تأثير العلوم التّربويّة العصبيّة في التّعليم
تأثير العلوم التّربويّة العصبيّة في التّعليم
The impact of neuro-educational sciences on education
د. جنى مكرم بيّوض
Dr Jana Makram Bayoud
جامعة القدّيس يوسف
تاريخ الاستلام 27/5/2024 تاريخ القبول 18/6/2024
الملخص
تُراهن العلوم التّربويّة العصبيّة على العلاقة التّفاعليّة بين الدِّماغ والرّفع من جودة التّحصيل الدّراسيّ في التّربية العاديّة والتّربية الخاصّة (بو عنان، 2023). فالتّصوير العصبيّ الوظيفيّ يوفّر فرصة فريدة لحلّ مشكلة عسر القراءة لدى الأطفال (باولوسكي، 2023). أمّا تطبيق مبادئ العلوم المعرفيّة في التّدريس فيتطرّق إلى تعديل مواعيد الدّروس لتحسين التّعلّم (ويلكوكس وآخرون، 2021)، والتّعلّم على مراحل متباعدة، ونظريّة الحمل المعرفيّ، والفروق الفرديّة والتّصميم الشّامل للتّعلّم.
كما يسلّط البحث الضّوء على الممارسات الصّفّيّة المستنيرة بالعلوم العصبيّة التّربويّة، كالمرونة العصبيّة والاهتمام والتّركيز اليقظ. أخيرًا، يتناول البحث الاتّجاهات والتّحديّات المستقبليّة في العلم العصبيّ التّربويّ (موقع فاستر كابيتال، 2024).
Abstract
Neuro-educational sciences are betting on the interactive relationship between the brain and raising the quality of academic achievement in regular and special education (Bou Annan, 2023). Functional neuroimaging provides a unique opportunity to solve the problem of dyslexia in children (Pawloski, 2023). Applying the principles of cognitive science in teaching includes adjusting lesson schedules to improve learning (Wilcox et al., 2021), spaced learning, cognitive load theory, individual differences, and comprehensive design for learning.
The research also sheds light on classroom practices informed by educational neuroscience, such as neuroplasticity, attention, and mindful focus. Finally, the research addresses future trends and challenges in educational neuroscience (Faster Capital website, 2024).
المقدّمة
تخطو العلوم التّربويّة العصبيّة خطوات سريعة لتطبيق مخرجات العلوم العصبيّة والمعرفيّة في الفصول الدّراسيّة. فهذه العلوم تراهن على العلاقة التّفاعليّة بين الدّماغ والرّفع من جودة التّحصيل الدّراسيّ في التّربية العاديّة والتّربية الخاصّة (بو عنان، 2023).
لقد صنع الاهتمام بالعلوم العصبيّة ومحاولة مزجها بالبيداغوجيا والعلوم التّربويّة تيّارًا حديثًا يحتّم على الممارسين والباحثين في المجالَيْنِ اتّباعه والاستفادة منه، لا سيّما أنّه يتناول مراحل الطّفولة ونشاطات الدّماغ والتّعلّم في محور تشاركيّ (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
وعلى الرّغم من الانتقادات المشكّكة في شرعيّة الانتقال من النّظريّة العصبيّة إلى الممارسة التّربويّة، إلّا أنّه في ظِلّ تَداخل ما هو بنيويّ ونفسيّ وسلوكيّ ومعرفيّ وبيئيّ في تكوين شخصيّة المتعلّم، تبرز قوّة العلوم التّربويّة العصبيّة باعتبارها جسرًا يُبنى فوق الفجوة المختلفة بين العلوم العصبيّة والتّربية (بو عنان، 2023).
ومن أجل خلق جسر تواصل بين العلوم الإنسانيّة والتّربويّة من جهة، والعلوم المعرفيّة العصبيّة من جهة ثانية، لزم الأمر الجمع بين مخرجات العلوم التّربويّة العصبيّة ومقوّمات القضايا التّربويّة، وهو ما نتج عنه ولادة تخصّص معرفيّ فتيّ تحت اسم ” العلوم التّربويّة العصبيّة”، يستهدف فهمًا أفضل لكيفيّة تنظيم الدّماغ لعمليّة التّعلّم، والإسهام في وضع أفضل الطّرق والاستراتيجيّات التّعليميّة لجعل عمليّة التّعلّم أكثر فاعليّة اكتسابًا وأداءً (بو عنان، 2023).
فمعرفة الآليّة الّتي تعمل بها أدمغتنا تساعد على تحسين النّتائج التّعليميّة. تساعد العلوم التّربويّة العصبيّة أيضًا في التَّشخيص الصّحيح للمشكلة والسّبب وراء حدوثها، والأمثلة على ذلك كثيرة، نَذكر منها مُشكلة القِراءة (باولوسكي Pawloski, 2023).
مشكلة عسر القراءة عند الأطفال
يوفّر التّصوير العصبيّ الوظيفيّ عبر تسجيل نشاط الدّماغ في أثناء أداء مهمّة ما، فرصة فريدة لفهم وتصوّر الدّوائر العصبيّة الّتي يتمّ تشكيلها خلال فترة القراءة وإتقانها. على الرّغم من الذّكاء الكافي والفرص الاجتماعيّة والثّقافيّة المتوفّرة للطّفل، يفشل عدد كبير من الأطفال في تحقيق مهارات القراءة المناسبة لأعمارهم. يُعرَّفُ هذا على أنّه عسر القراءة النّمائيّ ويحدث بسبب اضطراب هيكليّ أو وظيفيّ لشبكة القراءة في الدّماغ. إذا تمّ اكتشافه مبكرًا يمكن تزويد الأطفال المصابين بعسر القراءة بتعليمات شخصيّة منهجيّة مِن شأنها أن تساعدهم على التّعامل مع القراءة شريطة اكتشاف هذه الاضطرابات في وقت مبكر (باولوسكي Pawloski, 2023).
في ما يلي نتطرّق إلى كيفيّة تطبيق مبادئ العلوم المعرفيّة في التّدريس.
تطبيق مبادئ العلوم المعرفيّة في التّدريس
تَعديل مواعيد الدّروس لتحسين التّعليم
قامت الكثير من المدارس بتغيير برنامجها اليوميّ للدّراسة من أجل مصلحة المتعلّمين وتقدّم مستواهم، بعد أن أوصَت منظّمة مركز مكافحة الأمراض CDC بتأخير بدء اليوم الدّراسيّ لمدّة نصف ساعة بناءً على دراسة أثبتت أنّ نوم 30 دقيقة زيادة للمتعلّمين يمكن أن يُحسّنَ انتباههم أثناء اليَوم الدّراسيّ بشكل أفضل (Wilcox et al, 2021 ويلكوكس وآخرون، 2021(.
التّعلّم على مراحل متباعدة لاستيعاب أفضل
توصّلت العلوم التّربويّة العصبيّة إلى خلاصة مفادها أن يكون التّعليم على مراحل طويلة ومتباعدة. فعلى سبيل المثال، بدلًا مِن شرح درس دسم حافل بالمعلومات في مرّة واحدة، يُصمَّم ويُدرَّس على مراحل متباعدة مع التّذكير بالدّروس السّابقة. فتلك الطّريقة تعمل على خلق نواقل عصبيّة جديدة تساعد على التّعلّم بشكل أفضل (تاندون و سينج،Tandon & Singh 2016).
فهم أفضل لتنمية الطّفولة
أشار باترو (Batro) في عام 2011 إلى أنّ العلوم العصبيّة التّربويّة قد وصلت إلى مرحلة يمكننا فيها مراقبة مسار نموّ دماغ الطّفل بموضوعيّة وتوثيق كيفيّة تشكيل هذا المسار مِن خلال التّعليم والتّأثيرات البيئيّة الأخرى. ويفيد ذلك في تحسين فهم المعلّمين لعقليّات الأطفال في سنوات الطّفولة المبكرة وفهم ما يدفعهم ويرشدهم لكيفيّة التّغلّب على العيوب المبكرة بصورة أفضل. فبحسب ما يؤكّده مركز تنمية الطّفل، العديد من المعلّمين لديهم مفاهيم خاطئة حول تعليم الطّفولة المبكرة، وبذلك يمكن استثمار المعلومات الّتي توفّرها العلوم العصبيّة التّربويّة لسدّ تلك الفجوة في الفهم (باولوسكي Pawloski, 2023).
العلم التّربويّ العصبيّ هو علم ناشئ يهتمّ بالجمع بين العلوم العصبيّة والنّظريّات المختلفة للتّعليم والتّعلّم وعلم النّفس للوصول إلى أساليب جديدة تزيد من قدرة المتعلّمين على استيعاب المعلومات. وقد وجد هذا العلم ترحيبًا من بعض علماء التّربية بينما لاقى رفضًا من البعض الآخر. لكن، في كلّ الأحوال، ساعد هذا العلم في تفسير مشكلات تعليميّة كنّا نظنّ أنّ الخلل فيها معرفيًّا بينما اتّضح للجميع بعد ذلك أنّ السّبب في هذه المشكلات كان فيسيولوجيًّا مرتبطًا ببنية الدّماغ (Wilcox et al, 2021 ويلكوكس وآخرون، 2021(.
نظريّة الحمل المعرفيّ
تفترض نظريّة الحمل المعرفيّ (CLT) أنّ ذاكرتنا العاملة لديها سعة محدودة، وأنّ تحميلها الزّائد بالمعلومات الزّائدة يمكن أن يعيق عمليّة التّعلّم.
يتمّ تطبيق نظريّة الحمل المعرفيّ عبر الخطوات التّالية (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024):
التّقطيع: يحصل مِن خلال تقسيم المفاهيم المعقّدة إلى أجزاء أصغر. على سبيل المثال، عند تدريس المعادلات الرّياضيّة، يتمّ تجميع المصطلحات ذات الصّلة معًا لتقليل العبء المعرفيّ.
التّعلّم الدّاعم: يَكون مِن خلال زيادة تعقيد المهامّ تدريجيًّا عبر البدء بتمارين بسيطة وتوجيه المتعلّمينَ نحو المشكلات الأكثر تحدّيًا.
مثال: في فصل الفيزياء، تقوم المعلّمة بتقديم قوانين نيوتن تدريجيًّا مِن خلال مناقشة القصور الذّاتيّ أوّلًا، ثمّ التّسارع، وأخيرًا القانون الثّالث.
التّكرار المتباعد: يكون مِن خلال تشجيع المتعلّمينَ على مراجعة الموادّ بشكل دوريّ.
ممارسة الاسترجاع: يؤدّي التّذكّر المتكرّر للمعلومات إلى تقوية الذّاكرة، وذلك مِن خلال استخدام الاختبارات والبطاقات التّعليميّة والأسئلة المفتوحة.
مثال: في تعلّم اللّغة، تساعد تطبيقات التّكرار المتباعد مثل Anki المتعلّمينَ على الاحتفاظ بالمفردات بشكل فعّال. يُمكنُ للمتعلّمينَ أيضًا أن يَحتفظوا بالمفردات الجديدة المكتسبة في دفتر كنز اللّغة.
نظريّة التّرميز المزدوج:
تقترح نظريّة التّرميز المزدوج أنّ الجمع بين المعلومات اللّفظيّة والمرئيّة يعزّز عمليّة التّعلّم. يتمّ تطبيق نظريّة التّرميز المزدوج عبر الخطوات التّالية (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024):
وسائل المساعدة البصريّة: تُستخدَمُ الرّسوم البيانيّة والخرائط الذّهنيّة جنبًا إلى جنب مع الشّروحات الشّفهيّة.
الصّور السّرديّة: تُشجّع المعلّمة المتعلّمينَ على إنشاء صور ذهنيّة مرتبطة بالمحتوى.
مثال: عند تدريس الأحداث التّاريخيّة، يتمّ عرض مخطّط زمنيّ يحتوي على الصّور ذات الصّلة لتعزيز الفهم.
ما وراء المعرفة والتّعلّم المنظّم ذاتيًّا (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024):
ما وراء المعرفة : تقوم المعلّمة بتعليم المتعلّمينَ كيفيّة مراقبة عمليّات التّفكير الخاصّة بهم.
التّنظيم الذّاتيّ: تساعد المعلّمة المتعلّمينَ على تحديد أهدافهم والتّخطيط لها وتقييم عمليّة تقدّمهم.
مثال: قبل الاختبار، تطلب المعلّمة من المتعلّمينَ تقييم عاداتهم الدّراسيّة وتعديلها حسب الحاجة. أو توفّر المعلّمة جدولًا مرئيًّا لليوم، وتعلّم المتعلّمينَ كيفيّة تقسيم المهامّ إلى خطوات أصغر، وتشجيع التّفكير الذّاتيّ في عادات الدّراسة.
دور العواطف في التّعلّم (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024):
العواطف تؤثّر على الإدراك.
المشاعر الإيجابيّة: تُعزّز المعلّمة المشاعر الإيجابيّة مِن خلال إنشاء بيئة صفّيّة داعمة والاحتفال بالإنجازات.
المشاعر السّلبيّة: تَتعامل المعلّمة مع القلق أو الإحباط بشكل بنّاء.
مثال: في فصل الموسيقى، تُشجّع المعلّمة المتعلّمينَ على ربط مشاعرهم بالمقطوعات الموسيقيّة – كيف تثير المقطوعة الفرح أو الحزن. قد يستفيد المتعلّم المتوتّر من تمارين التّنفّس العميق قبل الامتحان.
الفروق الفرديّة والتّصميم الشّامل للتّعلّم (UDL) / التّعليمات المتمايزة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024):
: UDL تصمّم المعلّمة دروسًا مرنة لاستيعاب المتعلّمين على اختلافهم. توفّر وسائل متعدّدة للتّمثيل والمشاركة والتّعبير.
أساليب التّعلّم: تأخذ المعلّمة بعين الاعتبار أنماط تعلّم المتعلّمين المختلفة (بصريّة، سمعيّة، حركيّة). أمثلة: تقوم المعلّمة بتخصيص التّعليمات من خلال تعديل المحتوى والعمليّة والمنتج لتلبية الاحتياجات الفرديّة. وللحصول على درس في التّاريخ، تعرض المعلّمة مقطع فيديو ومقتطفًا نصّيًّا ونشاطًا عمليًّا. تسمح المعلّمة للمتعلّمينَ باختيار كيفيّة إظهار فهمهم (على سبيل المثال، مقال أو بودكاست أو جدول زمنيّ مرئيّ). وفي فصل العلوم، تقوم المعلّمة بتوفير مستويات قراءة مختلفة للموضوع نفسه. كما أنّها تسمح للمتعلّمينَ المتقدّمينَ باستكشاف أسئلة بحثيّة إضافيّة أو إجراء تجارب.
الجدير بالذّكر أنّ تطبيق مبادئ العلوم المعرفيّة ليس نهجًا واحدًا يناسب الجميع. فمعالجة اختلافات التّعلّم لا تعني إيجاد حلّ واحد يناسب الجميع. يتعلّق الأمر بالاحتفال بالتّنوّع وتعزيز التّعاطف. مِن هنا تأتي أهمّيّة الممارسات الصّفّيّة المستنيرة بالعلوم العصبيّة التّربويّة وتكييفها لتكريم تفرّد كلّ متعلّم. فمن خلال دمج الأساليب القائمة على الدّماغ، يمكننا خلق تجارب تعليميّة أكثر فعاليّة ورأفة (باولوسكي Pawloski, 2023).
الممارسات الصّفّيّة المستنيرة بالعلوم التّربويّة العصبيّة
المرونة العصبيّة
إنّ الدّماغ قابل للتّكيّف بشكل ملحوظ ويعيد تشكيل نفسه باستمرار بناءً على التّجارب. تؤكّد هذه الظّاهرة، المعروفة باسم المرونة العصبيّة، على أهمّيّة توفير تجارب تعليميّة متنوّعة ومحفّزة. على سبيل المثال، بدلًا من الالتزام الصّارم بطريقة تدريس واحدة، يمكن للمعلّمين دمج أنشطة متنوّعة مثل المناقشات الجماعيّة والتّجارب العمليّة والعروض التّقديميّة متعدّدة الوسائط. تعمل هذه الأساليب المتنوّعة على إشراك مسارات عصبيّة مختلفة، ممّا يعزّز التّعلّم (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
الاهتمام والتّركيز اليقظ
يلعب نظام الانتباه في الدّماغ دورًا حاسمًا في التّعلّم. فالمتعلّمونَ يتعلّمونَ بشكل أفضل عندما يتمكّنون من الحفاظ على انتباههم وتصفية عناصر التّشتيت.
على سبيل المثال، يتمّ تنفيذ ممارسات اليقظة الذّهنيّة مثل التّأمّل القصير أو تمارين التّنفّس المركزة في بداية الفصل الدّراسيّ. وهذا يساعد المتعلّمينَ على تنظيم انتباههم وإعداد أدمغتهم للتّعلّم (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
ممارسة استرجاع المعلومات
يؤدّي استرجاع المعلومات من الذّاكرة إلى تقوية الاتّصالات العصبيّة وتحسين الاحتفاظ بالمعلومات على المدى الطويل. على سبيل المثال بدلًا من الاعتماد فقط على المحاضرات، تشجّع المعلّمة المتعلّمينَ على المشاركة في الاختبارات المنتظمة، أو البطاقات التّعليميّة، أو تخطيط المفاهيم. تعمل هذه الأنشطة على تعزيز الاستدعاء النّشط وتعزيز التّعلّم (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
التّكرار المتباعد
يستفيد الدّماغ من إعادة النّظر في المعلومات بمرور الوقت بدلًا من حشرها كلّها مرّة واحدة. على سبيل المثال، تقوم المعلّمة بإنشاء جدول دراسة يتضمّن جلسات مراجعة منتظمة، بحيث يقوم المتعلّمون بإعادة النّظر في المفاهيم الأساسيّة بعد يوم من تعلّمها، ثمّ مرّة أخرى بعد أسبوع. يعمل هذا التّكرار المتباعد على تحسين دمج الذّاكرة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
التّنظيم العاطفيّ والتّعلّم
تؤثّر العواطف بشكل كبير على التّعلّم. فالمشاعر الإيجابيّة تعزّز العمليّات المعرفيّة، في حين أنّ التّوتر والقلق يمكنهما أن يعيقاها. على سبيل المثال، تعزّز المعلّمة بيئة الفصل الدّراسيّ الإيجابيّة من خلال الاحتفال بالانتصارات الصّغيرة، وتقديم تعليقات بنّاءة، وتقدير الجهد المبذول. عندما يشعر المتعلّمونَ بالأمان والدّعم، تصبح أدمغتهم أكثر تقبّلًا للتّعلّم (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
الحركة وتنشيط الدّماغ
تحفّز الحركة الجسديّة نشاط الدّماغ وتعزّز الوظيفة الإدراكيّة. على سبيل المثال، تدمج المعلّمة التّعلّم الحركيّ في حصصها من خلال السّماح للمتعلّمينَ بالتّحرّك أثناء المناقشات، أو استخدام الإيماءات لتعزيز المفاهيم، أو المشاركة في الأنشطة التّفاعليّة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
النّوم وتوحيد الذّاكرة
إنّ النّوم ضروريّ لتقوية الذّاكرة. أثناء النّوم العميق، يقوم الدّماغ بمعالجة المعلومات وتنظيمها.على سبيل المثال، تشجّع المعلّمة عادات النّوم الصّحّيّة عن طريق تقليل المهامّ اللّيليّة المتأخّرة والتّأكيد على أهمّيّة الرّاحة. فالمتعلّمونَ الّذينَ
يحصلون على راحة جيّدة يكونون مجهّزين بشكل أفضل للاحتفاظ بالمعرفة وتطبيقها (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
الجدير بالذّكر أنّ هذه الممارسات ليست مقاسًا واحدًا يناسب الجميع. كمعلّمين، يجب علينا تكييفها مع سياقاتنا المحدّدة والاحتياجات الفريدة لمتعلّمينا. فمن خلال نسج رؤى العلوم التّربويّة العصبيّة في استراتيجيّات التّدريس لدينا، فإنّنا نمكّن المتعلّمين من تحقيق النّجاح وتحقيق إمكاناتهم الكاملة.
الاتّجاهات والتّحدّيات المستقبليّة في العلم العصبيّ التّربويّ
مسارات التّعلّم الفرديّة
أحد الاتّجاهات الواعدة في العلوم العصبيّة التّربويّة هو تطوير مسارات التّعلّم الشّخصيّة. ومن خلال الاستفادة من تقنيّات التّصوير العصبيّ مثل تخطيط كهربيّة الدّماغ، يمكننا تحديد الفروق الفرديّة في وظائف المخّ المتعلّقة بالتّعلّم والذّاكرة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
مثال : نتخيّل فصلًا دراسيًّا يتمّ فيه مراقبة نشاط دماغ كلّ متعلّم أثناء مهام التّعلّم المختلفة. واستنادًا إلى هذه الملامح العصبيّة، يمكن للمعلّمة تصميم المحتوى التّعليميّ والتّقييم ليتناسبا مع نقاط القوّة والضّعف المعرفيّة لكلّ متعلّم.
الارتجاع العصبيّ وواجهات الدّماغ والحاسوب
يتيح التّقدّم في تكنولوجيا الارتجاع العصبيّ للمتعلّمين تلقّي معلومات في الوقت الفعليّ حول نشاط الدّماغ. تتيح واجهات الدّماغ والحاسوب (BCIs) الاتّصال المباشر بين الدّماغ والأجهزة الخارجيّة.
مثال، في المستقبل، قد يستخدم المتعلّمونَ واجهات التّواصل بين الدّماغ (BCI) للتّحكّم في الصّور الرّمزيّة الافتراضيّة في عمليّات المحاكاة التّعليميّة أو تلقّي تعليقات حول مستويات انتباههم أثناء المحاضرات. يمكن أن يعزّز الارتجاع العصبيّ مهارات التّنظيم الذّاتيّ من خلال تعزيز الوعي بالحالات العقليّة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
الاعتبارات الأخلاقيّة والخصوصيّة
بينما نقوم بجمع المزيد من البيانات حول نشاط دماغ المتعلّمينَ، تظهر أسئلة أخلاقيّة. كيف نوازن بين فوائد التّعلّم المخصّص ومخاوف الخصوصيّة؟
مثال، يجب على المدارس وواضعي السّياسات وضع إرشادات لجمع البيانات والموافقة عليها. إنّ حماية خصوصيّة المتعلّمينَ مع تسخير قوّة العلم العصبيّ التّربويّ يمثّل توازنًا دقيقًا (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
المرونة العصبيّة والتّعلّم مدى الحياة
تشير قدرة الدّماغ الرّائعة على تجديد أسلاكه (المرونة العصبيّة) إلى أنّ التّعلّم هو عمليّة تستمرّ مدى الحياة. يمكن للعلم التّربويّ العصبيّ أن يرشد استراتيجيّات الحفاظ على الصّحّة المعرفيّة طوال العمر.
مثال، يمكن لكبار السّنّ الاستفادة من برامج تدريب الدّماغ الّتي تستهدف وظائف معرفيّة محدّدة (مثل الذّاكرة والانتباه). تستفيد هذه البرامج من المرونة العصبيّة لتعزيز المرونة المعرفيّة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
التّنوّع العصبيّ والشّمول
يُعدّ التّعرّف على التّنوّع العصبيّ (الاختلافات الفرديّة في وظائف المخّ) أمرًا بالغ الأهمّيّة للتّعليم الشّامل. يمكن لأبحاث العلوم العصبيّة تسليط الضّوء على حالات مثل عسر القراءة، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والتّوحّد.
مثال، بدلًا من النّظر إلى المتعلّمينَ المتنوّعينَ عصبيًّا على أنّهم يعانون من عجز، يمكن للمعلّمين التّركيز على نقاط القوّة الفريدة لديهم. على سبيل المثال، قد يتفوّق المفكّرون البصريّون في حلّ المشكلات بشكل إبداعيّ (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
ترجمة البحث إلى ممارسة
لا يزال سدّ الفجوة بين أبحاث العلوم العصبيّة والممارسة في الفصول الدّراسيّة يمثّل تحدّيًا. يحتاج المعلّمون إلى أدوات عمليّة واستراتيجيّات قائمة على الأدلّة (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
مثال، يمكن لبرامج التّطوير المهنيّ أن تزوّدَ المعلّمينَ بالمعرفة حول مبادئ التّعلّم المبنيّ على الدّماغ. يمكن تطبيق تقنيّات بسيطة، مثل دمج فواصل الحركة لتعزيز الانتباه، بشكل مباشر في الفصول الدراسيّة.
التّعاون متعدّد التّخصّصات
تزدهر العلوم العصبيّة التّربويّة عندما يتعاون خبراء من مجالات متنوّعة. ويتعيّن على علماء الأعصاب، وعلماء النّفس، والمعلّمين، وصنّاع السّياسات أن يعملوا معًا.
مثال، يمكن لمراكز الأبحاث الّتي تجمع أصحاب المصلحة هؤلاء أن تعزّز الابتكار. على سبيل المثال، قد تستكشف المشاريع المشتركة تأثير ممارسات اليقظة الذّهنيّة في رفاهيّة المتعلّمينَ ووظيفة الدّماغ.
باختصار، يحمل مستقبل العلوم العصبيّة التّربويّة وعودًا هائلة، ولكنّه يتطلّب أيضًا دراسة مدروسة للجوانب الأخلاقيّة والعمليّة ومتعدّدة التّخصّصات. ومن خلال تبنّي هذه التّحدّيّات، يمكننا إنشاء مشهد تعليميّ أكثر فعاليّة وإنصافًا يستفيد حقًّا من فهمنا المتزايد للدّماغ (موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024).
المصادر والمراجع
Tandon, P.N. & Singh, N.C. (2016). Educational Neuroscience: Challenges and opportunities, Annals of Neurosciences 23 (2): 63–65.
Wilcox, G., Morett, L.M., Hawes, Z, Dommett, E.J. (2021). Why Educational Neuroscience Needs Educational and School psychology to Effectively Translate Neuroscience to Educational Practice, Perspective Front Psychol, 11, https://doi.org/10.3389/fpsyg.2020.618449.
Pawloski, T (2023). The ‘WHY’ matters! Leveraging educational neuroscience to drive positive school climate for under-resourced learners, paper published in Southeast Conference on School Climate. https://digitalcommons.georgiasouthern.edu/secsc/2023/2023/23/
علم الأعصاب التّعليميّ ودوره في تحسين النّتائج التّعليميّة، مِن سلسلة مقالات “مهارات التّعليم والتّعلّم الذّاتي”، موقع تعليم.كوم Ta3liem.com(2021) http://ta3liem.com/Article.aspx?ID=38
العلم العصبيّ التّربويّ: كيفيّة تطبيق العلوم العصبيّة والاستفادة منها في التّعليم، موقع فاستر كابيتال Faster Capital، 2024.
https://fastercapital.com/arabpreneur/%D8%B9%D9%84%D9%85-
بو عنان، أحمد. (2023). علم الأعصاب التربوي: مسار التأسيس ورهان التخصص. المجلة الأمريكية الدولية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 2(14)، 127-149. https://www.aijhssa.us/
عدد الزوار:169