أبحاثالتربية وعلم النفس

مدى تأثير برنامج علاجيّ تربويّ في رفع مستوى تقدير الذّات لدى مجموعة من المراهقات

مدى تأثير برنامج علاجيّ تربويّ في رفع مستوى تقدير الذّات

لدى مجموعة من المراهقات

كاتيا بركات

أولا: أهمية الموضوع

تكمن أهميّة هذا البحث في مساعدة المراهقات اللاجئات على تحسين تقدير الذّات لديهنّ، وعلى تخطّي الكثير من الأزمات النفسيّة والاجتماعيّة، فتقدير المراهقات لذواتهنّ يرتبط كثيرًا بصورة الجسد عندهنّ وبنظرة الناس إليهنّ، وبسبب الظروف القاهرة التي أحدثتها الحرب فإنّ المراهقات بحاجة ماسّة إلى برامج نفسيّة تربويّة تهدف إلى رفع تقدير الذّات لديهنّ وقبول الآخر، وذلك من أجل تحسين صحتّهنّ النفسيّة وتحقيق تكيّف أفضل. إنّ نتائج الحرب كانت ثقيلة ومؤلمة لبعضهنّ (خسارة أحد أفراد العائلة، تدمير المنازل…)، كلّ ذلك ترك آثارًا سلبيّة لدى الفتيات على الصّعيد النفسيّ.

ثانيا: الوضع الرّاهن وطرح الإشكاليّة

تركّز دراستنا كما ذكرنا على “تقدير الذّات” وما له من انعكاسات على سلوك الفرد الاجتماعيّ وبناء شخصيّته. إنّ تدنّي تقدير الذّات يؤدّي في كثير من الأحيان إلى الاكتئاب والانطواء والكذب، كآليات دفاعيّة يستعملها ذوو تقدير الذّات المنخفض لستر القصور أو عدم الأمان الذي يشعرون به (زبيدة، 2006، ص 40). وعلى الصّعيد الشّخصيّ فقد لاحظت من خلال عملي مع مراهقات انعكاس تدني تقدير الذّات على أدائهنّ وإنجازهن وتعاملهن مع الآخرين.

ونظرًا لأنّ دراستنا ستشمل مراهقات من جنسيات عربيّة مختلفة لاجئات في مدينة اسطنبول التّركيّة، فقد بدأنا البحث عن واقع “تقدير الذّات” بين المراهقات في العالم العربيّ وفي تركيا وهذه بعض الأبحاث التي استطعنا الوصول إليها، نعرض هنا بعض نتائجها لنضيء على الإشكاليّة.

        بيّنت دراسة أجرتها الباحثتان “سيفوان لميّة” و “عزيز وسام” (2015) على 60 طالبًا راسبًا في شهادة التّعليم المتوسط، في أربع متوسّطات في الجزائر، أن 23.33 % من الطّلاب لديهم تقدير للذّات منخفض و50% منهم لديهم تقدير متوسط.

كما أجرت منال الصّمادي وزميلتها لبنى السّعود (2018) دراسة على 131 طالبة في كلية الأميرة عالية الجامعية في الأردن، أظهرت انخفاضًا في تقدير الذّات عند الطّالبات كما أظهرت الدّراسة علاقة ارتباطيّة بين مستوى تقدير الذّات ومستوى المسؤوليّة الاجتماعيّة.

وقد جرت دراسة على 40 تلميذا وتلميذة في الصّف الأول الثّانوي بعنوان” علاقة تقدير الذّات عند المراهق بمشكلاته وحاجاته الإرشاديّة”، وقد أظهرت وجود علاقة ارتباطيّة عكسيّة بين تقدير الذّات ومشكلتي الأمن والاستقلال عند الذّكور، وعلاقة ارتباطيّة موجبة بين تقدير الذّات ومشكلات الأمن والاستقلال والإنجاز (زبيدة، 2006، ص117).

وفي دراسة أجراها مجذوب قمر (2015) على 277 طالبًا وطالبة من 5 كليّات في جامعة دنقلا في السّودان، بيّنت النّتائج أنّ هناك علاقة دالّة إحصائيًّا بين جميع أبعاد تقدير الذّات والسّلوك العدوانيّ، ويعود ذلك إلى طبيعة الارتباط بجماعة الرّفاق والجامعة، وعندما يتعرّض للإحباط من قبل الرّفاق تصدر منه سلوكيّات عدوانيّة توكيدًا لذاته (قمر، 2015، ص 117). وقد أظهرت النّتائج نفسها دراسة أخرى أجريت العام 2013 وتمّ تطبيقها من قبل الباحث شايع مجلي على 240 طالبًا من الصف الثّامن من مدارس صعدة الحكومية في اليمن، حيث تبيّن وجود علاقة ارتباطيّة دالّة إحصائيًّا من النّوع السّالب بين تقدير الذّات والعدوان، أي أنّه كلما ارتفع تقدير الذّات كلما انخفض السّلوك العدواني (مجلي، 2013، ص 95).

إنّ النّتائج المذكورة أظهرت مدى تدنّي مستوى تقدير الذّات، وهذا ما دفعنا إلى البحث عمّا يساعد المراهقات على رفع مستوى تقدير الذّات لديهنّ. ونشير هنا إلى أنّ بحثنا تزامن مع انتشار وباء كورونا لمدّة ثلاث سنوات. وهذا الواقع قد فرض علينا أن ندرس مجموعتين من التّلميذات: المجموعة الحضوريّة والمجموعة الافتراضيّة.

من هنا بدأ البحث عن البرامج الإرشاديّة التّدريبيّة من أجل تحسين مستوى تقدير الذّات، لذا من المفيد هنا أن نذكر بعض البرامج التي صبّت في هذا الهدف.

قامت فضيلة عروج العام (2016) بدراسة فعالية برنامج تدريبي في رفع مستوى تقدير الذّات، لدى عينة من المراهقين شملت 12 طالبًا وطالبة في ثانوية الضلعة في الجزائر، يرتكز على نظرية أليس (Albert Ellis)[1] في العلاج العقليّ الانفعالي، ويدمج بين تقنيّات العلاج المعرفي وتقنيّات العلاج السّلوكي، ويهدف إلى تغيير نمط التفكير غير المنطقي وغير الواعي عند الطّلاب وتدريبهم على التفكير بعقلانيّة، من أجل تعديل الأفكار السّلبيّة واللامنطقيّة لديهم وتصحيح التّصوّرات الخاطئة نحو ذاتهم والعالم والمستقبل (عروج، 2016، ص 79). وقد أظهر البرنامج فعاليته في رفع تقدير الذّات عند الطّلاب.

كما قامت أميمة جدوع وزملاؤها (2019) بدراسة فعالية برنامج إرشاد جمعي يستند إلى الدّراما في تحسين تقدير الذّات، وخفض القلق الاجتماعيّ لدى 30 طالبة من طالبات الصف الثّامن والتّاسع والعاشر في مدرسة كفر جايز في إربد الأردنيّة. وقد قام البرنامج على دمج عدد من المبادئ والتّطبيقات الإرشاديّة والتّدريبيّة الجماعيّة، مع المفاهيم والفرضيّات التي تقوم عليها الدراما منها التّمثيل الذي يجعل الطالبات يعبّرن عن حالة الوعي من خلال أداء أدوار مختلفة تعزّز مهارات التواصل الاجتماعيّ، والارتجال الذي ينقل الطالبة إلى اللّعب الإسقاطي بحيث يظهر مقاربًا للواقع (جدوع، 2020، 92). وقد تبيّنت فعالية البرنامج حيث كانت النّتائج دالّة إحصائيًّا لصالح المجموعة التّجريبيّة كما استمر التّحسّن في القياس التّتبعي.

ومؤخّرًا أجرت نائلة كيلاني (2023) دراسة فعالية برنامج إرشاد جمعي في خفض الاكتئاب وتحسين تقدير الذّات عند 30 طالبة سورية من الصّفين السّابع والثّامن في مخيم الزعتري في الأردن. يستند البرنامج على مفاهيم العلاج المعرفيّ السّلوكيّ والبرامج الإرشاديّة الخاصة بالأطفال والمراهقين اللاجئين والمتعرّضين لأحداث مأساويّة وتغييرات أساسيّة في بيئاتهم الأسريّة والمجتمعيّة. وقد تضمّن البرنامج 12 جلسة إرشاديّة مدة كل منها 90 دقيقة وتتضمن مجموعة من الأساليب والتّمارين والأنشطة الخاصة التي تستند إلى فنيّات الإرشاد العقلانيّ الانفعاليّ السّلوكي (كيلاني، 2023،136). وقد تبيّنت فعالية وكفاءة البرنامج في خفض الاكتئاب وتحسين تقدير الذّات عند الطّالبات.

كما أجرت نوال الشبانه (2023) دراسة أثر برنامج معرفيّ سلوكيّ، لتنمية تقدير الذّات لدى 20 فتاة من دار الرعاية الاجتماعيّة في الرّياض في المملكة العربيّة السّعوديّة، تتراوح أعمارهنّ بين 18 و28 سنة. يقوم البرنامج على الكشف عن الأفكار التّلقائيّة وتغيير الأفكار الخاطئة وتفنيد الأفكار اللّاعقلانيّة وغيرها من المهارات. وقد أظهرت النّتائج ارتفاع تقدير الذّات عند المجموعة التّجريبيّة (الشبانه، 2023، 424).

وأجرى عادل البنّا وزملاؤه (2023) دراسة فعالية برنامج تدريبي في تحسين تقدير الذّات والتّوافق النفسيّ والاجتماعيّ لدى 10 من الطّلاب المكفوفين بالمرحلة الثّانويّة، من مدرسة النور بنين إدارة شرق التّعليميّة زيزينيا في مصر. ويرتكز البرنامج على النظرية السّلوكيّة المعرفيّة ومهارات السّلوك التوّكيدي، حيث يقوم على تعديل السّلوك من خلال تعديل الأفكار الخاطئة، وعلى عدد من الفنيّات المعرفيّة والسّلوكيّة التي تمكنّهم من مواجهة مواقف الحياة التي يتعرضون لها بصورة توكيديّة (البنّا، 2023، 69). وقد أثبتت النّتائج فعالية البرنامج المُعتمد.

بعد هذا العرض لما توّصلنا إليه في دراستنا من أبحاث، لاحظنا أنّ البرامج العربيّة التي عملت على تحسين تقدير الذّات ما تزال نمطيّة ومحدودة الآفاق. أماّ البرنامج القائم على العلاج العقليّ الانفعاليّ العاطفيّ فقد استفدنا منه من حيث تصويب الأفكار والمشاعر.

وأمّا الدّراسات التي تبحث في فعالية تحسين تقدير الذّات في العالم الافتراضي، فهي غير متوافرة حاليًّا في الدّراسات العربيّة والغربيّة بحسب اطّلاعنا. وفي هذه الحالة مع تعذّر طرح الرّأي الذي يدعم فعالية تحسين القيم عبر البرامج الافتراضيّة والرّأي الآخر الذي يقابله، نجد أنّ بحثنا هذا قد يكشف لنا بعض الأجوبة عن هذه الأسئلة ويسهم في تطوير البرامج الافتراضيّة إن ثبتت فعاليتها.

من هنا استندنا في بحثنا إلى ما تمّ إعداده من برامج تحسين تقدير الذّات عند المراهقات، وغياب البرامج الافتراضيّة التي تناولت هذا الموضوع، لإعداد برنامج تدريبي يقوم على بعض مبادئ البرامج المعرفيّة السّلوكيّة، بهدف تصويب الأفكار وتعلّم الرّدود المنطقيّة من أجل تعزيز تقدير الذّات. والسؤال الرّئيس الذي نطرحه هنا حول الإشكاليّة هو:

إلى أيّ مدى يستطيع برنامجنا أن يرفع مستوى تقدير الذّات عند مجموعتين من المراهقات الأولى حضوريّة والثانية افتراضيّة؟

ثالثًا: تساؤلات البحث

الأسئلة التي دفعتنا الإشكاليّة إلى طرحها هي الآتي:

  • ما مدى تأثير البرنامج المعتمد في رفع تقدير الذّات لدى كل من المجموعة الحضوريّة والمجموعة الافتراضيّة؟
  • هل هناك فروق في مستوى تقدير الذّات بين أفراد المجموعتين الحضوريّة الافتراضيّة تُعزى للبرنامج المعتمد؟

رابعا: فرضيّات الدّراسة

تتلخّص فرضيّات هذا البحث في الآتي:

الفرضية الرّئيسة:

قد يكون هناك تأثير للبرنامج المقترح في تحسين تقدير الذّات لدى المراهقات.

  والفرضيات الفرعيّة:

1-   هناك علاقة بين البرنامج المعتمد ورفع مستوى تقدير الذّات لدى كل من المجموعتين الحضوريّة والافتراضيّة.

2-   توجد فروق دالة في مستوى تقدير الذّات بين أفراد المجموعتين تعزى إلى البرنامج المعتمد

خامسًا: منهج الدّراسة

لقد اعتمدنا في هذا البحث المنهج المقارِن (comparative design) الذي يقوم على مقارنة النّتائج بين مجموعتين واحدة حضوريّة وأخرى افتراضيّة، ولم نطرح هنا المنهج شبه التّجريبيّ لأنّ المجموعة الضّابطة غير موجودة. لهذا السّبب اكتفينا بالمنهج المقارن المناسب حيث سنقوم بتطبيق برنامج علاجيّ تربويّ يضم 8 حصص مع تطبيقات وأنشطة متنوّعة، على مجموعتين من الطّالبات تضم كل مجموعة حوالي 20 مراهقة. سيتم العمل مع المجموعة الافتراضيّة عن بعد عبر استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعيّ كبرنامج زومzoom وتلغرام Telegram، أما المجموعة الحضوريّة فسيتمّ تطبيق البرنامج معهنّ بشكل مباشر، وذلك خلال فصل دراسيّ يمتد على أربعة شهور. أمّا تقييم فعّالية البرنامج فستتمّ من خلال تقييم قبليّ وبعديّ باستخدام استمارة روزنبرغ لتقدير الذّات استبانة تقييم الأنشطة التي يتضمنها البرنامج.

سادسًا: مصطلحات الدّراسة

–      برنامج علاجيّ تربويّ: برنامج من تصميم الباحثة يستند إلى نظريّة العلاج المعرفيّ السّلوكيّ، يتضمّن مفاهيم وعناوين وأنشطة نأمل في أن ترفع مستوى تقدير الذّات عند المراهقات المستهدفات.

–      تقدير الذّات: ويقصد به “تقويم المرء لنظرته إلى نفسه وما فيها من اتّجاهات إيجابيّة أو سلبيّة نحوها (قبول، رفض) فضلًا عن اعتقاده بأنّه قادر ومهم وناجح وذو قيمة” (يعقوب، كنعان، 2016، ص 87)

 

سابعًا: نتائج الدّراسة

  • فيما يتعلّق بالفرضيّة الأولى “هناك علاقة بين البرنامج المعتمد ورفع مستوى تقدير الذّات لدى كل من المجموعتين الحضوريّة والافتراضيّة”.

المجموعة الحضوريّة

رسم بياني 1: المقارنة بين متوسِّط إجابات تلميذات المجموعة الحضوريّة

حول تقدير الذّات في كلٍّ من الاستبيان القبليّ والاستبيان البعديّ

يظهر جليًّا أن متوسِّط إجابات التّلميذات في الاستبيان البعدي (M=3.20) كان أكبر بنسبة 19% من متوسِّط إجاباتهنّ في الاستبيان القبلي (M=2.69) وهذا يشير إلى فعاليّة البرنامج في تحسين تقدير الذّات لدى التلميذات. ولتبيان ما إذا كانت هذه الفروقات ذات دلالة إحصائيّة عمدنا إلى إجراء اختبار (ت) للعيّنات المترابطة Paired Sample t-test وجاءت النّتائج كالتالي:

 

جدول 1: نتائج اختبار (ت) للعيّنات المترابطة الخاصّ بمقياس تقدير الذّات في المجموعة الحضوريّة

مستوى الدلالة درجة الحرية قيمة ت الانحراف المعياري المتوسِّط العدد القياس المتغيِّر التابع
<.001 18 -٦.٩٢٧ ٠.٥٤٧ ٢.٦٩ ١٩ استبيان قبلي تقدير الذّات
٠.٤٧٤ ٣.٢٠ ١٩ استبيان بعدي

يتّضح من الجدول أعلاه وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة عند مستوى دلالة (>0.001) بين متوسِّط درجات تقدير الذّات قبل وبعد البرنامج العلاجيّ التربويّ لصالح التطبيق البعدي                          t (18) =-6.927)، p <.001)، مما يؤكِّد فعاليّة البرنامج العلاجيّ التربويّ في تحسين تقدير الذّات لدى أفراد المجموعة الحضوريّة.

المجموعة الافتراضيّة

رسم بياني 2: المقارنة بين متوسِّط إجابات تلميذات المجموعة الافتراضيّة

حول تقدير الذّات في كلٍّ من الاستبيان القبلي والاستبيان البعدي

يظهر جليًّا أن متوسِّط تقدير الذّات لدى التّلميذات في الاستبيان البعدي (M=3.10) كان أكبر بنسبة 18.8% من متوسِّط تقدير الذّات في الاستبيان القبلي (M=2.61) ولتبيان ما إذا كانت هذه الفروقات ذات دلالة إحصائيّة عمدنا إلى إجراء اختبار (ت) للعيّنات المترابطة Paired Sample t-test وجاءت النّتائج كالتالي:

جدول 2: نتائج اختبار (ت) للعيّنات المترابطة الخاصّ بمقياس تقدير الذّات في المجموعة الافتراضيّة

مستوى الدلالة درجة الحرية قيمة ت الانحراف المعياري المتوسِّط العدد القياس المتغيِّر التابع
<.001 19 -5.716 0.500 2.60 20 استبيان قبلي تقدير الذّات
0.355 3.10 20 استبيان بعدي

يتّضح من الجدول أعلاه وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة عند مستوى دلالة (<0.001) بين متوسِّط درجات تقدير الذّات قبل وبعد البرنامج العلاجيّ التربويّ لصالح التطبيق البعدي                       t (19) =-5.716)، p <.001). مما يؤكِّد فعاليّة البرنامج العلاجيّ التربويّ في تحسين تقدير الذّات لدى أفراد المجموعة الافتراضيّة.

  • فيما يتعلّق بالفرضّية الثّانية” توجد فروق دالة في مستوى تقدير الذّات بين أفراد المجموعتين تعزى إلى البرنامج المعتمد”.

كثيرا ما يُثار الجدل حول جدوى التعليم عن بعد وفعاليته ومدى تأثيره، وقد أولينا اهتمامنا هنا لدراسة أثر برنامج لتقدير الذّات على مجموعة افتراضيّة. لذلك طرحنا في هذه الفرضية وجود فروق ذات دلالة في مستوى تقدير الذّات بين أفراد المجموعتين، وقد أظهرت النّتائج أن تلميذات المجموعة الحضوريّة (M=3.20) قد استفدن من البرنامج العلاجيّ التربويّ أكثر من زملائهنّ في المجموعة الافتراضيّة (M=3.10) في عمليّة تحسين مستوى تقدير الذّات بنسبة 3.2% كما هو موضح في الرسم البياني التالي:

رسم بياني  1:المقارنة في تقدير الذّات لدى تلميذات المجموعة الحضوريّة

والمجموعة الافتراضيّة بعد متابعة البرنامج العلاجيّ التربويّ

 

 

 

 

. إلا أن اختبار العيّنات المترابطة (ت) جاءت (0.748) بقيمة احتماليّة 0.459أكبر من مستوى الدلالة (0.05)، وبالتالي لا توجد فروقات ذات دلالة إحصائيّة، كما هو موضح في الجدول التالي:

 

جدول 3: نتائج اختبار (ت) لعيّنتَين مستقلّتَين الخاصّ بمقياس تقدير الذّات في المجموعتَين الحضوريّة والافتراضيّة بعد متابعة البرنامج العلاجيّ التربويّ

الدلالة الإحصائيّة القيمة الاحتماليّة قيمة ت الانحراف المعياري المتوسِّط القياس
غير دال 0.459 0.748 0.474 3.20 المجموعة الحضوريّة
0.355 3.10 المجموعة الافتراضيّة

حيث أظهرت النّتائج أن تقييم تلميذات المجموعة الحضوريّة للأنشطة العلاجيّة (M=3.20, SD=.474) كان أكبر بنسبة 3.2% من تقييم تلميذات المجموعة الافتراضيّة (M=3.10, SD=.355)، إلّا أن هذه النسبة ضئيلة ويمكن تجاهلها وجاءت نتائج اختبار (ت) (0.748) بقيمة احتماليّة 0.459أكبر من مستوى الدلالة (0.05)، وتاليًا لا توجد فروقات ذات دلالة إحصائيّة.

وهذا يجعلنا ندحض هذه الفرضيّة، ويمكن تفسير ذلك بأن برنامج تقدير الذّات الذي أعددناه يعتمد بشكل أساسي على تعديل الأفكار والمفاهيم حول النفس وتقديرها، ممّا لا يجعل لعامل الحضور المباشر او عن بعد تأثيرًا بالغًا في الاستجابة للبرنامج وتحسين تقدير الذّات، خاصة أن النشاطات المعتمدة تناسب المجموعتين، كما أن تقدير الذّات هو عملية تفاعلية ذاتية تتأثر إلى حد ما بوجود الآخرين مما يجعلها تتأثر بعامل الحضور الجسدي.  وقد يكون هناك فروق طفيفة لم تتمكن الأساليب الإحصائية من رصدها.

ثامنا: الخاتمة

في ظل الحروب والأزمات التي يمر بها العالم نشأت مشكلات جديدة كالتّهجير والغربة عن الأوطان، والتي ولّدت أيضًا مشاكل نفسية واجتماعيّة من أهمها ضعف تقدير الذّات النّاتج عن الشّعور بالنّقص والتهميش الحاصل، خصوصًا عند المراهقات المعرّضات للشّعور بالضّيق والقلق وعدم الطّمأنينة وصعوبة التّكيف.

هذا الواقع المعقّد دفعنا إلى مساندة المراهقات اللواتي يتعرضن للضغوط النفسيّة، والماديّة والاجتماعيّة المستمرة عليهنّ. من هنا توضّحت أمامنا الإشكالية وكذلك الحلول الممكنة لها من خلال إعداد برنامج علاجيّ تربويّ يركز على رفع مستوى تقدير الذّات لما له من تأثير في اكتساب النضج الانفعاليّ أو الصّحة النّفسيّة. وهنا نطرح الأسئلة الآتية:

ما أهم ما توصل إليه بحثنا؟ وما هي الفائدة التّربويّة التي قدمها؟ وما الجديد الذي أتى به؟ وما هي الآفاق المستقبلية التي يفتحها؟

أولا: أهم ما توصل إليه البحث

أهم النّتائج التي توصل لها بحثنا هي كالتالي:

  • أظهر البرنامج العلاجيّ التربويّ فعالية جيدة لدى أفراد المجموعتين الحضوريّة والافتراضيّة، في رفع مستوى تقدير الذّات.
  • التأثير الإيجابيّ للبرنامج حتى في المجموعة الافتراضيّة، وهذه النّتيجة مهمة بحدّ ذاتها لأنّها تفتح باب الأبحاث في موضوع التعلم والتدريب في العالم الافتراضي.
  • اكتساب التّلميذات الشّعور بقيمة الذّات، والاستعداد للتّعاون والعمل الجماعي.
  • اكتساب التلميذات مهارة حلّ بعض المشكلات النّفسيّة والاجتماعيّة (احترام الذّات والآخرين). مع الإشارة إلى أنّ البرنامج المعتمد قد استغرق تطبيقه خمسة أشهر متواصلة. وهذه المدة الطّويلة ساعدت التلميذات على التّقدّم والتّطور والتّكيف الاجتماعيّ.

ثانيا: الفائدة التربويّة

لقد تحقّقت فوائد تربويّة كثيرة على صعيد التّلميذات أنفسهنّ، وعلى الصّعيد التربويّ العام، ويمكن تلخيصها بالآتي:

  • على الصّعيد الأكاديميّ ارتفع مستوى الرّغبة في التّعلّم والتّحصيل لدى التلميذات بعد أن تحسن لديهن تقدير الذّات وكذلك مهارة حل المسائل.
  • تحقيق مساحة من الانفتاح الفكريّ بين التّلميذات من خلال التّقييم الإيجابيّ لكل فتاة من جانب زميلاتها. ها العمل كسر الحواجز النّفسيّة بينهن وفتح باب الصّداقة والتّعبير عن الذّات.
  • تطبيق برامج علاجيّة تربويّة في المدارس ولكن بشكل أوسع وأشمل من برنامجنا، لأنّ المراهقين من كلا الجنسين بحاجة ماسة إلى هذه البرامج من أجل تحقيق تكيف أفضل مع الذّات والآخر.

ثالثا: الجديد الذي جاء به البحث

قدّم هذا البحث برنامجًا علاجيّا تربويّا لتحسين تقدير الذّات عند عدد من المراهقات المهجرات العربيّات (تركيا)، وهو يتميز عن باقي البرامج التي اطّلعنا عليها بتنوّع الأساليب والأنشطة ومدة التطبيق الطويلة.

الجديد الذي جاء به هذا البحث ليس فقط البرنامج التربويّ، بل المقارنة بين مجموعتين حضوريّة وافتراضيّة. ولم نجد بحسب ما اطلعنا من دراسات أي بحث يشبه بحثنا فضلا عن دراسة المراهقات العربيّات اللواتي لجأن إلى تركيا.

يمكن القول وبكل تواضع بأنّ برنامجنا قد أحدث فرقًا واضحا لدى المراهقات، من حيث النّظرة الإيجابيّة إلى الذّات، بعد أن كانت هذه النّظرة سلبيّة. كذلك الأمر بالنسبة إلى تدفق النّشاط، فالكثير ينظرون إلى تلك الفتيات على أنّه محكوم عليهنّ بالفشل لانخفاض الرّغبة في التّعلّم والتّحصيل.

رابعا: آفاق البحث المستقبليّة

لقد فتح بحثنا آفاقًا لأبحاث مستقبليّة يمكن أن تسهم في حلّ بعض مشكلات الصّحة النّفسيّة عند المراهقين، ومنها تقدير الذّات المتدني. ومن الأبحاث المقترحة نذكر ما يلي:

  • إعداد برامج علاجيّة تربويّة أخرى أو مماثلة لرفع تقدير الذّات عند المراهقين، وبخاصة في مجتمعاتنا التي تنتشر فيها المشكلات النفسيّة.
  • إجراء أبحاث مماثلة مع إضافة قيم أخرى على مجموعات حضوريّة وافتراضيّة، للتحقق ومن صحة النّتائج التي توصلنا إليها.
  • إعداد برنامج علاجيّ تربويّ لبناء تقدير الذّات عند المهجرين وغير المهجرين، (بخاصة عند المراهقين).

وأخيرًا نرجو أن يكون بحثنا قد حقّق الأهداف المرجوّة، وأدّى إلى إحداث تغيير في اتّجاهات المراهقات نحو أنفسهنّ ونحو الآخرين. ونأمل أن يسهم هذا البحث في تشجيع الباحثين على اعتماد البرامج العلاجيّة التربويّة لكي تشمل فئات المجتمع مختلفة. لقد حقّق البرنامج أهدافه التربويّة والنفسيّة، وكانت الفتيات تسألن دائما متى نعود إلى تطبيق برماج مماثلة.

لائحة المصادر والمراجع

  • البنّا، عادل. السّباعي، شيماء. وآخرون. (2023). فاعلية برنامج تدريبي في تحسين تقدير الذّات والتوافق النفسيّ الاجتماعيّ لدى الطّلاب المكفوفين في المرحلة الثانوية [النسخة الإلكترونية]. مجلّة جامعة مطروح للعلوم التربويّة والنفسيّة 3 (5)،54 – 90. استرجع في تاريخ 4 تشرين الثاني 2023 من https://rb.gy/73ybw
  • جدوع، أميمة. طشطوش، رامي. (2020). فاعلية برنامج إرشادي جمعي يستند إلى الدراما في تقدير الذّات والقلق الاجتماعيّ لدى المراهقات [النسخة الإلكترونية]. المجلّة الأردنيّة في العلوم التربويّة 16 (1)،83-102. استُرجع في تاريخ 16 أيلول 2023 من https://rb.gy/ttg0i.
  • زبيدة، أمزيان. (2006). علاقة تقدير الذّات للمراهق بمشكلاته وحاجاته الإرشاديّة: دراسة مقارنة في ضوء متغيّر الجنس (رسالة ماجستير غير منشورة). الجزائر: جامعة الحاج لخضر- باتنة-: كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة، قسم علم النفس. استرجع في 20 تشرين أول 2020 من https://shorturl.at/hzKP8
  • السعود، لبنى. الصّمادي، منال. (2018). تقدير الذّات وعلاقته بالمسؤوليّة الاجتماعيّة لدى عيّنة من طالبات كليّة الأميرة عالية الجامعيّة [النسخة الإلكترونية]. مجلة كليّة التربية – جامعة عين شمس.2 (42). 247 – 290. استُرجع في تاريخ 16 أيلول 2023 من https://rb.gy/hfg8s
  • الشبانه، نوال. (2023). أثر برنامج معرفي سلوكي لتنمية تقدير الذّات لدى فتيات الرعاية الاجتماعيّة [النسخة الإلكترونية]. المجلّة العربيّة للنشر العلمي 6 (60)،423- 448. استُرجع في تاريخ 4 تشرين الثاني 2023 من https://rb.gy/7nu4f
  • عروج، فضيلة. (2016). فعالية برنامج تدريبي في رفع مستوى تقدير الذّات لدى المراهق (رسالة ماجستير منشورة). الجزائر. جامعة العربيّ بن مهيدي أم البواقي: كلية العلوم الإنسانية والاجتماعيّة. استُرجعت في 13 شباط 2024 من https://rb.gy/ccyllb.
  • قمر، مجذوب. (2015). تقدير الذّات وعلاقته بالسّلوك العدواني وقلق المستقبل وبعض التغيّرات الديمغرافيّة (أطروحة دكتوراه غير منشورة). السودان. جامعة دنقلا: كلية التربية، قسم علم النفس. استُرجع في 16 أيلول 2023 من https://rb.gy/xovlc
  • كيلاني، نائلة. (2023). أثر فعالية برنامج إرشاد جمعي في خفض الاكتئاب وتحسين تقدير الذّات لدى عيّنة من الطالبات السّوريّات في مخيّم الزّعتري [النسخة الإلكترونية]. مجلّة العلوم التربويّة والنفسيّة 7(26). 127 -147. استُرجع في 10 تشرين الثاني 2023 من https://rb.gy/9c9ea
  • مجلي، شايع. (2013). تقدير الذّات وعلاقته بالسلوك العدواني لدى طلبة الصف الثّامن من مرحلة التعليم الأساسي في مدينة صعدة [النسخة الإلكترونية]. مجلّة جامعة دمشق 29 (1). 59 -104. استُرجع في تاريخ 16 أيلول 2023 من https://rb.gy/2mifr

 

 

 

[1] إليس (1913- 2007): من روّاد نظرية العلاج العقلاني الانفعالي التي طوّرها عام 1955، والتي تفترض أنّ الاضطرابات النفسيّة لا تتوّلد عن الخبرات والحوادث التي يمرّ بها النّاس، بل توّلدها أفكارنا. المرجع https://rb.gy/rdp9b  استُرجع في 31 تشرين الأول 2023.

عدد الزوار:240

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى