشا عند وصوله بزحفه إلى كوتاهية وكاد يصل إلى غرب الأناضول، دفع السّلطان العثمانيّ إلى الاستنجاد بالدّول الكبرى للوقوف في وجه الخطر الدّاهم. لم تنجده إلا روسيا، بريطانيا مشغولة في شؤونها الدّاخليّة، وفرنسا صديقة محمد علي بحيث ينظرون إليه خليفة بونابرت في مصر. لذلك أرسل الرّوس أسطولا بحريًّا إلى الاستانة العام 1833م[32].

هذا الأمر أقلق بريطانيا وفرنسا فسارعتا إلى إقناع السّلطان العثمانيّ بمطالبة روسيا سحب بوارجها الحربيّة. لكن الرّوس أصروا ما لم تغادر القوّات المصريّة بر الأناضول. هنا وجد محمد علي الفرصة للمطالبة بالولايات الشّامية لقاء عودته من غرب الأناضول. فضغطت بريطانيا وفرنسا على السّلطان لقبول شروط محمد علي وتم توقيع “اتفاقية كوتاهية في 8 نيسان 1833“، بأن يجلو إبراهيم باشا عن الأناضول لقاء التّنازل لمحمد علي عن الولايات الشّامية. لكن روسيا رفضت الانسحاب إلا بشروط خاصة فأجبر السّلطان على توقيع معاهدة “خونكار اسكله سي” التي نصّت في إحدى موادها مساعدة الرّوس عند الحاجة بإغلاق مضيق الدّردنيل في وجه أساطيل الدّول الاخرى[33].

لكن فرنسا وبريطانيا لم تطمئنا إلى هذه المعاهدة مخافة من عودة الرّوس إلى مياه الاستانة عقب أي خلاف وصدام مع السّلطان ومحمد علي باشا.

فسعت بريطانيا إلى الحدّ من مطامع محمد علي بينما فرنسا صممت على تاييده لمطالبه[34]. هنا تطوّرت الأحداث في البلاد الشّامية اذ وصل إلى بيروت القنصل البريطانيّ العام 1835م بهدف إبعاد بشير الثّاني عم محمد علي لأنّه لولا بشير الثّاني لما استطاع محمد علي الدخول إلى بلاد الشّام وعندما تلقى مقترحات القنصل بتردد حملها الأخير إلى بشير الثّالث الذي أظهر إستعدادًا للتعاون مع البريطانيّين، مقابل أن يمدوه بالمعونة اللازمة. وتم الاتفاق وراح القنصل يشجّع الدّروز ضد بشير الثّاني وإبراهيم باشا، ومحاولة إبعاد الموارنة عن فرنسا[35].

بعد اتفاقية كوتاهية أخذ محمد علي يتهيأ لتدعيم حدوده الشّمالية في بلاد الشّام فعمل على زيادة قوّاته العسكريّة بالتّجنيد الإجباريّ وأرسل إلى إبراهيم باشا بتطبيق قانون الجنديّة على دروز حوران والمسلمين من أبناء العشائر في انحاء الشّام كافة.

هذا أثار ردة فعل قوية تمثلّت بحركة عصيان شملت حوران واحتاط الدّروز للأمر فتركوا ديارهم وتمرّكزوا في مكان واسع تسهل فيه المقاومة وطلب المساعدة من إخوانهم في الشّوف ووادي التّيم ونابلس. أرسل إليهم المصريّون قوّة من دمشق لسحق المتمرّدين لكنّهم فشلوا. ثم جردوا إليهم حملتين عسكريتين تمكن الدّروز من تحقيق الانتصارات وشدّت عزائمهم وراحوا يهدّدون دمشق. وكان دروز وادي التيم وبقية المناطق قد لبّوا دعوة دروز حوران وأعلنوا العصيان بقيادة “شبلي العريان” من راشيا. فوجد المصريّين أنفسهم عاجزين عن مجابهة العصيان فطلب إبراهيم باشا من الأمير بشير الثّاني أن يرسل 4000 مقاتل من مسيحيّ لبنان ضد الدّروز المتمرّدين في حوران ووادي التّيم. لكنّ الأمير بشير كان يدرك كما يذكر كمال الصّليبيّ أنّ الصّدام بين الدّروز والموارنة قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، خصوصا وقد علم الدّروز بأنّ الأمير بشير مسيحيًّا وعدوًّا للدّروز[36].

ولكن نتيجة لضغوطات إبراهيم باشا نجد أنّ الأمير هبّ مجددًا لنجدة المصريّين والنّزول عند طلبهم، لكن بذكائه اختار رجلًا مسيحيًّا على معرفة بوادي التيم، وحرص هذا الرجل بأن يحيط الدّروز علمًا بتحركات الجيش المصريّ.

أعربت حركة التمرّد الدّرزيّة عن النّقمة العامة في بلاد الشّام على الحكم المصريّ.هذا شجع السّلطان محمود الثّاني على الإسراع لوضع خطة للانتقام من محمد علي من دون استشارة الدّول الكبري. فشنّ هجومًا على محمد علي العام 1839م، وكانت نتائجه كارثيّة. إذ تمكن إبراهيم باشا في معركة ” النّزب[37]من القضاء على الحملة وأسر حوال 15 ألف جندي عثمانيّ، كما استسلم الاسطول العثمانيّ في الاسكندرية بفضل خيانة محمد علي.

توفي السّلطان محمود الثّاني وخلفه ابنه عبد المجيد، فسارع إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع محمد علي. فاشترط الأخير بأن يصبح الحكم في بلاد الشّام ومصر حقًا وراثيًا لسلالة محمد علي وكاد يقبل بالشّروط السّلطان العثمانيّ.

لكن هذا لم يرق للدّول الكبرى فهبّوا لمساعدة الدّولة ما عدا فرنسا التي استمرت في دعم محمد علي باشا. ولم تتراجع عن موقفها تحت الضّغوطات، إلى أن انفردت بريطانيا وروسيا والنّمسا وبروسيا بعقد معاهدة ” لندن” مع الباب العالي في 15 تموز 1840م[38]. عرضت فيها على محمد علي ولاية مصر وراثيًا وولاية عكّا مدى الحياة على أن يعلن قبوله بهذا الغرض في مدة عشرة أيام. وفي حال لم يفعل تسحب عرضها بالكامل تاركة للسّلطان حريّة التّصرّف.

طبعًا لم توافق فرنسا على هذه الشّروط، لكنّها لم تكن مستعدة لخوض حرب مع الدّول الكبرى في سبيل محمد علي، كما كانت بريطانيا تمد بالسّلاح كل العناصر الناقمة على الحكم المصريّ.

وكان الشّيعة في جبل عامل قد أعلنوا العصيان، فأخضعهم المصريّون بمساعدة الأمير بشير الثّاني، وكان المسيحيّون قد بدأوا بالاقلاع عن تأييد الحكم المصريّ ذلك أنّ إبراهيم باشا في العام 1838م جنّد 4 الاف من المسيحيّين لمحاربة الدّروز في حوران ووادي التيم. ومحاولة تجريد الدّروز في الثّورة كما كانت تأمل بريطانيا[39].

فبريطانيا تمكّنت من اجتذاب عدد من المسيحيّين على رأسهم البطريرك يوسف حبيش واعدًة اياه بانشاء إمارة مارونيّة تتمتّع باستقلال ذاتيّ وبضرائب مخفضة.

وفي العام 1840م دعا الأمير بشير الثّاني مسيحيّ دير القمر ودروزها إلى تسليم السّلاح تنفيذا لأوامر محمد علي، على أنّ أهالي دير القمر رفضوا ذلك معلنين المقاومة بعد أن تنادوا إلى خلوة درزيّة ضمّت ممثلين عن الدّروز والموارنة والرّوم الكاثوليك.

وسرعان ما انتشرت المقاومة المسلّحة من دير القمر إلى أنحاء لبنان حتى ثارت كلّ البلاد ولم يستطع الأمير بشير الثّاني وإبراهيم باشا من الوقوف في وجه حركة المتمرّدين والثّوار[40].

ثامنًا: نهاية الحكم المصريّ

أدّت القوى السّياسيّة الخارجيّة دورًا خطيرًا في إثارة حركة التمرّد عام 1840م. فعندما تألب الموارنة والدّروز، فلاحين ومشايخ ضد الأمير بشير الثّاني، لم يبقّ أمامه سوى تأييد المصريّين وتولّت فرنسا الانتصار له لتحالفها مع محمد علي، لم تستطع مساندة الأمير بشير لصداقتها التّقليديّة للموارنة والدّروز. بل حاولت التّوسط لمنع انتشار العصيان وإقناع إبراهيم باشا بالتّساهل مع المتمرّدين، أمّا الدّولة العثمانيّة وبريطانيا عمدتا على طرد إبراهيم باشا من بلاد الشّام فأخذا يمدّان العصاة بالتّشجيع. وكذلك فعلت روسيا لتوطيد مكانتها كحامية الرّوم الأرثوذكس والنّمسا لاستغلال موقف فرنسا والحلول محلّها كحامية للطّوائف الكاثوليكيّة في لبنان.

اجتمع المتمرّدون من نصارى ودروز ومسلمين في انطلياس لتنظيم المقاومة وتوالت اجتماعات مماثلة في أنحاء البلاد، وشدّدوا على المطالبة بوقف الأوامر الصّادرة بتجنيدهم وتجريدهم من السّلاح، وإلغاء نظام السّخرة والضّرائب، وحين رفض إبراهيم باشا مطالبهم عمّت الثّورة في البلاد. وبعد أن كان معظمهم مسيحيّ ودروز الشّوف وكسروان قواعدهم بيروت ودير القمر وجزين سرعان ما انضم إليهم شيعة بعلبك ثم طرابلس ومسيحيّ شمال لبنان وانتظموا عصابات وجماعات.

قطع الثّوار مسالك الجبل وقطعت طريق بيروت وصيدا ودمشق، حيث توفقوا في عزل القوافل المصريّة وقطعوا المياه عن بيروت، واحتلّوا المطاحن المائيّة لتجويع الجيش المصريّ، فأعلن إبراهيم باشا جبل لبنان في حالة حصار واُتّخذت اجراءات صارمة لمنع وصول السّلاح والمؤن إلى المتمرّدين، وهذا ما هدّد الثّوار بالجوع وفقدان الأمل وسارعت إلى التّفرّق واستطاع الأمير بشير من القضاء على ما تبقى، ونفى زعماء الثّورة إلى مصر.

في هذه الاثناء أخذت البوارج البريطانيّة والنّمساويّة تنزل شواطىء بيروت للتّدخل إلى جانب الثّوار وحثّهم على عدم الاستسلام، وعندما رفض محمد علي أحكام معاهدة لندن، دعا قائد القوّات الحليفة إبراهيم باشا إلى الانسحاب من بيروت وبعد رفضه الدّعاء، قصفت البوارج البريطانيّة والنّمساويّة بيروت بالمدافع. وكانت القوّات العثمانيّة والبريطانية والنّمساويّة قد نزلت شاطىء جونية وانضمّت إلى الثّوار[41].

هنا رأى المصريّون بأن ينسحبوا من المدن السّاحليّة إلى التلال، وكان الجيش المصريّ في بلاد الشّام قد أرهقه التّقهقر وأضعفه الوباء. ما أدّى إلى نقص كبير في القوّات المصريّة فسقطت عكّا ولم يجد إبراهيم باشا سوى الانسحاب من بلاد الشّام[42].

شكل انهيار الجيش المصريّ ايذانًا بنهاية الأمير بشير وبعد أن سحقت قوات إبراهيم باشا المتبقية في قرية بحرصاف في المتن غادر الأمير بشير بيت الدّين إلى صيدا واستقل بارجة بريطانيّة إلى منفاه في مالطة. ووقع الاختيار على بشير الثّالث ليكون خليفًا على الإمارة الشّهابيّة برضى بريطانيا والدّولة العثمانيّة وبدأ عهد جديد في تاريخ لبنان[43].

تاسعًا: عهد الأمير بشير الثّالث

مع فلول نجم الأمير بشير الثّاني نشطت القوى الخارجيّة في لبنان لبذر التّفرقة بين الأهالي من فلاحين واقطاعيّين واثارة النّعرات الطّائفيّة، فاشتدّ التّوتر الاجتماعيّ والطّائفيّ، وعانت البلاد الكثير من النّزاع والاضطراب، وكان للعوامل الخارجيّة أثر كبير. فبعد عودة العثمانيّين إلى بلاد الشّام بعد نهاية الحكم المصريّ، اتّبعت الدّولة السّياسة المركزيّة بعد صدور” خط كلخانة شريف”[44]، وكان همّها القضاء على كل مظهر من مظاهر الاستقلال الذّاتيّ خصوصًا لبنان، من هنا كان تعيين الأمير بشير الثّالث الضّعيف الإرادة والشّخصيّة، وكان اختياره يراعي سياسة الدّول الكبرى صاحبة الفضل في طرد المصريّين من بلاد الشّام.

فما إن استلم بشير الثّالث الإمارة حتى بدأ زعماء الدّروز الإقطاعيّين الذين تركوا البلاد في آواخر الحكم المصريّ بالعودة إلى البلاد والمطالبة بالامتيازات التي خسروها سابقًا. وكان هؤلاء بزعامة نعمان وسعيد جنبلاط ولدا بشير جنبلاط الذي قتل في عهد بشير الثّاني. لكن الأمير بشير لم يبد رغبة في تحقيق مطالبهم، ما أدّي إلى توتر الوضع ووقوع الفوضى. عجز الأمير بشير الثّالث عن انقاذ هيبة الحكم وفرض إرادته على البلاد.

وقفت فرنسا إلى جانب النّاقمين على بشير الثّالث بعد أن تزايدت مخاوفها من النّفوذ البريطانيّ. ورأى الإقطاعيّون المتمرّدون بمؤازرة فرنسا فرصة للمطالبة بإقالة بشير الثّالث والمناداة بسلمان شهاب خلفًا له. وكان سنيًّا تربّى أولاده على المسيحيّة، وكان قد حكم جبل لبنان بين 1820 – 1821م عندما كان الأمير بشير الثّاني في منفاه في حوران. لكن البطريرك المارونيّ يوسف حبيش أصرّ على أن يكون أمير لبنان مارونيًّا فصرف النّظر عن سلمان واقترح القنصل الفرنسيّ الأمير المارونيّ حيدر أبي اللّمع خلفًا لبشير الثّالث، وكان صديقًا للبطريرك. وافقت بريطانيا على ترشيحه وحسبت مع فرنسا بأنّ البطريرك سوف يدعم ترشيحهم لحيدر أبي اللمع. لكن المفاجأة كانت عندما رفض البطريرك وألح على بقاء الأمير بشير الثّالث آملًا إن ازدادت الحالة سوءًا على يده سوف يرغم العثمانيّين بإعادة بشير الثّاني وهو الأمير المفضل لدى البطرك.

وبهذا عاد التّباعد بين الموارنة والدّروز فما إن أطلّت 1841 حتى تفاقمت أسباب الخصومة بين الطّائفتين منها:

  • تعاون المسيحيّين مع المصريّين لا يزال عالقًا في أذهان الدّروز.
  • سلب الأمير بشير الثّاني الإقطاعيّين الدّروز الامتيازات والأملاك وتوزّعت بالبيع على المسيحيّين.
  • الشك والرّيبة بسبب حرم الدّروز من حسن المعاملة التي نعم بها المسيحيّين.
  • تجريد الدّروز من السّلاح.
  • تجنيد فتيانهم للقتال بعيدًا عن الوطن والأهل.
  • قيامهم بالثّورة ضد الحكم المصريّ التي باءت بالفشل وإرسال كبارهم إلى المنفى.
  • إظهار المسيحيّين مواقف سياسيّة إستفزازية للدّروز.

إزداد التّوتر بين الدّروز والمسيحيّة فسعى بشير الثّالث بمساعدة بريطانيا والدّولة العثمانيّة إلى تسوية الوضع بانشاء مجلس من 12 عضو يمثلّون طوائف البلاد، مهمته معاونة الأمير في إدارة شؤون القضاء، لكن الدّروز رفضوا هذا الأمر. وأصدر البطريرك المارونيّ منشورًا موقّعًا من وجهاء الموارنة ووزّعه على مسيحيّ المناطق الدّرزيّة داعيًا إلى التمرّد على السّلطة القضائيّة التي في أيدي الزّعماء الإقطاعيّين، وقيام الموارنة بممارسة هذه السّلطة. فعدّ الدّروز أنّ هذا الأمر استفزاز.

وقعت حادثة بين الدّروز والموارنة في العام 1841 وذلك عندما قام أحد الموارنة باصطياد حجلًا ملكًا لاحد دروز بعقلين. فوقع خصام أخذ صيغة طائفيّة، وأغارت جماعة من مسيحيّ دير القمر على بعقلين بالسّلاح فقتل 17 درزيًّا. لكن البطريرك المارونيّ سارع إلى الإعراب عن أسفه. وأرسل وفدًا إلى الشّوف وتمّت المصالحة. لكن الدّروز في العلانية قبلوا المصالحة لكن فيما بعد راحوا يتأهبّون لأخذ الثّأر في الخفاء[45].

وفي آواخر العام 1841م دعا الأمير بشير الثّالث زعماء الدّروز إلى اجتماع في دير القمر للتّباحث في موضوع الضّرائب وبعض القضايا، ولبّى زعماء الدّروز الدّعوة ودخلوا إلى دير القمر يواكبهم عدد كبير من الرّجال وفرسان وادي التيم وحوران. وقبل ذلك كان عدد من المسلّحين الدّروز قد تسرّبوا إلى دير القمر. تخوّف بشير الثّالث من ضخامة القادمين، فأوفد 150 رجلًا من المسيحيّين لتحذير العدد الكبير من الدّروز من دخول البلدة. وما إن انتبه أهالي البلدة على ما يجري حتى خرجت الجماعات المسلّحة من مخابئهم وهاجموا المسيحيّة في ساحة بلدة دير القمر. وانطلق الفرسان يطلقون النّار في انحاء البلدة ودخلوا المنازل وأعملوا فيها السّلب والنّهب وأشعلوا فيها النّيران.

لجأ الأمير بشير الثّالث إلى قصر الإمارة القديم في دير القمر، وطلب المساعدة العثمانيّة وإمداده بأعداد من المسيحيّة في بعبدا وغيرها من المناطق. استمر القتال حوالي يومين في دير القمر وكانت بداية الاضطرابات وبلغت خسائر الأرواح حوالي 80 درزيًّا و100 مسيحيًّا، وأجبر هذا القتال على تدخّل سليم باشا والي بيروت العثمانيّ والقنصل البريطانيّ، لكن هذا لم يمنع الدّروز من استمرارهم في محاصرة البلدة وقطع المؤن والرجال عن المسيحيّة.

لم يقتصر القتال على بلدة دير القمر بل زحفت جماعات من المسيحيّين في إهدن وزحلة وبعبدا وجزين للوقوف إلى جانب دير القمر، فاصطدمت بالدّروز وفرق عثمانيّة داعمة للدّروز. ويقال إنّ العثمانيّين من دبر المؤامرة وأمدّوا الدّروز بالسّلاح لأنّ من مصلحتهم وقوع حركات طائفيّة من شأنها أن تقلّل من قيمة الاستقلال الذّاتيّ.

انتصر الدّروز في ميدان القتال في دير القمر. ثم بدأ القتال يشتعل في زحلة أكبر بلدة للمسيحيّين في البقاع، كان مسيحيّو دير القمر ـان طلبوا المساعدة من مسيحيّ زحلة فلبوا الدعوة، رأي دروز راشيا ان يهاجموا زحلة وزحفوا عليها مع جماعات من دروز وادي التيم والشّوف وحوران. بقيادة شبلي العريان وسار اهالي زحلة إلى جانبهم شيعة بعلبك، ونشبت المعركة هزم بها الدّروز، ونزلت بهم خسائر فادحة.

وكان لهزيمتهم أن اشتدت عزائم المسيحيّين في جميع المناطق. لكن الفوز ظل حليف الدّروز في دير القمر، حيث تقاسم المسيحيّين ذلك أن الروم الأرثوذكس داخلهم الشك في نوايا الموارنة. فوقفوا في بعض الاحيان إلى جانب الدّروز، وكان الروم الكاثوليك حلفاء الموارنة المخلصين. وكان المسيحيّون يقاتلون دون هدف بينما الدّروز هدفهم التخلص من بشير الثّالث ولم يكن النّصارى متحمسين لبقائه في الإمارة ذلك عندما حصر في قصره لم يجد من المسيحيّين من يهب لنجدته.

وعندما أدرك الدّروز موقف المسيحيّين هاجموا القصر دون مقاومة وقبض على الأمير بشير الثّالث. وأعلن العثمانيّون تدخلهم لتسوية النزاع بطلب من الدّول الأوروبيّة، فأرسل مصطفى باشا أكبر ضباط الجيش العثمانيّ إلى بيروت للوساطة بين المسيحيّين والدّروز، لكن في الخفاء لم يكن هذا الهدف بل سعى إلى اقناع المسيحيّين بفوائد الحكم العثمانيّ المباشر، وشجع الدّروز على استمرار نهب قرى المسيحيّين كما ذكر كمال الصّليبيّ.

بلغت الفوضى في البلاد، وبعد ثلاثة اشهر من الاضطرابات، استدعى سليم باشا ومصطفى باشا الأمير بشير الثّالث إلى بيروت وارسله من هناك إلى الاستانة، فخرج الأمير بأبهة تليق بمكانته برفقة الحرس الأميري، اإلاّ أنّ جماعة مسلحة من الدّروز عمدت إلى مهاجمتهم والتنكيل بالأمير[46].

وانتهت الإمارة الشّهابيّة في لبنان عام 1842م، بعد ان اعلن مصطفى باشا عمر باشا النمساوي حاكمًا على جبل لبنان وكان فوزا للسياسة العثمانيّة.

الخاتمة

شهد جبل لبنان توترات وأزمات يمكن وصفها بالطّائفيّة، قد غذّتها القوى الأجنبيّة للتّدخّل في شؤون جبل لبنان. فمنذ انتقال الحكم من المعنيّين إلى أقاربهم الشّهابيّين لم يمر على جبل لبنان حقب استقرار وهدوء بل عمّت الفتن والمآسي عدا التّدخلّات المتنوّعة سواء من اليد الإقليمية المحيطة أو من الدّول الأوروبيّة لا سيما فرنسا وبريطانيا، وعانى ما عاناه من مجازر دموية- طائفيّة، واللّافت أنّ الأمراء في جبل لبنان من الأمير بشير الثّاني إلى الأمير بشير الثّالث عند نهاية حكمهم يستقلون أول بارجة أوروبية لمغادرة البلاد، فحتى اللّحظة الاخيرة من حكمهم وهم غير مدركين ربما لما تحيّكه اليد الخارجيّة بالتّآمر مع عملائها في الداخل، وهذا ما أظهره وضع جبل لبنان بعد العام 1842م وتقسيم الجبل إلى منطقتين طائفيتين، وما شهده من فتن ومؤامرات. فلبنان  قدّر له أن يعاني ما عاناه ومازال حتى يومنا هذا.

 

قائمة المصادر والمراجع

المراجع العربية

  1. بركات، داود، د.ت، البطل الفاتح إبراهيم وفتحه الشّام 1832، د.ن: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة.
  2. الحمصي، دعاء، لبنان تاريخ سياسة وحضارة – الإمارة الشّهابيّة، ج8، بيروت: Edito Creps، 1998.
  3. الشدياق، طنوس، 1859، كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان، نظر فيه: فؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللّبنانيّة – الادارة المركزيّة ، المتحف، ج1.
  4. ___________ 1954، أخبار الأعيان في جبل لبنان،بيروت: مكاتب سميا، ج 2.
  5. الصباغ، ليلى، 1981، دراسات في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، دمشق: مطبعة ابن حيان.
  6. الصّليبيّ، كمال، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار للنشر، بيروت:
  7. ضاهر، مسعود، 1977، الانتفاضات اللّبنانيّة ضد النّظام المقاطعجي، دار الفارابي، بيروت، ط 1. – معلوف اليسوعي، الاب لويس، 1912، تاريخ حوادث الشّام ولبنان 1782 – 1841م، بيروت: المطبعة الكاثوليكيّة للاباء اليسوعيين.
  8. طنوس الخوري، أغناطيوس، 1953، مختصر تاريخ جبل لبنان، بيروت: المطبعة الكاثوليكيّة.
  9. محمد، حسن، الإمارة المعنيّة، لبنان تاريخ سياسة وحضارة، بيروت: Edito creps، 1998، ج7.

المراجع العربية المترجمة

– حجار ، جوزيف، 1986،  أوروبا ومصير الشرق العربي، حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، تر: بطرس الحلاق وماجد نعمة، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت ، ص73.

الرسائل والاطاريح

  1. بعيو، غنية، التنظيمات العثمانيّة وآثارها على الولايات العربية الشّام والعراق نموذجا 1839 – 1876م، رسالة ماجستير في التاريخ ، اشراف: الغالي غربي، جامعة الجزائر – كلية الاداب والعلوم الانسانية والاجتماعيّة، 2009.
  2. شرشالي، زكية، الاتفاقيات العثمانيّة الأوروبيّة وانعكّاساتها على الخلافة والعالم العربي، رسالة ماجستير، اشراف: صبيحة بخوش، وزارة التّعليم العالي والبحث العلمي – المدرسة العليا للاساتذة، الجزائر، 2014.

المجلات والدوريات:

  1. البلخي، علي يوسف، 1985، الموقف الدّولي من احتلال محمد علي باشا لبلاد الشّام 1831 – 1840 من خلال الوثائق العثمانيّة، مجلة دار المنظومة، العدد 20 – 19، دراسات تاريخيّة – سوريا.
  2. محمد عبد العزيز، عوض، 2020، التنظيمات العثمانيّة في الولايات العربية، مجلة دار جامعة المنظومة، الرياض، مج 3 ، عدد 3، ص 80.

المراجع الأجنبيّة

– Goldschmidt, A.; Johnston, R. (2004), Historical Dictionary of Egypt (3rd ed.), American University in Cairo Press, p. 243.

 

 

 

 

 

[1] – فخر الدين من أمراء لبنان من آل معن، حكموا امارة الشوف من حوالي 1129م حتى عام 1623م. يعتبر مؤسس لبنان الحديث فكان ينظر اليه على أنه أعظم شخصية وطنية عرفها لبنان وأكبر ولاة الشرق العربي في القرنين 16 و 17 –  محمد، حسن، الامارة المعنية، لبنان تاريخ سياسة وحضارة، Edito creps، 1998، ج7، ص 47.

[2] – المصدر نفسه، ص 55.

[3] – الصّليبيّ، كمال، 2008، تاريخ لبنان الحديث، دار النهار للنشر، بيروت، ص 31.

[4] – محمد، حسن، مرجع سابق، ص 95.

[5] – المصدر نفسه، ص 116 – 118.

[6] – طنوس الخوري، أغناطيوس، 1953، مختصر تاريخ جبل لبنان، المطبعة الكاثوليكية، بيروت ،ص50

[7] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 32.

[8] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 32.

[9] – ضاهر، مسعود، 1977، الانتفاضات اللبنانية ضد النظام المقاطعجي، دار الفارابي، بيروت، ط 1،   ص 9.

[10] – الصّليبيّن كمال، المرجع السابق، ص 32 – 33.

[11]  – ضاهر، مسعود، المرجع السابق،  ص 20 – 21.

[12] – محمد، حسن، المرجع السابق، ص 37.

[13] – حمصي، دعاء، المرجع السابق ، ص 13 – 14.

[14] – الحمصي، دعاء، المرجع السابق، ص 15.

[15] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 41.

[16] – .- بعيو، غنية، 2008 – 2009، التنظيمات العثمانية وآثارها على الولايات العربية الشام والعراق نموذجا 1839 – 1876م، رسالة ماجستير في التاريخ ، اشراف: الغالي غربي، جامعة الجزائر – كلية الاداب والعلوم الانسانية والاجتماعية، ص 37.

[17] – حمصي، دعاء، المرجع السابق، 24

[18] – المصدر نفسه، ص 23.

[19] – بعيو، غنية، المرجع السابق، 37.

[20] – شرشالي، زكية، 2024- 2025، الاتفاقيات العثمانية الاوروبية وانعكاساتها على الخلافة والعالم العربي، رسالة ماجستير، اشراف: صبيحة بخوش، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – المدرسة العليا للاساتذة، الجزائر، ص 12.

[21] – حمصي، دعاء، المرجع السابق، ص 33.

[22] – معلوف اليسوعي، الاب لويس، 1912، تاريخ حوادث الشام ولبنان 1782 – 1841م، المطبعة الكاثوليكية للاباء اليسوعيين ، بيروت، لا.ط، ص 62.

[23] – حمصي، دعاء، لبنان تاريخ سياسة وحضارة – الامارة الشهابية، ج8، بيروت: Edito Creps، 1998، ص33.

[24] – الشدياق، طنوس، 1954، أخبار الأعيان في جبل لبنان، مكاتب سميا، بيروت، ج 2، ص 353.

[25] – الصّليبيّ كمال، المرجع السابق، ص 52.

[26] – الوهابيون: حركة ظهرت في الجزيرة العربية من مبادئها التوحيد، أسسها محمد بن عبد الوهاب( 1703 – 179م)، زعمت هذه الحركة بأن التوحيد تعرض للتشويه والانحراف بسبب المفاهيم الفكرية التي مُزجت مع العقيدة الاسلامية، فلا بد من محاربة هذا الانحراف والعودة الى الاسلام السلفي.- بعيو، غنية، المرجع السابق، ص 29.

[27] – الصباغ، ليلى، 1981، دراسات في تاريخ العرب الحديث والمعاصر، مطبعة ابن حيان، دمشق، ص 143.

[28] – محمد عبد العزيز، عوض، 2020، التنظيمات العثمانية في الولايات العربية، مجلة دار جامعة المنظومة، الرياض، مج 3 ، عدد 3، ص 80.

[29] – محمد عبد العزيز، عوض، المرجع السابق، ص 82 – 84.

[30] – بعيتو، غنية، المرجع السابق، ص 68.

[31] – البلخي، علي يوسف، 1985، الموقف الدولي من احتلال محمد علي باشا لبلاد الشام 1831 – 1840 من خلال الوثائق العثمانية، مجلة دار المنظومة، العدد 20 – 19، دراسات تاريخية – سوريا،ص 209.

[32] – حجار ، جوزيف، 1986،  أوروبا ومصير الشرق العربي، حرب الاستعمار على محمد علي والنهضة العربية، تر: بطرس الحلاق وماجد نعمة، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت ، ص73.

[33] – محمد عبد العزيز، عوض، المرجع السابق، ص 87 – 92.

[34] – البلخي، علي يوسف، المرجع السابق، ص211.

[35] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 65 – 66.

[36] – الصّليبيّ ، كمال، المرجع السابق، ص 67.

[37] – بركات، داود، د.ت،  البطل الفاتح ابراهيم وفتحه الشام 1832، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، د.م.ن، ص 146 ، 147، 167.

[38] – Goldschmidt, A.; Johnston, R. (2004), Historical Dictionary of Egypt (3rd ed.), American University in Cairo Press, p. 243.

[39] – الصّليبيّ كمال، المرجع السابق، ص 67 – 69.

[40] المصدر نفسه.

[41] – المعلوف اليسوعي، الاب لويس، المرجع السابق، ص 54 – 55.

[42] – البلخي، علي يوسف، المرجع السابق،215.

[43] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 76.

[44] – محمد عبد العزيز، عوض، المرجع السابق، ص 82 – 84.

[45] –  الشدياق، طنوس، 1859، كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان، نظر فيه: فؤاد أفرام البستاني، منشورات الجامعة اللبنانية – الادارة المركزية ، المتحف، ج1، ص 479.

[46] – الصّليبيّ، كمال، المرجع السابق، ص 86.

عدد الزوار:61

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى