ثورة العام 1958 في لبنان أسبابها ونتائجها وأبعادها اللّبنانيّة والعربيّة
ثورة العام 1958 في لبنان أسبابها ونتائجها وأبعادها اللّبنانيّة والعربيّة
“The 1958 Revolution in Lebanon: Causes, Outcomes, and Its Lebanese and Arab Dimensions“
عبير محمود حمادة
Abir Mahmoud hamadeh
أ.د. علي شعيب مشرفًا رئيسًا[1] أ.د. محمد القوزي مشرفًا مشاركًا[2]
تاريخ الاستلام 10/3/2024 تاريخ القبول 21/3/2024
ملخص
ثورة 1958 في لبنان كانت نتيجة للتّوترات الدّاخلية المتأثرة بالصّراعات الإقليميّة والدّولية. مع انحياز الرّئيس كميل شمعون للسّياسة الغربيّة، وتصاعد الاحتجاجات بسبب الانتخابات المزورة العام 1957، شهد لبنان اضطرابات سياسية وطائفيّة. انتهت الثّورة بتدخّل عسكري أمريكيّ واستقالة شمعون، وتولّي فؤاد شهاب الرّئاسة، مما مهد لفترة من الاستقرار النّسبي والإصلاحات السّياسيّة. هذه الثّورة كانت علامة بارزة في تاريخ لبنان بعد الاستقلال، وعكست الانقسامات الدّاخلية حول التّوجهات السّياسيّة.
Abstract
The 1958 revolution in Lebanon was the result of internal tensions influenced by regional and international conflicts. With President Camille Chamoun aligning with Western policies and protests escalating due to the rigged 1957 elections, Lebanon experienced political and sectarian unrest. The revolution ended with U.S. military intervention and Chamoun’s resignation, leading to Fouad Chehab assuming the presidency, which paved the way for a period of relative stability and political reforms. This revolution was a significant milestone in Lebanon’s post-independence history, reflecting internal divisions over political orientations.
مقدمة
منذ بدايةً الخمسينيّات، بدأت منطقة الشرق الاوسط تستقطب اهتمام اميركا في محاولة منها لجعلها مناطق نفوذ لها في مواجهة المد الشيوعي، لذا بدأت في طرح مشاريع اقتصادية ذات صبغة سياسية، ومن هذه المشاريع مبدأ ايزنهاور العام 1957، وهذا المشروع ادى إلى انقسام الدّول العربيّة بين مؤيد لمنظومة الدول الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفيتي، وبين مؤيد للغرب بزعامة الولايات المتحدة الاميركية، فقد انحاز لبنان والأردن والعراق والسّعودية للمعسكر الغربيّ، بينما انحازت مصر وسوريا إلى المعسكر الشرقي، وهذا الانحياز إلى المعسكر الغربيّ، وصولا إلى الانتخابات النيابية في العام 1957 وما نتج عنها من تزوي وأبعاد الزعماء السياسيين التقليديين أدى إلى تعرض الرئيس كميل شمعون إلى معارضة شديدة تسببت بثورة ضده عام 1958.
وفي هذا السياق إن هذه الثّورة كانت واحدة من الأحداث البارزة التي شكلت تاريخ البلاد في فترة ما بعد الاستقلال. في ظل رئاسة كميل شمعون، شهد لبنان توترات داخلية كبيرة نتيجة للصراعات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على الداخل اللبناني. وفي ظل التحدي شهدت هذه الفترة ازدياد التوتر بين الطوائف المختلفة والاضطرابات السياسية، مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات والتمرد. كانت هذه الثّورة تعبيراً عن الانقسامات الداخلية بين مؤيدي السياسة الغربيّة التي انتهجها شمعون وبين الفئات التي دعمت التوجهات العربيّة والقومية. انتهت الثّورة بتدخل عسكري أمريكي واستقالة كميل شمعون، مما مهد الطريق لتولي فؤاد شهاب الرئاسة وبدء فترة جديدة من الاستقرار النسبيّ والإصلاحات السياسيّة.
أسباب ثورة 1958 ونتائجها
اندلعت ثورة 1958 في عهد كميل شمعون والتي اتخذت طابعًا طائفيًا من جهة وسياسيًا من جهة أخرى، فقد قسمت المجتمع اللبناني إلى معسكرين عرضتّها بلا هوادة لتدخلات خارجية.
ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الانقسامات الداخلية أنذرت بنتائج وخيمة، خصوصًا، وإن شخصيات ممثلة لطوائفها كان لها الدور الفاعل في هذا الموضوع. وأساسي من الأزمة، وإن الصراع حول الاستئثار بالسلطة السياسية عامل مغذّ للطائفيّة، وأن التدخلات الإقليمية والدولية قد أشبعت النّزاعات أيضًا دون ارتوائه فنتجت عنها حرب دموية.
فالأزمة اللّبنانيّة تتمثل في عجز البنى السياسية والطبقة الحاكمة، فصراع تلك الطبقة حول الاستئثار بالسلطة غذّى التدخلات الإقليمية والدولية، وحوّل لبنان إلى ساحة صراع من أجل تحقيق مكاسب طائفيّة ضيّقة، مما سبب ثورة داخلية عمّت كل المناطق اللّبنانيّة.
إنّ ما جرى على مدى ستة أشهر، ثورة كانت أو حربًا مدبرة من الخارج أو نزاعًا داخليًا، وأيا كانت الأسباب، أدى إلى انتهاء الأزمة بمحصّلة محزنة، والتّصدّع الذي أحدثته بين الأطراف اللّبنانيّة ولدّ سلسلة طويلة من النّزاعات والخلافات.
خامسًا: فرضية البحث
إن العوامل التي أدت إلى اندلاع ثورة 1958 ارتبطت مباشرة بالدول الإقليمية والدولية وكانت أخطر أزمة سياسية واجهها لبنان من أجل تحقيق مكاسب طائفيّة ضيقة شكّلت جزءًا أساسيًا من قواعد اللعبة التي أرساها النظام السياسي في لبنان.
- يحمل الرئيس كميل شمعون على تدويل أزمة 1958.
- طلب الرئيس كميل شمعون من السفير الأميركي في لبنان من إجراء وساطة مع قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب لكي يتعاون معه ويقمع قوى المعارضة.
- اتهم الرئيس كميل شمعون الجمهورية العربيّة المتحدة بتحريض المعارضة على السلطة اللّبنانيّة وتسليحها.
1: الحالة الداخلية العارمة ومعارضة عارمة للتجديد
قويت المعارضة، خاصةً الإسلامية، بقيام الجمهورية العربيّة المتحدة في شباط 1958، وفي المقابل قوي منطق التخويف بين تذويب لبنان في البحر العربي الإسلامي في الشارع المسيحي، المنطق الذي وجد شمعون أن من مصلحته، وهو يعمل لتجديد ولايته، أن يقويه ممثلًا خاصة بحزب الكتائب اللّبنانيّة الذي كان يتحرك للإمساك بالشارع المسيحي وقيادته وذلك لكي يضمن شعبية له، ولو طائفيّة أو من طائفة واحدة، بعد أن ضمن أغلبية ساحقة في مجلس النواب تؤمن له تعديل الدستور لتأمين التجديد. وقامت معارضة أخرى سمّت نفسها “الثّورة الثالثة”، من ممثليها البارزين هنري فرعون، شارل الحلو وغسان تويني ويوسف سالم وجبرائيل المر إضافة إلى معارضة البطريرك الماروني الأصلية الذي قال بعد قيام الجمهورية العربيّة المتحدة «نحن الموارنة نقطة في بحر المسلمين، فإما أن نعيش معهم بسلام أو فلنرحل أو فلنفنَ» . (النهار، عدد 13 شباب 1958)
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن أنصار شمعون كانوا يضاعفون نشاطهم لتأمين انعقاد جلسة نيابية تعدّ الدستور بما يتيح المجال لانتخاب شمعون لولاية ثانية، يدعمهم سفراء الدول الغربيّة وفي مقدمتهم السفير الأميركي الجديد “روبرت مكلنتوك” كان المعارضون يضاعفون أيضًا نشاطهم في مناهضة شمعون وعقدوا في 18 آذار 1958. وفي دار هنري فرعون، مؤتمرًا وطنيًا حضره ما يزيد عن 80 شخصية سياسية وأكدوا تمسكهم باستقلال لبنان وبمعارضة كميل شمعون لولاية ثانية . (الخوند، 1994، ص 219)
والحقيقة أن الناشطين المضاعفين للموالاة من جهة وللمعارضة من جهة ثانية كانت تؤدي بالبلاد إلى أن تنزلق بوتائر متسارعة نحو الصدام العنيف . (المرجع السابق، ص 219)
2: عرض أحداث ثوؤرة 1958
على وقع الدعوة إلى الثّورة للإطاحة بالرئيس كميل شمعون اصدرت جبهة الاتحاد الوطني وزعماء المعارضة في طرابلس وممثلو مؤتمر الأحزاب والمنظمات، بعد اجتماع عقدوه في 9 أيار، بيانًا مشتركًا حملوا فيه نظام شمعون مسؤولية اغتيال نسيب المتني وموجة الاغتيالات والاستفزازات، ودعوا اللبنانيين إلى الإضراب العام المفتوح. وفي اليوم نفسه أريقت دماء الثّورة الأولى في طرابلس أثناء تفريق مظاهرة انطلقت بعد صلاة الجمعة. فاجتاحت الاضطرابات المدينة ثم انتقلت إلى بيروت (المقاصد، المصيطبه، برج أبي حيدر. زعيم الثّورة في بيروت صائب سلام). وأول تفجير استهدف المصالح الأجنبية كان نسف الثوار لأنبوب نفط العراق في الشمال. وكانت حصيلة الاشتباكات في الأيام الثلاثة الأولى، في طرابلس وبيروت 50 قتيلًا وأكثر من 200 جريح . (الخوند، 1994، ص 220)
وفي 12 أيار/مايو، اجتمع زعماء الاتحاد الوطني فقرروا توسيع نطاق الثّورة في جميع أرجاء البلاد، وعلى الفور توجّه جنبلاط إلى المختارة وباشر قيادته للثورة في الشوف بدءًا من سيطرة رجاله على حامية بيت الدين، فيما كان أنصاره في دير العشائر بقيادة شبلي العريان، يهاجمون المصنع ويفجرون مبنى الجمارك ومكتب الأمن. (جنبلاط، 1987، ص 12)
وحتى نهاية الأسبوع الأول من الثّورة، سيطرت المعارضة على قسم كبير من المناطق اللّبنانيّة، وإلى الأحياء الإسلامية في بيروت حيث تلتقي كل خيوط الانتفاضة في بيت صائب بك سلام. وكان بأيدي الثوار معظم وادي البقاع وعكار والمناطق الساحلية شمال طرابلس. وكان الوضع في الشوف هادئًا نسبيًا حتى بداية حزيران 1958، إلا أن العاصمة شهدت انفجار القنابل يوميًا تقريبًا، مما أسفر عن سقوط ضحايا كبيرة بين الأهالي المسالمين. وفي طرابلس خاضت فصائل المعارضة بقيادة رشيد كرامي معارك ضارية ضد الموالين في حي التبانة والقبة، أما في القسم الشمالي من البقاع الذين يدين بالولاء للوجيه الإقطاعي صبري بك حمادة، فقد حدثت مناوشات بين الثوار الشيعة ومقاتلي الحزب القومي . (جنبلاط، المرجع السابق، ص 12)
وفي 12 حزيران/ يونيو 1958 شنّ مقاتلو القوات الشعبية هجومًا على بلدة القريديس ورغم الدعم الجوي، لم يتمكن الدرك ورجال نعيم مغبغب المرابطون في البلدة من الصمود في مواقعهم فانسحبوا مشتتين بعدما تكبدوا نحو 60 قتيلًا. وواصلت فصائل الثوار هجومها صوب طريق بيروت – دمشق وواجهتها وحدات الجيش اللبناني التي كانت حتى ذلك الحين متقيدة بالحياد وبعد مناوشة طفيفة، اتصل كمال جنبلاط فورًا باللواء فؤاد شهاب، وتمّ بينهما اتفاق مهم في سبلين عن توقيع اتفاق الهدنة . (الخوند، 1994، ص 221)
بالرغم من إعلان شمعون، في 25 حزيران/ يونيو ، عن نيّتنه طلب التدخل العسكري الأجنبي، قرّر جنبلاط الهجوم على بيروت، وعيّن اللواء شوكت شقير قائدًا للقوات الثورية، فوضع شقير خطة العملية، وتمّ اختيار قرية شملان الصغيرة في قضاء عاليه هدفًا للهجوم . (الخوند، المرجع السابق، ص 221)
ومن بالغ الأهمية أن جنبلاط اغتاظ من مواقف حلفائه في بيروت الذين لم يحركوا ساكنًا في حين كانت قواته على بعد 10كلم من بيروت ومطارها الذي قال: «ولكن الذهنيات الرجعية والنزعات البرجوازية كانت أبدًا تسيطر كأن كل قائد ثورة قد اقتطع له جزءًا ضمن لبنان ويريد احتكار السيادة داخله» . (جنبلاط، 1987، ص 12)
بعد معركة شملان، استمر صيف 1958 يشهد مناوشات بين المقاومة الشعبية وبين الموالين من درك وشرطة وتشكيلات قتالية من الحزب السوري القومي، تساعدهم تشكيلات مدربة من حزب الكتائب خاصة في العاصمة وعند شوارعها الفاصلة بين منطقة شرقية (مسيحية) ومنطقة غربية (إسلامية).
فدور حزب الكتائب، في موالاته لشمعون، انصبّ بصورة أساسية على المهمة الإعلامية والدعائية في تجييش الرأي العام المسيحي ضد المعارضة الإسلامية ومشاريعها الموصلة إلى القضاء على استقلال لبنان وتذويبه في محيطه العربي الإسلامي، كما ضد المعارضة المسيحية. (جنبلاط، المرجع السابق، ص 12)
ويذكر كميل شمعون في كتابه “أزمة في لبنان”: تحوّل بعض الزعماء السياسيين إلى قادة حزبيين:
- صائب سلام في بيروت، ورشيد كرامي في طرابلس، كمال جنبلاط في الشوف، صبري حمادة في الهرمل وبعلبك، وأحمد الأسعد في صور” (شمعون، 1977، ص 30)
وهكذا تكون المعارضة قد سيطرت على أجزاء كبيرة من المناطق التي لم يعد للسلطات الوصول إليها، فأصبحت البلاد على شفير التفكك.
3: الحالة الداخلية العامة ودور الجيش
تضاربت الآراء حول تدخل الجيش في هذه الفوضى، ورأى الفريق الأول أن الجيش حاول عدم التورط المباشر بالمعارك، باعتبارها انتفاضة داخلية أي ثورة المحكومين على الحاكمين فلا ضرورة لجرّ الجيش إليها، كما أن قائده فؤاد شهاب يُعنى عناية خاصة بالحفاظ على تماسكه والحؤول دون إصابته بعدوى الخلافات الطائفيّة . (جريدة الحياة، 26 أيلول، 2002)
أمام عدم تمكن الحكومة من الحسم السياسي أو العسكري، ومنع التدخلات من قبل مصر وسوريا في مسيرة لبنان السياسية، قرّر كميل شمعون تدويل الأزمة. لم تتأخر الحكومة اللّبنانيّة من تقديم الشكوى إلى مجلس جامعة الدول العربيّة باتهام الجمهورية العربيّة المتحدة بالتدخل في الشؤون اللّبنانيّة الداخلية عبر تسلّل عصابات مسلحة من سوريا إلى لبنان وتزويد الثائرين بالأسلحة والتحريض على قلب السلطات الحاكمة على أن تقدم الشكوى نفسها إلى مجلس الأمن الدولي في خطوة لاحقة إذا لم تتوصل جامعة الدول العربيّة إلى حلّ يرضي لبنان الرسمي . (الصلح، 2000، ص 271)
4: التدخل الخارجي إبان الثّورة
إن غاية الرئيس شمعون من تقديم الشكوى إلى مجلس الأمن كانت تنفيذ الشروط التي وضعها بعض المسؤولين الأمريكيين، من أجل إعطاء مبرر لتقديم مساعدة عسكرية دولية أو أمريكية تؤمن له الاستمرار في الحكم لولاية ثانية، وتوفر لقوى الغرب حليفًا قويًا في مقابل الجمهورية العربيّة المتحدة، وكما كان تقديم الشكوى إلى جامعة الدول العربيّة من باب رفع العتب لأنه لم يعد لهذه الجامعة سوى وجود نظري، إذ شلت منذ فشل عبد الناصر في كانون الثاني 1955 في حملها على إدانة العراق عشية توقيع حلف بغداد، ولاستمالة بعض الوزراء المعترضين على التدخل الدولي . (مرداس، 2014، ص 78)
وفي 11 حزيران/ يونيو 1958، صدر قرار مجلس الأمن الرقم (128) وقرر بناء على طلب الحكومة اللّبنانيّة إرسال فريق من المراقبين الدوليين إلى لبنان، مهمته التأكد من عدم حصول تسرّب مشروع إدخال الرجال والأسلحة والمعدات الأخرى عبر الحدود اللّبنانيّة، في حين نجح كميل شمعون في تدويل الأزمة وبالرغم من احتجاجات المعارضة من التقرير السلبي للمراقبين . (خويدي، 1987، ص 54)
إن الانقلاب العسكري الذي حدث في بغداد في 14 تموز/ يوليو 1958 الذي أطاح بالأسرة المالكة ونظام نوري السعيد الدكتاتوري عجّل كثيرًا في حلّ العقدة اللّبنانيّة. فقد استدعى الرئيس شمعون غلى قصر الرئاسة فورًا السفير الأميركي روبرت مكلنتوك وقدم إليه طلب لبنان الرسمي بإرسال مساعدات رسمية من الولايات المتحدة بموجب المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة والاتفاقات بين البلدين في إطار مشروع إيزنهاور (جنبلاط، 2000، ص 273)
وبدأ إنزال القوات البحرية الأميركية على شواطئ الأوزاعي الخالية وأمام مطار بيروت الدولي في 15 تموز/ يوليو. وفي ساعات معدودات تحولت طرق بيروت معسكرًا حربيًا هائلًا. وتوزّعت قوات الإنزال الأساسية على بساتين الزيتون حول مطار خلدة الدوليّ الذي أخذت طائرات النقل العسكرية تهبط على مدرجه الواحدة تلو الأخرى حاملة وحدات إضافية من القوات الأميركية المرابطة في ألمانيا. وتلقّى مشاة البحرية (المارينز) أمر قوات الأميركية في لبنان الأميرال جيمس هولادي بتفادي الاشتباكات مع اللبنانيين وعدم إطلاق النار. (المرجع السابق، ص 275)
وأثار إنزال القوات الأميركية موجة من الغضب والاستنكار في صف المعارضة. واعتبرته جبهة الاتحاد الوطني ومؤتمر الأحزاب والمنظمات عدوانًا على لبنان، فيما دعا صائب سلام الثوار إلى مواجهة “الضيوف الثقلاء” بقوة السلاح ولم يكن موقف كمال جنبلاط أقل تشددًا وراديكالية . (المرجع السابق، ص 275)
وفي 17 تموز 1958 أوفد الرئيس أيزنهاور نائب وكيل وزارة الخارجية الأميركية روبرت مورفي إلى لبنان وكلفه مهمة تقصّي الحقائق ودرس الموقف والبحث عن افضل حل للأمة يرضي الولايات المتحدة.
وقد تخلّى الأميركيون آنذاك عن الرئيس كميل شمعون مدركين أن الخروج من الطريق المسدود يستدعي وجود رئيس جديد للبلاد يرضي جميع أطراف النزاع . (الخوند، 1994، ص 224)
وبالفعل كان للإنزال الأميركي أثره في تسلسل الأحداث واللافت أن إنزالًا مماثلًا للقوات الإنكليزية حصل في الأردن في اليوم عينه بهدف الحفاظ على النظام الأردني. (أبي فاضل، 1982، ص 159)
ومع إن إنزال المارينز في بيروت سنة 1958م، جاء في الظاهر لدعم الرئيس شمعون، إلا أنه في الواقع مهَّد لتسليم السلطة إلى الرئيس شهاب منهيًا بذلك سياسة الرئيش شمعون. والدليل على ذلك أن اللواء فؤاد شهاب قام بمناورة جديدة نفذت بعد إنزال القوات الأميركية في مطار بيروت مع إعطاء أوامر مشدّدة بعدم إطلاق النار، وكان المقصود من هذه المناورة السياسية العسكرية إظهار تضامنه مع المعارضة وتشديد عزائمها بمتابعة العصيان وإظهار نفسه أمام السلطات العسكرية الأميركية أنه هو الرجل القوي في البلاد وليس الرئيس كميل شمعون . (عوض، 1977، ص 75)
لم يواجه الإنزال الأميركي مقاومة ميدانية عسكرية، بل أثار موجة من الاستحسان عند بعض الموالين لشمعون، واحتجاج في صفوف المعارضة، خاصة في صفوف المقاومة الشعبية حيث دعت الشعب اللبناني إلى مقاومة الاحتلال الأميركي بكل ما يملك واستنكر رؤساء الطوائف الإسلامية الثلاث هذا التدخل، ووجّه رؤساء مجلس النواب السابقون برقية استنكار إلى مجلس الأمن الدولي، كما وجه الرئيس عادل عسيران برقية احتجاج شديدة اللهجة إلى مجلس الأمن الدولي والكونغرس الأميركي، وارسل الرئيس صائب سلام إنذارًا إلى القوات الأميركية طلب منها الانسحاب الفوري. أما سامي الصلح فقد اعتبر أن التدخل الأميركي يدخل ضمن دولة صديقة لحماية استقلال لبنان من الأخطار التي تواجهه، والقضاء على تدخل الجمهورية العربيّة المتحدة في شؤونه الداخلية . (الصلح، 2000، ص 665)
هذا وقد كتب غسان تويني وهو الموالي للعهد في جريدة النهار، في عددها الصادر في 16 تموز/ يوليو 1958م: «إن القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية ووزراؤه هو أخطر قرار اتخذه حاكم لبناني منذ الاستقلال، بل قد لا يعادل هذا القرار خطورته سوى قرار الاستقلال نفسه، ونقول ونعني ما نقول، إن الأسطول الأميركي في بلادنا قد يؤدي إلى نهاية الاستقلال». وتابع يقول محذرًا المسيحيين: «لأولئك المسيحيين الذين لا زالوا يرون أن عصر المحميات لم يولِّ اقول وبصراحة إن نزول قوات المارينز بات خدمة لهم وإنما لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية، ومصالح أميركا لا دين لها». ويتابع ويقول: «نحن وقفنا ضد المعارضة منعًا لإسقاط الشرعية، ولكننا ضد أي تدخل عربي كان أو أجنبي» . (جريدة النهار، 16 تموز 1958)
لم يؤدِّ تدخل أمريكا عسكريًا في لبنان إلى تغيرات جذرية، وجلّ ما قام به هو حماية الحكومة الشرعية ومنع إسقاط كميل شمعون ورئيس الوزراء سامي الصلح على يد الثوار. لهذا أرسلت أميركا “روبرت مورفي” ومساعد الخارجية الأميركية وجون فوستر لإيجاد مخرج للقضية اللّبنانيّة . (تيموفييف، 2011، ص 267)
5- التسويات السياسية لحلّ الأزمة اللّبنانيّة
في 17 تموز/ يوليو 1958 أوفد الرئيس أيزنهاور نائب وكيل وزارة الخارجية الأميركية “روبرت مورفي” وكلفه مهمة تقصّي الحقائق ودرس الموقف، والبحث عن افضل حلّ للأزمة يرضي الولايات المتحدة. وقد تخلّى الأميركيون آنذاك عن الرئيس شمعون مدركين أن الخروج من الطريق المسدود يستدعي وجود رئيس جديد للبلاد يرضي جميع أطراف النزاع . (الخوند، 2014، ص 224)
اتصل الموفد الأميركي بالرئيس كميل شمعون وسامي الصلح، كما عقد لقاءات مع القادة الروحيين للطوائف المسيحية على رأسهم البطريرك المعوشي، والتقى أيضًا زعماء المعارضة لإرساء قواعد التسوية للنزاع القائم في لبنان. كان الحل الوحيد والذي توفّرت له فرص النجاح هو إيجاد خلف للرئيس شمعون، وجاء الاتفاق على انتخاب الرئيس فؤاد شهاب بين أمريكا وعبد الناصر، وكان فؤاد شهاب يتمتع بدعم فرنسي وأميركي قويّ . (جريدة اللواء، 2 تموز/يوليو 2012)
ولا بدّ من الإشارة أن مورفي أصرّ في محادثاته مع السياسيين اللبنانيين على ترشيح اللواء فؤاد شهاب لرئاسة الجمهورية، فقد كان للكثيرين منهم رأي آخر. ونوقش في المحافل السياسية أمر ترشيح يوسف حتّي الذي كان يؤيده زعماء “القوة الثالثة” من جهة، وكثير من زعماء جبهة الاتحاد الوطني من جهة أخرى. وكان كمال جنبلاط يميل في البداية إلى يوسف حتى، إلا أنه بعد الحديث مع روبرت مورفي، وافق على ترشيح اللواء فؤاد شهاب، ولكن شرط أن يعمل الأخير على سحب القوات الأميركية من لبنان بأسرع وقت ممكن، ويشرع بتطبيق الإصلاحات ويوفر للمعارضة فرصة المساهمة الفعالة في السلطة . (الديري، 1982، ص 64)
وبالنتيجة أيّد ترشيح قائد الجيش جميع زعماء المعارضة، اللهمَّ إلا عبد الله اليافي . (المرجع السابق، ص 64)، وفي 31 تموز 1958، انتخب اللواء فؤاد شهاب رئيسًا للجمهورية . (الخوند، 2014، ص 225)
وهكذا يكون قد انتهى عهد الرئيس كميل شمعون بثورة راح ضحيتها الأبرياء تحت شعار لا غالب ولا مغلوب، وسيسجل التاريخ بأن كل رئيس مدّد له أو حاول التمديد قام بتخريب لبنان.
6- نهاية الأزمة ونتائجها وأبعادها اللّبنانيّة والعربيّة:
لقد دامت أزمة 1958 حوالي ستة أشهر، من أيار إلى تشرين الأول/ أكتوبر. واتخذت طابع انتفاضة شاركت فيها أكثرية مسلمة وأقلية مسيحية ضد حكم الرئيس كميل شمعون. وإن ما جرى في تلك المدة، ثورة كانت أو حربًا مدبّرة من الخارج أو نزاعًا داخليًا وأيًا كانت الأسباب، أدى إلى انتهاء الأزمة لمصلحة محزنة، والتصدع الذي أحدثته بين الأطراف اللّبنانيّة ولّد سلسلة طويلة من النّزاعات والخلافات التي أنذرت بلا شك بحرب جديدة ظهرت في بداية السبعينات من القرن الماضي. وفي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 1958م غادر آخر جندي أمريكي أرض لبنان . (المرجع السابق، ص 225)
ومن الأهمية أنه ينبغي قراءة أحداث 1958 أن الانقسامات الاقتصادية – الاجتماعية قد تداخلت مع الانقسامات الطائفيّة. وكانت التفاوتات والاختلالات قد ظهرت بوضوح على المستوى السياسي والإداري. وكذلك ظهرت بوضوح على المستوى الاقتصادي . (الخوند، 1994، ص 227)
إن عهد الرئيس كميل شمعون، الذي وضع أمامه مقاومة الفساد واستغلال السلطة كهدف رئيس، انتهى بمفاقمة هذين الوضعين. وعلى المستوى الخارجي، حاول شمعون الالتحاق بسياسة الرئيس الأميركي أيزنهاور الذي بذل جهدًا كبيرًا لتشكيل أحلاف بين دول المنطقة لمواجهة المدّ الناصري والتصدي للخطر السوفياتي والشيوعي المزعوم . (المرجع السابق، ص 227)
فلا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الاصطفاف غير المشروط للحكم اللبناني في خط السياسة الأميركية في المنطقة، كان تجسيدًا لاستمرار المواقف السابقة ومنها الموقف المتّخذ حيال العدوان الثلاثي الفرنسي الإنكليزي الإسرائيلي على مصر عام 1956.
في الواقع، رفض لبنان، إثر العدوان المذكور، التضامن مع مصر وقطع صلاته مع فرنسا وانكلترا، ما دفع مصر الناصرية لتشجيع انتشار التيار القومي العربي في لبنان، هذا التيار الموجود أصلًا منذ فترة طويلة، والذي كان قد تعزَّز منذ قيام دولة إسرائيل في فلسطين عام 1948، وخاصة إثر إعلان الوحدة المصرية – السورية عام 1958 تحت قيادة الرئيس جمال عبد الناصر. (المرجع السابق، ص 227)
والحقيقة أن الإحباطات الناتجة عن تزايد الاختلالات الداخلية، معطوفة على معضلة الهوية، شجّعا قيام حركة جماهيرية ذات أكثرية إسلامية ضد تجريد ولاية شمعون وبمواجهة هذه الحركة الشعبية، لم يكتفِ هذا الأخير، مدعومًا من الأكثرية المارونية ومن الغرب، بمحاولة اللجوء إلى الجيش اللبناني فحسب، بل دعا القوات الأميركية لدعمه، فنزلت هذه القوات على الشاطئ اللبناني إثر سقوط الحكم الملكي في العراق بتاريخ 15 تموز 11958، والذي أطاح بالملكية، واقام الجمهورية بقيادة عبد الكريم قاسم، أعلن قادته تأييدهم للسياسة الناصرية، فانقلبت موازين القوى في المنطقة، في مصلحة عبد الناصر والمعارضة اللّبنانيّة. واعتبرت مصر وسوريا أن الإطاحة بالملكية العراقية، ونهاية نظام كان مخلصًا تمامًا للغرب وقائمًا منذ أكثر من أربعين عامًا بمثابة انقلاب جوهري وبداية عهد جديد. أما واشنطن فاعتبرت هذا الانقلاب بمثابة القضاء على النفوذ الغربيّ في منطقة الشرق الأوسط، ووصفت الوضع بالمقلق جدًا . (الحمداني، 2006، ص 63-64)
في 17 تموز/ يوليو 1958، وصل “روبرت مورفي” إلى بيروت واجتمع مع الرئيس شمعون في القصر الرئاسي، وقد وجده في أسوأ حالات القلق والتعب، وظل لمدة سبعة وستين يومًا سجين القصر الرئاسي لا يستطيع الاقتراب من النافذة لتفادي الاغتيال، وكان مرهقًا لدرجة أنه أحيانًا يقفد الوعي ويجد صعوبة في تذكر ما كان يقوله قبل بضعة ثوانٍ، وأصابته نوبتان قلبيتان . (أيزنهاور، 1969، ص 116)
أدت طبيعة الأوضاع المعقدة والمتشابكة إلى صدمة مورفي الذي بدأ بعد 24 ساعة من وجوده في بيروت يمسك رأسه بيده، وأوضح الرئيس شمعون أن القوات الأميركية لم تأتِ إلى لبنان كي تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية. إنما جاءت لتحافظ على الوضع القائم وتعمل على تهدئة الأوضاع . (السماك، محمد، 1984، ص 106)
وعقد مورفي لقاءات مع ممثلي الفئات اللّبنانيّة المتناحرة بحضور السفير الأميركي ماكلنتوك والأميرال هلّو حيث اجتمع مع رئيس الوزراء سامي الصلح، دون أن يثمر هذا الاجتماع عن نتيجة مرضية . (الطاهري، حمدي، د.ت، ص 353-354)
وسافر مورفي إلى بغداد والتقى الزعيم عبد الكريم قاسم وأعلن اعتراف الولايات المتحدة بالجمهورية العراقية، ثم سافر إلى مصر والتقى جمال عبد الناصر واتفقا على مسألة انسحاب الجيش الأمريكي من لبنان وانتخاب رئيس جديد، وعاد مورفي إلى بيروت والتقى باللواء فؤاد شهاب الذي أكّد له أن انقسام الرأي لدى منتسبي الجيش اللبناني جعل اتخاذ إجراء حاسم ضد الانتفاضة أمرًا مستحيلًا (الجسر، 1998ـ ص 38) .
في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت تمّ عقد لقاءٍ ثانٍ بينهما، عرض فيه مورفي على اللواء فؤاد شهاب ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية لكنه رفض متمسكًا بمنصبه قائدًا للجيش اللبناني ورفضه خلافة كميل شمعون (المرجع السابق، ص 38)، وقد تمّ عقد اجتماع آخر بعد أيام قليلة في المكان نفسه عارضًا اللواء فؤاد شهاب الأمر ذاته لكنه ردّ مبتسمًا (أنا لست مؤهلًا لتسلم مركز رئاسة الجمهورية لأن ثقافتي عسكرية، وقد بذلت كل جهدي ولا أزال في سبيل المحافظة على مسلكية الجيش، ولا أريد التوقف عن السير حتى تنشئة هذا الجيش وإبعاد كل تيار سياسي عني، فإن تخليت عن قيادته أشعر إني تخليت عن واجب التزمته)، وانتهى الاجتماع للمرة الثانية دون التوصل إلى نتيجة . (صافي، 2007، ص 304)
وفي 22 تموز 1958 عقد رشيد كرامي اجتماعًا مع روبرت مورفي، ناقشا كيفية إقناع فؤاد شهاب للترشيح للرئاسة، وعلى الأثر توجه رشيد كرامي إلى جونية لمقابلة اللواء فؤاد شهاب وبادره قائلًا (يعتقد روبرت مورفي أنك رجل العناية الإلهية).
وتمّ التوافق لاختيار منصب رئيس الجمهورية ومنحه للواء فؤاد شهاب، بين الرئيسين المصري والأمريكي وبتزكية من الرئيس الفرنسي شارل ديغول، وكذلك شبه إجماع لبناني على هذا الاختيار. (ناصيف، 2008، ص 220)
وفي 31 تموز/ يوليو 1958م انتخب الرئيس فؤاد شهاب بأغلبية 48 صوتًا مقابل 7 أصوات لريمون إدّه، كما وجدت ورقة بيضاء، وثمة نواب لم يشاركوا في الجلسة النيابية . (مرداس، 2014، ص 84)
وهكذا جرت الانتخابات تحت وصاية القوات الأميركية وحمايتها، وكأنه محكوم على لبنان أن يبقى تحت الوصاية الخارجية (عربية وأجنبية) طوال تاريخه. (كفوري، 2012، ص 158)
خاتمة
يمكن وصف هذه الحقبة من تاريخ لبنان بأنه صراع بين قوى عالمية بأيدٍ محلية، تتقاتل وتتصالح بأمر من الغرب أو الشرق، وكأن التاريخ يُعيد نفسه. فالنزاع بين لبنان والجمهورية العربيّة كان خلافًا معقدًا، لأنه يتألف من عدة خلافات دينية أو اقتصادية، أما الخلفية الدينية فقد كانت بين أنصار الوحدة العربيّة الشاملة وأنصار بقاء الوضع على حاله في لبنان، فالمسيحيون اللبنانيون في غالبيتهم رفضوا الارتباط بالجمهورية العربيّة المتحدة، في حين أن غالبية مسلمي لبنان طالبوا بهذا الارتباط. (مرداس، 2014، ص 83)
وعن الخلفية الاقتصادية فأنصار الاشتراكية وتدخل الدولة في الأمور الاقتصادية رحبوا بالارتباط بالجمهورية العربيّة المتحدة، أما أنصار الرأسمالية الليبرالية رفضوا ذلك وكانوا ضده.
وأما عن أبعاده الدولية فقد تحول الخلاف من كونه محليًا إلى خلاف جماعي دولي، فقد بدا الصراع بين سوريا ولبنان وتحوّل إلى صراع بين الجمهورية العربيّة المتحدة والعراق من ناحية والدول التقليدية من ناحية أخرى، وامتدّ هذا الصراع إلى الأردن، وتدخّلت الولايات المتحدة لصالح لبنان وانجلترا لصالح الأردن والاتحاد السوفياتي لصالح الجمهورية العربيّة المتحدة، فشكل ذلك أحد أسباب خلافات الحرب الباردة . (المرجع السابق، ص 83)
إن تلك الخلافات والتناقضات إلى جانب الصراعات الحزبية والصراعات الشخصية في لبنان أدّت إلى حرب أهلية مزّقت البلاد وهددت سلامة وحدتها. أضفت إلى ذلك فشل جامعة الدول العربيّة في حسم الخلاف لأن لبنان لم يثق بهذه المنظمة لاقتناعه بأنها خاضعة لنفوذ الجمهورية العربيّة المتحدة، وتحويل هذه القضية إلى أروقة الأمم المتحدة في 21 آب/ أغسطس 1958م التي استطاعت حلّ الأزمة وجاء ذلك تعبيرًا عن توافق عربي – عربي – سوفياتي ممّا دفع جمال عبد الناصر إلى الكفّ عن التدخل في شؤون لبنان وبعض الدول العربيّة، خاصة بعد أن تبدّدت مخاوفه من بعض الأنظمة العربيّة الموالية للغرب، ففي لبنان تأمن انتقال الحكم من شخصية موالية للغرب إلى شخصية عرفت بالاعتدال في السياسة الخارجية، وفي العراق جاء عبد الكريم قاسم بالدعم السوفياتي . (عودة، 1975، ص 344)
وهكذا كان لبنان بعد ثورة 1958 خلال فترة حكم الرئيس كميل شمعون منطقة مضطربة تمثلت فيها الصراعات السياسية بمختلف أنواعها الإيديولوجية واستغلّت هذه الصراعات قوى محلية وإقليمية ودولية مما ساهم في خلق حالة سياسية متوترة انتهت بسقوط حكم كميل شمعون وبداية عهد جديد في الجمهورية اللّبنانيّة برئاسة اللواء فؤاد شهاب الذي أطلّ على المسرح السياسي لأول مرة في تاريخ لبنان باتفاق بين واشنطن والرئيس عبد الناصر باعتبار الرجل المناسب لإعادة الهدوء وإيقاف العنف، ونزع فتيل التوتر، وانسحاب القوات الأجنبية من لبنان وإعادة التوافق في البلاد. كما صرّح شهاب بأنه: «ينوي إحياء الميثاق الوطني، واتباع سياسة ودّية صريحة وصادقة حيال البلدان العربيّة. (الجسر، 1998، ص 29)
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: المصادر
- أنطوان خويري🙁 1987)، كميل شمعون في تاريخ لبنان، دار الأبجدية للطباعة والنشر، عمان.
- باسم الجسر، (1998)، فؤاد شهاب، بيسان للتوزيع والنشر، بيروت، ط1.
- حامد الحمداني: (2006)، ثورة 14 تموز في نهوضها وانتكاساتها واغتيالاتها، دار النشر فيشون ميديا، السويد.
- حامد الحمداني، (2006)، ثورة 14 تموز في نهوضها وانعكاساتها واغتيالاتها، دار النشر فيشون ميديا، السويد.
- حمدي الطاهري: سياسة الحكم في لبنان، المطبعة العالمية، بيروت، (د.ت).
- الخوند، مسعود: (1994)، الموسوعة التاريخية الجغرافية، إصدار خاص، المتن.
- سامي الصلح: (2000)، لبنان العبث السياسي والمصير المجهول، دار النهار للنشر، بيروت ط1.
- صباغ، سمير: (2000)، الدستور اللبناني من التعديل إلى التبديل، المؤسسة الجامعة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1.
- عودة بطرس: (1975)، عبد الناصر والاستعمار العالمي، مؤسسة ناصر الثقافية، دار الوحدة، ط1.
- فؤاد عوض: (1973)، الطريق إلى السلطة، الطبعة الإلكترونية.
- كمال جنبلاط: (1987)، حقيقة الثّورة اللّبنانيّة، الدار التقدمية، المختارة، لبنان، ط4.
- كميل شمعون: (1977)، أزمة في لبنان، دار الفكر الحر، لبنان، ط1.
- محمد السماك: (1948)، القرار العربي في الأزمة اللّبنانيّة، دار الكتاب اللبناني، بيروت.
- نقولا ناصيف: (2008)، جمهورية فؤاد شهاب، تقديم فؤاد بطرس، دار النهار، بيروت.
- وليد عوض: (1997)، أصحاب الفخامة رؤساء لبنان، الأهلية للنشر، بيروت.
- وهيب أبي فاضل: (2008)، لبنان في مراحل تاريخه الموجزة، أنطوان للنشر، بيروت، ط3.
- إيمان مرداس: 2014، الأبعاد اللّبنانيّة والعربيّة والدوليّة للقضيّة اللّبنانيّة 1943-1990 – أطروحة من كلية العلوم الإنسانية – جامعة بيروت العربيّة – قسم التاريخ – بإشراف أ.د. حسان حلاق.
- إيغور تيموفييف: 2011، كمال جنبلاط الرجل الأسطورة، ترجمة خيري الظامن، دار النهار للنشر، بيروت، ط6.
- إيزنهاور، مذكرات إيزنهاور (1969)، ترجمة هوبرت بونغمان، د.م. دار دا بلداي.
- جريدة اللواء، (بيروت)، 2 حزيران 2012.
- جريدة النهار، (بيروت)، 16 تموز، 1958.
- جريدة الحياة، 26(بيروت)، أيلول، 2002.
[1] أستاذ التاريخ الحديث الجامعة اللبنانية.
[2] أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر جامعة بيروت العربية.
عدد الزوار:340