أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

سوريّة بين المؤتمر السّوريّ والانتداب الفرنسيّ 1919-1920

سوريّة بين المؤتمر السّوريّ والانتداب الفرنسيّ 1919-1920

Syria between the Syrian Congress and the French Mandate 1919-1920

وحيدة حميدي السّعيد

Wahida Hamidi Al-Saeed

أ.د. راما دراز مشرفًا رئيسًا[1]              أ.د. محمد القوزي مشرفًا مشاركًا[2]

تاريخ الاستلام 9/3/2024                                             تاريخ القبول 21/3/2024

 

الملخص

بعد سقوط الدّولة العثمانيّة مرّت سوريّة بالعديد من التّحوّلات التي ولّدت ما يسمى بالمخاض السياسيّ الذي أظهر الحالة السّياسيّة حول قيام الوطنيّين ببلورة وجود الدّولة السّوريّة الا أنّ الانتداب الفرنسيّ كان اقوى حيث فرض الانتداب الفرنسيّ على سوريّة، وبقي فيها حتى العام 1946، وقد عانت سوريّة في هذه المرحلة العديد من الأزمات والعقبات.

الكلمات المفتاحية: سوريّة، فرنسا، انتداب، فيصل، غورو، ميسلون.

Abstract

After the fall of the Ottoman Empire, Syria went through many transformations that generated what is called political labor, which revealed the political situation around the patriots crystallizing the existence of the Syrian state. However, the French mandate was stronger, as the French mandate was imposed on Syria, and it remained there until the year 1946, and Syria suffered during this period. The stage of many crises and obstacles.

Keywords: Syria, France, mandate, Faisal, Gouraud, Maysaloun.

 

مقدمة

شهدت بلاد الشّام عقب سقوط الدّولة العثمانيّة حالة من عدم الاستقرار نتيجة الأوضاع الإقليميّة والدّوليّة التي أفرزتها الحرب العالميّة الأولى، فقد كانت بلاد الشّام في تلك الحقبة تحت حكم الدّولة العثمانيّة، إلا أنّها سرعان ما تلاشت وانهارت عقب دخولها في الحرب تلك، وانكمشت على نفسها وظهرت الجمهورية التّركيّة، أمّا عن بلاد الشّام فقد كان ينتظرها مصير غامض تجلّى في الانتداب الفرنسيّ والإنكليزيّ على أقطار بلاد الشّام، وكانت سوريّة على وجه الخصوص ساحة للعمل السياسيّ الدّؤوب من أجل الحصول على الاستقلال، وتأسيس دولة عربيّة موحدة، من خلال سعي الأمير فيصل بن الشّريف حسين للنّهوض بالدّولة السّوريّة، إلّا أنّ الانتداب الفرنسيّ كان حاضرًا من خلال إجهاض العمل السياسيّ السّوريّ، وأُعلن الانتداب على سوريّة بعد معركة ميسلون في العام 1920.

الإشكالية

انطلاقًا من العنوان تتولّد معنا الإشكالية الآتية: ما هي الظّروف التي أدّت إلى سعي الدّول الأوربيّة إلى الانتداب على سوريّة ولبنان؟

الفرضية

بما أنّ الفرضيات هي إجابة عن التّساؤل، فلا بد من القول بأنّ انهيار الدّولة العثمانيّة وعدم وجود إطار سياسيّ قادر على احتواء الدّولة السّوريّة، وكذلك حالة الطّمع الأوربيّة باملاك الدّولة العثمانيّة أدّى إلى حصول الانتداب.

المنهج المتبع

اعتمدت المنهج الوصفيّ التّحليليّ في عرض للمعلومات التّاريخيّة وتحليلها، وكذلك المنهج التّاريخيّ في سرد الاحداث التّاريخيّة وتبيان علاقتها ببعضها البعض.

تقسيم البحث

قُسّم البحث الى مقدمة ومبحثين اثنين: الأوّل المؤتمر السّوريّ العام، والثّاني الانتداب الفرنسيّ على سوريّة. وخاتمة.

سعت الكيانات الموجودة في منطقة سوريّة الكبرى إلى بلورة دولة للنّهوض والوصول إلى مرحلة دولة مستقلة قادرة على ايفاء بمتطلباتها، لكن هذا لم يحدث وكانت القوى الاستعماريّة مرابطة وجاثمة على صدر هذه البقعة الجغرافيّة المسماة سوريّة الكبرى أو بلاد الشّام.

فاتفاقية سايكس بيكو هي الاتفاقية الأبرز التي وقعت بين القوى الاستعماريّة من اجل تقسيم النّفوذ فيها بينها، وقد أتت أُكلها هذه الاتفاقيّة من خلال إيجاد عدة دول منفصلة في بادئ الأمر، إلا أنّ القوى الوطنيّة حالت دون تجزيئ المجزأ، وكما هو معروف أنّ سياسة الاستعمار هي فرق تسد، فقد عمد الفرنسيّون إلى تجزيئ سوريّة إلى عدّة دول في دمشق وحلب والسّاحل ودير الزّور وجبل العرب، إلا أنّ السّوريّين لم يكونوا ليرضوا بهذا التّقسيم.

فقد عقد المؤتمر السّوريّ العام الذي بلور صيغة مبدئية للدّولة السّوريّة، وهذه الصّيغة ما لبثت أن تحقّقت على أرض الواقع إلا أنّ فرحة الشّعب لم تكتمل من خلال فرض السّلطات الفرنسيّة الانتداب على سوريّة الذي استمر ست وعشرون سنة، لكن ما هو واضع أنّ الدّولتين الاستعماريّتين فرنسا وبريطانيا سعتا إلى السّيطرة التامة على الشّرق الأوسط دون أي اعتبار للقانون الدّولي، لكن في المقابل عقدت عدة اتفاقيات وفق ما يعرف بتقاسم التّركة العثمانيّة، ومن أبرز الاتفاقيات كانت سايكس بيكو والمؤتمرات التي تلتها.

وقد أعلنت السّلطات الفرنسيّة الانتداب على سوريّة ولبنان كلًا على حدة من أجل تعزيز سياسة التّفريق بين البلدان والدّول، الأمر الذي انعكس بشكل سلبي على حاضر ومستقبل لبنان وسوريّة، فضلًا عن تضارب المواقف حول الانتداب وطريقة التعامل معه.

 

أولًا: المؤتمر السّوريّ العام 1919

إثر انهيار الدّولة العثمانيّة بنتيجة عمليّات الحرب العالميّة الأولى (1914-1918)، أعلن الأمير فيصل بن الحسين، قائد الجيوش العربيّة الشّمالية في قوات الحلفاء، في دمشق في 5 تشرين الأوّل 1918 لأهالي سوريّة «تشكيل» حكومة دستوريّة عربيّة مستقلة استقلالًا مطلقًا لا شائبة فيه شاملة جميع البلاد السّوريّة، وقد كان إعلان فيصل تاريخيًا؛ إذ كان أوّل إعلان في تاريخ العرب كّله عن عربيّة الدّولة. وبموجب تشكيل حكومة المديرين كأوّل شكل من أشكال الحكومة العربيّة، شكل بعد مرحلة بسيطة المجمع العلميّ للّغة العربيّة، وحلّت اللّغة العربيّة محل اللّغة التّركيّة في سجلات المحكمة الشّرعيّة ومحكمة التّجارة في دمشق بدءًا من ٢٥ تشرين الأوّل ۱۹۱۸، أي مع بدايات الحكم العربيّ، وبدأ ترقيم جديد لصفحات سجلات المحكمة الشّرعيّة باللّغة العربيّة. واستمر ذلك حتى ٣ كانون الثّاني ۱۹۲۱، إذ حلّ ترقيم جديد في عهد فرنسا بدءًا من ٣ كانون الثّاني ۱۹۲۱( ديب، 2017، 140).

وقد تشكّلت في مرحلة ما قبل إعلان الاستقلال ثلاث حكومات مديرين، وحلّت حكومة مجلس المديرين الأوّل مكان الحاكمية العسكريّة العامة التي تم إلغاؤها فيما عدا حاكميتي حلب ودير الزّور، وظلت حكومة المديرين العربيّة في جميع مراحلها الثلاث مسؤولة أمام فيصل، إلى أن تحوّلت إلى حكومة (وزارة)، إذ غدت مسؤولة أمام المؤتمر السّوريّ بعد انعقاد ما يمكن وصفه بـ دورة الاستقلال»، وإعلان استقلال سوريّة في حدودها الطّبيعيّة في 8 آذار / مارس ١٩٢٠ (تبيّن، 2013، ص 24).

  1. السّياق السياسيّ والتّاريخيّ للمؤتمر السّوريّ

كانت فكرة تشكيل مؤتمر قومي فكرة متواترة يتداولها كثير من العاملين في القضية العربيّة لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد مصير القضية السّوريّة. وساهم متغيران أساسيان في تسريع وتيرة هذه الفكرة، وبالتالي تشكيل «المؤتمر السّوريّ العام».

المتغير الأول هو محاولة فيصل تجذير تمثيليته للسوريّين، إذ رأى البعض أنّه ليس إلا بدويًّا غريبًا من الحجاز، لذا طلب من نائبه الأمير زيد القيام بتنظيم برقيات باسم أهل سوريّة ينتدبونه فيها ممثلًا عنهم وناطقا باسمهم، ونتج من ذلك تشكيل جمعية العربيّة الفتاة السّريّة التي كانت بمنزلة الحزب السري الحاكم للعهد العربيّ لـ «حزب الاستقلال العربيّ في ٥ شباط ۱۹۱۹، كواجهة علنية شعبية تعبوية لها. وسيطغى بعد مدّة اسم الواجهة على اسم الجمعية السّريّة الأم، حيث سيوصف قادتها طوال العقد اللاحق بالاستقلاليين.

والمتغير الثّاني هو تشكيل لجنة التحقيق الدّوليّة، حيث شكل الأربعة الكبار هذه اللّجنة التي ستدعى باسم الجنة كينغ كراين، في ١٥ آذار ۱۹۱۹ للتحقّق من رغبات الأهالي، وذلك استجابة لفكرة الرئيس الأميركيّ ودور ويلسون للخروج من الصراع الطاحن الذي نشب بين لويد جورج وكليمنصو حول تفسير اتفاقها الشفهي والسري السابق حول ما يمكن وصفه باتفاقية سايكس بيكو المعدلة، بتنازل فرنسا عن الموصل في مقابل دعم بريطانيا للانتداب الفرنسيّ على سوريّة (مسعد، 1929، ص80).

واستنادًا إلى هذه التسوية الفرنسيّة -البريطانية، أبلغ كليمنصو في ١٦ نيسان ۱۹۱۹ فيصل شفهيًا أن الجيش الفرنسيّ سيحل مكان الجيش البريطاني في سوريّة، وأن كليمنصو مستعد لاعتراف فرنسا بحق سوريّة في الاستقلال بشكل اتحاد فيدرالي يتألّف من حكومات محلية تتمتع بالاستقلال الذّاتيّ بما يتناسب مع تقاليد السّكان. لكن فيصل غادر باريس من دون أي التزام بأي ارتباط أو تعهد، مراهنًا على دعم الولايات المتحدة في إنقاذ سوريّة إما بالاستقلال أو بالانتداب الأمريكي.

عاد فيصل في هذا السّياق من مؤتمر الصلح في باريس إلى دمشق، وأعلم وجهاء سوريّة ونخبها في اجتماعه معهم في 9 أيار ١٩١٩ بنتائج مثوله أمام مؤتمر الصلح، وطلبه الاستقلال لكل من سوريّة الطّبيعيّة والحجاز والعراق كدول مستقلة، على أن يقوم بينها اتحاد جمركي واقتصادي، من دون معاونة أو حماية، وقرار المؤتمر بإيفاد لجنة التحقيق الدّوليّة للتحقق من رأي الأهالي بمصيرهم، وتعيين الدّولة التي يرونها مناسبة لمساعدتهم. ودافع عن سوريّة بحدودها الطّبيعيّة، وقال إن السّوريّين يطلبون استقلال بلادهم الطّبيعيّة، ولا يريدون أن يشاركهم فيها شريك( اسماعيل، 1998، ص58).

على أثر ذلك دعا فيصل إلى مؤتمر سوريّ عام التي شكل محتواها انعطافًا مميزًا في مسار آلية العمل السّياسيّ لمستقبل سوريّة (بهلوان، 2016، ص 271).

وقد حصل فيصل على اجماع وطنيّ شمل الطوائف والاقليات كافة وفي الواقع وصلت ازمة البلاد إلى اوجهها بعد صدور قرارين فرنسيين خطيرين متعلقان باستقلال سوريّة ووحدتها هما وصول فرق امداد فرنسية إلى البلاد وقرار مجلس ادارة جبل لبنان في 20 ايار عن اعلان الاستقلال للبنان بحدوده التّاريخيّة والجغرافية والطّبيعيّة ضمن دولة لبنان الكبير، وبذلك يتضح مدى خطورة قرارات كهذه تستهدف استقلال البلاد ووحدتها خاصة وان لبنان امتداد طبيعي لسوريّة بكل الابعاد التّاريخيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة. وبذلك فقد شكّلت مجمل هذه المجريات مقدمات فعليّة للإقدام على تنفيذ فكرة عقد مؤتمر وطنيّ يؤكد استقلال سوريّة (بهلوان، 2016، ص 272).

وقد صدرت الدّعوة الرّسميّة لتشكيل المؤتمر عن الحاكم العسكريّ العام رئيس الحكومة رضا الركابي بناءً على توجيهات الأمير فيصل الذي أراد أن يثبت قدرته على حكم البلاد، وأطلق عليه الأمير فيصل اسم المؤتمر السّوريّ العام المؤقت في كلمة في3 أيار في بيروت وكلمة أخرى في 5 أيار في دمشق بعد أن تبنى الفكرة التي تداولها مع القيادات الوطنيّة السّوريّة خاصة. كما كانت فكرة المؤتمر قائمة عند عدد من أعضاء حزب حديث التّكوين عرف باسم حزب الاستقلال العربيّ، ولم يكن سوى جمعية الفتاة السّابقة في لبوس جديد، ومنحها فيصل تلك الحركة تأييده وحاول أن يوجهها في طريق دستوريّة منظمة آملين في الوقت ذاته ان تعيد فكرة المؤتمر بعض الثّقة بين الشّعب وسلطته السّياسيّة المعنيّة بمجمل ما يحدث على أـرض الوطن (إسماعيل، 1998، ص62).

لذا وُجّهت الدّعوة إلى السّوريّين لانتخاب أعضاء المؤتمر السّوريّ الذي سيعقد في دمشق، وبالاعتماد على قانون الانتخاب العثماني، واُستكمل العدد النّهائي لأعضاء المؤتمر على مراحل، وقد كان المؤتمر مدعومًا من حزب الاستقلال وحزب الاتّحاد السّوريّ لاتفاقهما في أهدافهما وغاية المؤتمر.

وقد كانت مهمّة المؤتمر الأساسية وضع قانون للبلاد والإشراف على أعمال الحكومة، والاتّفاق مع اللّجنة الوطنيّة للدّفاع عن وحدة سوريّة واستقلالها ومقاومة التدخل الأجنبيّ وخاصة الفرنسيّ، أما غاية فيصل نفسه فكانت تمثيل البلاد أمام اللّجنة الأمريكيّة، وعرض مطالبها وأمانيها عليها، ثم سنّ القانون الأساسيّ مع ضرورة وضع النّصوص صريحة فيه لحفظ حقوق الأقليات والسّعي إلى تنفيذ سياسته، وتبني المؤتمر لها في وحدة سوريّة واستقلالها، حتى تتبين بوضوح أهداف الشّعب أمام اللّجنة الأمريكيّة. وقد بدأ المؤتمر يعقد جلساته ابتداء من اوائل شهر حزيران 1919 وحتى أواخر تموز 1920 (بهلوان، 2016، ص272-277)

ويمكن اعتبار الدّورة الأولى هي الدّورة التّأسيسيّة للمؤتمر وقد أجرتها إدارة فيصل بموجب التّفويض الذي حصل عليه من وجهاء سوريّة والحملة الشّعبيّة التّعبوية التي قادها حزب الاستقلال العربيّ في النصف الثّاني من ايار 1919 (تبين، 2013، ص 27)

انتخب المؤتمر في جلسته الأولى فوزي باشا للرئاسة الأولى وعبد الرحمن باشا اليوسف للرّئاسة الثّانية نائبًا ومحمد عزة سكرتير الهيئة المركزية للفتاة سكرتيرًا، وكان العظم واليوسف قد انتخبهما نواب ولايتين دمشق وحلب للرّئاسة ونيابة الرّئاسة في اجتماع غير رسميّ عقد في منزل العظم ثم في منزل عطا باشا البكري بحضور فيصل قبل انعقاد الجلسة الرّسميّة الأولى للمؤتمر.

افتتح فيصل جلسته الأولى في سبعة حزيران 1919 محدّدًا مهمته بوضع قرار يمثّل البلاد لتقديمه إلى لجنة التّحقيق الدّوليّة كينج كراين ووضع قانون أساسيّ للدّولة العربيّة في سوريّة ودعم الجبهة الشّعبية للدّفاع عن وحدة سوريّة واستقلالها ومقاومة التّدخل الأجنبيّ وخاصة الفرنسيّ انجز المؤتمر في دورته التّأسيسيّة الأولى برنامج دمشق للوحدة والاستقلال ثم قدم إلى لجنة كراين وألّف لجنة القانون الأساسي الدّستور لوضع أسس الدّولة السّوريّة العربيّة المستقلة.

وقد شكّل برنامج دمشق أساس العرائض المعادية للانتداب الفرنسيّ، حيث طالب بالاستقلال التام، ورفض مفهوم الانتداب، لكن مع قبول المساعدة والإرشاد على أن يأتي من الولايات المتحدة، فإنّ لم يكن فمن بريطانيا، مع رفض فرنسا رفضًا باتًا بأي شكل كان، وقد صوّت معظم العرب المسلمين والمسيحيين الارثوذكس والبروتستانت وقسم كبير من الروم الكاثوليك لبرنامج دمشق بينما صوت ضده ممثل الطوائف المسيحية المارونية والكاثوليكية التابعة لكنيسة روما. اما موقف زعمات جبل الدروز فكان موحدًا نسبيًا امام لجنه كانغر كراين التي زارت الجبل في 28 حزيران 1919 في تبني برنامج دمشق، وقد هيمن برنامج دمشق على سائر البرامج الاخرى بحكم قاعدته الأكثرية على الأقل.

أمّا الانجاز الثّاني فتمثّل في تأليف لجنة القانون الأساسي-الدّستور وكلّف هاشم الاتاسي برئاسة لجنة الدّستور وبذلك نزعت فكرة المؤتمر السّوريّ على حد تعبير وجيه كوثراني نحو إرساء اسس دستوريّة لدولة قوميّة مستقلة وجدت تجربتها الأولى في مجلس المديرين (تبيّن، 2013، ص 29-30).

أمّا الدّورة الثّانية للمؤتمر السّوريّ فارتبط انعقادها بوقوع ما يدعى في الحوليات السّوريّة اتفاق الاستبدال الذي توصل اليه كل من لويد جورج وكليمونصو في 13 ايلول 1919، وكرّس اتفاقية سايكس بيكو المعدلة في الاتفاق الشفويّ بين لويد جورج وكليمونصو في كانون الاول 1918 وتلخّص مضمون الاتفاق في انسحاب القوات البريطانيّة من سوريّة وكيليكيا وحلول قوّات فرنسا مكانها بدءًا من اوائل تشرين الاول 1919، وأن ينتهي جلاء القوات البريطانيّة عن سوريّة في الأوّل من تشرين الثّاني 1919، وقد اعترض فيصل كما اعترض والده الحسين بشدّة على الاتفاق قبل عقده وبعده،  لكن بريطانيا عدّته في محاولة لخداع فيصل ووالده أنّه إجراءات عسكريًة مؤقتًا، لكن الخدعة لم تنطلِ على فيصل ولا على العاملين في القضية العربيّة (تبيّن، 2013، ص 30). وعدّوه تمهيدًا لتسليم لبنان والمناطق السّاحلية في شماله إلى فرنسا لتحتلها احتلالا دائمًا. بينما تكيّف فيصل مع الامر حين أفهمه البريطانيون بشكل قاطع ان كليمنصو هو صاحب الشأن في سوريّة، ومهدوا للقاءاته مع كليمو نصو التي تمخضت في الأخير عن اتفاقين، كان أهمهما ما هو معروف في الحوليات السّوريّة باسم اتفاق فيصل كليمو نصو في 6 كانون الثّاني 1920 فإنّ التّحدّي الحقيقيّ الميدانيّ والسّياسيّ لاتفاق الاستبدال صدر عن الدّاخل السّوريّ. وارتفعت وتيرة التّحدي والتّعبئة مع إعلان الحكومة الفرنسيّة في 18 تشرين الاول 1919 تعيين الحكومة الفرنسيّة في الشّرق ومندوبًا ساميًا لفرنسا في سوريّة يصل إلى بيروت من اجل تنفيذ اتفاق الاستبدال، ولكن قام الامير فيصل بتهدئة الراي العام الذي اشتد قلقًا من هذا التصريح، فاستوضح نور السعيد في ضوء ذلك في اول تشرين الثّاني رأي الحكومة العربيّة حول مدى استعداد الامة لمقاومة حلول القوات الفرنسيّة مكان القوات البريطانية بموجب اتفاق الاستبدال فانقسم الموقف الحكومة العربيّة حول كيفية التعاطي مع هذه الازمة وكان ذلك اول انقسام في تشكيلات الحركة العربيّة الحديثة(إسماعيل، 1998، ص65).

وقبل يومين من بدء انسحاب القوات البريطانيّة هاجت دمشق وشكّل المؤتمر السّوريّ لجنة من اعضائه لإبلاغ المعتمدات الأجنبية بأنّه يحتجّ على كل قرار يخالف تصفية الأمة بضرورة المحافظة على وحدة البلاد السّوريّة واستقلالها، فتظاهرت المدن السّوريّة وارتفعت وتيرة التطوع في فصائل اللّجنة الوطنيّة العليا وسارت في دمشق تظاهرة الفيّة صاخبة ووصل الجنرال غورو في 21 تشرين الثّاني 1919 إلى بيروت كأوّل مفوض سامي فرنسيّ على سوريّة ولبنان واستقبل بتنظيم مظاهرات مؤيدة لفرنسا في العديد من المناطق اللّبنانيّة، اما في دمشق فشكّلت مظاهرات لمواجهة غورو، وقبل جلاء بريطانيا عن دمشق قامت باعتقال ياسين طه الهاشمي رئيس ديوان الشورى الحربي بأمر من الجنرال اللنبي ففوجئ فيصل بالاعتقال، ( ديب، 2017، ص149).

ثم عقد المؤتمر السّوريّ في 22 تشرين الثّاني 1919 بدافع من نائب الامير فيصل الامير سيد في جلسة سريّة اي في اليوم الذي جرى فيه اختطاف الهاشمي لمناقشة الموقف من عملية الاستبدال، وعرض الركابي في المؤتمر بيان حكومته بشان طبيعة الاتفاق، بأنّه اجراء مؤقت وطرح المؤتمر إعلان الاستقلال التام للقطر السّوريّ بحدوده التي عينها المؤتمر السّوريّ بقراره الذي قدمه للجنة الدّوليّة الأمريكية، وأنّه غير قابل للتّجزئة ولا الانقسام بوجه من الوجوه مع تعيين شكل الحكومة بأنّها ملكية سوريّة مدنيّة، وطلب المؤتمر تشكيل حكومة مسؤولة أمام الأمّة تحل مكان حكومة المديرين المسؤولة أمام الأمير( لونغرينغ، 1978، ص110).

ووجه المؤتمر السّوريّ في اليوم نفسه بيانًا إلى الشّعب السّوريّ يلخّص قراره في أنّه يوجب على الأمّة الدّفاع الوطنيّ ضد كل من يحاول إخلال وحدة البلاد واستعمالها، والعبث باستقلالها والمسارعة إلى تلبية نداء الوطن والشرف.

وفي 10 كانون الاول 1919 أرغم ركابي على تقديم استقالته وتألّفت حكومة جديدة احتلّ فيها الدّفاعيون مناصب سياسيّة وأعلنت الحكومة قانون الدّفاع الاجباريّ وحركت الثّورات وحرب العصابات ضد القوات الفرنسيّة في كل مكان متاح وتحوّلت الحركات الثّوريّة ضد البريطانيين، فتمكن الثّوار حتى من طرد البريطانيين من دير الزور، وكان اعضاء المؤتمر السّوريّ مثل ابراهيم هنانو الذي قاد الثّورة في منطقة إدلب وجبل الزاوية ضد الاحتلال الفرنسيّ، ومحمد الفاعوري الذي قاد الثّورة المحلية ضد الوجود الفرنسيّ في تلكلخ ( الجندي، 1960، ص158).

وكانت الحياة السّياسيّة الاجتماعيّة السّوريّة قد شهدت تبدلات كبيرة لم يستطع فيصل بسببها تمرير الاتفاق مع كليمنصو ثم مع سقوط كليمنصو في كانون الثّاني 1920 غدا الاتفاق بلا معنى فسارت البلاد نحو اعلان الاستقلال التام وعقدت في هذا السّياق الدّورة الثّالثة المفصلية للمؤتمر السّوريّ التي يمكن وصفها بدوره الاستقلال (تبين، 2013، ص 28-30).

اما الدّورة الثّالثة فعقدت في 6 اذار 1920 بدعوة من الأمير فيصل برئاسة هاشم الاتاسي وألقى الكاتب الخاص عوني عبد الهادي كلمة الأمير فيصل في المؤتمر بشأن طلب الاستقلال السياسيّ التام ودعوة المؤتمر السّوريّ إلى تقرير شكل الدّولة على اساس الوطنيّة ووضع دستور لها واتخذ المؤتمر السّوريّ بالاجتماع قرارًا باستقلال البلاد السّوريّة التي منها فلسطين بحدودها الطّبيعيّة استقلالًا تامًا لا شائبة فيه مبنيًا على حفظ حقوق الأقلية ورفض مزاعم الصهيونيين في جعل فلسطين وطنًا قوميًا لليهود وتلى سكرتير المؤتمر هذا القرار من شرفة البلدية أمام الالوف المحتشدة في ساحة المرجة التي شهدت تعليق جمال باشا لرجال الحركة العربيّة على المشانق عام 1916 وكان العلم السّوريّ يخفق وهو نفسه علم الثّورة الكبرى مضافًا اليه نجمة واحدة بيضاء في المثلث الأحمر.

وتلقى الأمير فيصل مبايعة رؤساء الطوائف الروحية وتم تجديد البيعة له ملكًا على سوريّة بحدودها الطّبيعيّة، وذلك على اساس احترام الاديان والمساواة في الحقوق وتوطيد الامن وتعميم المعارف واسناد الوظائف والمناصب لأكفائها (تبين، 2013، ص35).

 

ثانيًا: الانتداب الفرنسيّ على سوريّة 1920

ولد نظام الانتداب الدّولي عام ۱۹۱۹ في الأجواء المتفائلة التي سادت مؤتمر الصلح المنعقد في باريس. وضع هذا النظام، بإصرار من الرئيس الأمريكي ولسون، ليطبق على المستعمرات الألمانية السابقة وعلى الولايات التي سلخت عن السلطنة العثمانيّة.

كان على الدّولة المنتدبة أن تمارس باسم عصبة الأمم وصايتها على الأراضي التي عُهد إليها بها وقد حددت صلاحياتها في وثيقة عرفت بصك الانتداب. كانت مهمتها من الناحية المبدئية، تنحصر في مساعدة السكان الأصليين على إدارة شؤونهم ريثما يبلغون درجة من التطور تسمح لهم بالانتقال إلى مرحلة الحكم الذاتي. وقد أعطي هؤلاء السكان حق الطعن بسياستها أمام العصبة ( الحكيم، 1991، ص18).

واعتبرت الشعوب التي تحررت من سيطرة الدّول المغلوبة شعوبًا قاصرة عاجزة عن إدارة شؤونها بنفسها وهي بالتالي بحاجة إلى حماية القانون الدّولي، كما يعتبر أن هذه الحماية هي بمثابة رسالة تحضير مقدسة، وقد أكدت الفقرة الثّالثة من صك الانتداب أن الانتداب سيأخذ بعين الاعتبار مستوى التطور الذي بلغه كل من الشعوب المعنية ولذلك فإنه سيكون على درجات.

وإن المبادئ التي فُرِضَ على الدّولة المنتدبة التقيد بها حددت، في كل حالة، في وثيقة منفردة وافقت عليها عصبة الأمم وعرفت بصك الانتداب. فقد ألزمت فرنسا، بموجب المادة الأولى من صك الانتداب على لبنان وسوريّة، بأن تعد نظامًا أساسيًا للبلدين في مهلة لا تتعدى الثلاث سنوات من تاريخ وضع الانتداب موضع التنفيذ.

كان مجرد احتلال الجيش الفرنسيّ بعد معركة ميسلون العاصمة السّوريّة دمشق وكامل المنطقة الشرقية لا يمكن اعتباره منطقيًا انتدابًا على سوريّة بعد أن أعلنت استقلالها ورفضها الانتداب الفرنسيّ (خباز، 1928، ص34).

ولكن الظروف التي كانت قائمة آنذاك وفي مقدمتها نزول الحليفتين فرنسا وبريطانيا في الحرب والمتناظرتين في الاستعمار عند الاقتراح الامريكي المتعلق بالانتداب مع احتفاظهما بسابق اتفاقهما على أن تكون سوريّة ولبنان تحت النفوذ الفرنسيّ وفلسطين والعراق تحت النفوذ البريطاني، ان تلك الظروف بالإضافة إلى فقدان كل أمل بانتصار دولة صغيرة في بدء نشأتها على دولة عظيمة كفرنسا قد أملت على كل مواطن عاقل وجوب تخفيف وطأة الاحتلال واعتباره على الفور بدء الانتداب المؤقت ( بوسعيد، 2004، ص19).

وعلى هذا الاساس تألفت الحكومة السّوريّة في 26 تموز 1920 بموجب مرسوم ملكي واقتصرت مهامها مع وجود قوات الاحتلال على الشؤون الإدارية الداخلية، ولم يبقى لها محل في السياسة الخارجية بدليل الاستغناء عن وزارة الخارجية، كما ترتب على هذه الحكومة توجيه السّوريّين الشغوفين بالاستقلال إلى تحمل الاحتلال العسكري منعًا لوقوع اضطرابات قد تؤدي إلى خسائر في الارواح والاموال واملًا في أن يكون الانتداب مساعدًا في وقت قريب على ضمان الاستقلال التام.

وقد أمر قائد القوات الفرنسيّة فور احتلالهم دمشق جمع السلاح من الاهل وفرض على مدينة دمشق جمع 9000 بندقية حربية تحت طائلة العقوبة التي يعينها المجلس العسكري ( الحكيم، 1991، ص 16).

كان المفوض الثّاني مقيمًا في بيروت مع أركان المفوضية وموظفيها وبعد احتلال المنطقة الشرقية اختار مقرًا ثانيًا في سوريّة فاعتمده في دمشق، فأسس فيها بعثة فرنسية يرأسها مندوب فينظر في الشؤون الإدارية البسيطة وترفع ما يتعلق بالأمور الهامة إلى المفوض السامي فيوافق عليه او يرده او يعدل فيه، وقد عيّن مندوبًا له في بدء الاحتلال الكولونيل تولى معاون المعتمد الفرنسيّ في دمشق المعروف في سابق صداقته للملك فيصل وتألفت البعثة الفرنسيّة من قسمين رئيسيين تابعين لمندوب المفوض السامي اولهما عسكري والثّاني مؤلف من موظفين مدنيين فرنسيين( الحكيم، 1991، ص18).

وفي 5 آب أصدر رئيس الوزارة بلاغًا اعتبر فيه أن الانتداب أمًرا واقعًا وان مؤتمر الصلح الذي قرر الاعتراف باستقلال البلاد السّوريّة ووجود دولة مستقلة فيها قرر في نفس الوقت امتداد فرنسا لهذه البلاد على ان تعين شروط الانتداب على حدة حسب عهد جمعية الامم بنسبة اهلية الشّعب ورقيّه العلمي والاجتماعي، وجاء في البلاغ ان هذا الانتداب لن يكون شديد الوطأة بل لن يتجاوز حد المعاونة التي من شأنها ان لا تمثل استقلال الذي اقرته جميع الدّول. كما وطلبوا من الشّعب ان يحترموا القانون ويلبوا اوامر الحكومة وان لا يؤتوا بأي عمل مغاير للقانون وذكّروا الموظفين والشّعب انهم إذا راعوا هذه القوانين وقاموا بواجباتهم المتقابلة بصدق واستقامة يكون قد خطوا نحو غايتهم الشريفة من استقلالهم المنشود والا فاللوم على أنفسهم (الحكيم، 1991، ص 22-23).

وبعد مرور أسبوع على احتلال دمشق زارها القائد الأعلى المفوض الثّاني الجنرال غورو، فاستقبل استقبالًا رسميًّا من قبل الجيش والحكومة ومعتمدي الدّول الأجنبية وأعيان دمشق (الحكيم، 1991، ص 24).

وعندما أُعلن الانتداب الفرنسيّ على سوريّة بموجب قرارات مؤتمر سان ريمو 1920 ومع بدء السّياسيّة الفرنسيّة داخل سوريّة التي اعتمدت في الأساس على تقسيم البلاد حتـى يسهل التحكّم بها، إضافة إلى سياسة القتل والتشريد الفرنسيّة ضد الأهالي في دمشق وغيرها مـن المدن السّوريّة، جاءت بنتائج عكسيّة على الفرنسيّين (إسماعيل، 1998، ص73).

فلم تلبث أن جعلت تلـك الـسّياسة المـدن السّوريّة وعلى رأسها مدينة دمشق ميدانًا واسعًا للثّورات والمقاومة المتـصلة ضـد المـستعمر الفرنسيّ، وبدأت تظهر العديد من الثّورات المنظمة خلال تلك المرحلة، وعمّت البلاد سلسلة من الحوادث التي تطوّرت إلى انتفاضات شعبيّة في دمشق وغيرها من المدن وقام الجنرال غورو القائد الأعلى للقوات الفرنسيّة في سوريّة باتخاذ إجراءات عسكريّة صارمة لقمع تلك الثّورات فدمرت مدن مهمة مثل أنطاكيا وبانياس، واحتج فيصل لدى غورو الذي اقتنع بضرورة إنهاء حكم فيصل وإخضاع سوريّة للسّيطرة الفرنسيّة المباشرة لذلك وجّه الجنرال غورو إنذارًا إلى فيصل في 14 تموز طالب فيه بقبول الانتداب الفرنسيّ وإلغاء التّجنيد الإجباري وتقليص القوات السّوريّة وسيطرة قوات الانتداب الفرنسيّ على سكك الحديد ومحاكمة من اسماهم مسيئين لفرنسا، وهددت سلطات الانتداب الحكومة العربيّة بضرورة الرد على الإنذار في غضون أربعة أيام(عدوان، 2010، ص 1036).

إزاء ذلك انعقد المؤتمر السّوريّ في 19 تموز واتخذ قرارًا بالإجماع نص على اعتبار كل حكومة تقبل الشّروط الفرنسيّة غير شرعية وازداد حماس الشّعب في كل المدن السّوريّة.

ولكن فيصل وحكومته ادركا عدم قدرتهم على مواجهة قوات الانتداب الفرنسيّ لذا جاء الرد الرسمي في 20 تموز بقبول بنود الإنذار وكإجراء لحسن النية نفذت الحكومة بعض من تلك البنود الأمر الذي أثار مشاعر السخط لدى الجماهير السّوريّة مما اضطر فيصل إلى محاولة التفاوض مع سلطات الانتداب الفرنسيّ إلا أن الجنرال غورو اتخذ قرارًا باحتلال سوريّة فكانت معركة ميسلون التي جرت صباح 24 تموز 1920 ولم تستغرق المعركة التي شاركت فيها الطائرات الفرنسيّة والدبابات اكثر من ساعات ومع ذلك كانت الخسائر الفرنسيّة كبيرة إذ زادت عن 150 قتيلًا ولكن الإصابات العربيّة كانت اكثر، ومن بين الذين قتلوا يوسف العظمة وزير الدفاع ولم يبق أمام الجيش الفرنسيّ ما يحول دون احتلال دمشق في نفس اليوم وفي 26 تموز استدعى الجنرال غورو أعضاء الوزارة السّوريّة ليعلن أمامهم أن الملك فيصل يتحمل مسؤولية ما أسماه بالاضطرابات الأخيرة في سوريّة لذلك لم يعد من الممكن استمراره في حكم البلاد وقد غادر فيصل الأراضي السّوريّة في طريقه إلى حيفا وذلك بعد (22) شهرا من دخوله دمشق(إسماعيل، 1998، ص84).

وقد أنشأت قوات الانتداب الفرنسيّ محكمة عسكرية بعد دخولها دمشق في 25 تموز 1920 لمحاكمة رجال الحركة الوطنيّة وأصدرت أحكام الإعدام والسجن بحق عدد من رجال الحركة الوطنيّة وسرحت القوات المتبقية من الجيش السّوريّ وخولت المندوب السامي الفرنسيّ جميع الصلاحيات، كما شكلت حكومة برئاسة علاء الدين الدروبي تماشي سياسة الانتداب وإدارة خاصة أطلق عليها (المصلحة المشتركة) الحقت بالمندوب السامي مهمتها الإشراف على البريد والموصلات والموانئ والأمن وسيطرت على التعليم وأصبحت اللّغة الفرنسيّة الوسيلة الأولى في التعليم ( الحكيم، 1991، ص25).

1.   تقسيم سوريّة

راح الفرنسيّون يسعون إلى تحطيم الوحدة التي نعمت بها البلاد السّوريّة تحت الحكم الفيصلي العربيّ وذلك بعد أن وسّعوا معقل نفوذهم ورسموا خطة لتقسيم سوريّة إلى عدد من الدّويلات فكانت النّتيجة إقامة أربع دول مستقل بعضها عن بعض، تحكمها أربع حكومات ذات مجالس تمثيلية ودساتير خاصة في بلاد لا يكاد عدد سكانها يتجاوز في الوقت نفسه ثلاثة ملايين نسمة ونصف، وقد تم التقسيم على الشكل الآتي:

  • دولة العلويين وعاصمتها اللاذقية وتضم المنطقة السّاحليّة الواقعة بين لبنان الكبير وسنجق الاسكندرون.
  • دولة جبل الدّروز وعاصمتها السّويداء. وتضم المنطقة الجبليّة الواقعة بين دمشق وحدود شرقيّ الاردن.
  • دولة سوريّة وعاصمتها دمشق وتضم ما تبقى من البلاد الواقعة تحت الانتداب.
  • سنجق الاسكندرون الذي يتمتع بإدارة خاصة على الرّغم من ارتباطه الأساسي بسوريّة (عدوان، 2010، ص 178)

قاوم السّوريّون التّقسيم فانطلقت الثّورات في مختلف المدن السّوريّة مثل دير الزور عام 1921 وثورة جبل الدروز 1922 ولكن الفرنسيّين أخمدوها بعد ان تكبدوا خسائر كبيرة، وإزاء تنامي الشّعور الوطنيّ اضطر المندوب السامي الفرنسيّ إلى إعلان الاتحاد وقيام الدّولة السّوريّة في 5 كانون الأول 1924.

 

 

2.   ردة الفعل على الانتداب

لم تفلح إجراءات سلطات الانتداب الفرنسيّ من الحد من تنامي السّخط السّوريّ إزائها فاندلعت في آب 1925 ثورة وطنيّة بدأت في جبل حوران بزعامة سلطان باشا الأطرش وكان السّبب المباشر لتلك الثّورة قيام المندوب السامي الفرنسيّ الجنرال ساراي بإساءة استقبال واعتقال وفد وطنيّ زاره في بيروت مطالبًا بالاستقلال التام( خوري، 1997، ص130).

أثار استبداد الفرنسيّين في سوريّا حالة غضب عارمة لدى السكان، مما أشعل فتيل التمرد والثّورة، والتي بدأت في 18 يوليو 1925 حين أطلق رجال الأطرش في جبل الدروز النار على طائرة فرنسية واحتلال منطقة صلخد والاشتباك في معركة راح ضحيتها 260 جنديًا فرنسيًا و40 متمردًا سوريّا، ولم تتوقف الثّورة هنا بل امتدت لكافة أراضي الجغرافيا السّوريّة ولذلك سميت بالثّورة السّوريّة الكبرى، ورغم خوض الثّوار معارك عديدة مثل: معركة الكفر، معركة المزرعة وحملة الجنرال ميشو بعدها، معركة المسيفرة، معركة حماه وكذلك انتفاضة وادي التيم وإقليم البلان إلا أنّهم ومع تكبيدهم للفرنسيين خسائر فادحة لم يتمكنوا من تحرير سوريّا من الاحتلال( خوري، 1997، ص209)، ويمكننا تلخيص نتائج هذه الثّورة فيما يلي:

  • الخسائر البشرية والمادية الكبيرة، فقد استشهد جراها 6000 في جبل الدروز على أقل تقدير وآلاف السّوريّين من المناطق الأخرى، وكذلك خراب المدن والحواضر مثل جرمانا ومجدل شمس وقلعة الجندل وراشيا وحاصبيا.
  • مصادرة أملاك أعيان الدروز من طرف فرنسا في 12 يناير من عام 1926
  • هزت الثّورة فرنسا هزة عنيفة، وأثارت فيها موجة التّفكير بترك البلاد ولا سيما في الأوساط اليساريّة والجماعات المعروفة بانتماءاتها القوميّة الفرنسيّة، وفي عام 1928 قدّم الّنائب سيكست كوانتين اقتراحًا بإعادة سوريّا ولبنان إلى عهدة جمعية الأمم المتحدة تخلصًا من الحمل الثقيل والمصارف الباهظة التي خلفتها الثّورة السّوريّة الكبرى على مخصصات الانتداب والاقتصاد الفرنسيّ(طربين، 1986، 424).
  • استبدال مجلس الشيوخ الجنرال سراي وتعيين كونت دي جوفنيل المعروف بسياسته ودهائه في قمع التمرد بالطرق السلمية، فعمد إلى التفاهم مع التيارات المحلية معربًا عن رغبته في العمل لصالح سوريّا واستقلالها وتنظيم علاقاتها الودية مع دولة الانتداب.
  • استقالة الرئيس السّوريّ صبحي بيك بركات أول رؤساء سوريّا، وتعيين الجنرال أندريا حاكمًا عسكريًا على منطقتي دمشق وجبل الدروز الذي كان مهدًا للثورة السّوريّة الكبرى. ( الحكيم، 1991، 128- 127).

أما الأسباب الأخرى لثورة العام 1925 فتمثلّت بقيام سلطات الانتداب الفرنسيّ بفتح أبواب الهجرة الفرنسيّة إلى سوريّة وإعطاء المهاجرين الامتيازات والمناصب المهمة كما فرضت سلطات الانتداب اللّغة الفرنسيّة على جميع المراحل الدراسية في سوريّة، أما من النّاحية الاقتصاديّة فقد شهد الاقتصاد السّوريّ تدهورًا سريعًا لاسيما بعد أن أخضعت السّلطات الفرنسيّة اقتصاد سوريّة إلى الاقتصاد الفرنسيّ الذي عانى تدهورًا نتيجة للتقلبات التي حدثت في الفرنك الفرنسيّ، هذا فضلًا عن ظهور الشركات الاحتكارية في سوريّة كما أصيبت الزراعة بالتدهور نتيجة لأساليب سلطات الانتداب وفرض الضرائب على الفلاح الذي اصبح عاجزًا عن تسديد ديونه( خوري، 1997، ص245).

امتدت الثّورة إلى مختلف المدن السّوريّة ففي حماه قام الثّوار بالسيطرة على دار الحكومة الفرنسيّة في 4 تشرين الثّاني 1925 أما دمشق فقد تمكن الثّوار من دخولها بعد محاصرة مقر الجنرال سراي وبعد ذلك جاءت قوة فرنسية وفكت الحصار عن مقره فامر الجنرال بضرب دمشق بالطائرات يوم 18 تشرين الأول 1925 انتقامًا لما فعله الثّوار، وقد تسبب القصف بتدمير الأحياء الجنوبية بالكامل، ودام يومان ولما طالب الأهالي بوقف القصف وافقت السلطات الفرنسيّة بشروط تضمنت دفع أهالي دمشق (مئة ألف) ليرة ذهبية وثلاث آلاف بندقية.

واستمرت الثّورة السّوريّة حوالي السنتين جرت خلالها العديد من المعارك مثل معركة تل الحديد والسويداء ونتيجة لهذه المعارك تم استبدال الجنرال سراي بالجنرال هنري دي جوفنيل الذي أجرى مفاوضات مع أعضاء الحركة الوطنيّة السّوريّة إلا إنها لم تؤد إلى نتيجة بسبب رفض جوفنيل لمطالب الوطنيّين بوضع دستور للبلاد وانتخاب حكومة وطنيّة.

ورغم المقاومة التي أبداها السّوريّون إلا أن الحملات العسكريّة الشديدة التي قامت بها سلطات الانتداب الفرنسيّة أخذت تتسع مما اضطر الثّوار إلى الانسحاب هذا فضلًا عن قلة العتاد والمال مما أدّى إلى تراجع الثّورة.

ويمكن تحديد أسباب القضاء على ثورة 1925 باستخدام الفرنسيّين للأساليب الإرهابيّة والعنف والغرامات الجماعيّة على الأهالي كذلك تخاذل بعض قيادات الثّورة من البرجوازية الوطنيّة والزعامات العشائرية التي وجدت في استمرار الثّورة تهديدًا لمصالحها فتعاونت مع فرنسا من اجل إخمادها ( خوري، 1997، ص257).

في سنه 1920 اوكل لفرنسا الانتداب على سوريّا ولبنان اعترافًا بالمكانة المميزة التي كانت قد ارستها لنفسها في هاتين المنطقتين قبل الحرب العالمية الأولى. وهذا امر لافت بصورة خاصه لان مكانتها العسكريّة والسّياسيّة بعد الحرب كانت أدني من مكانة بريطانيا ولان مصالحها في سوريّا ولبنان متفاوتة كثيرا في اقل تقدير، ولان عددًا قليلا فقط من الفرنسيّين لا يمثلون سوى مجموعة ضيقه من المصالح في فرنسا كانوا ملتزمين اضافة هذه الرقعة الى الإمبراطورية الفرنسيّة وكانوا ينشطون من اجل ذلك( الحكيم، 1997، ص11).

وقد كانت مطالبة فرنسا بمثل هذه المكانة تقوم على ثلاثة أعمدة معنويّه وسياسيّة واقتصاديّة. وقد كان الفضل في المرحلة الأخيرة لتوسّع فرنسا على طول الشّواطئ الجنوبيّة والشّرقيّة للبحر المتوسط يعود الى مجموعة صغيرة من الموظفين الحكوميين والسياسيّين ورجال الاعمال والأكاديميين والمبشرين كانت تعرف باسم الحزب الاستعماريّ. وقد تمكّنت هذه المجموعة من توسيع حدود الإمبراطورية الفرنسيّة على الرّغم من غياب الحماسة في صفوف الجمهور الفرنسيّ الواسع (خوري، 1997، ص 55).

ومن أجل خدمة قضية التوسع الامبريالي اعتمد الحزب الاستعماريّ على الدعوات الى المكانة القوميّة أكثر مما اعتمد على الكسب الاقتصاديّ، وقد وسّعت الحرب الاستجابة لدعوة الحزب الاستعماريّ إلى التّوسّع بسبب الإحساس بأنّ فرنسا ينبغي أن تحصل على شيء ما من الحرب. كما أنّها جعلت المسألة السّوريّة أكثر الحاحًا بكثير عما قبل مع تفكك الإمبراطورية العثمانيّة. الا أنّ القوّات البريطانيّة كانت تقود عمليات الحلفاء في الشّرق الأوسط وبدا أنّها تهدد المصالح الفرنسيّة في سوريّا.

وكان تعريف الحزب الاستعماريّ لسوريّا يشتمل على لبنان وفلسطين وهو تعريف كان يصعب قبوله من البريطانيين ولم يحقق الحزب الاستعماريّ كل ما اراده في سوريّا لكنه حقق نجاحًا ملحوظا ونجح في جعل الحكومة الفرنسيّة تلتزم توسيع الإمبراطورية بعد الحرب والاعتراف بمجال النفوذ فرنسا خلال الحرب عبر خطه التّقسيم الإنجليزية الفرنسيّة المعروفة باسم اتفاقية سايكس بيكو (خوري، 1997، ص57).

وفي حقبة الانتداب كلّها كان الفرنسيّون يسعون إلى تحطيم الوحدة التي نعمت بها البلاد السّوريّة تحت الحكم الفيصليّ العربيّ وذلك بعد أن وسعوا معقل نفوذهم بالشّكل الذي قرروه فقد رسموا الخطة المبيتة لتقسيم سوريّا الى عدد من الدويلات.

فكانت النتيجة اقامة أربع دول مستقلة بعضها عن بعض تحكمها أربع حكومات ذات مجالس تمثيلية ودساتير خاصة في بلاد لا يعتاد عدد سكانها يتجاوز في الوقت نفسه ثلاثة ملايين نسمة ونصف ( إسماعيل، 1998، ص139).

وعلى إثر احتلال الفرنسيّين المناطق الساحلية في سوريّا نشطت قوى الثّوار التي تأهبت لمجابهة الفرنسيّين في شمالي وغرب سوريّا وانتشرت في جهات انطاكيا وقرق خان والحمامات والعمق وباب الهواء بقيادة السيد صبحي بركات وكانوا يقومون بشن الحملات على مراكز الجيوش الفرنسيّة ولاقت قوى الثّوار النجاح في أكثر مواقعها الحربية والدفاعية والهجومية. واراد الفرنسيّون بعد توسع نطاق الثّورات ان يتوسطوا للتفاهم مع صبحي بركات من اجل استسلامه وفض عصابته ولكن مساعي الفرنسيّين لم تسفر عن نتيجة ايجابية مرضية (العياشي، 1955، ص 180).

إنّ المقاومة المسلحة التي أبدتها البلاد التي احتلتها فرنسا في تموز 1920 ضئيلة الشأن إذا ما قورنت باحتجاجات السياسيّين. فالمواد العسكريّة اللازمة لخلق مقاومة جدية لم تكن متوفرة ولكن حتى حينما بذل الوطنيّون في الارياف مثل هذه الجهود التي كانت تلقى التّهليل في دمشق بوصفها جهودًا بطوليّة فإنّها كانت تفتقد الى الدّعم الماديّ، ونادرًا ما كانت تستقطب هذه الجهود أي من الطوائف الكبرى، وبالكاد استقطبت حفنة من قوات الملك فيصل السّابقة وعددا اقل من انصاره السّياسيّة (عقل، لا.ت، ص 140-145).

وقد شرح بونسو سياسة حكومته في سوريّا سنة 1927 حيث قال بأنّ فرنسا قد أخذت على عاتقها أن تمهد السبيل لنمو سوريّا ولبنان نموا تدريجيًا كدولة مستقلة وان تنشط الاستقلال الداخلي على قدر ما تسمح به الظروف فهي تستمر على اتمام المهمة المعهودة اليها من مثل جمعية الأمم، ولا وجه للبحث في امكان عضولها عنها.

وقد كان الاهتمام بتحقيق أماني الطوائف هي الفكرة المتواصلة التي اوحت بالسياسة الفرنسيّة وتبقى الدّولة المنتدبة ثابتة على هذه الخطة للنزول عند هذه الاماني ما دامت ضمن دائرة النظام والسكينة وما دامت لا تمس حقوق الاقليات التي ابدتها المعاهدات ولا تخالف ما تفتضيه المصالح العامة الكبرى للبلاد.

وبرأيه فان النّظام اعيد لسوريّا وأصبح الامن سائدًا ضمن الحدود وقد بذلت الدّولة المنتدبة جهدًا عظيمًا وقبلت بتقديم ضحايا تدل دلالة واضحة على انها تريد ارادة لا تتزعزع وان تصل الى نتيجة حسنة بمهمتها الكبرى (الكيالي، 1958، ص 62).

وصيانة الامن تعجل في نجاح البلاد الاقتصاديّ ولا تلبث ان تحمل المهاجرين الذين ما برحوا شديدي التمسك بمسقط رؤوسهم على الرجوع الى البلاد.

فالخطة الاقتصاديّة يمكن ان يكون تعاون الدّولة المنتدبة والدّولة المشمولة بالانتداب حثيثًا ومفيدًا في تحقيق امور لا تكفي للموفرات المحلية للقيام بها.

ويستفاد من هذا البيان بأنّ النّفسيّة الفرنسيّة التي طلبت الانتداب وأعطي لها رغم رفض السّوريّين هي نفسية ماديّة استعماريّة، تطلب التّسلط وإخضاع غيرها لمنافعها المادية قبل كل شيء، لذا نشأ عدم التّفاهم لاختلاف المفاهيم في الغايات والذّهنيات. والا فالعقول المدركة التي هي مدار التفاهم لا تختلف في تحديد الحق وتقرير الانصاف إذا كان لسان حالها وهدفها الارشاد الحقيقي والمساعدة النزيهة (الكيالي، 1958، ص 71)

 

خاتمة

يمكن القول إنّ سياسة الانتداب في سوريّا قد فشلت، حيث تمحور هذا الفشل حول عدة نقاط رئيسة منها فشل مهمّة فرنسا في ترشيد الدّولة الواقعة تحت الانتداب ومرافقها نحو الاستقلال، وتقسيم سوريّا الى عدة دويلات ثم ضمّها لاحقًا في دولة واحدة ضمن حدود مفروضة غير مطابقة للواقع الجغرافيّ والتّاريخيّ للبلاد. كما أنّ معارضة سوريّا وحكومتها المحليّة في ممارسة حقّها الشّرعيّ وصلاحياتها الدّستوريّة رغم إعلان المفوض السّامي هنري بونسو لدستور أساسيّ لدول المشرق الواقعة تحت الانتداب الفرنسيّ أدّت الى فشل هذه الانتداب بالإضافة الى رفض منح استقلال سوريّا المعلن بتاريخ 9 حزيران 1941 من قبل فرنسا الحرّة وممثلها في بلاد الشّرق الجنرال كاترو. واتباع سياسة نقديّة وماليّة ذات نتائج سلبيّة على سوريّا مع إصدار نقد ورقيّ محليّ مرتبط بالفرنك الفرنسيّ.

وقد فشلت فرنسا في وضع أسس لسياسة عربيّة متوازنة ومعارضتها لأية مساندة للتيار الوطنيّ العربيّ لكن رغم الفشل السياسيّ الذريع كان لها تأثير ايجابي في مجال عملها الاداري الذي بقيت اثاره العميقة في سوريّا حتى اليوم فقد دعم الانتداب قواعد الدّولة الحديثة التي اسست في العهد الفيصلي كما طال الاصلاح ايضا مجالات اخرى مثل الصحة والنظافة العامة وتنظيم وتسجيل الاراضي والممتلكات وغيرها، فقد ظلت البلاد السّوريّة الخاضعة للانتداب لا يترتب عليها اي الديون عامة اجنبية أو محلية وقادرة على العيش بصورة متواضعة او حتى محفوفة بالخطر احيانًا، وامكن لها ان تحرز مستوى معيشي ارفع قليلًا من مستواها في الفترة السابقة.

وقد ظّلت مصادر الثّورة على حالها مثل الزّراعة ومعها تربية المواشي والأسماك والغابات وموارد طبيعيّة اخرى اقل شأنًا، ثم الصّناعة الصّغيرة والتّجارة والخدمات التّجاريّة، واستحدثت اجراءات عدة لدعم وضع التّجارة الخارجيّة التي اظهرت عجزًا دائما في ميزان الصّادرات والواردات، وان افضل نموذج على اعمال سلطة الانتداب ابان هذه الفترة هو التطور المهم في مجال المواصلات مع كل ما لهذا التّطوّر من مغزى بالنسبة للصناعة والتجارة والزراعة والمجتمع عمومًا، فقد جرى توسيع وتحديث المرافق وكانت ادارتها مشتركة فيما بين جهاز مختص تابع للمفوضية العليا والسلطات المحلية والشركات ذات الامتيازات، وبناء مئات الأميال من الطّرقات الاسفلتيّة الجديدة وعشرات الطّرق المعبدة والعديد من الجسور الكبيرة أو الصّغيرة وعرفت بعض المناطق الطّرق للمرة الأولى في تاريخها.

 

قائمة المراجع:

  1. الأرمنازي، نجيب (1973) سوريّا من الاحتلال حتى الجلاء، دار الكتاب الجديد، بيروت.
  2. إسماعيل، حكمت علي (1998) نظام الانتداب الفرنسيّ على سوريّة (1920- 1928) بحث في تاريخ سوريّة الحديث من خلال الوثائق، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق.
  3. الحكيم، يوسف (1991) سوريّا والانتداب الفرنسيّ، دار النهار، بيروت.
  4. خباز، حنا(1928). فرنسا وسوريّا، ج1. مطبعة علم الدين. مصر.
  5. خوري، فيليب (1997). سوريّا والانتداب الفرنسيّ(ط1). مؤسسة الابحاث العربيّة. بيروت.
  6. سعيد، أمين (1990) الثّورة العربيّة، دار الكتاب العربيّ، الإسكندرية.
  7. طربين، أحمد (1986)، تاريخ المشرق العربيّ المعاصر، دار المطبعة الجديدة، دمشق.
  8. عقل، بيار(لات). تاريخ سوريّا ولبنان تحت الانتداب الفرنسيّ.
  9. الغالي، غريب(2011). الدراسات حول تاريخ الدّولة العثمانيّة والمشرق العربيّ واحد

 

 

 

[1] أستاذ التاريخ الحديث/ الجامعة اللبنانية.

[2] أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة بيروت العربية.

عدد الزوار:2150

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى