أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

موقف السّلطات الفرنسيّة من اندلاع الثّورة الجزائريّة (1956-1954) دراسة تاريخيّة

موقف السّلطات الفرنسيّة من اندلاع الثّورة الجزائريّة (1956-1954) دراسة تاريخيّة

The position of the French authorities on the outbreak of the Algerian revolution

(1954-1956)

 ديانا القزي

Diana Al-Qazzi

أ.د. محمد علي القوزي مشرفًا رئيسًا             أ.د محمد عمر عبد العزيز عمر مشرفًا مشاركًا

تاريخ الاستلام 20/4/2024                                                   تاريخ القبول 8/5/2024

 

ملخص البحث

قدّم الشّعب الجزائريّ تضحيّات كبيرة وجهودًا جبارة من أجل تحقيق الاستقلال والسّيادة الوطنيّة، فلقد ثار مرات عديدة في وجه الاستعمار الفرنسيّ واستخدم وسائل وأساليب مختلفة ومتعدّدة من أجل تلك الغاية ، لكنّه لم يوفق إلا بعد أن فجّر ثورة في الأوّل من تشرين الثّاني 1954، زاوجت فيها القيادة الثّوريّة بين العمل السّياسيّ والعسكريّ فتمكّنت من تحقيق الاستقلال.

وقد ظهرت الكثير من المواقف بشأنها سجلّتها قيادات الاحزاب الجزائريّة، ومواقف صادرة عن الفرنسيّين كمعمرين أو إدارة استعماريّة اختلفت تفسيراتها للأحداث بحسب سياستهم وأايديولوجياتهم وقربهم من مركز صنع القرار، وبحسب تصوّرهم لمستقبل البلاد

واجهت الجزائر أعنف استعمار استيطانيّ، استعمار كان ولمدة 132 عامًا من 1830 حتى 1962 يهدف إلى محو الوجود التّاريخيّ والحضاريّ وحتى الإنسانيّ لدولة الجزائر. كما أنّ توالي صيحات الاستنكار ضد سياسة القمع التي انتهجتها السّلطات الفرنسيّة ساهمت في تشكيل رأي عام فرنسيّ مناهض لهذه السّياسة فكان ذلك ضمن العوامل التي ساعدت على نجاح الثّورة الجزائريّة، وأرغمت السّلطات الفرنسيّة على الرّضوخ للامر الواقع والجلوس على طاولة المفاوضات مع جبهة التّحرير الوطنيّ الجزائريّ والتي تكلّلت باسترجاع الشّعب الجزائريّ لحريته واستقلاله.

Abstract

The Algerian people made great sacrifices and tremendous efforts in order to achieve independence and national sovereignty. They revolted many times in the face of French colonialism and used many different means and methods for that goal, but they did not succeed until they sparked a revolution on November 1, 1954, in which the leadership combined the revolutionary movement between political and military action was able to achieve independence. Many positions have emerged regarding it, recorded by the leaders of the Algerian parties, and positions issued by the French, as colonizers or colonial administrations, whose interpretations of the events differed according to their policies, ideologies, and proximity to the decision-making center, and according to their perception of the country’s future.Algeria faced the most violent settler colonialism, a colonialism that lasted for 132 years from 1830 until 1962 and aimed to erase the historical, cultural, and even human existence of the Algerian state. The continuous cries of denunciation against the policy of repression pursued by the French authorities contributed to the formation of French public opinion against this policy. This was among the factors that helped the success of the Algerian revolution, and forced the French authorities to submit to the fait accompli and sit at the negotiating table with the Algerian National Liberation Front, which culminated in by restoring the Algerian people to their freedom and independence.

 

مقدمة

بعد أن أعلنت الثّورة الجزائريّة عن نفسها سواء من خلال بيان أوّل نوفمبر، تشرين الثّاني 1954، أو من خلال العمليّات العسكريّة عبر مختلف مناطق الوطن الجزائريّ، حتى ظهرت العديد من المواقف بشأنها، سجّلتها قيادات الاحزاب الجزائريّة ومواقف صادرة عن الفرنسيّين كمستعمرين أو إدارة استعماريّة ، اختلفت تفسيراتهم للأحداث بحسب سياستهم وإيديولوجياتهم وقربهم من مراكز صنع القرار، وبحسب تصوّرهم لمستقبل البلاد، لكن الشّيء المؤكد هو أن السرية التي اعتمدتها الثّورة في التّحضير والانطلاق أربكتهم جميعًا، مما جعل مواقفهم متناقضة، ولم توفق الى حد بعيد في تفسيرها لهذه الثّورة، أضف الى أنّ الجانب الفرنسيّ لم يعطها قيمتها وحجمها الحقيقيّ الأمر الذي جعله يدخل في دوامة من القرارات المتناقضة التي انعكست سلبًا على واقع الفرنسيّين سياسيًّا وعسكريًّا، اقتصاديًّا واجتماعيًّا. أمّا الجانب الجزائريّ فالتبس عليه الأمر مما جعله يتردد بين دعم الثّورة من عدمها.

سنتطرق في هذا البحث الى بيان أوّل نوفمبر، تشرين الثّاني 1954، وسنتناول ردود فعل الفرنسيّين على هذه الثّورة.

 

نظرة عن الحياة السّياسيّة في الجزائر قبيل اندلاع الثّورة

لم تكن فرنسا تنتظر أن ينهض الشّعب الجزائريّ مجدّدًا وبتلك السّرعة خاصة بعد المجازر التي ارتكبها الفرنسيّين في الثّامن من أيار 1945 والتي أتت على الأخضر واليابس وراح ضحيتها 45 ألف شهيد ليحمل السّلاح في وجه الفرنسيّين، في ظل الظروف السّياسيّة التي كانت السّلطات تعتقد أنّها حققت نوعًا من التّوافق بين الجزائريّين وذلك من خلال خلق جو سياسيّ مهّد له دستور 1946، وبفضله بدأ الجزائريّون يتوجّهون الى النّضال السّياسيّ محاولين إبراز بعض اللّيونة في التّعامل مع الواقع خاصة حزب الشّعب الذي لم يكن أكبر المتفائلين أنه سيقبل باللّعبة السّياسيّة، لكن أعضاء هذا التنظيم السّياسيّ وقيادته كانوا يعرفون مكر فرنسا جيدًا، ولم يكونوا يؤمنون بوعودها الكاذبة، لذلك حاولوا أن يتأقلموا مع كل الاوضاع، فاستعملوا ورقة الانتخابات للتّغلغل داخل الإدارة، كما لعبوا ورقة النّضال السّري والتّحضير للكفاح المسلح بتأسيسهم للمنظمة الخاصة، في المقابل وجدت الأحزاب السّياسيّة الأخرى بعض الذي كانت تنشده من مطالب وعدّت التّغيير الذي حصل في السّياسة الفرنسيّة بعد أحداث أيار، مايو 1945، يجب الاستثمار فيه لأجل تحقيق مطالبها السّياسيّة، الاجتماعيّة والثقافيّة. (مجلة الدّراسات الافريقيّة بالجزائر، أيار 2020)

وفي ظلّ هذه الظّروف ولتحقيق مطالبها لم تجد الحركة الوطنيّة بدًا من العمل على تحقيق وحدة وطنيّة ولو آنية لوضع فرنسا أمام مسؤولياتها فتشكّلت الجبهة الوطنيّة للحريّات سنة 1951، لكن ما لبثت أن تشتت بفعل تباين وجهات النظر وظهور انقسام في حزب الشّعب إبتداءًا من سنة 1952.

وخلال المدّة بين 1950 و1954، كل حزب حاول فرض نفسه للاستحواذ على السّاحة، فنجد الاتّحاد الديموقراطيّ للبيان الجزائريّ يظهر للحكومة الفرنسيّة أنّه الطّرف المعتدل الذي يمكن التّعامل معه بفضل برنامج يجعل من الجزائر قطعة فرنسيّة، في حين كان الحزب الشّيوعيّ يلعب على التوترات الدولية ومخلفات الحرب العالمية الثّانية ، والتموضع بناءًا على سياسة المعسكر الذي ينتمي إليه، الحزب الشّيوعيّ الفرنسيّ، وفي الوقت نفسه كانت جمعية العلماء المسلمين تحاول التّوفيق بين برنامجها كجمعية إصلاحيّة ثقافيّة وطموحاتها السّياسيّة التي تجسّدت في الانخراط في الحوار والنّقاش والتّحالف أحيانًا مع الحركات السّياسيّة الأخرى (مجلة الدّراسات الإفريقيّة ، أيار 2020)

 

أوّلًا: اندلاع الثّورة الجزائريّة (1954 – 1956)

  • إعلان بيان الثّورة في نوفمبر 1954

إنّ بيان الثّورة هو عبارة عن وثيقة أصدرتها الجماعة التي اضطلعت بتفجير الثّورة الجزائريّة في الفاتح من نوفمبر، تشرين الثّاني العام 1954، وقد تزامن خروجها مع العمليّات الأوّلى للثّورة التّحريريّة سواء داخل الوطن أو خارجه، فلقد كلّف محمد بوضياف، المنسق بين الدّاخل والخارج، بنقل هذه الوثيقة إلى القاهرة، وقام أحمد بن بيلا بتلاوتها في الإذاعة المصريّة بالقاهرة.

أما فيما يتعلّق بالصّياغة، يقول الدّكتور محمد العربي الزبيري، إنّ أصواتًا كثيرة تزعم أنّ صاحبها هو فلان أو علان، وهو كلام غير صحيح يتنافى مع مبدأ السّريّة المعتمد من طرف من تحمّلوا مسؤولية إشعال الفتيل في غياب القياديين السّتة، فإنّ المنطق يدعو إلى القول إنّ الصّياغة كانت جماعيّة وحتى لا تعكس أي توجه سياسي غير توجّه حزب الشّعب الجزائريّ. ومن ثمة فإن الذين كان لهم شرف الصّياغة، لم يكونوا سوى المناصلين المتشبعين بالفكر الوطنيّ الثّوريّ”. فالدّكتور محمد العربي الزّبيري يعتقد أنّ الصّياغة كانت جماعية من طرف جماعة الستة في أحد اجتماعاتها التّحضيريّة. وما يؤكد ذلك ربما إحدى الشّهادات التي قدمها التّاريخيّ محمد مرزوقي أحد أعضاء اجتماع الواحد والعشرين  في أحد الاجتماعات التّحضيريّة الذي قال: “يوم 23 تشرين الأوّل، اكتوبر عام 1954، انعقد اجتماع عند “مراد بوكشورة”([1]) ضم مجموعة الستة وخلال الاجتماع حرر بيان أول نوفمبر عام 1954… وتم تصحيح الوثيقة من طرف الصحافي العيشاوي… “.

أمّا بالنّسبة للّغة فقد كتب البيان باللّغة الفرنسيّة، فلا توجد نسخة باللّغة الفرنسيّة وأخرى باللّغة العربيّة إنّما هناك نسخة واحدة وهي التي باللّغة الفرنسيّة وهي الأصلية والبيان المتداول باللّغة العربيّة هو ترجمة عن الأصلية.

ويمكن أن يقسّم البيان من ناحية المضمون إلى ثلاثة محاور أساسية: “… أحدها ظرفي وأصبح اليوم جزءًا من التّاريخ، ويتمثّل في الإشارة إلى العوامل والظّروف التي دفعت أصحاب البيان إلى إشعال فتيل العمل المسلّح، أما المحور الثّاني، فيتعلّق بالصراع مع الاستعمار ووضع الشروط الواجب توفرها للتفاوض مع السلطة الاستعماريّة (المجلة الجزائريّة للبحوث والدّراسات التاريخيّة، كانون الأوّل 2016، ص 226). أمّا المحور الثّالث الذي يبقى ساري المفعول حتى بعد استرجاع الاستقلال فهو الجزء المتعلّق بالأهداف المستقبليّة للثّورة وبعبارة أدق مبادئ أسس الدّولة الوطنيّة…”. (المجلة الجزائريّة للبحوث والدّراسات التاريخيّة، 2016، ص 227(

إذًا، إنّ بيان نوفمبر، تشرين الثّاني عام 1954 هو أوّل نداء لجبهة التّحرير الوطنيّ الجزائريّ، والوثيقة الأولى المكتوبة التي أعلنت من اندلاع الثّورة ضد الاحتلال الفرنسيّ، وله أهمية تاريخيّة كونه أوّل من عرَّف بثورة التّحرير الجزائريّ، كما كان له دور بارز في حل الصّراع الدّاخلي بالدّعوة إلى التّركيز على الهدف الأساسيّ وهو الاستقلال الوطنيّ، إضافة إلى كونه قاعدة مرجعيّة بالنّسبة للثّورة وبناء دولة الجزائر المستقلة، إذ يعدّ دستور الثّورة، ويهدف إلى توحيد الجزائريّين على مبدأ الاستقلال والحريّة وبناء الدّولة الجزائريّة العصريّة في إطار المبادئ الإسلاميّة كما كان يعدّ مكمل للأهداف التي كان يرمي إليها مسيرة الحركة الوطنيّة.

وانتخب مجلس الثّورة الوطنيّ ليقود الثّورة ويصبح لجنتها المركزيّة والسّلطة العليا فيها. وأحمد بن بيلا هو قائد الثّورة ورأسها المدبر، وهناك معه زعماء آخرون مثل كريم بلقاسم، وبوضياف ويزيد وخيضر ورابح ببطاط وآية أحمد وغيرها كثيرون. إن أحمد بن بيلا هو أوّل من فكّر في تحويل الثّورة السّلميّة التي تتّخذ من المفاوضات والمطالب السّلميّة أساسًا لتحقيق مطالب الشّعب الجزائريّ الذي انضم إلى هذه الأحزاب واللّجان السّياسيّة، وقد تم انتخاب 72 عضوًا هم مجلس الثّورة الوطنيّ…(عمرو وعمرو، 1963، ص 45). وهكذا بدا الكفاح يتجّه وجهة إيجابيّة وضعت جبهة التّحرير الوطنيّ المصلحة الوطنيّة فوق كل اعتبار شخصيّ أو نفوذ من الاعتبارات التّقريريّة الزّائفة: العدو الوحيد الآن هو الاستعمار (عمرووعمرو، 1963، ص 45)

تسير الثّورة الجزائريّة في الخط الثّوريّ الصّحيح، لن تقف عند تحقيق المطلب العاجل وهو الاستقلال الوطنيّ، إنما ستتخطاه إلى ثورة شاملة ثورة اجتماعيّة واقتصاديّة، لن تكتفي بتحطيم الاستعمار وأجهزته ولكنّها ستبني الشّعب بناءً معنويًّا وماديًّا.

أحدث بيان أول نوفمبر، بداية الثّورة المسلّحة، تغييرًا نفسيًّا عميقًا في جماهير الشّعب. وقد لا يشعر المرء بعمق المعاني التي ينطوي عليها يوم أوّل نوفمبر العام 1954، فهناك ناحية إيجابيّة تكمن في الكفاح الذي غيّر الأوضاع في الجزائر. منذ هذه اللّحظة بدأت الثّورة من الشّعب ومن أجل الشّعب تجربة حية ستتجسّد كل يوم وتمارسها الجماهير في قلب المعركة: وقد اختار الشّعب الجزائريّ ممثلًا في جبهة التّحرّر منذ اللّحظة معركة الحياة. (عمرو وعمرو، 1963، ص 45)

إذًا، لم يكن تاريخ الثّورة مبتورًا عن المسيرة الشّاقة للشّعب الجزائريّ بل هو جملة من الحلقات ترسبت في سلسلة واحدة احتفظت فيها الذّاكرة الجماعيّة لتتفاعل في أوّل نوفمبر 1954 وتنفجر في ثورة يكون شعارها كما قالتها جريدة المجاهد “الثّورة من الشّعب وإلى الشّعب” (عبداوي، 2016، ص 53). فقد كانت الثّورة نتيجة النّضال الطّويل الذي مرّت به الحركة الوطنيّة والذي دام عقودًا من الزمن. فولادة ثورة أوّل نوفمبر جاءت معبّرة بصدق عن حال شعب عانى ظلمات الاستعمار وكانت عصارة لآلامه، ومعاناته ومرآة لآماله وتطلّعاته لمستقبل مشرق. (عبداوي، 2016، ص 53). انطلقت الثّورة يوم أوّل نوفمبر، تشرين الثّاني عام 1954، وقد صدر في اليوم نفسه بيان الثّورة الذي جاء موضّحًا للشّعب الجزائريّ حقيقة الثّورة وخباياها، فهي ثورة شعب بأسره. وحسب جريدة المجاهد التي عدّـت أنّ الانتشار الواسع للثّورة رافقه تحوّل كبير من حرب العصابات إلى معارك كبرى تقوده وحدات جيش التّحرير، فهي ليست ثورة حزب أو مجموعة، ثورة جاءت لتنفض الغبار من هذه الأرض التي خيّم عليها الظّلام وتخرج بها إلى النّور، لقد انطوت هذه الثّورة تحت لواء جبهة التّحرير الوطنيّ التي جمعت مختلف التّيارات السّياسيّة ووحّدت كلمتها. وقد فرضت هذه الأخيرة شروط على كل منخرط فيها تمثلّت في روح المواطنة والإيمان بتحرير البلاد واستقلالها، أيضًا الإيمان بمبدأ الوحدة بين أفراد هذا الوطن والابتعاد عن أي فئوية أو تحزّب.

وعليه قامت الثّورة من أجل توسيع نطاقها في كامل أنحاء الوطن، ولتسهيل عملية التّنسيق بين مختلف الاتّجاهات تم تقسيم البلاد إلى ستة مناطق، وعيّنت على رأس كل منطقة قائد أو نائب له. (عبداوي، 2016، ص 53)

كان انفجار الثّورة مدويًّا، وقد أوقع الرّعب في نفوس المحتل، وكانت الانفجارات شاملةً عمّت معظم مناطق الوطن، في التوقيت الزّمنيّ نفسه تقريبا. لقد جاءت الاعتداءات عبر نقاط مختلفة من القطر الجزائريّ، وبالأخص في عمالة قسنطينة، ومنطقة الأوراس. أما منطقة وهران، فمناضلو هذه المنطقة، لم يتسلّموا الأسلحة المنتظرة من طرفهم الآتية من الرّيف المغربيّ، وقد وافقوا على القيام بمعركة بلا أمل، وتوفّي سويداني بو جمعة([2]) على رأس ذويه في السّاعات الأولى من حرب الجزائر. (عبداوي، 2016، السّلطات الفرنسيّة اتهمتها بأنها هي التي فجرت الثّورة في الوقت الذي كان فيه مصالي الحاج تحت الإقامة الجبرية مدينة نيس جنوب فرنسا.(عبداوي، 2016، ص 57).

وبمجرد انطلاق الثّورة من نيوز إلى “صابلدولون”، من هناك أرسل في يوم 4 تشرين الثّاني، نوفمبر العام 1954 رسولًا يبلّغ أنصاره بفرنسا والجزائر بالتّعليمات التّالية: “لا تسألوا عن من يقف وراء الثّورة، واصلوا غمار الكفاح حاولوا أن تسيطروا على الحركة“. كانت هذه الرسالة موجّهة إلى مولاي مرباح الممثل الشّخصي لمصالي الحاج بالجزائر، لكنّها لم تصل اليه لأنّه قبض عليه عند اندلاع الثّورة، لذلك فإنّ مصالي الحاج لم يكن ضد إعلان الثّورة من أجل استقلال الجزائر، ولكن الشّيء الذي لم يستطع تقبله أن تندلع الثّورة بعيدًا من قيادتها. ثلاثون سنة من قيادة الحركة الوطنيّة الجزائريّة، اقتنع مصالي بأنّ الشّعب هو الشّعب والشّعب هو مصالي (عبداوي، 2016، ص 57)

ب- موقف الفرنسيّين من الثّورة  

لقد كان خبر اندلاع الثّورة مفاجأ للسّلطات الاستعماريّة التي رفضت بشكل تام العرض الذي تقدّم فيه بيان أوّل نوفمبر. حيث صدر بيان من وزارة الدّاخليّة الفرنسيّة يقول أنّه حدث عدد من الاعتداءات في الليلة الماضية (ليل الأوّل من نوفمبر عام 1954) في عدة نقاط من الجزائر وهي من اقتراف أفراد وعصابات صغيرة ومعزولة، وأنّ الهدوء التّام يسود الآن بين مجموع السّكان (قاسم، 2013، ص 105)

وفي صباح الثّاني من نوفمبر، تشرين الثّاني عام 1954 من اندلاع الثّورة، كانت الصّحف الفرنسيّة، وأبرزها لا ديباش دالجر (La Depeche D’Algerie)ولو جورنال دالجي   Journal D’ Algerie)   (Le ولا ديباش كوتيديان(La Depeche Quotidienne ( قد أطلقت أوصافًا عديدة على الثّورة والثوار، أبرزها “فلاقة” (لفظ شعبي يعني مخربون) و” ارهابيون ” و” خارجون عن القانون” و” متمردون”.

أما صحيفة (لو موند الفرنسيّة)، فكتبت من باريس ” قتلى في الجزائر خلال هجمات متزامنة على مراكز الشرطة” ووصفت اندلاع الثّورة ب ” إرهاب شمال افريقيا”.

لقد كان الخطاب السّياسيّ في أوساط السّياسة الفرنسيّة شديد اللّهجة ويظهر ذلك في تصريح لرئيس الحكومة منديس فرانس: “ألا ينتظرن من أحد أي تفاهم مع المنحرفين ولا أية تسويه… إن المقاطعات الجزائريّة فرنسية منذ عهد بعيد”. (حربي، 1994، ص 29). وفي تصريح آخر قال: “سنعامل التمرد دون هوادة… هنا (بالجزائر) فرنسا… ” (عبداوي، 2016، ص 160)

وجاء في تصريح وزير الدّاخليّة فرنسوا ميتران (أن الجزائر هي فرنسا… هذه هي القاعدة لا لأن دستورنا يفرض ذلك بل لأن ذلك يتماشى وإرادتنا). وعليه فقد سارعت الحكومة الفرنسيّة منذ اندلاع الثّورة إلى جمع كل طاقتها واتّخاذ كل الإجراءات العسكريّة منها والقانونيّة وذلك لإخماد الثّورة في مهدها (عبداوي، 2016، ص 60).

إذًا فشل المستعمرون الفرنسيّون عدّة مرات أمام ثورة الكفاح واتّساع رقعته واقتنع هؤلاء أنّهم هذه المرة لا يواجهون حركة إقليميّة محليّة بل يواجهون الشّعب الجزائريّ بأسره. فلا بدّ من حرب شاملة تشنّها القوّات الفرنسيّة الاستعماريّة على الشّعب الجزائريّ بل حرب إبادة ثانية. وقد زادت عدد قوّاتها من 49 ألف إلى 400 الف عسكري خلال شهر شباط، فبراير 1956. وبدأت الحرب، واستخدموا لهذا الغرض أحدث وسائل التّخريب والفتك الذّريع، حرب الإبادة تشنّها فرنسا على حسب خطط مرسومة، وتقع على مرأى ومسمع من العالم الذي أعلن في هيئة الأمم أنّه لن يسمح بإرتكاب هذه الجرائم بحق الإنسانيّة. وقد اعتمد الفرنسيّين على القسوة والتعذيب وإلقاء القنابل على المدن والقرى بما فيها من نساء وأطفال ومواشي،  الجنود الفرنسيّون يقومون بهدم المنازل وإحراقها دون شفقة أو رحمة (عمرو وعمرو، 1963، ص 47). وقد ذكرت هذه الوسائل عشرات الكتب، معظمهم من الكتب الفرنسيّة، عن الجزائر وحرب الدماء. وقال أحد الجنود الفرنسيّين: “هذا جميل جدًا، يجب إحراق الجزائريّين في مساكنهم الحقيرة لأنّهم لا يفهمون إلا بهذه الطّريقة”. وذكر الكاتب الفرنسيّ “بيار هنري سيمون” في كتابه “ضد التّعذيب” كيف رأى جنود المظلّات وهم يعذبون الوطنيّين الجزائريّين بأبشع الوسائل لإرغامهم على الكلام وذلك بوضع ماسورة في فم الوطنيّ تحت ضغط الماء حتى يخرج الماء من جميع المنافذ، الجسم والأيدي مكتوفة وراء الظّهر،  ثم يعلّق من رأسه حتى تخرج المفاصل من مواضعها. وحين ذلك ينهال عليه جنود المظلات ضربًا لا هوادة، فإن لم يعترف بشيء يرضيهم، يرتكبون عندئذٍ أشدّ الأعمال فظاعة ألا وهي تسليط الكهرباء على رأسه ورجليه حتى يكاد يموت وأخيرًا يضرب بالخنجر بين الكتفين. (عمرو وعمرو، 1963، ص 47). وجاء في كتاب “المجندون” لكاتب فرنسيّ: “نحن الآن في وادي الصّمام بالجزائر، وقد جيء بثلاثة من الوطنيّين الجزائريّين وأمرهم الجند الفرنسيّون بحفر حفرة ثم دفنوهم فيها إلى العنق وبقيت رؤوسهم معرضة لوهج الشّمس. ووضعوا أمام كل منهم وعاء به ماء يبعد عن فمه نصف متر، وقيل لهم إنّهم لن ينالوا شيئا ًإلا إذا تكلّموا، فقد ظلّوا على هذه الحال يومين كاملين ثم أعدموا” (عمرو وعمرو، 1963، ص 48).

وقال الصّحافي الإنكليزي “جون جيتل”: “إنّ متوسط عدد القتلى الجزائريّين في عام 1954 زاد على مئتي قتيل في الشّهر الواحد، بلغت حصيلة القمع الفرنسيّ خلال شهر تشرين الثّاني، نوفمبر 42 مجاهدًا واعتقال 1200 شخص، أما في عام 1956 فقد وصل المتوسط إلى 1400 قتيل في الشّهر الواحد ويرتفع العدد في الأشهر الأربعة الأولى من عام 1957 إلى أن وصل إلى 2600 قتيل في الشهر. (عمرو وعمرو،1963، ص 48)، وكان الآلاف يموتون في كل الأوقات.

إن شعور السّلطات الاستعماريّة بخطورة الموقف، جعلها تذكر مرة أخرى بوعودها المعسولة حول تطبيق الإصلاحات وهذا ما صرح به وزير الدّاخليّة الفرنسيّة نفسه حيث أكّد  أنّ على فرنسا أن تتفهم الوضع الدّاخليّ في الجزائر وأن تقوم بإصلاحات فورية، وأمل الجزائر بينهم الوطن الأم فرنسا، كما أكد من جهة أخرى أنّ التدابير العسكريّة غير كافية، وعليه لا بدّ من استثمار أكثر من أربعين مليار فرنك، ليعلم كل جزائريّ أنّه محل عناية من طرف حكومة باريس (بلقاسم، 1981، ص 98)

لم تكتف السّلطات الاستعماريّة الفرنسيّة بالتّصريحات بل راحت تمارس ضغوطًا على الشّعب ومن يمثلّه، فكانت النّتيجة حلّ حركة انتصار الحريّات الدّيموقراطيّة وكذلك الاتّحاد الدّيموقراطيّ للبيان الجزائريّ (حربي، 1994، ص 263). كما منعت صدور جريدتي “الجزائر الحرّة والأمة الجزائريّة”. وسوّغ ميتران وزير الدّاخليّة الفرنسيّ قرار الحل بإعتبارات ايدلوجية: فاطروحات هذه الحركة في نظره هي التي دفعت العناصر المتطرفة فيها إلى حمل السلاح والصعود إلى الجبال (عباس، 2007، ص 93). وفي المدّة نفسها شرع في ترحيل السّكان وتجميعهم في أماكن محدّدة بهدف “تجفيف الماء” من حول “السّمك الثّائر” حتى يختنق ويموت. (عباس، 2007، ص 93) ويشهد على ذلك نداء عامل قسنطينة إلى سكان ناحية توفانة بالأوراس في 20 تشرين الثّاني، نوفمبر، ويأمرهم بالالتحاق فورًا بالأماكن الآمنة مع عائلاتهم وأملاكهم… في وقت أقصاه السّاعة السّادسة من مساء الأحد 21، ويهدد النّداء الثوار “بشرّ مستطير ينزل وشيكًا على رؤوسهم ليهيمن السّلام الفرنسيّ من جديد بالمناطق المتمردة (عباس، 2007، ص 94). ويرى المؤرّخ فيدال ناكي في هذا الإجراء “دليلًا على اختيار فرنسا منذ البداية الحلّ الأمنيّ العسكريّ”. أمّا في نظر الشّاهد والمؤرخ أنري اليع “”henry aley فقد عزم جيش الاحتلال على استعمال جميع الأسلحة ضدّ المجموعات المسلحة بالأوراس” (عباس، 2007، ص 95)

وكما ذكرنا سابقًا قامت فرنسا في الأوراس بتجفيف الماء كي يموت السّمك، وفوجئ الثّوار هناك بهذا الرّد السّريع، فجاع بعضهم واضطروا إلى أكل العرعار وحبّ شجرة الطّاقة”. فالميدان حليف رئيسيّ للثّوار لكن ينبغي إعداده أيضًا ليكون كذلك فعلًا أسوة بالشّعب الذي ينبغي تحويل استعداده وحماسه إلى تبني حقيقي للثّورة وتأييد ملموس وفعال للثّوار (عباس، 2007، ص 99). وقد استقدم الجانب الفرنسيّ منذ البداية إلى منطقة الأوراس كونها البؤرة الأوّلى والرّئيسة خبراء حرب الهند الصّينيّة، ليطبقوا تقنيّات حرب العصابات المضادة التي استخلصوها من تجربتهم مع الجبهة الوطنيّة لتحرير فييتنام (عباس، 2007، ص 139). كما أدركت فرنسا أهمية المروحيات الحربيّة نظرًا لاتساع الميدان وغلبة الطّابع الجبليّ الوعر عليه، ما يفسر لجوء حكومة ادغارفور إلى الحليف الأميركي لمدها بهذا النوع من السلاح سواء للقتال أو لنقل الوحدات الخاصة (عباس، 2007، ص 100).

أمّا في أواخر العام 1955، فقد برزت ثغرة خطيرة في الرّأي العام الفرنسيّ وموقفه من الحرب، ورغم بساطة هذه الثّغرة في بدايتها، ظهرت بوادرها في صفوف الجيش الفرنسيّ نفسه (عباس، 2007، ص 143). ففي 29 أيلول، سبتمبر عبّر 300 جندي كاثوليكي (متدين) عن حالة ضمير مبكرة في جيش الاحتلال، عندما وزعوا منشورًا سريًّا كشفوا من خلاله عن قلقهم وخجلهم من استعمال القوّة في قضية لا تعني جميع الفرنسيّين، وكتب الوزير، نائب مقاطعة “مايان” “روبير بيرون” Robert perron عن المدّة نفسها أنّ الرّسائل التي كانت تأتيه من المجندين الشّباب وحتى شباب العائلة منهم، “تكشف عن بلبلة وغموض فكريّ وانعدام الواقعيّة” (عباس، 2007، ص 144). كما تحدّث بعض الكتاب الفرنسيّين عن عصيان داخل الجيش الفرنسيّ، الذين رفضوا عمليات التّجنيد الواسعة التي طالت شريحة واسعة من المجتمع الفرنسيّ، حيث عبّر 600 مجنّد من سلاح الجو في الجيش الفرنسيّ، من خلال مظاهرات في محطة القطار ليون بباريس، عن رفضهم الذّهاب الى المغرب العربيّ، مرددين شعار المغرب للمغاربة ونرفض الذّهاب… ((Vitorio,2001,page 53

وتدلّ مثل هذه المواقف عن أنّ قناعات هؤلاء لم تكن راسخة ودوافعهم كانت دون ما تتطلّبه الحروب بعامة. ويتجلّى هذا الاهتزاز بوضوح وسط جزء من الرّأي العام الفرنسيّ، تعبر عنه فئة قليلة من الكتّاب والصّحفيين المستنيرين. وقد كتب روبير بارا في هذا الصّدد: “إنّ الشّباب الذي رأيته يركب السّفن من مرسيليا في ربيع 1955 الحزين، ذهب لمحاربة شعب فقير مستغل، دفاعًا عن مصالح أقلية اثنية عنصرية وكمشة من الإقطاعيين”. (انظر الصورة 1 )

 

 

 

 

 

 

الصورة رقم 1: تمرد الجيش الفرنسي

المصدر: بو علام، 2007، ص345

 

 

 

 

وفي السّياق نفسه، أصدرت مجموعة من المثقفين باسم “لجنة عمل المثقفين ضد حرب الجزائر” بيانًا كان تنبيهًا صريحًا للضّمير الفرنسيّ بأنّ “حرب شمال أفريقيا تشكّل تهديدًا للجمهورية وجريمة ضد الإنسانيّة” (عباس، 2007، ص 144)،  وبدأ التّشكيك في جدوى الحل العسكريّ وحده كذلك. وتطوّرت مواقف المثقفين الفرنسيّين تجاه القضية الجزائريّة خاصة بعد تولي ديغول مقاليد السلطة بداية من عام 1958، من خلال ظهور العديد من التنظيمات الرافضة للسياسة الاستعماريّة. وقد عرف هذا البيان ببيان 121، الذي يعد من أقوى البيانات وأشهرها في التّاريخ، وكان ملهمه جون بول سارتر، الذي انضم إليه مجموعة من المثقفين الفرنسيّين الذين وقفوا على حقيقة ما يجري في الجزائر من تقتيل وإبادة وتعذيب واستطاعت مواقفهم أن تجد لها صدى في الوسط الثّقافيّ الفرنسيّ، ونتيجة ذلك قام 121 مثقفًا فرنسيًّا بإمضاء بيان بداية أيلول، سبتمبر عام 1960 برفض السّياسة الوحشيّة المتبعة من قبل السّلطات الاستعماريّة ضد شعب الجزائر، ونشر هذا البيان في جريدة liberté، وجريدة الحقيقة، ثم  في الأزمنة الحديثة. ولا بد من الإشارة أنّ جان بول سارتر، هو من المثقفين والفلاسفة الفرنسيّين الذين لم يكتفوا بالتنديد بالأعمال الوحشيّة المرتكبة ضد الشّعب الجزائريّ، بل أدركوا أنّ قضية الاستعمار إنّما قضية حريّة، واستقلال شعب، وله العديد من المقالات في هذا الصّدد (عمراني، دون تاريخ ص 76). والجدير بالذّكر، أنّ الحكومة الفرنسيّة منعت الذين وقعوا على البيان 121 بالظّهور في التّلفزيون والرّاديو والمسرح. (نور الدين، 2021، ص148)(انظر الوثيقة رقم2 )

 

 

 

 

 

 

وثيقة رقم 2: بيان 121 المناهض للاستعمار

المصدر:hamon،rotamon،opt.cit، page 396

 

 

 

أمّا المؤرخ والصّحافي الفرنسيّ روبير بارا، والنّاشط في مجال حقوق الانسان ، بدوره، بعد سلسلة من الزّيارات الميدانيّة ما بين تشرين الأوّل، أكتوبر العام 1954 وأيار، مايو العام 1955 فقد توصّل إلى خلاصة مفادها أنّ استعادة النّظام بالوسائل العسكريّة وحدها ضرب من المستحيل، اللهم إن كان ذلك بإبادة الشّعب الجزائريّ إبادة تامة، نظرًا لإجماعه العميق وإرادته في المقاومة (عباس، 2007، ص 145).

ويمكن القول استنادًا إلى ما ذكرناه، إنّ جبهة التحرير الوطنيّ استطاعت في ظرف سنة واحدة التّمكين للثّورة التّحريريّة على مختلف الأصعدة وبناء أسس انطلاقتها وتطوّرها باتّجاه هدفها المحدّد بوضوح ألا وهو تحرير الجزائر واستعادة استقلالها التّام وسيادتها الكاملة. (عباس، 2007، ص 150)

 

الخاتمة

قدّم الشّعب الجزائريّ تضحيات كبيرة وجهودًا جبارة من أجل تحقيق الاستقلال والسّيادة الوطنيّة، فلقد ثار مرات عديدة  في وجه الاستعمار الفرنسيّ واستخدم وسائل وأساليب مختلفة ومتعدّدة من أجل تلك الغاية، لكنّه لم يوفق إلا بعد أن فجّر ثورة في الأوّل من تشرين الثّاني 1954، زاوجت فيها القيادة الثّوريّة بين العمل السّياسيّ والعسكريّ فتمكّنت من تحقيق الاستقلال .

والمتتبع لمواقف الوطنيّين من الثّورة الجزائريّة يستطيع القول إنّ السّريّة ميّزت اندلاع الثّورة، وإخفاءها جعلت من الاحزاب الوطنيّة تتريث في إبداء موقفهم منها، خاصة أنّهم يعلمون جيدًا دور السّلطات الاستعماريّة في حياكة المؤمرات للقضاء على الوطنيّين المناضلين، وكانوا قد أخذوا العبرة من أحداث الثّامن من أيار 1945 التي أجهزت على الأخضر واليابس ، فأي عمل أو موقف غير محسوب تكون عواقبه وخيمة على صاحبه. وعلى الرّغم من التّريث في بادىء الامر إلا أنّهم وبعد حين  أعلنوا دعمهم للثّورة، وقدموا قوافل من الشهداء. (مجلة الدّراسات الافريقية بالجزائر، 8 أيار2020)

لم تواجه الجزائر دولة استعماريّة تقليديّة، بل واجهت أعنف استعمار استيطانيّ، استعمار كان هدفه ليس فقط استغلال الامكانيّات الماديّة بل كان ولمدة 132 عامًا، من 1830 حتى العام 1962، يهدف الى محو الوجود التّاريخيّ والحضاريّ وحتى الإنسانيّ لدولة الجزائر. فعمليات الإبادة الجماعيّة ضد قبائل وعشائر بأكملها، من دون تمييز بين الكبير والصّغير، بين النّساء والعجزة ، إضافة الى ابتكار أساليب فظيعة في تعذيب الجزائريّين، فكل ذلك هي أعمال إجرامية ضدّ الإنسانيّة، محظورة دوليًّا وأخلاقيًّا.

غير أنّ توالي صيحات الاستنكار ضدّ سياسة القمع التي تنتهجها السّلطات الفرنسيّة في الجزائر، قد أسهمت في تشكيل رأي عام فرنسي مناهض لهذه السّياسة، فكان ذلك ضمن العوامل التي ساعدت على نجاح الثّورة الجزائريّة، وأرغمت السّلطات الفرنسيّة على الرّضوخ  للأمر الواقع، هو الاعتراف بجبهة التّحرير الوطنيّ كممثل شرعيّ للشّعب الجزائريّ، والجلوس معها الى طاولة المفاوضات التي كلّلت باسترجاع الشّعب الجزائريّ لحريته واستقلاله، بعد ليل استعمار طويل.

 

المصادر والمراجع

1– بلقاسم ، مولود قاسم (2013). ردود الفعل الأوّلية داخليًا وخارجيًا على غرة نوفمبر. دار الامة للطباعة والنشر، الجزائر.

2- بو علام ، نجادي(2007). الجلادون من 1830 الى 1962. دار الكتب الوطنيّة، الجزائر.

3- عباس، محمد(2007). نصر بلا ثمن الثّورة الجزائريّة(1954-1962). دار القصبة ، الجزائر.

4- عبداوي أحلام (2016). أحمد بن بيلا الدور الوطنيّ والثّوريّ ورجل الدّولة (1916-2012). مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستر في التاريخ. جامعة 8 أيار 1945، قالمة ، الجزائر.

5- عمراني، عبد المجيد (2008). جان بول سارتر والثّورة الجزائريّة. مكتبة كنزة ، الجزائر.

6- عمرو أحمد عمرو وعبد الرؤوف أحمد عمرو (1963). أحمد بن بيلا إبن شمال إفريقيا. الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة.

7- حربي ، محمد (1994). الثّورة الجزائريّة سنوات المخاض. ترجمة نجيب عياد ، صالح المثلوني ، الجزائر.

8- جريدة الخبر (2 تشرين الثّاني2012)

9- قدماء كشاف الإسلام الجزائريّ (14-5-2018).

10-مجلة الجزائريّة للبحوث والدّراسات التاريخيّة (كانون الأوّل 2016)

11- مجلة العبر للدراسات التاريخيّة والاثرية في شمال إفريقيا (16-1-2021)

([1]) مراد بوكشورة: هو ابن بولوغين بالعاصمة ولد في 31 آذار، مارس عام 1922 بالجزائر، انخرط بالكشافة الإسلامية الجزائرية عام 1942 وأصبح أحد مسؤوليها بمنطقة بولوغين وانخرط في حزب الشعب الجزائري بنفس العام. وعام 1947 وضع تحت تصرف المنظمة الخاصة كمسؤول فوج وكان طرفاً فاعلاً في التحضير للثورة من خلال توزيع التعليمات والتجسس وتجنيد عناصر العمل المسلح ووضع منزله الواقع في (رايس حميدة) تحت تصرف اللجنة الثورة للوحدة والعمل. حيث إنعقد اجتماع على مستوى عالٍ من الأهمية في صيف 1954. وفي 23 تشرين الأوّل، أكتوبر 1954 استخدم منزله مقراً لإجتماع القادة الستة التاريخي للثورة الجزائرية محمد بوضياف، مصطفى بولعيد، العربي بن مهيدي، كريم بلقاسم، مراد ديدوش ورابح بيطاط توفي في 15 تشرين الأوّل، اكتوبر 1991 (قدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية، 14 أيار 2018).

([2]) سويداني بو جمعة: ولد في قالمة الجزائرية في 20 كانون الثانين يناير 1922 ينتمي إلى أسرة متواضعة، فقد والده وهو في الرابعة من عمره فكفلته أمه منذ صغره ،كان عضواً في جمعية الكشافة الإسلامية التي كانت المدرسة الأولى لتكوين الرجال الوطنيين. وقد ساعده “أحمد جلول” (رئيسه في العمل) في إنخراطه في حزب الشعب حيث عين قائد مجموعة ثم قائد فصيلة. استدعي إلى الخدمة العسكرية عام 1944 ورغم كونه مجند ،  فقد شارك في مظاهرات أو أيار 1948. (المصدر: قالمة مباشر، 2020).

عدد الزوار:943

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى