أبحاثالتربية وعلم النفس

اضطرابات صورة الجسد عند المراهقات في مدارس النّبطيّة وعلاقتها بالرّوادع الاجتماعيّة والدّينيّة

اضطرابات  صورة الجسد عند المراهقات في مدارس النّبطيّة

وعلاقتها بالرّوادع الاجتماعيّة والدّينيّة

Surat al-jasad disorders among adolescent girls in Nabatieh schools and their

relationship  to social and religious deterrents

زينب شريم

Zeinab chriem

تاريخ الاستلام 18/3/2024                                                تاريخ القبول 2/4/2024

 

الملخص

دراسة ميدانيّة ضمن نطاق مدارس النّبطيّة تتعلّق بالتّحقّق من مدى تأثير مفهوم الجسد المحرم في مستوى الصّحة النّفسيّة، وتتعلّق من النّاحية التربويّة الاجتماعيّة بكيفية تحوّل الكبت من خلال السّلوكيّات اليوميّة والطّقوس الدّينيّة إلى مازوشيّة مفروضة على الفتاة.

على الصّعيد الاجتماعيّ تتعلّق بالتّحوّل الثّقافيّ الدّينيّ والإثاره النّفسيّة في حياة الفتاة.

وبيَنت الدّراسة بأنّ نسبة كبيرة من المراهقات يعانين الوسواس القهريّ لا سيما في المدرسة الخاصة الدّينيّة بنسبة عالية و هي 76%. تليها المدرسة الرّسميّة ، وأقلّ منها المدرسة الإرساليّة ،أما في المدرسة العلمانيّة النّسبة متدنية وذات دلالة احصائيّة، مما يدل على تأثير الضّغوط الاجتماعيّة والرّوادع الدّينيّة في نتائج الدّراسة.

أما نسبة اضطراب صورة الجسد فإنّ النّسب متقاربة بين المدارس الأربعة، مما يدل على وجود مشكلة مشتركة عند الفتيات في مرحلة البلوغ بسبب التّحوّلات الجسديّة والفيزيولوجيّة الحاصلة فضلًا عن وجود الضّغوطات والرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة.

Abstract

A field study within the scope of Nabtieh schools is related to verifying the extent to which the concept of the forbidden body affects the level of psychological health.it is related, from asocial educational standpoint , to how the repression  is transformed through daily behaviors and religious rituals into a masochism imposed on girls.

On the social level, it relates to the religious cultural transformation and the psychological effects on the girls life.

The study showed that a large percentage of teenage girls suffer from obsessive-compulsive disorder, especially in religious private schools, with a high percentage of 76%.followed by the official school, and the least of them is the missionary school .However, in the secular school, the percentage is low, and this is statistically significant. Which indicates the impact of social pressures and religious deterrents on the results of the study.

As for the physical disorder, the percentages are close between the four schools, which indicates the presence of a common problem among girls in puberty due to the physical and physiological changes that occur, in addition to the presence of religious and social pressures and influences.

 

 

 

المقدمة

إنّ علاقة الفتاة بجسدها وكيفية ادراكها له يؤدّي دورّا رئيسًا في وعي شخصتها ونظرتها إلى ذاتها وإلى الآخر. فصورة الجسد هي تلك الصّورة القائمة في عقل الشّخص حول ما يبدو عليه هذا الجسد وما يتعلّق به من مشاعر وأفكار سواء أكانت إيجابيّة أو سلبيّة.

فجسدنا هو بداية حضورنا في هذا العالم وما يتركه من انطباعات لدى الآخرين، وإذا كان جسدنا يخصنا، فهو أيضًا جسد اجتماعيّ يتعلّق بحضور الآخر ونظرته إلى هذا الجسد. من هنا كان للثّقافة الاجتماعيّة والرّوادع الدّينيّة تأثير قوي وضاغط على الفتاة.

إنّ هذا الموضوع كان يثير فينا دائما الرّغبة في التّفهم العميق لمسارات الصّحة النّفسيّة لدى المراهقات  في مدارس النّبطيّة المتنوعة (دينيّة متشددة، رسميّة دينيّة،إرساليّة و علمانيّة.) و كنا نتساءل من خلال ملاحظاتنا اليومية:هل الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة المفروضة على الفتيات تؤدي إلى نتائج جيدة ام سيئة على الصّعيد النّفسيّ والسّلوكيّ والاجتماعيّ؟ لقد جاء هذا البحث ليجيب عن هذا السّؤال الرّئيسي والمهم. ولا أنسى فضل أستاذي المشرف على مساعدتي في ضبط الموضوع.

تحديد الموضوع

إنّ صورة الجسد تطرح نفسها في سن المراهقة وخاصة عند الفتاة التي تبدأ عندها مرحلة الحيض والتّغيرات الفيزيولوجيّة التي تظهر على جسدها. هذا التّحوّل السّريع يترافق مع بعض الهواجس والشّعور بالقلق. وهذه المشاعر تختفي لاحقًا بعد أن تستوعب الفتاة جوهر تلك التّغيرات التي قد تظهر حول صورة الجسد بعض الاضطرابات النّفسيّة.

 

الرّوادع الدّينيّة و الاجتماعيّة(ضغوط بيئيّة)

 

الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة

                                          (ضغوط البيئة)

                                          المتغيّر المستقل

                                        اضطرابات صورة الجسد

 

 

 

 

 

 

                   الوسواس القهريّ        التّفاؤل           القلق        الاكتئاب         مستوى تقدير الذّات

 

“إنّ صورة الجسد هي مفتاح الرّاحة النّفسيّة أو الاضطراب عند الفتاة (أوالمرأة) لأنّها تشكَل الصّورة الذّهنيّة التي تكوّنها عن نفسها وشخصيتها” (يعقوب، 2019) فكلما كان موقف الآخرين من جسد الفتاة إيجابيًّا فإنّ الاضطرابات النّفسيّة قد تنخفض، ويرتفع مستوى قبول صورة الجسد وتقدير الذّات. أمّا عندما تتفاقم الضّغوط والرّوادع الدّينيّة، فتكون احتمالات تشوَه صورة الجسد قائمة وتترافق مع اضطرابات نفسيّة متنوعة.

إنّ الهدف من هذا البحث هو التحقّق من مدى تأثير تلك الضّغوط في صورة الجسد، وما يرافقه من اضطرابات عند الفتاة قد تؤثّر سلبًا في صحتها النّفسيّة بسبب وطأة الكبت وضغوط الأنا الأعلى. ما قد يُحدث خللاَ في عملية التّكامل والتّفاعل بين عوامل ثلاثة هي الجسد والتّفكير والانفعال. مع الإشارة إلى أنّه قد يظهر عكس ذلك تمامًا.

إنّ الرّوادع الاجتماعيّة والدّينيّة المفروضة على الفتاة قد يكون لها تأثير كبير في بناء شخصيتها وسلوكها بالإضافة إلى تأثير هذه الرّوادع على نظرتها إلى جسدها.  سيصار من خلال هذه الدرّاسة إلى تحديد مدى تأثير تلك الرّوادع في  صورة الجسد لدى الفتاة المراهقة كما وتحديد ما إذا كانت هذه الصّورة سلبيّة أم إيجابيّة؟

 

الهدف

إنّ الهدف من هذا البحث هو التّحقّق من مدى تأثير تلك الضغوطات في صورة الجسد وما يرافقه من اضطرابات عند الفتاة.

أهمية الموضوع

لهذا الموضوع أهمية مزدوجة:

الأولى نفسيّة تتعلّق بالتحّقق من مدى تأثير مفهوم الجسد المحرّم في مستوى الصّحة النّفسيّة (وسوف نرى في ضوء المنظار السّيكولوجيذ كيف تعيش الفتاة المراهقة هوامات الجسد على الصّعيد النّفسيّ)، والثّانية تربويّة واجتماعيّة، حيث نتساءل هنا كيف يتحوّل الكبت من خلال السّلوكيّات اليومية والطقوس الدّينيّة إلى مازوشية مفروضة على الفتاة التي تجد متنفسًّا لها في التّحصيل الدّراسي وسلطان العلم عن طريق التّسامي والتّعويض. وهذه أمور تربويّة مهمَة تستحّق الدراسة.

أما على الصّعيد الاجتماعيّ يرتدي بحثنا أهمية خاصة لأنّه يبحث في مسألة مهمّة قلّما درسها الباحثون في لبنان والبلدان العربيّة وهي التّحوّل الثّقافيّ والدّينيّ وآثاره النّفسيّة في حياة الفتيات.

 

إشكالية الموضوع

يظهر عند معظم الفتيات شعور بعدم الرّضى عن جسدهن. وهذا الشّعور المؤقت يدخل  في باب النّمو الجسديّ-النّفسيّ. ومن المهم أن نشير إلى تشكيل صورة الجسد الذي يتأثّر بعدّة عوامل، وهي المظهر الخارجيّ والعلاقات مع الآخرين والثّقافة الدّينيّة والاجتماعيّة الخ…

نعتقد أن المشكلة التي سنعالجها في هذا البحث ليست سهلة، نظرًا لتشابك المتغيرات وصعوبة العمل سواء أكان ذلك على الصّعيد الميدانيّ أو النّظريّ. فدراسة الجسد عند الفتاة المراهقة في بيئة ذات ثقافة دينيّة في النّبطيّة تعدّ ذات أهمية كبرى. نعتقد أنّ هذا الجسد للفتاة هنا يتعرّض للتّشيئ. واذ عليها أن تلتزم كليًّا بمجموعة من الطّقوس الدّينيّة و الفروض مثال (الحجاب واللّباس الشّرعيّ ممارسة الواجبات والفرائض).

قد تكون الفتاة راضية بتلك الضّغوط المفروضة عليها وقد تكون مقتنعة بفائدتها النّفسيّة. نحن نريد أن نتحقّق ما إذا كانت هذه الرّوادع الدّينيّة وما تفرضه من طقوس وواجبات تؤثّر إيجابًا أو سلبًا في وضعها النّفسيّ، ولا يحقّ لنا أن نتّخذ موقفًا مسبقًا، بل علينا أن ندرس علميًّا هذا الموضوع حتى يكون لعملنا قيمة تربويّة وفائدة نفسيّة.

أمّا البحث الحالي فيحاول أن يكشف عن الالتباس القائم حول مدى تأثير الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة في مستوى الصّحة النّفسيّة عند بعض المراهقات في النّبطيّة وكيف تظهر الفروق بينهن بحسب نوع المدرسة والتّعليم الدّينيّ.

 

التّساؤلات

إلى أي مدى تؤثّر الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة في اضطرابات صورة الجسد عند الفتاة المراهقة في النّبطيّة؟

هل الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة المفروضة على الفتاة المراهقة لها أثار نفسيّة إيجايبّة عليها أم سلبية؟

هل توجد علاقة بين ضغط الرّوادع الدّينيّة والاجتماعيّة المفروضة على الفتاة المراهقة واضطرابات الصّحة النّفسيّة؟

الفرضيات

الفرضية الرئيسة:

_ توجد علاقة بين اضطرابات صورة الجسد عند الفتاة والرّوادع الثّقافيّة والدّينيّة القائمة في مدينة النّبطيّة.

الفرضيات الثّانويّة

_ توجد علاقة بين ضغط الرّوادع الدّينيّة والثّقافيّة وظهور الوسواس القهريّ عند الفتاة.

_ توجد علاقة بين عدم الشّعور بالرّضى عند الفتاة عن صورة جسدها وظهور الاكتئاب.

_ توجد فروق دالّة في درجة اضطرابات صورة الجسد بين الفتيات تعزى إلى نوع المدرسة.

_ توجد فروق دالّة في اضطرابات صورة الجسد بين الفتيات اللواتي يتعلمنَ في مدرسة علمانيّة وأولئك اللواتي يتعلمن في مدرسة دينيّة ملتزمة.

_ توجد فروق دالّة في إضطراب صورة الجسد بين فتيات يتعلمن في مدرسة إرساليّة وفتيات يتعلمن في مدرسة دينيّة ملتزمة.

_ هناك فروق دالّة في مستوى الوسواس القهريّ بين الفتيات تُعزى إلى نوع المدرسة (ملتزمة/ غير ملتزمة).

 

الفائدة العلميّة المرجوّة من البحث

يهدف هذا البحث إلى تحديد  مدى قدرة الفتاة على التكيَف مع الضغوط الدّينيّة الثّقافيّة وما تتركه من آثار سلبية أو إيجابيّة. وكيف تواجه الفتاة تلك الضّغوط، وكيف تؤثّر وتتعامل معها في نظرتها إلى جسدها وإلى نفسها.

هذه دراسة نفسيّة تربويّة اجتماعيّة قد تكشف عن كيفية تشكّل مسارات النّمو الانفعاليّ والمعرفيّ والاجتماعيّ. وقد يقدّم لنا هذا البحث بعض النّتائج التي تفيدنا في فهم ملابسات النّمو الانفعالي عند الفتيات وكيف يمكن تعديل أسلوب التّنشئة الاجتماعيّة من أجل درء الأخطار النّفسيّة وعليه تحسين ظروف الصّحة النّفسيّة، فالهدف هو فهم المعاناة. وبعد ذلك يصبح بالإمكان تحديد استراتيجيات التدّخل للمساندة المطلوبة.

 

حدود البحث

يتضمن حدود البحث ثلاثة مجالات هي:

-حدود العينَة: حيث اقتصر البحث على دراسة الفتيات المراهقات ما بين 14و16 سنة وفي منطقة النّبطيّة. وقد اكتفينا بأربع مدارس أساسية تمثّل مختلف الشرائح الاجتماعيّة. وقد بلغ عدد الفتيات  348 فتاة.

-حدود الاختبارات: نظرًا لتشعّب الموضوع وأهميته  سوف نقوم بتطبيق عدد من المقاييس حتى نتمكن من الإحاطة التامة بالموضوع ودراسته من مختلف الجوانب.

-الحدود المنهجيّة: اعتمدنا المنهج الاستقصائيّ والمنهج التّفهميّ، ودراسة الحالات لإغناء البحث.

اعتمد المنهج الوصفيّ الاستقصائيّ الذي يقوم على تطبيق عدد من الاستمارات و المقياييس النّفسيّة على عدد من الفتيات.

اخترنا المدارس بشكل ينسجم مع أهداف البحث. أربع مدارس ( مدرسة دينيّة ملتزمة، مدرسة رسميّة ، مدرسة إرساليّة، ومدرسة علمانيّة). إذ كانت العينة تضم فتيات ينتمين إلى بيئة متجانسة اجتماعيًّا ومن مدينة واحدة. إذ اعتمدنا على مبدأ العيَنة القصديّة.

أـضيفت في هذه الدّراسة اختبارات الوسواس القهريّ وتقدير الذّات، والاكتئاب والقلق، وكان تطبيق هذه الاختبارات خلال العام (2015-2016).

101 A المدرسة الدّينيّة  
100 B المدرسة الرّسميّة  
85 C المدرسة الإرساليّة  
62 D المدرسة العلمانيّة  
348 المجموع  

 

اختيرت عينة الدّراسة قصديًا من طالبات المدارس الثّانوية المختارة  في مدينة النّبطيّة،  وتتراوح اعمارهن ما بين 14 و 16 وتضم العينة 348 فتاة. اقتصرت العينة على المراهقات فقط، وشمل التّطبيق مقاييس اضطراب صورة الجسد والوسواس القهريّ واليأس والاكتئاب.

 

جدول مقارنة للاضطرابات لأربعة المدارس  (A.B.C.D). الجدول رقم -1-

  نوع الاضطراب المدرسة لا يوجد% ضعيف % وسط% مرتفع% مرتفع جدًا% لا يوجد

جواب%

1 اضطراب صورة الجسد A   9,9 35,6 41,6 12,9  
B   11،0 29,0 46,0 14,0  
C   15،3 27,1 44,7 12,9  
D   21،0 29,0 32,3 17,7  

 

2 الوسواس القهريّ A 1,0 6,9 15,8 58,4 17,8  
B   4,0 15,0 69,0 12,0  
C   17,6 16,5 50,6 15,3  
D 1,6 41,9 22,6 25,8 8,1  

 

ذنلاحظ في الجدول أعلاه أنّ نسبة اضطراب صورة الجسد بدرجة “مرتفع” و”مرتفع جدًا” وصلت إلى حوالي 54% في المدرسة A ، وإلى 60% في المدرسة B وإلى 57% في المدرسة الإرساليّة C وإلى 50% في المدرسة D العلمانيّة . ويبدو واضحًا أنّ النّسب تتقارب بين المدارس الأربع على اختلاف أنواعها، ما يدلّ على وجود مشكلة مشتركة عند الفتيات في مرحلة البلوغ بسبب التّحوّلات الجسديّة والفيزيولوجيّة الحاصلة فضلًا عن وجود الضّغوط والرّوادع الاجتماعيّة.

أما بالنّسبة للوسواس القهريّ، فقد جاءت النّتائج كالآتي: تأتي في المدرسة الرّسميّة B  بدرجة “مرتفع” و”مرتفع جدًا” وتصل إلى 81% وبعدها تأتي المدرسة الدّينيّة بنسبة 76,2%، وإلى نسبة 65 % في المدرسة الإرساليّة، ونسبة أقل في المدرسة العلمانيّة حيث بلغت 33.9 % .

ولجهة التّفاؤل فقد جاءت النّسب متقاربة بين المدارس، وتتراوح بالنّسبة لدرجة “مرتفع” ما بين 2% و 6% فقط. وهذا مؤشر على وجود ضغوط نفسيّة و عدم شعور بالرّضا.

من خلال الجدول أعلاه تبين لنا:

أنّ نسبة اضطراب صورة الجسد بدرجة مرتفع و مرتفع جدا

وصلت إلى المدرسة الرّسميّة :54%

وإلى المدرسة الدّينيّة:60%

وإلى المدرسة الإرساليّة:57%

وإلى المدرسة العلمانيّة :50%

 

أمّا بالنّسبة إلى الوسواس القهريّ فقد جاءت النتائج كالآتي:

المدرسة الرّسميّة :81%

المدرسة الدّينيّة:76.2%

المدرسة الإرساليّة :65%

المدرسة العلمانيّة:33.9%

كانت النّسبة الاعلى في المدرسة الرّسميّة ذات التعّليم الدّينيّ المتشدّد وبعدها المدرسة الدّينيّة، ثم الإرساليّة، أمّا                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                            الاقل فكانت في المدرسة العلمانيّة.

بعد أن تبين وجود اضطراب صورة الجسد والوسواس القهريّ و قد ظهر بشكل واضح في المدرسة الدّينيّة والمدرسة الرّسميّة.

إذا راجعنا الجدول أعلاه وطرحنا بعض المفاهيم والمواقف من أمور الحياة واللّباس والمحرّم، فإنّنا نستنتج ما يلي:

_ تأتي المدرسة الدّينيّة والمدرسة الرّسميّة الملتزمة في الطّليعة بذات مبادئ الشرع. إن 60% من تلميذات المدرسة A  يقبلن بقهر الجسد لإرضاء الله مقابل 79% للمدرسة B (الرّسميّة). هذا  الفارق  بين المدرستين يمكن تفسيره من خلال مفهومين: الظّروف المتواضعة التي تعيشها تلميذات المدرسة الرّسميّة من جهة، وعدم توافر الدّعمين المعنويّ والماديّ اللذين نجدهما متوافرين أكثر في المدرسة A من جهة أخرى.

_ وإذا أقمنا المقارنة بين المدرستين المذكورتين المشار إليهما أعلاه (تعليم دينيّ والتزام شرعيّ) من جهة، والمدرستين الأخريتين من جهة أخرى، يتبين أنّ نسبة القبول بقهر الجسد تتدنّى بشكل واضح في المدرستين الإرساليّة والعلمانيّة، إذ تبلغ 28% في المدرسة الإرساليّة وإلى 14% فقط في المدرسة العلمانيّة. إنّ الفروق كبيرة بين المدرستين A وB من جهة والمدرستين C وD من جهة أخرى.

وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على وطأة المحرّمات والرّوادع الدّينيّة التي يفرضها الشّرع. وهذه الرّوادع تعدّ من العوامل الرّئيسة في ارتفاع نسبة الوسواس القهريّ لدى تلميذات المدارس المتديّنة.

– في ما يتعلّق بالمحرّم، إنّ ارتداء الحجاب (واللّباس الشّرعيّ) هو فريضة من الله ومن يلتزم هذه القاعدة يلتزم أيضًا تجنب المحرّم. لقد وجدنا أن 76% من تلميذات المدرسة A و57% من تلميذات المدرسة B الرّسميّة يعتقدن أنّ الحجاب هو فريضة يجب الالتزام بها. غير أنّ هذا الاعتقاد تبلغ نسبته 24% في المدرسة الإرساليّة و15% في المدرسة العلمانيّة. إنّ وطأة الرّوادع الدّينيّة تنخفض كثيرًا في المدرسة العلمانيّة كون التّعليم الدّينيّ غير موجود، فالنّسب التي وجدناها في المدرستين C وD، ولو كانت منخفضة، إنّما تدلّ على تأثير البيئة الأسريّة والثّقافة الاجتماعيّة السّائدة في المجتمع المحليّ.

– في باب المحرّم أيضًا، ترفض بعض الفتيات عرض صورهن على الفيسبوك. وهنا، تأتي المدرسة B في المرتبة الأولى حيث تبلغ نسبة اللواتي لا يعرضن الصّور على هذا التّطبيق 50% ، وقد حلت المدرسة A في هذا الخصوص في المرتبة الثّانية بنسبة 42%، لتنخفض النّسبة بشكل واضح وتصل إلى 22% عند تلميذات المدرسة الإرساليّة مقابل 15% فقط لدى تلميذات المدرسة العلمانيّة.

– ولكي نفهم وطأة الرّوادع الدّينيّة على الفتاة الشّيعيَة في النّبطيّة، نأخذ اللّباس الشّرعيّ الذي يعدّ حاميًا بنظر الفتيات من الخطيئة والعقاب الإلهي. نجد أنّ هناك 84% من تلميذات المدرسة الرّسميّة الملتزمة و 79% من تلميذات المدرسة الدّينيّة يعتقدنَ بصحّة ما ورد في الجملة السّابقة عن أهمية اللباس الدّينيّ الشّرعيّ. هذا الشّعور القهريّ ينخفض بقوّة في المدرسة العلمانيّة بحيث تصل نسبة الفتيات اللواتي يعتقدن بصحة الجملة المشار إليها أعلاه إلى 9% فقط و 28% في المدرسة الإرساليّة.

إننا نحن أمام مشكلة نفسيّة تتمثّل في الدرجة الأولى بظهور الوسواس القهريّ بشدًة في المدارس الملتزمة دينيًا، وقد تبيّن، بالإضافة لما تقدم، وجود ميول اكتئابية مرتبطة باليأس.

علاوة على ذلك، نشير إلى أنّ نهايات القصص التي أعطتها الفتيات في رائز T.A.T حيث جاءت هذه النهايات تعيسة وسلبية. وهذا يثبت وجود ميول اكتئابية مقنعة أو لنقل ألمًا مكبوتًا.

إنّ ما تحتاجه الفتاة، بالدّرجة الأولى، هو الدّعم والحماية لتجنّب الأذى والتّهديد وقساوة الضّغوط المفروضة عليها بما في ذلك الضّغوط النّاتجة عن الرّوادع الدّينيّة.

يعدّ هذا البحث من الأبحاث الرائدة والجديدة في لبنان وبخاصة في منطقة النّبطيّة بعد ما توصل إليه من نتائج، خاصة أن الكثير من المسؤولين التربويين وسواهم ما زالوا يعتقدون أن التربية الدّينيّة المتشددة ضرورية ومفيدة للفتاة لأنها تحصّنها نفسيًا وروحيًّا، الأمر الذي تمكنا، من خلال هذا البحث، من إثبات عكسه بعد أن بينّا من خلال الاستمارات والاختبارات المعتمدة أنّ الأمور تسير بعكس هذا الاتجاه.

كما يفتح هذا البحث الباب للقيام بأبحاث انطلاقًا من النّتائج التي توصّلنا إليها، نذكر منها على سبيل  المثال لا الحصر الأبحاث التي تتعلّق بالصّحة النّفسيّة  وكيف يمكن العمل في هذا المجال كي تخفَف من وطأة الضغوط والرّوادع .

 

المصادر والمراجع

المصادر العربية

  1. دمعة، ل. & يعقوب غ. (1992). سيكولوجيا النّمو عند المراهق. دار النهار للنّشر.
  2. دمعة, ل. & يعقوب, غ. (2015). المعجم الموسوعي في علم النفس : عربي-فرنسي-إنجليزي : مصطلحات, مدارس, نظريات, مناه. مكتبة لبنان ناشرون.
  3. زهران، ح. (2005). علم نفس النّمو الطفولة والمراهقة (م 5). القاهرة: عالم الكتب. . .
  4. فيّاض،م. (2000). فخ الجسد. دار النهضة العربية.
  5. مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث “كوثر”. (2007). الفتاة العربيّة المراهقة: الواقع والآفاق. المؤسسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع.
  6. يعقوب،غ. (2014). الثروة الفكرية لدى المراهقين. دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع.
  7. يعقوب, غ. (2018). كيف نتغلّب على اضطرابات الوسواس بالعلاج النّفسيّ. الدار العربية للعلوم ناشرون.

المصادر الأجنبية

 

  1. Dolto, F. (1984). L’image Inconsciente du Corps. Seuil.
  2. Schilder, P. (1984). L’image du Corps. Gallimard.

Sillamy, N. (1980). Dictionnaire Encyclopédique de Psychologie. Bordas.

عدد الزوار:53

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى