أبحاثالتاريخ وعلم السياسة والاقتصاد

نشأة فيصل الأوّل وخطواته المبكرة في عالم السّياسة

نشأة فيصل الأوّل وخطواته المبكرة في عالم السّياسة

Faisal’s Early Upbringing and his First Steps in Politics

محمد جواد عزيز صفي

Muhammad Jawad Aziz Safi

أ.د راما عزيز دراز مشرفًا رئيسًا             أ.د محمد علي القوزي مشرفًا مشاركًا

تاريخ الاستلام 1/4/2024                                             تاريخ القبول 23/4/2024

الملخّص

يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على شخصية الأمير فيصل الأول بدءًا من تتبّع مراحل نشأته الأولى وصولًا إلى خوضه غمار السياسة بخطوات أولية مكّنته من إثبات وجوده وسط الوقائع الدبلوماسية التي عصفت بالسلطنة العثمانية مطلع القرن العشرين من ناحية، وأثّرت على سلطة والده وكيفية تعاطي الاتحاديين معها من ناحية أخرى. وما كان لذلك من وقع مهم على تبلور المواقف السياسية لفيصل الأول ومدى انحرافها ناحية تدعيم الاتجاهات الثورية العربية فيما بعد.

 

Abstract

This research seeks to shed light on the personality of Prince Faisal I, starting from tracing the early stages of his upbringing up to his entry into politics with initial steps that enabled him to prove his presence amidst the diplomatic events that struck the Ottoman Sultanate at the beginning of the twentieth century on the one hand, and affected his father’s authority and how the federalists dealt with it on the other hand. another side. This had an important impact on the crystallization of the political positions of Faisal I and the extent of their deviation towards supporting Arab revolutionary tendencies later on.

 

مقدمة

يمكن حسبان فيصل واحداً من أهم القادة العرب، الذين لمع نجمهم دوليًا في خضمّ مرحلة سياسية كانت من الأكثر حراجة مطلع القرن العشرين، تخبطّت على أثرها السلطنة العثمانية، وشهدت تبدّلات استراتيجية أرخت بظلالها على الأقطار العربية، وقياداتها ومن بينهم فيصل الذي سيتشرّب القومية العربية منذ نعومة أظافره، سائرًا خلف راية والده الثورية مدافعًا عن الحقوق العربية بوجه سياسة الاتحاديين ومساراتهم الرامية إلى التتريك.

 

أولًا: فيصل الأول: في أصله ونشأته الأولى في الصحراء حتى استقراره في اسطنبول

 

يُعد اسم فيصل من الأسماء العربية التي راجت في أرجاء الجزيرة العربية مطلع القرن العشرين بمعناها الدال على السيف. وقد اختار الشريف حسين([1]) ذاك الاسم لابنه الثالث، من زوجته عابدية([2]) التي ولدت له من الأبناء بخلاف فيصل([3]) علياً([4]) وعبد الله([5]). وبذلك، ينحدر فيصل الأول من عائلة آل عون وهي واحدة من عوائل الأشراف الحجازية([6]).

تعدّدت المصادر التي طالت ولادة الأمير فيصل واختلفت فيما بينها. إذ تذكر إحداها أن ولادته قد تمّت في مكّة المكرمة يوم الأحد 20 أيار (مايو) عام 1883(حمادة، وظيان، 1933، ج1، ص24)، في حين يفنّد أُخراها القول السالف، مؤكدًا أن فيصل الأول مولود في الطائف عام 1885(مديرية الدعاية العامة، 1945، ص 23). ومهما تباينت الحقائق تبقى الديار الحجازية موطن فيصل ومسقط رأسه. ففي قرية رحاب المحاذية للطائف تربّى، وبين قبائل العبادلة([7]) وعتيبة([8]) ترعرع، حتى عمر السنوات السبع، حيث تدرّب على الفروسية(كورية، 1998، ص 9)، وعايش البيئة الصحراوية بقساوتها وجفاف مناخها (أرسكين، 1934، ص 37). وقد جاء فيصل على ذكر بعض تفاصيل تلك المرحلة من حياته، حين قال: “كنا نأكل الخبز معجونًا بالتراب والله، ومخبوزًا بالرماد، ولا نبالي، بل كنّا نتلذّذ به، وكأنه الكعك بعينه (الريحاني، 1958، ص 28)“. انتقل فيصل الأول في عمر السابعة إلى مكّة ليواظب على تعلّم اللغة العربية وقواعد اللغة التركية، كما وحفظ الآيات القرآنية(مديرية الدعاية العامة، 1945، ص 30). وما كاد فيصل الأول يبلغ الثامنة من العمر حتى فجع بموت أمه(أرسكين، 1934، ص 35).

بيد أن رحلته وسط الصحراء بما جُبلت عليه من شدّة الحرّ ورمال حارقة ما لبثت أن تبدّلت في مساراتها، التي شهدت تحوّلات انتقل معها فيصل الأول تاركًا دارته الأولى ومنطلقًا إلى إسطنبول، وهو لم يتجاوز الثامنة من العمر، أي في العام 1893. حين اتجه والده للاستقرار في عاصمة السلطنة العثمانية على خلفية بعض التباعد الذي شبّ بينه وبين أخيه الشريف عون. ولا ريب أن مكوث الشريف حسين بن علي وعائلته في اسطنبول كان ضمن النهج العثماني القائل باستدعاء حكّام الولايات للإقامة في عاصمة السلطنة برهة من الزمن، ليكونوا تحت أعين الإدارة الحاكمة، فيتعوّدوا السير وفقًا للأطر السياسية المعمول بها، كما يتسنّى لهم تعلّم اللغة العثمانية والاجتماع بالسلطان والنزول عند نهجه المعتمد(صفوة، 1996، مج 2، ص 85).

وبهذه الطريقة، أُتيح لعائلة الشريف حسين وأولاده بمن فيهم فيصل الاحتكاك بركاب الحضارة العثمانية، بما فيها من تفاصيل وتوجهات دبلوماسية. خلال مرحلة ضجّ بها قلب السلطنة العثمانية النابض بتزلّفات السياسة، ومساعي الدول الكبرى إلى التغلغل، وإحكام السيطرة حتى تحقيق أهداف نهائية غايتها تقاسم تركة الرجل المريض (أرسكين، 1934، ص 33).

وفي خضمّ ذلك التخبّط الدبلوماسي احتكّ فيصل بشؤون السياسة، سائرًا على درب أبيه دانيًا منه وسط اجتماعاته، التي كانت تتم في بلاطه المطل على مياه البوسفور، في حضرة كبار رجالات الدولة والأدب والفكر، الذين جمعهم بالشريف حسين علاقات صداقة وطيدة (الراوي، 1969، ص 119).

ممّا كان له الأثر المهم في تفتّح الوعي السياسي وتبلور الشخصية الفيصلية القيادية، التي أُتيح لها التشكّل والظهور على وقع تعاظم الحركة الطورانية([9]) واستراتيجيتها المتّبعة إزاء العرب انطلاقًا من عام 1908(الراوي، 1969، ص 119).

قد تمثّل أول تحوّر عرفه فيصل الأول في مسار دراسته التي تبدّلت تاركة الأساليب القديمة، ومتجهة صوب اعتماد توجهات التدريس الحديث في عصره، والتي أتاحت له التعرّف على التاريخ الإسلامي، كما العثماني وطالع أيضًا اللغة العربية ونظيرتها العثمانية وما تحلّق حولهما من آداب(د. ك. و، ملف رقم/ط/2/1، 1935، وثيقة رقم 1). إذ بدا ولع الأمير فيصل بالشعر الجاهلي، وحبّه لرعيل مهم من الشعراء أمثال عنترة ([10]) وامرئ القيس([11]) وغيرهم (حمادة، وظيان، 1933، ج1، ص 25). وكأنما حبّه للشعر أضحى واحداً من تردّدات نشأته الأولى في رحم الصحراء، والتي تركت ترسّباتها في شخصيته العامة، كما في بنيته الجسدية([12])، التي أظهرت صلادة وتماسكًا مع عقل بذهنية صافية عُرف بها حتى آخر أيامه (أرسكين، 1934، ص 36).

ولا يخفى تلّقي فيصل لعلوم الحساب والجغرافية، ومواصلة حفظه للقرآن الكريم بدفع وتلقين من أبيه. كما اطلع على قواعد اللغة الفرنسية، ودرس الإنكليزية التي قُدّر له تعلّمها مع مرور الوقت (بن الحسين، 1947، ص 39). وقد تعمّق فيصل الأول في دراسته، حتى ألمّ بالعلوم العسكرية على يد معلمين متخّصصين عمدوا إلى تلقينه وإخوته([13]).

ليس ذلك فحسب فقد أُتيح لفيصل التعرّف على قواعد الفنون الحربية، بُعيد اجتماعه بكبار رجالات الجيش العثماني، وقادة فرقه، وألويته الذين لقوا تدريباتهم على يد الضباط الألمان. ومن المرجّح أن الأمير لم يكن على القدر الكافي من التميّز في علمه، ممّا دفع بأستاذ العلوم العسكرية إلى التبرّم من تأخّر فيصل في الدراسة، دون أن يؤثر ذلك على الأمير فيصل، الذي اتجه إلى تعويض أي نقصان حاصل نظريًا بصقل خبراته الحياتية ومجهوده على الصعيد الشخصي ([14]).

وعليه، تلقّى فيصل روافد التمدّن دون أن يقطع صلته بأصوله الحضارية العربية الإسلامية، والتي عبّر عنها في أدبه، واحترامه للآخرين، والتزامه بالصلاة، والقيام بشعائر الدين الحنيف. كما بدا ضيق النطاق المتحلّق حول فيصل الأول إبّان استقراره في الأستانة، والمتطبّع بصبغته الهاشمية الظاهرة غداة توجّهه إلى اختيار زوجته التي كانت ابنة عمّه الشريفة حزيمة([15]) التي تزوّجها وهو في الثانية والعشرين من العمر وقد أنجبت له ثلاث بنات وولدًا واحدًا([16]) هو الأمير غازي([17]).

 

ثانيًا: الحكم الاتحادي يتقرّب من الحسين وفيصل يقود المعارك لإخماد الاضطرابات المشتعلة في جنوب الجزيرة العربية

أطلق تمرّد الاتحاديين وإطاحتهم بحكم السلطان عبد الحميد الثاني([18]) تبدّلات في سيرورة الأحداث السياسية الخاصة بشعوب السلطنة العثمانية، وبخاصة العربية منها لِما مثّلته من ثقل استراتيجي وعددي داخل بنيان الحكم القائم. ولا ريب أن التحوّلات الطارئة على كرسي الحكم العثماني قد مسّت بطريقة أو بأخرى عائلة الشريف حسين وفقًا لجملة من الدوافع، التي أدّت به إلى السير أخيرًا على خُطى التعاون القائم بينه وبين رعيل الاتحاديين. وكان في مقدّمتها تعاطي السلطان عبد الحميد الثاني نفسه مع الشريف حسين وموقعه منه- فقد أظهر تتبّع الأحداث السياسية التي عايشتها السلطنة العثمانية أن مكوث الشريف حسين وعائلته في اسطنبول كان إجباريًا في المقام الأول ([19]).

إلى جانب ذلك، مسعى الحكم الاتحادي المولود حديثًا إلى التضامن مع أبرز عوائل الأشراف مقامًا في مكّة، لإيقاف السيل الجارف من الفوضى التي ألمّت جنوبي الجزيرة العربية. ولمّا كانت الأسرة الهاشمية قد تولّت أهم منصب قيادي ديني ودنيوي بين أشراف مكّة ([20])، كان لا بد وأن يقع اختيار الاتحاديين عليها بزعامة الشريف حسين لأهله بيته الهاشمي، الذي توعّد بوضع حد نهائي لحالة الاضطراب التي أخذت تعصف مهدّدة أمن واستقرار جنوب الجزيرة العربية. بخاصة بعد أن رفع محمد بن علي الإدريسي ([21]) راية الثورة ضد الإدارة العثمانية (حمادة، وظيان، 1933، ج1، ص 25).

انطلاقًا ممّا تقدّم، تحتّم على الشريف حسين وأسرته ترك إسطنبول، حيث ولّى قبلته شطر الحجاز التي وطأ أرضها بتاريخ كانون الثاني (يناير) عام 1909(حمزة، 2002، ص 316). وقد مثّل ذلك التحوّل منعطفًا مهمًا في حياة الأمير فيصل بن الحسين، الذي كان عليه أن يُثبت جدارته القيادية وسط المضمار العملي.

من جهته، عمد الشريف حسين إلى استغلال المعارك الناشبة لإرواء طموحاته القيادية، وإثبات وجوده بين أعمدة القوة، والنفوذ داخل الحجاز، وعلى مرأى من الاتحاديين، الذين كانوا ينتظرون منه الإيفاء بتعهّداته أمامهم. ممّا دفعه إلى قيادة الحملات البكر الموجهة ضد الإدريسي في الجنوب بين عامي 1910 و 1911، والتي أعانه عليها أبناؤه المحدّدين بعبد الله، وفيصل الأول الذي وكّله أبوه عام 1912 ليترأس الحملة الثانية التي شنّها بمواجهة الإدريسي داخل إقليم عسير (موسى، 1965، ص 66 – 67)، والتي أتاحت له الفرصة لترسيخ اسمه في خضمّ القيادة الحجازية (كامل، 1991، ص 13) بعد أن عاد مظفّرًا بالنصر. ممّا زاد من شعبيته بين القبائل العربية على وقع تعاظم ثقة والده به([22]). الأمر الذي شجّعه على الانطلاق في حملة أخرى عام 1913 لضرب عسير مجدّدًا، دون أن تتكلّل بالنجاح لكنها منحت فيصل الأول دفعًا إلى الأمام وتميّزًا بين إخوته (حمادة، وظيان، 1933، ج1، ص 25 – 26). ولا ريب أن خيار الشريف حسين لابنه فيصل الأول للانطلاق في حملة التأديب الثانية تلك لم يأتِ من عدم. إذ لا بد وأن يكون الأب قد وجد في ولده تميّزًا وإقدامًا حدا به إلى اختياره دونًا عن غيره من الأبناء (أرسكين، 1934، ص 40).

 

ثالثًا: فيصل الأول في مجلس المبعوثان: خطوة تمهيدية سرّعت عملية اختمار الفكر العروبي الموصل إلى اندلاع الثورة

توالت بعد ذلك المهمّات الموكلة سياسيًا لفيصل من قبل والده، الذي أرسله في مسعى جديد فرضته التطورات الراهنة، والتي أفضت إلى تأسيس مجلس المبعوثان ([23]). إذ تحدّد الدور الذي وقع على عاتق فيصل الأول بانخراطه عضوًا منتدبًا من الشريف حسين، وعموم أهل جدّة داخل أعمدة المجلس المذكور ([24]) إبّان دورته التالية عام 1913، التي انطلقت أعمالها على خلفية انتخابات عام 1912(عبد القادر، 1989، ص 81 – 82).

فما كان بوسع الأمير فيصل إلا أن يترك الحجاز قاصدًا كرّة ثانية إسطنبول، منخرطًا في أعمال مجلس المبعوثان. حيث تميّز بنزعة عربية، وميلٍ واضح نحو القومية متشبّثًا بها. ولا ريب أن توجهه إلى الأستانة قد منحه إمكانية الاجتماع برهط قيادي عربي نيابي مهم، ما انفكّ فيصل الأول في مسعاه للاطلاع، وتبيان آرائه ومواقفه السياسية داخل المجلس، بما احتملته من أصوات معارضة أيضًا (القصاب، 1962، ص 61).

وعليه، منحت تجربة فيصل السياسية تلك إمكانية التعرّف على واقع سياسي مغاير، لِما اعتاد عليه داخل الجزيرة العربية. حيث تدارس عن كثب مطالب النواب العرب الداعية إلى الإصلاح والتحديث، وبخاصة في ولاياتهم وعلى مجمل الأصعدة. ولا ريب أن فيصلًا قد عاين عن كثب دفاعاتهم عن لغتهم العربية، وغيرها من الموضوعات الحسّاسة، التي أرهقت القوميين العرب في تلك المرحلة. حتى أنه دخل معهم في صداقة سعى إلى توطيد عُراها عبر نزوله في أبرز العواصم العربية، وهو في طريقه إلى حضور اجتماعات مجلس المبعوثان، وبشكل خاص مصر، وحواضرها التي وطأها فيصل واحتكّ بأهم مفكّريها وسياسييّها (كامل، 1991، ص 14 – 15).

وعلى الضفة المقابلة، سنحت الفرصة لفيصل الأول إبّان انضوائه عضوًا في مجلس المبعوثان من الوقوف على المرامي الحقّة للاتحاديين، واستراتيجيتهم المطبّقة إزاء العرب بشوفينية في التعامل معهم. وإذا به يتوصّل إلى قناعة تامة بأن القيادة الجديدة قد أطاحت الديار العربية من حساباتها([25]). وبذلك، بات انضواء فيصل الأول ومهمّته داخل مجلس المبعوثان بمثابة عامل ثانوي عبّد السُبل أمام إطلاق الصيحات الانفصالية ذات النزعات التحررية، التي انطلقت من رحم الجزيرة العربية بوجه الحكم الاتحادي، تلك التوجهات الانفصامية التي سُيكتب لها الاختمار، حتى لحظة الانفجار، وما سيتولّد عنها من ثورة عربية كبرى، أضحت بمثابة المعترك الأهم الذي سيرتسم على أثره مستقبل فيصل الأول السياسي (كاتب مجهول، 1945، ص 34).

 

رابعًا: مسعى الاتحاديين إلى تقزيم سلطة الشريف حسين في الحجاز تدفع به إلى التحضير لإعلان الثورة

  1. الاتحاديون يُنصّبون واليًا جديدًا لتضييق الطوق حول الحسين مستغلّين مسعاهم إلى مد خط سكة حديد من مكّة إلى جدّة

لم تعرف العلاقة الجامعة بين الحسين والاتحاديين استقرارًا في نهجها العام ([26]) السائر على خُطى التعقيد الناجم عن سياسة الاتحاديين ([27]) في التعاطي مع مختلف القوميات غير التركية بشيء من العنصرية والتزمّت. كما تمظهرت مساعي الاتحاديين في فرض حكمهم المباشر على الحجاز، والتدخّل بشؤونه الداخلية مجتازين بذلك سلطة الشريف حسين، ساعين إلى تحجيمها في مسألة خط سكة الحديد التي عمدوا إلى مدّها داخل الحجاز إلى المدينة المنوّرة، وصولًا إلى مكّة أيضًا عبر جدّة وذلك عام 1908، وسط رفض الشريف حسين لتلك الخطوة، التي وجد فيها بترًا لسُبل العيش الداخلية للسكّان الذين اعتادوا على العمل في تأجير الجمال. الأمر الذي قد يحملهم على التمرّد ضد السلطات الحاكمة، ممّا له تداعيات هدّامة لمسار الأمن في الحجاز (أنيس، وحواز، 1967، ص 203).

لكن رفض الحسين بن علي لم يجد آذانًا صاغية طيلة المرحلة الممتدة من عام 1908 حتى عام 1914. حين صمّمت حكومة الاتحاديين على التدخّل وبعمق أكثر في السياسة الداخلية للحجاز، عبر تبديل الوالي وتعيين آخر ([28]) مشرّعة أمامه السُبل لإزاحة الشريف حسين من مقامه القيادي، وانتزاع كافة الصلاحيات التي أُنيطت به سابقًا، بخاصة فيما يتعلّق بالمسائل التي لها صلة بالبدو. وإن كان الوالي قد أكّد أن حكمه لن يخرج عن إطار قانون الولايات العثمانية، وأن دوره محدّد في تنفيذ مشروع خط سكة الحديد في المدينة إلى مكّة ليس إلا (موسى، 1986، ص 76 – 77).

  1. تدخّل الوالي العثماني يشعل نيران اضطرابات داخلية على وقع إعلانه فرض الجندية وسط معارضة الحسين ومحاولات أبنائه عبد الله وفيصل التدخّل لرأب الصدع المتفاقم بينه وبين حكومة اسطنبول

أفرز تدخّل الوالي العثماني بالشأن المحلي للحجاز بقطع النظر عن موقع الشريف حسين إلى وقوع بلبلة، بخاصة عندما عمد أصحاب الجمال المنوطة بنقل حمولات التجار من جدّة لمكّة إلى الامتناع عن إيصالها. ممّا أجّج التجار الذين تضرّروا من ذلك الخرق، وولّوا أنظارهم ناحية الحسين لحلّ الأزمة، الذي بعث بتابعيه إلى البدو المسؤولين عن نقل الحمولات على طريق جدّة – مكّة طالبًا منهم تسليم البضائع إلى أصحابها. وقد نزل البدو عند مطلب الشريف حسين، وإن كان الأخير قد خلع عباءة الإدارة الداخلية وسلّمها للوالي الجديد، الذي أوعز للتجار بالقدوم إليه لمعالجة أي أزمة وارد وقوعها في المستقبل (أنيس، وحواز، 1967، ص 204).

أُتبعت محاولات مد خط سكة الحديد في المدينة المنوّرة إلى جدّة بما اتجه الاتحاديون إلى تطبيقه من قانون جديد يفرض على الولايات تطبيق التجنيد الإجباري ([29]). الأمر الذي واجه معارضة الشريف حسين الذي وقف عند قدسية الحجاز، ورفعة مكانته الدينية الإسلامية كذريعة لحماية أبنائه من الدخول في سلك الجندية، التي دعا إليها الوالي الجديد، وبخاصة في مكّة الممتنعة عن الرضوخ لأوامره في ذلك المضمار. كما أوعز للقوات غير النظامية التي كانت تعمل بإمرة الشريف حسين لتلقّي التدريب العسكري اللازم على يد جيشه. الأمر الذي يسمح لها بالتطور واعتماد أساليب حربية جديدة بخلاف التقليدية، لكن مطالبه تلك لم تلقَ قبولًا بين قوات الشريف حسين (أنيس، وحواز، 1967، ص205 – 208).

توالت حالة التمرّد الداخلي التي أطلقها البدو، الذين أخذوا يهاجمون القوافل التجارية المارّة على طريق جدّة، وسط تعنّت الوالي العثماني، وتوجيهه اللوم إلى الشريف حسين وتحميله مسؤولية ما يجري. في الوقت الذي عرف فيه الشريف حسين دعمًا من قبل أشراف مكّة، الذين رفعوا للسلطة المركزية شكواهم من إجراءات الوالي وتزّمته. بالتزامن مع استمرار حالة الهيجان الداخلية التي تصاعدت وتيرتها، مع قيام البدو بقطع امدادات التلغراف، ووضع اليد على مصلحة البريد. ممّا أظهر مدى خطورة الوضع الداخلي، الذي حتّم على الوالي العثماني التوجّه إلى الشريف حسين للتوسّط بغية تهدئة الموقف دون جدوى. فقد ازداد التمرّد بُعيد قيام البدو بالهجوم على مجموعة من الجند المتجهين من جدّة إلى مكّة. حتى سادت البلبلة في جدّة وضواحيها. الأمر الذي دفع بالشريف حسين إلى إرسال ولده فيصل الأول لإعادة الأمن إلى نصابه (عمر، د.ت، ص 191).

من ناحيته، استغلّ الأمير عبد الله فرصة وجوده في اسطنبول للمشاركة في أعمال مجلس المبعوثان، كي ينقل للحكومة العثمانية واقع الأزمة المستفحلة في الحجاز، على خلفية توجه الحكومة إلى مدّ خط سكة الحديد. إذ تمخّض عن المباحثات التي جرت بين الأطراف العثمانية من جهة، والأمير عبد الله من جهة أخرى، جملة من النقاط التي وضعها العثمانيون على طاولة البحث، وهي:

  • منح ثلث عائدات خط سكة الحديد المزمع إنشاؤها لمصلحة الشريف حسين وله حرية التصرّف بها حسب مشيئته.
  • استمرار الإمارة الحجازية بيد الشريف حسين وحصرها بأولاده من بعده.
  • تجهيز مجموعة من الجند تحت تصرّف الشريف حسين يوكل إليها مهمة تنفيذ عملية تمديد خط سكّة الحديد.
  • منح الشريف حسين مبلغ من المال وقدره ربع مليون جنيه لصرفه على البدو.

وقد أوعز القادة العثمانيون إلى الأمير عبد الله إبراق شروطهم إلى والده التي ما كانت لتحظى بموافقته. إذ وجد فيها الشريف حسين رشوة ومحاولة للتضليل. حتى قرّر إيفاد ابنه عبد الله كرّة أخرى إلى اسطنبول للتباحث مجدّدًا بالشؤون العالقة، مؤكّدًا بأن ليس له أي مطمع أو طموح على المستوى الفردي، مقترحًا جملة من الحلول لمدّ سكة الحديد بالشكل الذي لا يؤدي إلى وقوع أضرار بحق منافع السكان (عمر، د.ت، ص 192)، داعيًا إلى ضرورة تكريس قوة من الجند غايتها تأمين العمل على طول خط سكة الحديد، وإشغال المياه وإيصالها بين المدينة المنوّرة ومكّة عبر جدّة، كتمهيد مبدئي لإطلاق الأعمال بخصوص سكة الحديد (موسى، 1986، ص 80 – 81).

بيد أن تداعيات الأزمة الداخلية قد واصلت وقعها، على خلفية ما اكتُشف من مستندات، حملت في جوفها تعليمات، أُنيطت للوالي الجديد، على أساس تقزيم سلطة الشريف حسين حتى اغتياله إذا لزم الأمر. الأمر الذي دفع بالحسين إلى إيفاد ابنه فيصل الأول إلى اسطنبول للوقوف عند حقيقة ما اكُتشف من تهديدات موجهة ضد أبيه. على أن يتوجّه بداية إلى دمشق ويمد خطوط التواصل مع قيادات الحراك العربي القومي للاطلاع على مواقعهم من الاستراتيجية العنصرية المطبّقة من قبل الاتحاديين، ومدى الجهوزية العامة لإعلان الثورة (وهيم، 1982، ص 38).

 

استنتاج

قُدّر لفيصل أن يلمع نجمه وسط عائلته الهاشمية، وأن يؤدي دورًا بارزًا أسهم في تسليط الأضواء عليه. بخاصة بعد أن حقّق النصر في حرب عسير، وعاد منها مؤزرًا ليزيد بذلك احتكاكه بالدبلوماسية العثمانية – إبّان دوره في مجلس المبعوثان- التي وإن كان قد شهد فعّالياتها، ما قبل وقوع انقلاب الاتحاديين. إلا أنه تابع تطورات سياساتها التي سار على نهجها رهط جمعية الاتحاد والترقي، بسمات طورانية، ومسعى إلى تقزيم دور والدهم القيادي وسط الأقاليم الحجازية. ممّا ترك أثرًا راسخًا في انحراف التوجه الفيصلي الهاشمي بعيدًا عن السرب الاتحادي، وقريبًا من المنحى القومي العروبي، الذي جُبل عليه فيصل متأثّرًا بذلك في نشأته الأولى في رحم الصحراء، التي خلّفت ترسّبات في شخصيته التي تعلّقت بأواصر العروبة، وتعرّفت على التشكّل الجنيني للتوجهات القائلة بالدفاع عن القومية، بُعيد احتكاكه بالقوميين العرب واطلاعه على مطالبهم بالإصلاح، والتحديث، التي ستتطوّر ويتّسع أُفقها، كلّما ضيّق الاتحاديون طوقهم الملتّف حولها، حتى لحظة الحسم التي ستنقلب على أثرها الموازين، وستُعلن الثورة من قلب الصحراء مدفوعة بالنشاط القومي المحتدم في الداخل السوري.

 

قائمة المصادر والمراجع

أولًا المصادر والمراجع العربية

  1. الوثائق غير منشورة:
  • دار الكتب والوثائق العراقية: (1935)، ملفات البلاط الملكي – ملف صفوة العوا رقم 11/ط/2/1، وثيقة رقم 1.
  • _________________: (1935)، ملفات البلاط الملكي– ملف رقم ك / 1/ 1 – 2157، وثيقة رقم 24.
  1. المذكّرات:
  • بن الحسين، عبد الله: (1947)، مذكرات الملك عبد الله، ط2، منشورات مجلة الرائد، عمّان.
  • الراوي، ابراهيم: (1969)، من الثورة العربية الكبرى إلى العراق الحديث – ذكريات، مطبعة دار الكتب، بيروت.
  • القصاب، عبد العزيز: (1962)، من ذكرياتي، منشورات عويدات، بيروت.
  1. المصادر:
  • كاتب مجهول: (1945)، فيصل بن الحسين في خطبه وأقواله – ومضات من سيرة الملك الزعيم مؤسسة مملكة العراق ومنشئ الجامعة العربية، مطبعة الحكومة، بغداد.
  • مديرية الدعاية العامة: (1945)، فيصل بن الحسين في خطبه وأقواله، مطبعة الحكومة، بغداد.
  1. المراجع:
  • أنيس، محمد وحواز، رجب: (1967)، الشرق العربي في التاريخ الحديث والمعاصر، دار النهضة، القاهرة.
  • حمادة، محمد عابدين وظيان، محمد تيسير: (1933)، فيصل بن الحسين من المهد إلى اللحد، ج 1، المطبعة العصرية، دمشق.
  • حمزة، فؤاد: (2002)، قلب جزيرة العرب، مكتبة الثقافة الدينية، بور سعيد.
  • الريحاني، أمين: (1958)، فيصل الأول، ط 2، دار ريحاني للطباعة والنشر، بيروت.
  • الزركلي، خير الدين: (د.ت)، الأعلام – قاموس وتراجم، ج4، دار العلم للملايين، بيروت.
  • شاكر، محمود: (2000)، التاريخ الإسلامي – العهد العثماني، ط 4، ج 8، المكتب الإسلامي، بيروت.
  • صبان، سهيل: (د.ت)، تطور الأوضاع الثقافية في تركيا من عهد التنظيمات إلى عهد الجمهورية 1839 – 1990، المعهد العالمي للفتح الإسلامي، بيروت.
  • صفوة، نجدة فتحي: (1996)، الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، ط1، مج 2، مج 3، دار الساقي، بيروت.
  • ضيف، شوقي: (2008)، تاريخ الأدب العربي في العصر الجاهلي، دار المعارف، بيروت.
  • عمر، عبد العزيز عمر: (د.ت)، تاريخ المشرق العربي (1516 – 1922)، دار النهضة العربية، بيروت.
  • عليمات، محمد عليان: (1995)، مسائل في الثورة العربية الكبرى، دار المكتبة الوطنية، عمّان.
  • كاتب مجهول: (د. ت)، سيرة عنترة بن شداد، ج1، مكتبة الجمهورية العربية، القاهرة.
  • كامل، عبد المجيد: (1991)، الملك فيصل الأول ودوره في تأسيس الدولة العراقية 1921 – 1933، مطبعة دار الشؤون الثقافية، بغداد.
  • كورية، يعقوب يوسف: (1998)، الإنكليز في حياة فيصل الأول، ط1، منشورات الأهلية، بيروت.
  • الكيالي، عبد الوهاب: (1994)، موسوعة السياسة، ج 3، ج 4، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
  • موسى، سليمان: (1965)، غريبون في بلاد العرب، لا ناشر، عمّان.
  • __________: (1966)، الثورة العربية الكبرى – وثائق وأسانيد، دار الثقافة والفنون، عمّان،
  • __________: (1986)، الحركة العربية 1908 – 1924، دار النهار، بيروت.
  • هيئة الموسوعة الفلسطينية: (1984)، الموسوعة الفلسطينية، مج 3، منشورات هيئة الموسوعة الفلسطينية، دمشق.
  • وهيم، طالب محمد: (1982)، مملكة الحجاز 1916 – 1925، منشورات مركز دراسات الخليج العربي، البصرة.

ثانيًا: المراجع المترجمة:

أرسكين، ستورث: (1934)، فيصل ملك العراق، ترجمة عمر أبو النصر، مطبوعات المكتبة الأهلية، بيروت.

ثالثًا: الرسائل والأطاريح الجامعية:

عبد القادر، عصمت برهان الدين: (1989)، دور النواب العرب في مجلس المبعوثان 1908 – 1914، رسالة ماجستير، كلية – الآداب جامعة الموصل، الموصل.

رابعًا: مقالات منشورة:

عبد العالي، نهلة نعيم: “من هي الملكة حزيمة زوجة الملك فيصل الأول”، المدى، ع 245، عام 2021.

كاتب مجهول: “العالم العربي”، جريدة بغداد، ع 437، تاريخ 25 آب (أغسطس) عام 1925.

محمود، أيمن: “الحركة الطورانية وأثرها على المشرق العربي”، مجلة الدراسات التاريخية والحضارية المصرية، مج 6، ع 114، (تشرين الأول – أكتوبر عام 2021).

 

[1] حسين بن علي: هو شريف مكّة، وقد تولّى إمارتها خلال المرحلة الممتدة بين عامي 1808 و1916. كما نُصّب ملكًا على الحجاز من عام 1916 حتى عام 1924. حسين بن علي هو قائد الثورة العربية عام 1916. (عليمات، 1995، ص 35).

[2] عابدية وهي ابنة عبد الله بن محمد بن عون عم الشريف حسين وافتها المنية عام 1891. (عليمات، 1995، ص 36).

[3] فيصل الأول هو فيصل بن الحسين بن علي بن محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن الحسن بن محمد بن أبو نمي الثاني بن بركان بن محمد بن بركان بن الحسن بن عجلان بن رميثة بن محمد بن نمي الأول بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن الإمام علي بن أبي طالب الحسني الهاشمي القريشي. (الزركلي، د.ت، ص 281).

[4] علي بن الحسين بن علي الهاشمي: (1879 – 1935) يُعد علي بن الحسين الهاشمي آخر ملك نُصّب على كرسي الحكم في المملكة الحجازية التي خضعت لحكمه بين عامي 1924 و1925. (الزركلي، د.ت، ص 282).

[5] عبد الله بن الحسين بن علي الهاشمي: (1882 – 1951) وضع عبد الله بن الحسين قواعد الحكم الملكي الهاشمي الأردني، بعد أن اعتلى عرش إمارة شرقي الأردن بُعيد انتهاء الثورة العربية الكبرى. يُطلق عليه اسم “الملك المؤسس”. (الكيالي، 1994، ج3، ص 845)

[6] عُرفت عائلة آل عون بتسابقها على نيل الزعامة مع أهم منافسيها من آل بركات وآل زيد في الحجاز. (شاكر، 2000، ج 8، ص 240). 

[7] العبادلة: يمكن تحديد الجد الأكبر للعبادلة بأمير مكة الشريف عبد الله بن الحسن بن محمد أبو نمي الثاني. (الكيالي، 1994، ج 3، ص 806).

[8] عتيبة: يتحدّد الجد الأكبر لقبيلة عتيبة بعتيبة بن كعب بن هوزان بن صالح بن شباب بن عبد الرحمن بن الهيثم بن أبي ذويب السعدي. (الكيالي، 1994، ج 3، ص 812).

[9] الحركة الطورانية: هو حراك سياسي له أـبعاد قومية تبدّت بين الأتراك العثمانيين وانتشرت عشية انتهاء القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بغايات عديدة أهمّها توحيد أبناء العرق التركي ببوتقتهم الحضارية القائمة على وحدة اللغة والثقافة. أُطلق عليها اسم طورانية نسبة لإقليم طوران القائم بين هضبة إيران وبحر قزوين وهو مهد الأتراك. (مجلة الدراسات التاريخية والحضارية المصرية: محمود، 2021، ص 474).

[10] عنترة بن شدّاد: هو عنترة ابن عمرو بن معاوية بن قراد العبسي. واحد من أشهر وأهم الفرسان والشعراء العرب في العصر الجاهلي. خلّف عنترة ديوانًا شعريًا تنوّعت موضوعاته، حتى اشتملت على المفاخرة ببطولاته، والحماسة، والغزل، والحب العذري الذي كان يكنّه لعبلة بن مالك ابنة عمه. (كاتب مجهول، د. ت، ج1، ص 10).

[11] امرؤ القيس: ينحدر امرؤ القيس من قبيلة كندة. والده هو حُجُر بن الحارث، وأمه فاطمة بنت ربيعة. تسمّى بعدّة ألقاب منها أبي وهب، وأبي زيد، وأبي الحارث. ترك امرؤ القيس واحدة من أهم المعلّقات وأعلاها قيمة فنية وشعرية، احتوت على واحد وثمانين بيت من الشعر. عُرف بأنه شاعر المجون، والغرام الفاحش، والغزل، واللهو. (ضيف، 2008، ص 20- 25).

[12]  وفي توصيف البنية الخارجية لفيصل الأول، يُذكر بأنه كان طويلًا يصل طوله إلى 5 أقدام و10 بوصات، له كتفين عريضين، شعره أسود اللون، وبشرته فيها من الصفاء، وعيناه تلمع توهّجًا، وذقنه صغير. وفيما يختص بشخصية فيصل الأول، فقد عُرف بأنه حاد الطباع، قليل الحِلم، له شعبية في كل من سوريا والعراق. (صفوة، 1996، مج 3، ص 87).

[13]  يُشار إلى أن الشريف حسين قد كلّف بعض من الأستاذة المتخصصين في مجالاتهم لتدريس أبنائه بشكل خصوصي، وهم بحسب التسلسل العمري، علي، وعبد الله، وفيصل، وزيد. أما أبرز من علّم فيصل من الأستاذة يُذكر الملازم الثاني أستاذ فن العمارة والهندسة في المدرسة الحربية صفوة العوا بأصوله الدمشقية. ولا ريب أن الأمير فيصل الأول لم يغب عن باله ما قدّمه له أستاذه الدمشقي صفوة العوا، حتى إذا به يرد الجميل بأن ولّاه منصب كبير الأمناء، ومنحه رتبة فريق في القوات العراقية، وذلك في نيسان (إبريل) عام 1922. (د. ك. و، ملف رقم/ط/2/1، 1935، وثيقة رقم 1).

[14]  نَعِم الأمير فيصل الأول بكثير من الدهاء السياسي، والفطنة في التعامل مع حيثيات الوقائع، وتبدّل الظروف، وذلك بحسب اعتراف خرج على لسان أخيه الأمير عبد الله بقوله: “إن فيصلًا قد ظهرت عليه آثار النبوغ مبكرًا، حتى عندما كنّا في اسطنبول كنّا نشبّهه بخالد بن الوليد”. (الراوي، 1969، ص 119).

[15] الشريفة حزيمة: (1883 – 1935)، ابنة الشريف ناصر. زوجة الملك فيصل أول ملوك المملكة العراقية وابنة عمه. وهي ملكة سوريا (آذار – مارس عام 1920 حتى تموز – يوليو عام 1920) وملكة العراق بين عامي 1921 و1933، والملكة الأم في المملكة العراقية الهاشمية (1933 – 1935). (المدى: عبد العالي، 2021، ص 20 – 25).

[16]  يتحدّد اسماء أولاد الأمير فيصل بحسب التسلسل العمري بالتالي ذكره: عزة المولودة عام 1906، وراجحة المولودة عام 1907، ورفيقة المولودة عام 1910، وغازي الذي وُلد بتاريخ 21 آذار (مارس) عام 1912. (كاتب مجهول، 1945، ص 30).

[17] الملك غازي بن فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي: (1912 – 1939) ثاني ملوك المملكة العراقية. تولّى سدّة الحكم بين عامي 1933 و1939 تُوفّي في حادث سيارة. (الكيالي، 1994، ج4، ص 283 – 284).

[18] السلطان عبد الحميد الثاني: (1842 –1918) تولّى الحكم بتاريخ 31 آب (أغسطس) عام 1876، وخُلع بانقلابٍ في 27 نيسان (إبريل) عام 1909، فوُضع رهن الإقامة الجبريَّة حتى وفاته في 10 شباط (فبراير) عام 1918. رقمه السادس والعشرين من سلاطين آل عثمان، الذين جمعوا بين الخلافة والسلطنة. أُطلقت عليه عدة ألقاب منها “السُلطان المظلوم”، و”السُلطان الأحمر”، ويضاف إلى اسمه أحيانًا لقب “غازي”. (هيئة الموسوعة الفلسطينية، 1984، مج 3، ص 157 – 158).

[19]  يقول الملك عبد الله في مذكراته عن وجوده وأسرته كرهًا في اسطنبول التالي: “إن السلطان عبد الحميد اعتذر لأبيه عن سوء الفهم، وأنه بكى عند توديعه”. ولربما قد حمل ذلك الاعتذار تراجعًا عمّا فُرض قسرًا على الشريف حسين وعائلته من أوامر نقله للإقامة في عاصمة الخلافة العثمانية في مرحلة سابقة. (بن الحسين، 1947، ص 41 – 429).

[20]  يمكن الإشارة إلى واحد من أبرز أعلام الأسرة الهاشمية وهو عم الحسين عون الرفيق (1882 – 1905). (أرسكين، 1934، ص 18).

[21] محمد بن علي الإدريسي: (1876 – 1923) قائد الثورة على السلطنة العثمانية عام 1911 التي واجهها الأمير فيصل وأخوه عبد الله، وتمكّنا من دحرها وإحكام قبضتهم على أبها عاصمة عسير. يُشار إلى أن الإدريسي قد خلع عباءة الطاعة للباب العالي مستفيدًا ممّا عجّت به السلطنة من أحداث سياسية، وحروب عسكرية، ومشاكل إدارية خلال تلك المرحلة. (موسى، 1966، ص 9).

[22]  في خضمّ الحملة الثانية التي قادها فيصل الأول على عسير شاءت الأقدار أن يُرزق بولده الوحيد، الذي اسماه بغازي تيمّنًا بدوره المؤزر الذي خاضه فيها. وقد مثّلت تلك الحادثة أحد الجوانب الإيجابية التي تركتها الحملة الآنفة الذكر على فيصل الأول.  (د. ك. و، ملف رقم ك / 1/ 1 – 2157، 1935، وثيقة رقم 24).

[23] مجلس المبعوثان: يُعد مجلس المبعوثان أول هيئة ذات منحى نيابي داخل السلطنة العثمانية. احتوى المجلس في متونه على ما مجموعه 120 عضو. (صبان، د.ت، ص 19).

[24]  يُشار أيضًا إلى ترشيح عبد الله بن الحسين ممثلًا عن مكّة في مجلس المبعوثان، إلى جانبه فيصل الأول وذلك لحضور الجلسات بما احتملته من تباحث في الشق العربي، وما يؤمّه من قضايا ومسائل تحتاج للبتّ فيها. (أرسكين، 1934، ص 40).

[25]  عبّر فيصل الأول عن امتعاضه من سياسة الاتحاديين التي عاينها عن كثب إبّان عضويته في مجلس المبعوثان، حين أردف قائلًا: “إن تركيا قد أسقطت بلادنا، وحياة أهلها من حسابها”. (جريدة بغداد: كاتب مجهول، 1925، ص 1).

[26] لم يكن مسار العلاقة الجامعة بين الاتحاديين والشريف حسين لتسير على النمط نفسه من التلاقي. بخاصة وأن جمعية الاتحاد والترقّي كانت موقنة بأن صلتها بالشريف حسين ليست ببعيدة عن بوتقة المنفعة والطموحات الشخصية، التي وجدت فيها الدافع الأهم في تقريب الحسين منها، بما فيه مصلحته بالمقام الأول، في الوقت الذي عمد فيه الاتحاديون أيضًا إلى استغلال تلك العلاقة دعمًا لموقعهم على التوالي. كما حصل في الواقعتين التاليتيَ الذكر:

  • أتى دعم الشريف حسين للعثمانيين في حرب عسير بالشكل الذي يضمن للحسين السيطرة على المناطق التي كانت تتّبع الإدريسي وإدخالها مع الحجاز ضمن دائرة حكمه.
  • هجومه على نجد ودفع الأمير السعودي إلى التأكيد على حكم السلطان وتبعيته له، بالشكل الذي أمّن له بسطة في السيطرة على جموع من القبائل العربية خارج الأقاليم الحجازية. (موسى، 1986، ص 74).

[27] كانت اتجاهات الاتحاديين تنظر إلى الحجاز بوصفها واحدة من الولايات التابعة لحكمها الإداري، وبأنها لا بد وأن تسير وفقًا لِما ترسمه حكومتها المركزية من سياسة عامة، بما يتفرّع عنها من نُظم وقوانين، مثَلها كمثَل غيرها من الولايات الواقعة تحت حكم إدارتهم. (أنيس، وحواز، 1967، ص 200).

[28]  تمّ تعيين الوالي وهيب بك وهو برتبة ضابط ركن في الجيش العثماني، متجذّر إيمانه الراسخ بتوجهات وأهداف حزب الاتحاد والترقي. (موسى، 1986، ص 76).

[29] أصدر الاتحاديون قانون التجنيد الإجباري المفروض على الولايات بدءًا من عام 1913. (أنيس، وحواز، 1967، ص205)

عدد الزوار:79

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى