قراءة في كتاب “قصّة الرّمز الدّينيّ” لبلال موسى العلي
قراءة في كتاب “قصّة الرّمز الدّينيّ” لبلال موسى العلي
Reading in the book “The Story of the Religious Symbol” by Bilal Musa Al-Ali
مريم محمود سرور[1]
Maryam Mahmoud Sorour
تاريخ الاستلام 30/3/2024 تاريخ القبول 15/4/2024
الملخّص
يعالج الكاتب الإماراتي بلال موسى العلي في كتابه “قصّة الرّمز الدّينيّ” الصّادر في العام 2011 – 2012 الرّموز الدّينيّة ودلالاتها في الشّرق الأدنى القديم والإسلام وما قبله فيرى أنّ الرّموز هي ثقافة واستعدادات ذهنيّة تأخذ طابعها الرّمزي باتّصالنا بالآخرين لتشكّل معنى، وأنّه يمكن دراسة الرّموز الدّينيّة كتجربة اضطلع بها الإنسان، حيث أصبغها بشحناتٍ رمزيّة ومعانٍ تبرز عمق العلاقة بين المقدّس والإنسان. يقع الكتاب في ٣٥٤ صفحةً، يتألّف من مقدّمة وخاتمة وأربعة أبواب، ويتألف البّاب الأوّل من فصلين، أمّا الباب الثّاني والثّالث والرّابع فيتأّلف من ثلاثة فصول. ويدرّس الكاتب تاريخ الأديان في حضارات الشّرق الأدنى القديم والمسيحيّة والعرب قبل الإسلام وصولًا إلى الإسلام ورموزه الدّينيّة إلى كلّ ما يعدّ ويرمز إلى المقدّس بصورته الماديّة الملموسة.
الكلمات المفتاح: الرّمز – الرّمز الدّينيّ – المقدّس – الأسطورة – الشّرق الأدنى القديم.
Abstract
A Reading Of The Book “The Story of the Religious Symbol” By Bilal Musa Al-Ali.
The writer Bilal Musa Al-Ali, in his book “The Story of the Religious Symbol” published in the year 2011-2012, deals with religious symbols and their implications in the ancient Near East and Islam and before it. He believes that symbols are a culture and mental preparations that take on a symbolic nature through our contact with others to form meaning, and that religious symbols can be studied as an experience undertaken by man, as he dyes them with symbolic charges and meanings that highlight the depth of the relationship between the sacred and the man. The book consists of (354) pages, and it is divided into four chapters. The first chapter consists of two parts, while the second, third and fourth chapters consist of three parts. The writer studies the history of religions in the civilizations of the ancient Near East, Christianity and the Arabs before Islam, all the way to Islam and its religious symbols, to everything that is considered It symbolizes the sacred in its tangible physical form.
Keywords Symbol: Religious symbol – Sacred – Myth – Ancient Near East
مقدّمة
تعرض هذه القراءة أبرز ما جاء في كتاب ” قصّة الرّمز الدّينيّ” للكاتب بلال موسى العلي، وتوضح هذه القراءة مفهوم الرّمز، لاسيّما الرّمز الدّينيّ وأنّ الإنسان استطاع أن يحيط نفسه دائمًا منذ القدم بهالةٍ من الرّموز، يتبادل من خلالها العلاقات والمعاني المختلفة، فالإنسان يصنع رموزه ضمن ثقافته ليتعايش مع بعضه البعض؛ فالرّموز هي نتاج ثقافة واستعدادات ذهنية والذي تأخذ طابعها الرّمزي باتّصالنا بالآخرين لتشكّل المعنى، فدلالة الرّمزيّة ليست ذا قيمةٍ إن لم تمارس عن طرق تبادلنا للعلاقات بعضنا بعضًا (ص 11). قد استطاع الإنسان، بإنشائه عالمه الرّمزي أن يلقي على هذا المحيط المادي أبعادًا أكثر عمقًا جعلت من الواقع القريب شكلاً فريدًا، فنجد بأنّ الإنسان يختصّ من دون غيره من الكائنات بكونه ينتج رموزه مما يجعله كائنًا مرمّزًا يبحث لإيجاد معانٍ لأيّ شيء، فنرى بأننا نقوم بتبادل الدّلالات الرّمزية التي نشاهدها في صفحات الحياة اليوميّة، ولكن برغم ذلك قد نتبادلها دون أن ندرك أو نعي خلفيتها والصّلات والحيثيات التي سمحت بانتقالها تباعًا إلينا، لقد طوّر الإنسان أفكارًا حول الأشياء، وغلّف حياته بالكثير من الأشكال الّلغوية في الصّور الفنيّة والرّموز الأسطوريّة والطّقوس الّلاهوتية حتّى انه لا يستطيع المعرفة والرّؤيا إلّا من خلال منظومة رموزه، حتّى أصبح الرّمز هو مفتاح مشاهدته ومعارفه.
لقد ابتكر الإنسان خلال تاريخه الطّويل العديد من الرّموز للتّواصل سواءً أكانت رموزًا دينيّة أو رموزًا دنيويّة (الإشارات والعلامات) للتّعايش كنتاج ثقافي، وظهر الرّمز كأمرٍ مرتبطٍ بوجود الإنسان؛ إلّا انّ ما يفرّق الإنسان عن الحيوان هو قدرته على التّواصل باستخدام الرّموز، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتفاعل مع بيئته الماديّة الحقيقيّة، بل يتجاوزه إلى بيئته الرّمزية التي صنعها. (ص11- 12).
مدخل لدراسة الرّمز الدّينيّ
يعالج المؤلّف في الباب الأوّل مسألة الرّمز والدّين، فيرى أنّه منذ القدم بدأ الإنسان يعبّر عن نفسه والمقدّس من خلال رموز دينيّة تمثّل الآلهة والمقدّس، حیث أسهمت المؤثّرات البيئيّة والثقافيّة وعوامل أخرى في بروز الأديان وتعدّدها، والّتي نمت معها الأساطير والخرافات والشّعوذة والطّقوس الدّينيّة (ص33). إنّ أهمّ ما يميّز الرّموز الدّينيّة بغيرها من العلامات والإشارات الرّمزية أنّها تعطي انفعالاتٍ عاطفيّةٍ، و توقظ النّفس ومداركها وتعطينا الرّموز فكرةً أكثر وضوحًا عن المقدّس الدّينيّ للمجتمعات؛ لأنّها محدّدة الشخصيّة وتبرز الهويّة الدّينيّة والثقافيّة للمجتمعات (ص44).
لا نستطيع الحديث عن الرّمز من دون التّطرق إلى اختراع الكتابة التي أبرزت رموزًا ونقوشًا دينيّة. حيث بدأ الإنسان يعبّر عن ذاته ومحيطه وتصوّراته عن طريق الرّسم الذي كان ممهدًا إلى ظهور النّقوش الدّينيّة (ص 53)، فرسم في العالم القديم تعابیره ورموزه على الصّخور والكهوف إبّان العصور الحجريّة؛ وبدأت الكتابة على شكل رموزٍ من رسوم تعبّر عن أفكار واتّخذت العلامات الأولى للكتابة من الطّبيعة منطلقًا لها (ص54). لقد كان الرّسم والكتابة ممهّدات لظهور وتنوّع الفنّ الدّينيّ المرئي من نقشٍ و منحوتاتٍ ومعابدٍ (ص62)؛ فكثيرًا ما صوّرت الأشكال الدّينيّة بطرقٍ ودلالاتٍ مختلفةٍ حسب المعتقد الدّينيّ فاختلفت السّمات المميّزة الرّئيسة بينهم، فالآثار الباقية والمتعلّقة بأديان الشّرق الأدنى تقدّم لنا صورة ومعلومات قيّمة حول الأشكال الرّمزية للفنّ الدّينيّ، وتوضح الخصائص الرّمزية للمقدّس حيث ساهمت الأساطير في تشكيل الفنّ الدّينيّ، حيث كانت الرّغبة في تفريغ الأسطورة من مكوّنها السّحري فساهم في تمازج الإبداع الفنّي في تصوير الآلهة وأنصاف الآلهة بأشكالٍ بشريّةٍ أو حيوانيّة، فالعلاقة بين الأسطورة والدّين علاقة قديمة برزت مجسّدة في صفحات الحياة (ص 63). علينا عند دراستنا لبنيات الأسطورة بأن نتجاوز فكرة أن الأسطورة حكايات خرافيّة لا عقلانيّة أساسها أقوام بدائيين منذ القدم وطواها النّسيان، لتتحوّل في دراستها كتصوّرات مقدّسة لتلك الشّعوب (ص 65)، فالأسطورة هي التّجربة البشريّة حيث اعتقد الإنسان بوجود ترابط لا فصام فيه بين الآلهة والبشر والحيوانات والطّبيعة (ص 65).
الشّرق الأدنى القديم: عالم الآلهة والرّموز
يعرض المؤلّف في الباب الثّاني الأشكال الرّمزيّة للعبادات الكونيّة، فيرى أنّ لكل دينٍ دعائمه وأركانه التي ترسي تراثه الثقافي ورموزه المستمدة من تراثه وأصوله الدّينيّة (ص 73). لقد أدرك الإنسان قوّة وسطوة الطّبيعة فجعلها ذات قداسيّة وطابع إلهي يتجسّد فيه بحدود ومدركات الإنسان، واعتقد بقوة الطبيعة في مقابل ضعفه فاضفى إليها كلّ أنواع القداسة، فبدأ يعطي رمزيّة للطّبيعة سواء كانت كواكب أو حيوانات، فتنوّعت التّمثیلات الرّمزية الدّينيّة للمقدّس بشكلٍ بارز في مشهد الحياة اليوميّة على المستوى الماديّ المرئيّ على هيئة نصبٍ أو نقوشٍ ورسومٍ (ص 81).
لقد تعدّدت أشكال التّدين لدى حضارات الشرق القديم فبرزت عبادة الكونيّة للأجرام السماويّة، والكائنات ذات البينة السماويّة (ص 82) کما آمنت الكثير من حضارات العالم القديم بفكرة الإله الكبير المتعالي في السّماء، ولكنّها اختلفت على تصويره، إلا أنّ الشّمس كانت أبرز المكوّنات الطبيعيّة الكونيّة التي عبدت عبر التاريخ فكانت الشمس الرّمز الدّينيّ الدّائري الكوني المؤلهة بامتیاز (ص 84).
كما عُدّت الأرض ذات قداسيّة إلهيّة بوصفها كبيرة الآلهة الأمّ التي كان يرجى عطاؤها وخيراتها في محصولٍ زراعيٍّ خيّر، ويخشى غضبها من جفافها وقلّة محصولها حیت صوّرت برمزياتٍ وايحاءاتٍ أنثويّةٍ والخصب والعطاء (ص 90). هذا ارتبطت الأرض منذ القدم بالمرأة والخصوبة والحياة وبعلامة رمزيّة، فالمرأة التي لم تلد أو تتزوج كالأرض البور (ص91).
كما ُووجدت المعابد في الحضارات القديمة تقرّبًا للآلهة، ولأداء طقوس العبادة لتلك الآلهة (ص95 ). لقد عُدّ المعبد في الحضارات القديمة مكمن القوّة والسّر الإلهي وبيوت الآلهة المقدّسة؛ فنقشت الكتابات والرّموز الدّينيّة على جدرانها وقبورها (ص 96)، وبنيت الأهرام لتكون رمزًا لخلود الروح و راحتها، وتكون المباني تعبيرًا عن السّماء والأرض ورسوخها فلا سبيل لتحريكها، فكان رسوخ معبد الدّنيا وثباته (ص 97)، أمّا الأبراج البابليّة حيث كانت بطوابقها السّبع تمثّل السّموات السّبع وبتسلّقها يصل الكاهن لذروة العالم، والانفصال عن العالم الدّنيوي إلى العالم السّماوي (ص 98)، ففي الحضارات القديمة عُدّت الآلهة دائمًا فوق الجبال وفي مستوى أعلی، فعدّ الجبل مقرّ الآلهة (ص 99).
هذا، وتعدّدت الرموز الدّينيّة من ناحية أشكالها ورمزيتها حيث تأثّرت بشكلٍ كبيرٍ في المعتقدات الدّينيّة لتلك الشعوب القديمة و محاولة إبراز المعاني الخفية وأصالة المعتقد الدّينيّ ورموزه، وإبراز عظمة قوّته وتوحيده، بحيث يكون لها أصل في الأرض وفي السماء، فكانت الرّموز الدّينيّة في العصور القديمة تعبّر عن الحياة بكلّ تجلياتها (ص 112)، فاحتلت فكرة الحياة بعد الموت الخلود وأساطير الخلق والكون مكانةً عظيمةً ونقطةً مركزيةً في الأساطير القديمة (ص121).
المسيحيّة ورموزها (الدّلالات والمعنى)
يعالج الكاتب في الباب الثّالث البدايات الأجنبيّة للرّمز المسيحيّ، فيرى أنّ السّيد المسيح عليه السلام ولد في عالم تسوده الوثنيّة وعبادة الأيقونات (ص167)، وظهر من عائلة عرفت بالتّقوى والصّلاح والمكانة الدّينيّة بين أوساط اليهود، وبدأ ينشر دعوته وينادي بتعاليمه ويصرّح لهم بأن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فهنالك الجانب الرّوحي الأسمى والأعلى (ص168). لقد كانت تعاليمه لعامّة النّاس دعوات للمحبّة والإخاء والإيمان التّوحيدي الخالص لله والمساواة والمبادئ السّمحة.
كان لظهور المسيحيّة أبلغ الأثر في اكتساب الرّموز الدّينيّة المسيحيّة طابعها الخاص بها (ص171 ). لقد بدأ العالم المسيحيّ يبني عالمه ورموزه الدّينيّة، فلكلّ ديانةٍ رموزها منذ الوثنيّة وحتّى العصور الحاليّة، فالرّمز الدّينيّ يكتسب قداسيّته من الأفكار الدّينيّة والثقافية التي شحن بها هذا الرّمز ليكتسي طابع المقدّس. لقد قام المسيحيّون ببناء كنائسهم فوق أنقاض وأطلال المعابد الوثنيّة، وبدأ العالم المسيحيّ ينشئ عالمه ورموزه الخاصّة (ص174). ولقد اتسمت الكنيسة الأولى بظهورها الخفي والكتمان بداخل البيوت والكهوف وتمتعت بالبساطة، فالكنيسة كمعمارٍ دینيّ مسیحيّ كان غرضه تجميع المؤمنين المسيحيّن في مكان، وتعني لفظ الكنيسة في أسفار الكتاب المقدس أمور عدة ففي بعض الأحيان تعنى اللفظة بيت الله، أي المعبد الذي يجتمع فيه المسيحيّون للّقاء بصورة علنية (ص176) . كما عُدّ المذبح أو الهيكل أحد العناصر الرئيّسة في الكنسية المسيحيّة؛ ويتمركز ليشكل نقطة مركزيّة تواجدت في أغلب ديانات العالم القديم، ويعدّه المسيحيّون بأنه العلاقة بين الله والإنسان (ص177)، وإذا رجعنا إلى مفهوم الرّمز بشكلٍ عام، فنجد أنه تصورات وخلفيّات ثقافيّة ونفسيّة، ففكرة صلب المسيح في العقيدة المسيحيّة جسدت بصورةٍ مباشرةٍ فكرة الصليب كأوّل الرّموز المسيحيّة لتصوّر الصّلب وخلفيّاته الدّينيّة. ويُعدٌّ الصليب أحد أوائل الرموز المسيحيّة التى حيكت حولها الأساطير وبداية عهد جديد. فالصّليب يظهر كرمز دينيّ في الوعي والّلاوعي المسيحيّ (ص179)، والصّليب رمز ديني لمعاناة المسيح وتضحياته، ويُعدّ الصّليب رمزٌ رئيس في الديانة المسيحيّة والذي يشير إلى صلب المسيح وإلى الخلاص، وأمل في جلب حياة أفضل (ص181).
كما ويتصل الدّين بالحياة الاجتماعيّة اتصالًا؛ فالصور والأيقونات والتّماثيل في الكنائس ما هي إلّا تعبير عن ذلك التّرابط الوثيق بين الحياة الاجتماعيّة والحياة الدّينيّة (ص189). لقد بدأت المسيحيّة تبني عالمها ورموزها الدّينيّة وأضحت الكنيسة تأخذ مكانها في المجتمع المسيحيّ بوصفها المجمع المقدس (ص 192 )، وكان لتأثير الكتاب المقدّس أثر واضح في التنوّع والغنى للفنّ الأيقونيّ المسيحيّ، إذ يشكّل الكتاب المقدّس المسيحيّ منطلقًا لبروز وتنوّع وانتشار الرّموز الدّينيّة المسيحيّة في العالم المسيحيّ، ويؤكد العهد الجديد في الكتاب المقدّس المسيحيّ على الخبز والخمر القرباني، وتكاثر أرغفة الخبر على يد السيد المسيح، لذلك برزت تلك الخلفية في الفن الأيقوني المسيحيّ (ص 194). لقد أصبح الخبز والخمر الّلذان يعدّان في الطقوس القديمة هدايا توضع على المذبح أمام الإله تجسيدًا ورمزيّة لجسد المسيح ودمه، كما يدخل السّمك في الفن الأيقوني المسيحيّ كرمزيّة القربان المقدّس بجانب الخبز (ص195)، وتظهر واضحه في لوحة العشاء الأخير للمسيح، حيث يرمز العشاء الرباني على العشاء الأخير لسيدنا عيسى عليه السلام مع تلاميذه إذ اقتسم معهم الخبز والنّبيذ، فالخبز يرمز على جسد المسيح الذي كُسر لنجاة البشريّة، ويرمز الخمر بأن دمه الذي سفك لهذا الغرض من خلال أكل الخبز والخمر تكمن الرّمزية، بأن ذلك دلالة لتمازج الأكل وبين المسيح وتعاليمة (ص195).
يتغلغل الرّمز الدّينيّ في النّفس البشريّة ليضفي عليها أبعادًا ثقافيّة، فالرّمز سواء أكان كيانًا تصویريًّا يمثّل من خلال خصائصة، أم من خلال طابعة العرفيّ حدثًا أو قيمةً أو هدفًا (ص209). تُعدّ الأيقونات بوصفها كرموز إحدى الملامح و الوسائل التي تشكل الذّات البشريّة، فكانت الأيقونات قوة ذاتية تمتلك المعنى الرّمزي الفوقي للقداسة (ص213). لقد أصبحت الأيقونات المسيحيّة والأشكال الرّمزية ذات حضور فعّال في المشهد الدّينيّ المسيحيّ. حيث المُشاهد المسيحيّ يستحضر غابر التجربة الدّينيّة المسيحيّة بكلّ تجلياتها، حيث يستدعي الرّمز أصداءه من مستويات أعمق في الروح فالشموع، وزخم الألوان والأيقونات والبخور وصدى الترنيمات كلّ تلك التأثيرات سوف تخلق جوًا من الفعالية بالنسبة للكنيسة ومعتنقيها، لذلك كان الرّمز دائماً ذات أهمية عظيمة، ليس فقط للكاهن والزعيم الدّينيّ، ولكن أيضاً للفنان والشّاعر والرّسام (ص217).
الرّمز الدّينيّ في العالم الإسلاميّ
يعرض المؤلّف في الباب الرّابع الآلهة ورموزها قبل الإسلام، ثمّ يعرض بناء الرّمز في عهد التّأسيس والنبوة، فيرى أنّ الرموز الدّينيّة في جاهلية العرب (العرب قبل الإسلام) تأخذ أشكالًا تتماهى مع صراع البقاء القبلي وقلّة العيش ومقاومة الفناء مجرى مجاهل الصّحراء الشاسعة وأخطارها في مقابل الخوف من المستقبل (ص226)، وعبادة الأصنام كانت عبادة رمزيّة أضيفت عليها هالات من القداسة، تقدس وتُتبارك ويستنجد بها ويقدم إليها القرابين والنّذر، فالأصنام رموز دينيّة للآلهة (ص236)، وتتسم الرّموز الدّينيّة في جاهليّة العرب بتعدّد الآلهة، ولكن يضلّ المجال خاضعًا لفعاليّة وثبات الطّقس الدّينيّ المتمثل بمكّة کمجالٍ دينيٍّ يحوي المقدّسات الدّينيّة للعرب، وفي مقدّمتها الكعبة (بيت الله)، لتظهر لنا أصالة الرّموز الدّينيّة تتمثّل كلّها بالطّقس الدّينيّ وشعائره ومقدّساته (ص247).
الكتاب المقدّس، القرآن الكريم: القرآن نزل في بيئة ذات فصاحةٍ وبلاغة، حتّى أضحی الشّعر والبلاغة موضع فخر العربيّ (ص253)، تكمن رمزيّة وأهمية القرآن الكريم للمسلمين بقوّة بيانه وحجّتة وكونه امتدادًا للدّيانات السّماوية ولكلام الله تعالى للبشريّه كنصٍّ إلهيٍّ مقدّس (ص255).
رمزيّة الحدث والمكان والّلباس: كانت هجرة الرسول (ص) حاسمة في تاريخ الدعوة الإسلاميّة فهي مرحلةٌ رمزيّةٌ مفصليّةُ، والهجرة يقصد بها الخروج والانتقال من مكانٍ لآخر، والهجرة في الأديان رمزيّة ومفصليّة بين الانتقال من مرحلة الدّين الباطل إلى مرحلة دين الحق كما كانت قصة بني اسرائيل في قصة موسى عليه السلام وسيّدنا نوح والطّوفان في القرآن الكريم والكتاب المقدّس (ص259)، وتكتسب أماكن العبادة رمزيّة و خصوصيّة؛ فالمسجد هو المكان الرّوحي والإسلاميّ الّذي تقام فيه الصلاة، وتمثّل أماكن العبادة دورًا هامًا للوحدة والتّآزر بين أعضائه (ص263 ). وتعدُّ الصّلاة إحدى أهم أركان الإسلام، والحجّ هو عملية تطهير لنفس المسلم والانتقال من شخص مثقلٍ بالخطايا والدّنس إلى حالة التّطهير والنّقاء (ص275).
الرّمز الإسلاميّ، بين التدين الشّعبي والرّسمي
برزت مجموعة من الرّموز الدّينيّة للمسلمين ضمن إطار التّدين الشعبيّ، وهو التّدين والمعتقد والممارسات الشعبيّة.
المسجد: كان المسجد من أوائل الأعمال التي قام به الرسول (ص) عند وصوله إلى المدينة المنوّرة، والذي أضحى ذا رمزيّة لوحدة المسلمين والإسلام (ص282)، وبرزت فيه الآيات القرآنيّة بخطوطٍ وأشكالٍ عدّة لتزيّن المسجد كرموز لعمارة إسلامية وأشهرها الخطّ الكوفيّ، وأهمّ ما يميّز عمارة المسجد المئذنة وعلوّها كرموزٍ دينيّة تطلّ من بعيدٍ لترشيد النّاس عليها ويعلو اسم الله عاليا ليؤذّن المؤذّن بالنّاس (ص286). إذا أتينا إلى مكوّنات المسجد الدّاخلية فنجد المنبر والمحراب كأحد أقوى مكوّنات المسجد رمزيّة، حيث ارتبط المنبر بالسّلطة والقيادة التي لا تنفصم عن الدّين، وارتبط المحراب كرمزٍ معماريّ دينيّ للقبلة في المسجد (ص289). وكان المسجد كرمز دينيّ مهمٍّ في تشکیل الوعى الدّينيّ للمعتقدّات الإسلاميّة (ص293).
رمزية الّلباس والألوان والأشكال الدّينيةّ.
هناك رموزٌ أساسيّةٌ استخدمت في الفنّ الإسلاميّ منها:
المصباح: الذي يُعدّ من أهمّ الرّموز، والذي يرمز إلى النّور السّاطع في قلوب المؤمنين (ص295).
الهلال والنجمة: برز الهلال والنجمة مع بروز الدّولة العثمانية في القرن الرّابع عشر للميلادي فانتشر بين الشّعوب رمزٌ مميّز للإسلام وشعارٌ لكثير من الدّول الإسلاميّة حاليًا (ص296)، ولقد ذكر الهلال والقمر في كثير من السّور والآيات القرآنية لمعرفة الأيّام و مواقیت الصّلاة والصّوم.
الألوان: تكمن تأثيرات الألوان بأنها تخلق أقصى تأثير واهتزاز للعين حسب درجاته، فاختيار الألوان وإعطائها دلالات رمزيّة مسألة ثقافية وليست فطرية حيث تختلف من ثقافة لأخرى؛ فاكتسب اللون الأسود في العراق وفارس ولبنان معنى للحزن والثّورة من مقتل الامام الحسين بن علي في كربلاء 680 م (ص298 ) فأضحى اللون الأسود رمزيّة للثورة والحزن في آن واحد. كما ويقال بان الرسّول (ص) اتّخذ من الّلون الأخضر رايةً له، ومنذ ذلك الحين يعدّ الّلون الأخضر رمزًا للإسلام، فأصبح ذو رمزية تدلّ في ثقافة الإسلام على الخير (ص299).
المسباح أو المسبحة: تأخذ أبعادًا دينية رمزية فالخرزات تبلغ تسع وتسعين خرزة، والتي تمثل أسماء الله الحسنى فنجدها تلتصق بيد المسلم كسلسلة رمزيّة بين العبد وربه (ص300).
رموز التّدين الشّعبي في المجتمعات الإسلاميّة: تتعرّض الأديان برغم أصالتها، إلى تداخل بعض المعتقدات والخرافات المترسّبة في المجتمع، والتي تعمل على إضفاء خوف ورهبة الإنسان المستمرّة، فالكفّ والعين إحدى تلك الرّموز الّتي ربّما يرجع أصلها إلى الدّيانات والمعتقدات الوثنيّة في الشّعوب القديمة، إن ذلك الامتداد الثقافي للأفكار الوثنيّة يحدث عندما يختلط الدّين بالأسطوري ويتداخلها ليبرز ترسّبات الثقافية المتجذّرة في المجتمع ليكون الدّين الشعبي لعامّة النّاس (ص302). إنّ الخلفيّات الثقافيّة والميل الإنساني لإكساب القداسة على الأشياء وبروز الصّراعات والأزمات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والدّينيّة، والفهم السّلبي العفوي للأحكام الشرعيّة، سوف يفرز نمطًا من التّدين الشّعبي العفويّ بين النّاس يلامس المبادئ الأساسيّة للدّين الرّسمي حسب النّصّ المقدّس، ولكنه يدخل بجانبه بعض الممارسات المترسبة في عقول ونفوس البشر لكي يطفئ بها التقلّبات السيكيولوجية للنفس البشرية (ص 304). ففي الإسلام يوجد إلى جانب التّدين الرّسمي المتمحور والمنضبط وفق التّعاليم القرآنيّة، شكل من التّدين الشّعبي تشدّه صلات مميّزة بالمقدس، ومنها ما يتّصل بطقوس الأولياء.
خاتمة
حاول الكاتب من خلال هذا الكتاب اطلاق بداية استهلاليّة تحفّز لفهم العالم الذي نعيش فيه، فالرّموز الدّينيّة هي الفضاء المقدّس الذي يثير الخوف والرّجاء ويبعث الثقة والاحترام والسّكون في النّفس البشريّة، فالرّموز الدّينيّة تتموضع في الّلاوعي البشريّ بعد أن يكون قد شحن بمعانٍ ودلالات خاصّة، فتُحدّد الانتماءات والهويّات والأفكار المختلفة، وترسّخ المعتقد الدّينيّ من خلال تناقله جيلٍ بعد جيلٍ، إلّا أنّ الدّخول إلى فضاء المقدّس ومحاولة تدنيسه كالدّخول في النّار، والّتي ستجلب عواقب وخيمه تكرّس الصّراع والطائفيّة والعنف ونبذ الحوار الحضاري. كما يمكن أن تكون الرّموز الدّينيّة هدفًا للتمييّز الطّائفي وصراع الثّقافات؛ إذ حصل ذلك كثيرّا عبر التّاريخ، كما أنّ الرّموز الدّينيّة قد تُستغل لتكوّن عنصرًا وعلامة مميّزة لتجزئ مضمون الدّين على شكل وحدات مذهبية وايديولوجيّة وتتّخذ من الألوان والأماكن والّلباس رموزًا دينيةً خاصّةً بتلك الفئة (ص 315 – 316).
إنّ الرّمزيّة الدّينيّة استمرار لإطار شرح الواقع، كما تطوّرت الرّموز الدّينيّة لتكون علامة فارقة نشاهدها ممسرحة في صفحات الحياة، وتحدّد الانتماءات والأهداف والخلفيّات الثّقافيّة لصاحبها، سواء كانت سياسيّة أو اقتصاديّة، فنجد تطوّر الأصنام والتّماثيل والحيوانات والأشجار بوصفها شعارًا أو رمزًا للآلهة إلى وشعارات في وقتنا الحالي اتخذتها الأمم والأحزاب السّياسيّة شعارات لها (ص117).
المدونة
العلي، بلال موسى (2011). قصّة الرّمز الدّيني: دراسة حول الرّموز الدّينيّة ودلالاتها في الشّرق الأدنى القديم والمسيحيّة والإسلام وما قبله. (لا م.) (لا د.)
[1] طالبة ماستر في عمادة كلية الآداب في الجامعة اللبنانيّة.
عدد الزوار:664