أبحاثالفلسفة والشريعة

بين الأخلاق والدّين

بين الأخلاق والدّين

Between Religion and Ethics

سمر سامي بحمد

Samar Sami Bahmad

طالبة دكتوراه في جامعة الجنان/ كلية الآداب والعلوم الإنسانية

Jinan University

تاريخ الاستلام 15/3/2024                                    تاريخ القبول  25/3/2024

 

المخلص

يهدف البحث إلى توضيح العلاقة بين الدّين والأخلاق، في زمن كثرت آراؤه، وتعدّدت مشاربه، وازدادت صراعاته. وأعتقد أن ّما يعاني منه شرقنا، من تكفير النّاس بعضهم بعضا لاختلاف في الدّين أو  المذهب، ومن صراع واقتتال ودمويّة، يعود في البعض من أسبابه إلى فهم خاطئ لجماليّة السّماء، وعدم إدراك ما أنعمت به علينا من قيم إنسانيّة. وبقي على الإنسان أن يفهم ويعمل ما أمكن من جماليّة هذه السّماء ، وما فيها من حقّ وخير وجمال. ولقد سعيت في بحثي هذا إلى تبيان الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدّين.

الكلمات المفتاحيّة : الدّين- الأخلاق- تكفير- صراع

Abstract

This research aims to explore the relationship between religion and ethics in a time filled with diverse opinions, varied perspectives, and increasing conflicts. I believe that much of the suffering in the Eastern countries, such as excommunicating people over religious or sectarian differences, and the conflict, violence, and bloodshed, partly stems from a misguided longing for heavenly beauty and a failure to appreciate the human values it bestows upon us. It is up to us to understand and embrace the beauty, truth, and good that these heavens offer. Through this research, I have sought to highlight the deep connection between ethics and religion.

Keywords: Religion/Ethics/Atoning/ conflict

 

مقدّمة 

إنّ الحديث عن الأخلاق في زمن تعدّدت مفاهيمه وازدادت صراعاته لأمر صعب وشاقّ، ذلك أنّ كثيرًا من مشكلاتنا الاجتماعيّة تعود إلى الأزمات الأخلاقيّة الّتي يعانيها مجتمعنا اليوم. “فالشّرّ في الكون لم يأتِ منَ الخُلق… ولا منَ القواعد الّتي وضعت للخلق… ولكنّ تدخّل الإنسان فيها هو الّذي يفسدها… فالكون في خلقه غاية في الإبداع… وإنّ الإنسان بابتعاده عن منهج الله أوجد أمراضًا وآفات في المجتمع. جاءت بالشّقاء والشرّ”[1]، وثمة إجماع بين الأديان على أنّ هناك خطًا ما في حياة الإنسان دخلها فأفسد نقاءها الأصليّ، وأنّ إصلاح هذا الخطأ ممكن وواجب”[2]. فالشّعور بالخطيئة يثير أعماق الإنسان ويحرّكها، وكذلك الشّعور بالخلاص منها.

مسوّغات الموضوع

“يوم يتملّكك حبّ الحياة، ويتملّكك الإيمان بعصمتها عن كلّ خطأ أو زلل، يومئذ تستسلم لها بكلّ جوارحك فتضمّك إليها، وتفتح لك قلبها، فلا يبقى أيّ فاصل بين وعيك ووعيها، وإرادتك وإرادتها. وبكلمة أخرى لا يبقى أي فاصل بينك وبينها”[3].

ولأنّني أمتلك حبّ الحياة – وأرجو أن يتملّكني – في شرقٍ تعسٍ يكفّر فيه النّاس بعضهم بعضًا، لاختلاف في الدّين أو في المذهب، ويتصارعون متقاتلين، وكلّ يظنّ أنّه امتلك الحقيقة المطلقة الّتي تبرِّرُ أعماله؛ رأيت أن يكون بحثي هذا للإقرار بأنّ التّديّن مفتوح الآفاق، منفتح على كلّ الحقائق البشريّة. إنّه تديّن يعترف بالتّعدّد ما دام الشّعور الدّينيّ واحدًا في مشارق الأرض ومغاربها، فليتنافس بنو الإنسان في المحبّة، فاللّه هو ربّ الأرض والسّماء، وربّ النّاس أجمعين.

تحديد الإشكاليّة

وما لا خلاف عليه أنّ ثمّة إجماعًا بين الأديان على أنّ الإنسان مفطورٌ على معرفة وجود اللّه، ولقد خاطب الأنبياء فطرة الإنسان الواحدة الشّاملة عندما خاطبوهم باسم اللّه، ومعرفة وجود اللّه لا تخصّ دينًا دون آخر، لكنّها تنتمي إلى الإنسان حيث كونه إنسانًا. ﴿إنّا انزلنا عليكَ الكتابَ للنّاس بالحقّ فمَنِ اهتدى فلِنفْسهِ ومَنْ ضلّ فإنّما يَضِلُّ عليها وما أنتَ عليهم بِوَكيل﴾[4].

ولقد جاء في رسالة يوحنا الأولى:” أيّها الأحبّاء ، لنحبّ بعضنا بعضًا، لأنّ المحبّة هي منَ اللّه، وكلّ من يحبّ فقد ولد منَ اللّه ويعرف اللّه، ومن لا يحبّ لم يعرف اللّه، لأنّ اللّه محبّة”[5].

أمام كلّ هذا كان لا بدّ منَ الأسئلة التّالية:

– ما القيم الّتي أمطرتنا بها السّماء؟ وكيف كانت قراءة الإنسان لها؟ وكيف كانت علاقته بها؟

– ألّا يعي الإنسان أنّ قراءته الخاطئة للسّماء هي الّتي أوسعت مساحات الجراح المتعدّدة في مجتمعاتنا، وهل سيكون بمقدوره العودة إلى فهم سليم يحلّ عليه السّلام، والإقرار بأنّ الصّراعات في العالم ليست سوى أصداء لانعدام التّناغم والتّوافق بين ما ترفده السّماء، وما تفهمه الأرض؟

مفهوم الأخلاق لغة واصطلاحا

الأخلاق لغةً جمع خلق،”والخلق هو الدّين والطّبع، وهو الخليقة أي الطّبيعة”[6].

“والأخلاق اصطلاحًا، هي القيم الإنسانيّة التي تعارف الباحثون على أنّها غايات يطلبها الإنسان لذاتها، ومن شأنها أن تؤدّي إلى مقاصد سامية، تتمثّل في تحقيق السّعادة للأفراد والجماعات. وقد أجمع الباحثون على أنّ القيم الإنسانيّة تنضوي تحت ثلاثة عناوين كبيرة هي: الحق، والخيروالجمال. وهناك من أضاف إليها قيمة رابعة هي النزعة الدينيّة”[7]. ولا تزال قضيّة الأخلاق ومصادرها من أهمّ الموضوعات الإنسانيّة والاجتماعيّة التي شغلت الباحثين، وقد رأى البعض أنّ ” الدّين هو الذي يوجّه الإنسان نحو هذه القيم الثّلاث ويبلورها من خلال”التّصور الاعتقادي لهذه القيم”، ذلك بأنّه  يجعلها جزءًا لا يتجزّأ من عقيدة الإنسان الدينيّة”[8].

“والأخلاق تعنى بمبادئ السّلوك البشريّ وتبريرها. وهي تدور على مفاهيم مثل الواجب، حريّة الإرادة، المسؤوليّة، الخير، الصّواب، القيم، المثل العليا، الصّراع بين الرغبة والواجب أو بين الواجبات، اختيار الأصلح، الحكم على أفعالنا وأفعال الآخرين، تعايش الجميع بمحبة وسلام، العدل، السّعادة، تحقيق الذّات… إلّا أنّ هذه المفاهيم تدخل في صلب الدّين. فالدّين ليس الإيمان فحسب، لكنّه العمل الصّالح المنطلق من الإيمان بالله”[9]، فالأعمال الصّالحة، والتّفكير السّليم والتوجّه الصّحيح، مختبراتٌ حقيقيّة لصحّة الإيمان.

الدّين لخدمة الإنسان

من أجمل أقوال يسوع المسيح قوله لليهود الّذين احتجّوا عليه لأنّه يشفي الأمراض يوم السّبت الذي يُحرّم فيه العمل: “السّبت جعل لخدمة الإنسان، وليس الإنسان لخدمة السّبت”. ومؤدّى هذا القول أنّ الدّين وجد لخدمة الإنسان، ولم يوجد الإنسان لخدمة الدّين. فالدّين يبقى في خدمة الإنسان طالما حافظ على بُنية حيويّة متطوّرة، وطالما حافظت رموزه على طاقتها الإيمانيّة، ثمّ يغدو الإنسان في خدمة الدّين عندما يتحوّل الدّين إلى بنية حجريّة جامدة. ويبدأ هذا التّحوّل مع ظهور الإيديولوجيّات واختزال الدّين إلى كتب مقدّسة، ثم يتكرّس عندما يتحوّل الكتاب المقدّس من مرشد إلى معبود في حدّ ذاته، الأمر الّذي يحرم الدّين من حيويّته وطاقاته الإبداعيّة ويحوّله إلى قوّة كابحة”[10].

وفي الدّين الإسلامي تهدف العبادات إلى تفعيل القيم الأخلاقيّة، وإلّا كانت مجرّد طقوس فارغة من مضمونها الحقيقيّ الّذي أراده الله لعباده. ذلك أنّ العبادة الحقيقيّة يُفترض أن تُحفّز المتعبّدين إلى الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وتحديد الأهداف  الّتي يجب أن يبتغوها من وراء سلوكهم. “ولا بدّ أن تكون أعمال الإنسان صادرة عن فعل إراديّ، ووعي تامّ، أي شعور واعِ، لكي يمكن الحكم عليها بأنّها خير أو شرّ”[11].

فالأخلاق تبحث عن أعمال النّاس الإراديّة، لتحكم عليها بالخير والشّرّ، من أجل توجيهنا نحو تحقيق المنفعة والصّلاح والكمال لأنفسنا وللغير.

الصّراع بين الخير والشّر

إنّ معظم الأديان صوّرت العالم والنّفس البشريّة كحقل صراع بين الخير والشّرّ، ونظرت إلى الإنسان ككائن يملك من الفكر والإرادة ما يستطيع معه تجاوز مستوى الغريزة والتّسامي إلى مستوى السّلوك الأخلاقيّ الحرّ”[12]. فالحريّة هي التي تمكّن الإنسان من الاختيار بين فعل الخير وفعل الشّرّ، والإنسان إمّا شاكرًا وإمّا كفورًا ﴿وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنّما نحن مُصلحون ألّا أنّهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون﴾[13]

الله أوجد الكون على جمال وخير، لكن الإنسان بحريّة اختياره وبابتعاده عن الله أساء وأفسد، “وإنّ البعد عن منهج الله يأتي بطريقتين… إمّا بالغفلة عن المنهج بأن ينساه النّاس أو يحرّفوا فيه، وإمّا أن يأتوا بكلام ليس من عند الله ويقولون هو من عند الله، إنّهم أوّلًا ينسون ما يتعارض مع أهوائهم من منهج الله، وما لا ينسونه يحرّفونه، وما لم يحرّفوه يأتون بكلام بشريّ ثمّ ينسبونه ظلمًا وعدوانًا إلى الله سبحانه وتعالى”[14].

﴿ فويل للّذين يكتبون الكتب بأيديهم ثمّ يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون﴾[15] ويتأكّد لنا أنّ أسباب الشّقاء ناتجة عن كون الناّس تخلّوا عن منهج الله وأخذوا يشرّعون لأنفسهم بما يسمّونه القوانين الوضعيّة أي تلك الّتي تحكم الآن معظم دول العالم.

“وهكذا أدّى الاختيار البشريّ إلى الشّقاء بدلًا من أن يؤدّي إلى الخير، وإلى إهدار نِعم الله بدلًا من أن ينمّيها، وزيادة المشاكل على الأرض بدلا من أن يحلّها. وكان بُعد البشر عن منهج الله كارثة عليهم… فأفسدوا ولم يُصلحوا” [16]… ويبقى أنّ الصّراع الأزليّ بين قيم الخير والشّرّ لم يتوقّف عند حدّ ما، وإنّما هناك دائمًا مبادئ وأعراف توجدها التّناقضات والتّطوّرات المحدثة في التّشكيلة الاجتماعيّة على مدى العصور. وغالبًا ما نجد أنّ عددًا من القيم والمبادئ في منظومتي الخير والشّرّ لم تعد مقنعة، فتسقط ويحلّ محلّها مبادئ جديدة تتناغم مع التّطلّعات الجديدة. فما توافق عليه النّاس وتعارفوا على نفعه وفائدته، والتزموا به كان “المعروف” الذي أمر الله به، وما أجمع الناس على إنكاره باعتباره نقيضًا للعرف الذي توافقوا عليه، كان المنكر الذي أمر الله بالنّهي عنه. وهذا ما يقودنا إلى العلاقة بين أخلاق الدين وأخلاق العرف. ﴿خذِ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين﴾[17].

 الدّين أكبر منّ النّصوص الدّينيّة

إنّ الدّين بالإضافة إلى دعواته الصّريحة إلى الأخلاق التي عرفتها الإنسانيّة ومارستها، فإنّه يفتح مساحة جديدة لإمكانيّة الأخلاق الموجّهة الباحثة دومًا عن الحقيقة وعن معنى الحياة وعن الله. ذلك أنّ المؤمن الحقيقيّ يرى أنّ الله أكبر من الدّين، ومن النّصوص الدينيّة نفسها التي تكلمت باسمه في التّاريخ. وأنّ هناك دائمًا مسافة بين الديّن والنّصّ الدّينيّ. بمعنى أن الإنسان لا يؤمن بالنّصّ بقدر ما يؤمن بما يرمز له أو يشير إليه ذلك النّصّ.

وبرأيي، إنّه النّهج الصّحيح والسّليم حيث يتحرّك العقل الدّينيّ في مسار التّطور التّاريخيّ الطّبيعيّ للوعي  الإنسانيّ.

ومع كلّ ما تقدّم نرى ارتباط الدّين الوثيق بالأخلاق. في حين نجد أنظمة خلقيّة لا ترتكز على أساس دينيّ، فليس هناك أي دين دون أخلاق. “ولئن صحّ أنّ هدف الأخلاق غير الدّينيّة تحقيق ازدهار المجتمع، فهدف الأخلاق الدّينيّة تحقيق نقاء النّفس الذي تذهب الأديان إلى أنّه أساس كلّ رقيّ اجتماعيّ صحيح. هذا يعني النّظر إلى الأخلاق الدّينيّة في إطار مسألة الخطيئة والخلاص الّتي انطلقنا منها”[18].

فالتّعاليم الدّينيّة تكاد لا تختلف كثيرًا من دين إلى دين آخر.”وربما كانت الوصايا العشر في العهد القديم دليلًا على ذلك، وعلى الرغم من وجود الإشكاليّات الكثيرة حول التّوراة، وحول ما أثبتته الدراسات التّاريخيّة واللغويّة التي قام بها العلماء المتخصّصون في أوروبا أنّ التّوراة الحاليّة كُتبت في عهود مختلفة”[19]؛ إلّا أنّنا نلحظ أنّها تضع “أساس مجتمع دينيّ يقوم على عدم الشّرك بالله، وقد حرّمت الوصيّة الثّانية بما يجب أن يكون عليه المؤمن من صيانة اسم  الله”[20]. علمًا أنّه في الوصايا العشر يُعتبر وجود آلهة أخرى أمرًا بديهيًا:” لن يكون هناك آلهة غريبة لك أمام وجهي”[21].

ولقد تمّ ذكر بعض هذه الوصايا في الكتاب المقدّس للإقرار بفطرة الإنسان وضميره. فيقول بولس الرّسول إنّ “الأمم الذين ليس عندهم النّاموس، متى فعلوا بالطّبيعة ما هو في النّاموس فهؤلاء… ناموس لأنفسهم،… وهم يظهرون عمل النّاموس مكتوبًا في قلوبهم”[22].

ولقد لخّص السّيد المسيح رسالة النّاموس في وصيّتين:”تحبّ الربّ إلهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ فكرك”، وتحب قريبك كنفسك”[23].

ولقد رأى الإسلام أنّ قوام الأخلاق التّقوى، أي الالتزام بما أمر الله، والانتهاء عمّا نهى عنه. ﴿يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا،إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم، إنّ الله عليم خبير﴾[24]. وإذا كانت قواعد الأخلاق مجموعة من النّواهي والأوامر، فقد عبّر كونفوشيوس عن النواهي بقوله:” لا تفعلوا بالنّاس ما لاتريدون أن يفعلوه بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم”. فالأخلاق عمل، …لذلك قال النّبي محمدﷺ: إنّ الدّين هو المعاملة”[25].

وإذا جعلت الأديان خلاص الإنسان في الإيمان، فلقد جعلت القلب أساسًا للإيمان:” الإنسان الصّالح من الكنز الصّالح في القلب يخرج الصّالحات، والإنسان الشّرّير من الكنز الشّرّير يخرج  الشّرور”[26]. كيف تقدرون أن تتكلّموا بالصّالحات وأنتم أشرار؟ فإنّه من فضلة القلب يتكلّم القلب”[27].

من هنا جعل السّيّد المسيح من المحبّة، والنّبي محمد من الرّحمة أساسًا لكلّ عمل صالح.

الرّسالات السّماويّة تكرّس الأخلاق

إذن تلتقي الرّسالات السّماويّة على المبدأ الأخلاقي، وتحضُّ أتباعها على التزامه وتطبيقه في الحياة اليوميّة. ونستطيع أن نختصر كلّ المفاهيم التي تحدّثت عن الأخلاق وعن مصادرها، بما ذهب إليه الفيلسوف الفرنسيّ هنري برغسون إذ قال: إنّ للأخلاق منبعَين أحدهما يتمثّل في الإلزام والفرض، والثّاني يتمثّل في التّطلّعات الرّوحيّة المبدعة للأفراد”. هذه الثّنائيّة للأخلاق يجدها برغسون في ميدان الدّين، حيث يرى نوعين من الأديان: الأوّل بدائيّ… يُفرض على النّاس فرضًا، وتحرّكه غايات نفعيّة محدودة ذات طابع مادي ضيّق. أمّا النّوع الثّاني فيتمثّل في الرّسالات العليّة التي ترقى إلى أعلى مراتب القيم الرّوحيّة والمحبّة الإنسانيّة ويأتي بها المرسلون وكبار المصلحين”.النوع الأوّل أطلق عليه ” الدّين السّكونيّ” أمّا الثّاني فالدّين الحركيّ”[28].

فقد فرّق برغسون بين مظهرين للفكرة الدّينيّة: المظهر الأوّل وهو قاصر عن فهم سموّ الرّسالة الدّينيّة وتعاليمها ذات البعد الإنسانيّ، وهو يتمثّل في الأديان البدائيّة والموروثات الاعتقاديّة البائسة. أمّا المظهر الثاّني فيتجلّى في وثبات وإبداعات الرّؤى الإصلاحيّة التي عبّرت عنها رسالات السّماء وجاء بها كبار المصلحين”[29]. هذه  الثّنائيّة في فهم الدّين تكاد تكون موجودة عند اتباع الدّيانات السّماويّة جميعًا، فنجد دائمًا مجموعة تتمسّك بالقشور وتترك الأعماق فتحيد عن فهم حقيقيّ للدّين، وتخطئ في تطبيق تعاليم الدّين إلى حدّ يناقض الشّريعة، وبالمقابل نجد فئة عاقلة منفتحة الفكر تفهم المعاني الإنسانيّة الرّاقيّة فهمًا حقيقيًا فتسعى إلى نشرها وتطبيقها.

خاتمة

إنّ علاقة الذّات يخالفها علاقة مباشرة لا تحتاج إلى وسيط، لكنّ تجارب الأوليّاء، بما تتضمّنه من بعد إنساني، تزيده غنًى ومعرفة، وتصقل ذاته وتشحنها بمعارفَ توصله إلى فهمٍ أعمق لله .

وإنّ الدّمار الّذي لحق البشريّة عامّة، وعالمنا العربيّ خاصّة، إنّما هو ناتج من سوء فهم الإنسان لما رفدته إلينا السّماء، وعن تقديرٍ خاطئ لما أنزلته، وعن تبنّي أصحاب العقول المتحجّرة أراء تخدم غاياتهم، وإلحاقها بالسّماء.

 

لائحة المصادر والمراجع

أوّلا: الكتب الدّينيّة

1- القرآن الكريم

2- الإنجيل المقدّس

ثانيا: المصادر العربيّة

1- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت (لبنان) ،طبعة جديدة منقّحة، 2008.

ثالثا: المراجع العربيّة

1-أمين،أحمد، كتاب الأخلاق، مكتبة النّهضة المصريّة، القاهرة، ط10،  1985.

2- السّوّاح، فراس، الله والكون والإنسان، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق-سوريا، ط1، 2016 .

3-الشّعراوي،محمّد متولّي،الخير والشّرّ،مكتبة الشّعراوي الإسلاميّة،مصر، رقم الإيداع   8813/1990.

4-صعب،أديب،المقدّمة في فلسفة الدّين، دار النّهار للنّشر،بيروت،1994.

5-عبده،مصطفى،فلسفة الأخلاق،مكتبة مدبولي، القاهرة،1999.

6-فريج، غازي،العلاقة بين الدّين والأخلاق، المعارف الحكميّة، معهد الدّراسات الدّينيّة والفلسفيّة، لبنان، بيروت،  2015.

7-  المدني، أبو ضيف، الأخلاق في الأديان السماويّة، دار الشروق،ط أولى،1988.

8- نعيمة، ميخائيل، المجموعة الكاملة،المجلّد السّابع (يا بن آدم) ،دار العلم للملايين،1975.

رابعا:المراجع الأجنبيّة المترجمة

1-  برغسون، منبعا الأخلاق والدين، تعريب سامي الدروبي وعبد الله عبد الكريم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1984.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1]  الشعراوي، محمد متولي، الخير والشر، مكتبة الشعراوي الإسلاميّة، مصر ص. 16-17، رقم الإيداع 8313/ 1990.

[2]  صعب، أديب، المقدمة في فلسفة الدين، دار النهار للنشر،  بيروت 1994، ص.19

[3] نعيمة، ميخائيل، المجموعة الكاملة، المجلد السّابع ( يا بن آدم)، دار العلم للملايين، 1975، ص 54 – 55.

[4] سورة الزّمز الآية 41

[5] ايو، 4،7.

[6]  ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت،جـ 10، باب”خلق”،ص86.

[7]  فريج، غازي. العلاقة بين الدين والأخلاق، المعارف الحكمية، معهد الدراسات الدينية والفلسفية، لبنان، بيروت، 2015، ص1(المقدمة).

[8]  عبده، مصطفى، فلسفة الاخلاق، مكتبة مدبولي، القاهرة 1999، ص. 15-16

[9]  صعب، أديب، م.س، ص235.

[10]  السّواح، فراس، الله والكون والإنسان، دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر، دمشق-سوريا، ط1، 2016 ص. 55-56

[11]  أمين، أحمد، كتاب الأخلاق،مكتبة النهضة المصريّة القاهرة، 1985، مقدمة الكتاب ص.3.

[12]  عبده، مصطفى ، م. س. ص. 23

[13] سورة البقرة، الآيتان 11-12.

[14]  الشعراوي، محمد،  م. س،ص31.

 سورة البقرة، الآية 79. [15]

[16]  الشعراوي، محمد، م. س. ص. 77-78

 سورة الأعراف ، الآية 199. [17]

[18]  صعب، أديب، م.س،ص26 -27.

[19]  المدني، أبو ضيف، الأخلاق في الأديان السماويّة، دار الشروق،ط أولى،1988، ص.17

[20]  م.،ن، ص24-25.

[21]  سفر الخروج، الإصحاح2:20.

رومية 2: 14-15. [22]

[23]  متى 22،37،39

[24]  سورة الحجرات، ألأية 13

[25]  صعب، أديب، م.س ص27.

[26]  متى 35:12

[27]  متى 34:12

[28]  برغسون، منبعا الأخلاق والدين، تعريب سامي الدروبي وعبد الله عبد الكريم، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان،1984 ص.7-8-21

[29]  م.ن.ص. 22- 23-24

 

عدد الزوار:2561

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى