أبحاثاللغة والأدب والنّقد

سيميائيّة النّصّ في السّيرة الشّعبيّة سيرة الزّير سالم نموذجًا  

سيميائيّة النّصّ في السّيرة الشّعبيّة

  سيرة الزّير سالم نموذجًا  

روضة محمّد رياض صبحة[1]

        الملخّص

أدب السّيرة الشّعبيّة من الآداب الواسعة الانتشار. يتداولها المرء بمستوياته المختلفة، وبمواقفه المتعدّدة. إنّها مادّة التّسلية زمن الحكواتي، تمخر على باب المجالس الّتي يقضى فيها السّمر، وتزجى بواسطتها أوقات الفراغ ويُذهب العُسر.

وتدخل للفرد من نافذة أخرى، تتمثّل في القراءة والمطالعة. وفي كلا الموقفين تعلن اتساعها وشموليّتها الفرد والجماعة في المجالس الخاصّة والعامة.

مثل ذاك الاتساع مثير للدّراسة، فكانت الاستجابة بحثًا في سيرة “الزّير سالم أبوليلى المهلهل”؛ لبطولته من جهة، ولتسجيل وقائع حرب البسوس من جهة أخرى.

تناول البحث بعد التّمهيد، الخوض في غمار السّيرة المذكورة، عبر آلية السّيمياء. عرّف البحث بالسّيمياء ومصطلحاتها العديدة، ثمّ جاب في أرجاء السّيرة، وفق آلية السّيمياء وتقنياتها المتفرّقة على جسم النّصّ، كسيمياء الألوان والأصوات الطّبيعيّة غير اللّغويّة، ولغة الجسم، وإشارة الرّائحة والطّعوم … وسواها. ولم يكن القول هزلًا، بل جِدًا وأصلًا.

ويخرج البحث بعد ذلك إلى ما ظهر في التّحليل والمعالجة الماثل في الدّرس التّاريخيّ وما يعكسه من استيعاب المتلقي له، وفهمه عبر بوابة السّيرة، وما تدفعه فيه من توقّظ البصر والبصيرة.

لقد تعانق البحث التّاريخيّ والأدبيّ والفنيّ، فجاءت معرفة المتلقّي له لوحة فنيّة تسرّ النّاظرين، ولا تكدّ بثقلها إرهاقًا للمفكرين والباحثين.

تمهيد

يخلد في ذهن الإنسان معنى من المعاني، يحاول التّعبير عنه، والإفصاح عمّا في نفسه من الأعراض والمرامي. يتفكّر مليًّا؛ ليختار الأسلوب الأكثر عمقًا وجلاء، فيقع حينًا على التّعبير بواسطة اللّسان، أو بكلمة “التّواصل الشّفهيّ”. وهي حقيقة خلّدتها المبادئ، إذ الكلام يدور في القلب، ويثير صاحبه إلى التّعبير الأنسب، يعزّز ذلك قول الشّاعر الأخطل: [من الكامل]

لا يُعْجِبَنّكَ مِنْ خَطيبٍ خُطْبَةٌ              حتّى يكونَ مَعَ الكَلامِ أصيلًا

إنّ الكَلامَ لـَفِي الـفُؤادِ وَإنّــَما                جُعِلَ اللّسانُ على  الفُؤادُ دَليلًا[2]

وقد يملي المقام التّواصل بالكتابة؛ فتنوب عن فعل اللّسان، وتشاطره آلية البيان؛ لذلك قالت العرب: “القلم أحدُ اللّسانَينِ”[3]. وسمّوا أيضًا ما بين دَفّتَي المصحف: “كلام الله”[4].

وفي أحايين أخرى، تتعطّل لغة الكلام، ويقف الإنسان في التّعبير ما بين الإقدام والإحجام، ولا يجد سبيلًا إلّا الاعتماد على غير الكلام. فقد تسعفه الإشارة الجسديّة، أو غيرها من أدوات، يتخذها المعبّر أصلًا إلى جانب ما عداها من المفردات. والاستناد في عملية التّواصل إلى أبجديات غير الإشارة اللّغويّة هو ما يعرف بالسّيمياء، أو علم العلامات. ما حقيقة السّيمياء؟؟ وكيف تمّ توظيفها في سيرة الزّير سالم؟ أين تجلّت معالمها؟؟

 

السّيمياء في فضاء المعاجم

للسّيمياء دلالة ماديّة ثمّ تحوّلت إلى اصطلاح؛ لذا فهو يدور بين المعنَييَنِ:

1- السّيمياء لغة

اشتقت -في الأغلب- من وَسَم، قال ابن منظور: “اسم الشّيء وسَمهُ وسِمَه وسُمُهُ وسَمَاهُ: علامته”[5]. ومعناه العلامة الموضوعة لتميّز الشّيء حقيقة؛ ولهذا قال أبو العباس: “الاسم وَسْمٌ وسِمَه توضع على الشّيء تُعرف به”[6]. وأكّد على معنى العلامة الكوفيون، حين ذهبوا في أن اشتقاق الاسم من العلامة، قالوا:”… إنّه مشتقٌ من الوَسْم لأنّ الوسم في اللّغة العلامة، والاسم وَسْمٌ على المُسَمّى، وعلامة له يعرف به”[7].

وقد تكون اشتقاق [سيمياء] من مادّة [سوم]، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿سِيمَاهُمۡ فِي وُجُوهِهِم﴾[8]. وهي تحمل معنى العلامة، قال الرّاغب الأصفهانيّ: “السّيماء والسّيمياء: العلامة”[9] وعلى ضوء معنى العلامة، أنشد الشّاعر [من الطّويل]

غلامٌ رماهُ اللهُ بالحسنِ يافعًا               له سيمياءٌ لا تَشُقُّ على البَصَرْ[10]

ومهما يكن من أصل المشتق ما بين [سمو] و[سمي] و[وسم]… فإنّها بجملتها تدلّ على العلامة. والسّيمياء باعتبارها مفردة عربيّة “ترتبط بحقل دلاليّ لغويّ ثقافيّ، يحضر فيه كلمات مثل: السّمة والتّسمية والوسام والوسم والميسم والسّيماء والسّيمياء (بالمدّ والقصر) والعلامة؛ وعلى هدي المعنى المشترك الماثل في العلامة يبرز المعنى الاصطلاحيّ.

2- السّيمياء اصطلاحًا

السّيمياء في الاصطلاح النّقديّ واللّغويّ الألسنيّ “نظرية عامة للأدلّة وسيرها داخل الفكر، وهي نظريّة للأدلّة والمعنى وسيرها في المجتمع”[11]. عرَّفها دوسوسير كعلم يدرس حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية[12]. ويعرّفها الفيلسوف الأميريكي تشارلس ساندرز بيرز في أنّها “نظريّة شكليّة للعلامات، وقد اهتم بيرس كثيرًا بدراسة الدّليل اللّغويّ من وجهة فلسفيّة خالصة”[13].

ومهما افترقت التّعريفات، أو انحرف بعضها إلى جانب معيّن، فالمجمع عليه أنّه العِلم الّذي يدرس العلامات، ويفترق عن غيره من آليات التّعبير، بأنّه يهتمّ بالإشارات غير الشّفوية المتعدّدة، الّتي تحاكيها بخطابها الحواس أكثر من خطابها الأذن، لتجيب عمّا تشعر به من إحساس…

والسّيمياء، كمنهج نقديّ حديث، نشأ كعِلم يناظر اللّسانيّة، وقد حمل منذ ظهوره مصطلحات متنوّعة؛ تبعًا لترجمة كلّ باحث عربيّ وثقافته، فشاع بمصطلحات: السّيميائيات، السّيمائيات، السّيميائية، السّيمياء، علم السّيمياء، السّيمولوجيا، علم السّيمولوجيا، السّيموطيقا، السّيموتيكا، علم الرّموز، الرّموزية، علم الأدلّة، العلاميّة، العلامتيّة، علم العلامات، علم الإشارات، نظريّة الإشارة، الأعراضيّة… وسواها[14]. ويتمّ التّعامل في البحث بمصطلح “السّيمياء”.

والسّيمياء باعتبارها “علم العلامات”، والتّواصل بواسطتها، يدرس الأنظمة الدّلاليّة المختلفة في حقل الحياة الإنسان، منها: اللّباس والطّعام والأثاث والهندسة المعماريّة؛ ولهذا يبقى السّيمياء خير منهج في تحليل النّصوص ومقاربتها. وهو يتناول العلامة بجميع أصنافها، وفق نظام منهجيّ خاص،يبرز ويحدّد صنف العلامة ودورها التّواصليّ، ويرصد طبيعة العلائق الدّلاليّة الّتي يكشف التّحليل السّيميائيّ عن وجودها، وأنماط عملها داخل هذا النّظام التّواصليّ، الّذي يشترط في كلّ حالاته وجود المتلقي؛ “ولهذا يتصل بنقد استجابة القارئ، ونظرية الاستقبال”[15].

على ضوء المنهج السّيميائيّ، وأثره في تحليل النّصوص، والميادين الّتي يهتمّ بها، يمكن إجمالها على نحو ما أثبتته الدّراسات الّتي جاء فيها: “… سنعمد الآن إلى عرض وسائل التّعبير المستعملة في التّواصل الإنسانيّ، بدءًا بمجالات التّواصل الأقل استعمالًا (العملية، المدروسة) من طرف الإنسان، العلامات الشّمسيّة، اللّمسيّة والعلامات الذّوقيّة، وانتهاءً بالمجالات الأكثر استعمالًا: العلامات السّمعيّة- البصريّة والأيقونيّة (Iconiques)[16] فضلًا على مجالات تنتمي إلى بناء النّصّ، من حواشٍ وغيرها.

 

التّحليل السّيميائيّ لنصّ سيرة الزّير سالم

يتناول التّحليل وسائل التّعبير المتعدّدة الماثلة فيه، وهي على الرّغم من تعدّدها، يمكن التّوقف عند أبرزها، والّتي أدّت دور التّواصل بين المرسِل أو الباث والمستقبل أو المتلقي.

1- سيميائيّة العنوان والاستهلال

يشكل العنوان الواجهة الأولى للمتلقي، ويلعب دورًا هامًا في تحفيزه وإثارته للقراءة. وللعنوان وظيفتان رئيستان، تتمثلان في:

أ- إثارة القارئ وتنشيطه لتلقي المادة المعنونة.

ب- تلخيص المضمون وإيجازه، بما يعدّ دافعًا للأول.

والدّارس المتأمّل لسيرة “الزّير سالم”، يدغدغه الاسم “الزّير”، وهو معروف في البطولة والرّيادة والجرأة؛ لذلك قالت العامّة: “زير نساء”. ويتلوه الاسم “سالم” مؤكّدًا دلالة الأوّل، إذ هو سالم ببدنه وسالم[17] بمعتقده من البدع والخرافات، قويّ مقدام ساعة الملمات. ويذيّل العنوان الرّئيسيّ بآخر فرعيّ يحمل اسم “أبو ليلى المهلهل”. جاء العنوان دعمًا للأوّل وتوضيحًا له، إذ احتوى على الكنية “أبو ليلى”، ومعروف مقامها الدّلاليّ عند العرب، بما تورثه للمكنى من فخر واعتزاز، يصوّر ذلك قول بعض الفزاريين: [من البسيط]

أكْنِيه حينَ أُناديه لِأُكْرِمَهُ          وَلا أُلَقِّبُهُ والسَّوْأةُ اللَّقَبَا[18]

ويتلو الكنية اللّقب “المهلهل”، وهو شاعرٌ جاهليٌّ معروفٌ، وأوّل من قَصَّد القصائد[19] وتكون محصلة اسم السّيرة أنّ الزّير سالم جمع بها قوّة البيان والبنان والجنان. بطل مقدام شجاع شهم، لا توفّيه المعاني إلا سيمياء التّسمية.

وأكملت أسماء الفصول الأخرى الدّلالة السّيميائيّة، إذ حمل القسم الأوّل منها اسم “حرب البسوس بين بكر وتغلب”[20]، والقسم الثّاني اسم: “حرب برجيس الصّليبيّ مع اليهود”[21]. وهي أسماء تفصح بحالة الزّير سالم، ودوره وبطولته الّتي تعدّت حرب القبائل العربيّة، ما بين بكر وتغلب، إلى رحاب أوسع تمثّل بحرب برجيس الصّليبيّ.

وتشارك العنوان في الدّلالة السّيميائيّة “الاستهلال” الّذي يتلّخص مفهومه في أنّه “عبارة توجيهيّة تمتلك العديد من الوظائف النّصيّة تبعًا للموقع الّذي تحتلّه في بناء عالم الحكاية”[22]. برز الاستهلال في مطلع السّيرة، واحتوى على ما يلي: “أقول بعد حمد الله. والصّلاة والسّلام على رسُله وأنبيائه هذه سيرة الأسد الكرّار، والبطل المغوار، الّذي شاع ذكره في الأقطار، وأذلّ بسيفه كلّ صنديد بتَّار، المهلهل بن ربيعة صاحب الأشعار البديعة والوقائع المهولة المريعة. وما جرى له في تلك الأيّام مع ملوك التّبابعة”[23].

لقد جاء الاستهلال خطابًا تعريفيًّا بالسّيرة وصاحبها، وأدّى دورًا بارزًا في عمليّة التّلقي من القارئ، إلى رسم مخطط السّيرة الأولى؛ ممّا أفسح رسم خارطة طريق القراءة بشهيّة واندفاع. وهي حقيقة ماثلة في وظيفة الاستهلال، الّذي هو في أصل تركيبه وموقعه “بدء الكلام ويناظره في الشّعر المطلع. وفي العزف على النّاي الافتتاحيّة، فتلك كلّها بدايات كأنّها تفتح السّبيل إلى ما يتلو… ويشكّل دورًا توجيهيًّا يقود الدّلالة من الكثافة والغموض إلى حقول توسّع المعنى وتضيئه، وتمتلك حساسيّة عالية تساير البنيّة الدّاخليّة للنّصّ على قدر اشتغالها الوظيفيّ…”[24].

ويشاطره – كما سبقت الاشارة-العنوان، الّذي يوجز المضمون، ويفهمه المتلقي أساس أكّدته مصادر الأدباء والعلماء، على نحو قول أبي العبّاس الجرجاني: “…وهذه مقدمة كافية، وبلغة شافية في الاستدلال من عنوان هذا الكتاب على ما فيه، والاطلاع من فاتحته على مطاويه”[25]. والمعيار نفسه في وظيفة العنوان، فاه به الأدباء، على شاكله قول أحد الشّعراء: [من الخفيف]

كُنتُ مِثْلَ الكِتابِ أخفاهُ طيٌّ               فاسْتَدَلّوا عليه بالعُنْوانِ[26]

 

2- سيمايئّة اللّون

تؤدّي الإشارة اللّونيّة دلالة، وتنوب عن مفردة اللّغة. وقد كثرت في نصوص السّير لاحتواء الأخيرة على الأصول الملحمية، القائمة على القتال والمعارك الدّمويّة. والدّارس للسّيرة يقع على الشّواهد الّتي تصوّر الفرسان، وأبطال القبائل والقواد؛ من ذلك وصف سيد بني قيس الأمير ربيعة: “… ثمّ ناداه فحضر وقد تعجّب من عظم هيبته وبياض لحيته…”[27]. فقد أدنى لون بياض اللّحية الدّلالة على البطولة من جهة والهيبة والوقار من جهة أخرى… ولم يَفُه اللّون الأبيض بكبر سن الشّيخ؛ لأنّ الشّيخ في هذا السّنّ ضعيف لا يقوى على المقاومة[28]، وقد عزّز الدّلالة التّعبير اللّغويّ السّابق: “وقد تعجبّ من عظم هيبته”.

وفي رحاب البياض ودلالته وإشارته، يبرز الضّياء في مقام المدح والثّناء. يفوه به حكمون بن عزرا مرحّبًا بالزير سالم، واصفًا إيّاه بما توحيه إشارة الضّياء من الخير والفأل والسّرور، أنشد: [من الرّمل]

 

طيْبٌ قلبُكَ يا مُهَلْهلُ لا تخاف            ثُمَّ أُطْلبْ يا ضيا عَيْني اليمينِ[29]

كأنّه يقول: مقامك يا مهلهل مقام ضياء العين، وهو أغلى مقامات الجسم، وأرفعها وظيفة في حياة الانسان، يهتدي بها ومن دونها الخسران. ولا أدلّ على ذلك من تسمية الله عزّ وجلّ الكتب المُهْتَدى بها ضياء، في نحو قوله: ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ ٱلۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ﴾[30].

ويأتي اللّون الأصفر ليشير إلى أجناس من البشر، غير ما عُهِد به في بيئة الزّير. كأنّ اللّون يشير إلى الجنس، ويعرّف بأصل الأشخاص وأسمائهم. موقف عبّر عنه الزّير، وهو مجروح عند حكمون، ويعالجه طبيبه شمعون، عندما فتح عينيه: “وفتح الزّير عينيه فنظر في ذلك المحفل فرأى جماعة من الرّجال صُفر الوجوه بسوالف طوال فاعتراه الانذهال”[31]. صفرة اللّون تشير إلى غرابة الوجوه، ومقام الزّير في غير موطنه، يعزّز ذلك قوله: “فاعتراه الانذهال”، ولا يعتري الذّهول الإنسان إلّا عندما يجد نفسه في غير موقعه. ويتفاقم اللّون الأحمر صعدًا من السّيرة، مبّرزًا صفعلى غيره من الإشارات اللّونية، وعلّة ذلك قيام السّيرة على الحرب والقتال، وما تخلف معها من دماء الرّجال. فاللّون الأحمر مع اشتداد المعارك ينقل صفة للموت؛ وتقدّم إلى المعركة وقال: “أين فرسان الطّعن والضّرب اليوم تبان الفرسان وتعرف اليمينيّة من القيسيّة فبرز إليه آخر، فأذاقه الموت الأحمر”[32]. كأنّي به يقول: الموت الزّؤام، الموت المحتم…، فعدل عن العبارة إلى الإشارة. ويتقاطر الدّم في المعارك، فيصطبغ به الزّير من شدّة بطشه بالأعداء، فيعود بلون الانتصار، الماثل في لون الأرجوان، المنقول عن التّراث الفينيقي، بدل قوله الأحمر: “ورجعت إلى الدّيار، بالعزّ والانتصار، والبطش والاقتدار، في مقدمتهم الأمير المهلهل الجبّار وهو مثل شقيقه الأرجوان ممّا سال عليه من أدمية الفرسان…”[33]. واصطباغ المكان والإنسان بلون الدّماء الحمراء صورة واقعيّة تصرّح بشدّة القتال واستبسال الرّجال. ألم يخلّد المتنبي تلك الصفة في إحدى معارك سيف الدولة، قال: [من الطويل]

هَلِ الحَدَثُ الحَمْراءُ تَعرِفُ لَونَهَا           وَتَعَلَمُ أيُّ السَّاقِيَيْن الغَمائمُ[34]

يقول: وهل تعلم أي الساقين ساقاها الغمائم أم الجماجم، لأنّ لون القلعة (الحدث) تغيّر.

ولا يلتقي اللّون الأحمر في الأوصاف الخارجيّة، بل يتعدّاه إلى الأوصاف الدّاخليّة، الّتي لا تدرك بالعين والبصر بل بالمخيلة والتّفكّر. إنّه يتنقل إلى العيون ليصفها بالغدر والبطش والتّربّص بالآخرين الدّوائر. قالت الجليلة وهي تبكي مخاطبة كُليبًا.حدث) تغير..الحدث) تغير…؟؟ً، مفصحةً عمّا ظهر من الزّير بحقّها: “…لأنّي لستُ أأتمنه على نفسي إذا بقيت عندك لأنّه لا بدّ أن يغدر بي وعيونه محمرّة عليّ وأنت بعد كلّ هذا ليس عندك نخوة ولا ناموس”[35].

ويغدو بعدها احمرار العين إشارة متداولة في ثنايا السّيرة. يملي ذلك القتال والغدر والخيانة، وغيرها من أفعال قامت السّيرة بِنَفَسِها الملحمي عليه. ففي مقام بطولة الزّير وقتله للأسد، تحمّر عينا اللّبوة خوفًا من شجاعته: “…ثمّ ضربه بالعصا حتى قتله… وإذا بلبوة أقبلت ومن خلفها سبعة أشبال، فلما رأت ذكَرها مات احمرّت عيناها فأراد الزّير أن يلاعبها قليلًا وقد علم أنّها مغتاظة…”[36]. ألم تكن إشارة “احمرّت عيناها” تؤدّي معنًى “أنّها مغتاظة”، من دون الكلام؟!

وتتابع إشارة “احمرار العين” في مواقف شتى، تحكي الغضب، وتشير إلى الخوف والوجل ممّا قد يحدث في أثناء الحرب. من ذلك ما جرى بين شيبون ابن أخي الزّير عندما طلب مبارزة خاله المهلهل، وما ولّد في نفس الزّير من اضطراب، عبّرت عنه الإشارة اللّونية: “وطلب مبارزة خاله المهلهل، وكان الزّير شاهد أفعال ابن اخته، وما فعل بأبطاله رفقته، حمل عليه وقد احمرّت آفاق عينيه، وقال له: اذهب يا وجه العرب قبل أن تهلك وتعطب…”[37]. وقد تتحوّل إلى شرر يقدح من العين، ترادف الحمرة، تبرز في مواقف الغضب، أو الشدّة والبأس في القتل: “… ومازال يسير حتى وصل إلى غابة كثير الأشجار… فبينما هو ينظر من خلفه وأمامه فإذا بأسدٍ هائل المنظر قد ظهر، وعيناه تقدح الشّرر…”[38]. والإشارة اللّونية دالّ للمعنى، قياسًا على المفردة. إنّها تحمل دلالة، وتشير بهيئتها إلى مدلول يسبق اللّفظة في كثير من المقامات، وبخاصة المعاني النّفسيّة والوجدانيّة. ومن معاني الإشارة اللّونيّة: اللّون الأبيض الّذي يستخدم للتّعبيرعن النّصر والطّهارة، وهو يوحي بالغبطة والسّلام. والأسود عكس الأبيض تمامًا، فهو لون الحداد والبؤس والتشاؤم. والأصفر لون أساسيّ يمثّل عادة الضّعة والغش والخداع، والأحمر يدلّ على القسوة والثّورة والغضب والإثم والخطر، وهو يثير الغرائز والهيجانات الرّخيصة. وكذلك حال الألوان الأخرى[39].

 

3- سيمياء الطّعوم والرّائحة

تحمل الأطعمة، على مختلف أنواعها، إشاراتٍ معنويّة إلى وقوعات القصور، ومجالس التّسرّي واجتماع علّية القوم. وباختلاف ألوانها تدلّ على مقام أصحابها، والسّيرة مدوّنة حملت الكثير من المذكور.

في مقام ضرب الرّمل، واللّجوء في الحيلة إلى السّحر والتّعاويذ، تدافع العجوز السّاحرة عن رأيها، وما أدّته بصيرتها، ناعتةً الرّمال بقصر النّظر، وضيق أفقه والفكر بقولها: ” قالت إنّ الرّمّال عمّي من أكل البصل والثّوم، فأمر الملك بضرب عنقه، وراحت روحه إلى سقر…”[40]. فجاء تعبيرها بليغًا؛ لأنّ عينَيه لم تفقد البصر، بل البصيرة، حاله في ذلك حال من يأكل البصل والثّوم، وما تنتشر رائحتهما من فم الآكل؛ فكانت خباثتهما توازي خباثة رأيّ الرّمّال، من دون الإفصاح بالأقوال. وقد جمعا الطّعم والرّائحة.

ومن فوائد الطّعام، إلى حانات الشراب، حيث يشير الفعل إلى الفرحة والسّعادة؛ صورة جسّدتها حالة تُبعّ بعد الفراغ من الإنشاد: “فلما تبّع من كلامه، والحاضرون يسمعون نظامه أخذوا الكأس والطّاس، وقال للجماعة: حلّت البركة فيكم فقعدت بنوفرة تشرب معه المدام، وشرب الملك تبّع حتى سَكِر وغنّت البنات ورقصت”[41]. ولا أدلّ على الإشارة إلى السّعادة والنّصر والسّرور من مقام الشّراب؛ لذا “وغنت البنات ورقصت”.

ومجالس الشراب، ومقام الطّرب، صورة ترسم النّصر والبطولة بالفوز، حقيقة سطّرها ما دار بين كُليب وهمّام بن مرّة، قال الأوّل: ” لقد ضاقت نفسي من الوحشة والانفراد، فـوالله ما عدت أدعمك أن تذهب من عندي أبدًا. وكان همّام يصرف أكثر أوقاته فينادمه ويشرب معه المُدام… وما زالا كذلك في بسط وانشراح وطرب وأفراح وشرب المدام وسماع الأنغام مدّة ثلاثة أعوام”[42].

وأحيانًا تتجاوز الرّائحة وصف مقامات الشّراب، إلى نوع من التّقية والتّكنية؛ فتغدو الرّائحة ساترة للعيوب، حتى لا تنكشف، فتقع الخطوب. من ذلك ما فعلته سعاد الشّاعرة السّاحرة الماكرة، بعد أن صار لها عند بني مرّة القبول، وجميع كلامها عند جسّاس مقبول: “أخذت طاسة من الفضّة وملأتها من المسك والزّباد والعطر، وخفقت الجميع في بعضهم البعض، وعمدت إلى ناقتها الجربانة وأخذت تطلي أجنابها، وتدهنها بذلك الطّيب…”[43]. هكذا أخفت سرّها، وحالت من دون كشف سرّها. أليس العطر كفاية على حقيقة خفِيَ ظهورها، ومنِعَ نشرها؟!

ودَهنُ النّاقة بالعطر رسالة أرسلت إلى جساس سرًّا؛ ليفهم ما قصدته السّاحرة، يؤيّد ذلك وصيتها لعبيدها: “… ثمّ أمرت بعض العبيد أن يأخذها إلى المرعى، ويمرّ فيها بالقرب من صيوان جسّاس في الصّباح والمساء، وأوصته إذا سأله أحدٌ عنها وعن سبب رائحتها يقول له: لا أعلم وإنّما مولاتي تعلم”[44].

لقد كنّت بالرّائحة؛ فتساوت الأغراض، إذ الأفضل في الكنايات “عبارة الإنسان عن الأفعال الّتي تستر عن العيون في العادة… بألفاظ تدلّ عليها غير موضوعة لها…”[45]. وفيها تطابق العطر مع الكناية باللّفظ. هكذا أدّت الرّائحة وظيفة في التّواصل ثنائيّة: سترت العيوب عمّن تخافه من إنسان، وأوصلت الرّسالة إلى جسّاس في الصّيوان. والتّواصل والإخبار بالرّائحة متداول في غير موقف اجتماعيّ من ذلك إثارة بواسطة الرّائحة، قول الشّاعر في أثناء ذكر حبيبته: [من الطّويل]

ذكرتُك بالرّيحانِ لمّا شَمَمْتُهُ                وبالرّاح لما قابلت أَوْجهَ الشّربِ

تذكَّرتُ بالرّيحانِ منك روائحًا              وبالرّاحِ طعمًا من مُقَبَّلكِ العذبِ[46]

السّيرة تعكس في تضاعيفها الأصول الملحميّة. والملحمة – كما هو معروف – “هي الواقعة العظيمة في الحرب والقتال، ثمّ أصبحت تدلّ على الشّعر المطوّل في واقعة أو مجموعة من الوقائع، تقترن ببطل أو أكثر برز في فنون الحرب وانتصر على عدوّه”[47]. والمعارك متجذّرة في السّيرة، يتزعّمها البطل الزّير من جهة وجسّاس تبع من جهة أخرى، مع احتضانها الكثير من الشّعر الحماسيّ. لقد فاهت في السّيرة الأصوات، ونابت عن الكلمات. شاهد ذلك ما دار بين الزّير سالم والأمير تبّع، وكان إعلان المعركة على النّحو التّالي: “… وركب الأمير مُرّة الفرق وتمنطقوا بالسّلاح والدّرق، دقّت الطّبول وصهلت الخيول… وهجم كلّ فريق على فريق، وتقاتلوا بالسّيوف… وقام الحرب على قدم وساق”[48]. هكذا كان بيان إعلان الحرب، إيقاع صوتيّ نابع من دقّ الطّبول، وما يصحبه من أصوات الحيوانات الّتي تشترك في القتال.

والأصوات نفسها تعلن الاستعداد للمعركة والتّأهّب لها، وذهاب الفرسان إلى ساحتها صورة جسّدها فعل حسّان تبّع وهو ينوي غزو بني قيس، ويرسم خطط المعركة والعسكر كان حالهم: “فأجابوا أمره في الخضوع والامتثال، فعند ذلك دقّت الطّبول، وركبت الفرسان ظهور الخيول، وارتفع الصّياح، ولمع السّلاح…”[49]. إنّ الأصوات غدت كصافرات الإنذار اليوم، تقول كلمتها بإيقاع صوتها، ويستجاب بالحال لطلبها.

ويؤازر إيقاع الآلات أصوات القوّاد وهي تعطي أوامرها وتبثّ بيانها، منها فعل تبّع عند سماعه مقال ربيعة سيد بني قيس: “…إنّي ما أتيت من بلادي بهذا الجمع المتزايد إلاّ لأجعل زمام الدّنيا في قبضة رجل واحد، ثمّ إنّه صاح على الأعوان والخدام بصوت كالرّعد في الغمام: يا ويلكم اقبضوا على هذا الشّيخ الكبير ومن معه من بني قيس الطّناجير…”[50]. فقد سبق بيانه صوته الصّاخب، فكان أساس الإبلاغ، وتلاه القول بعد فهم المراد. وفي مقامات كثيرة يشارك القول الصّوت، بعد أن يتقدّمه الأخير؛ لعظمه في التّقرير والتّأثير. أمر تجلوه أصوات تبّع، بعد سماعه أوصاف سيد قيس: “فقالوا هذا الأسد الغشمشم سيد قيس الأمير ربيعة المعظم. فلما سمع تُبّع هذا الكلام شخر ونخر، وتبدّل عيشه بكدر، واحمرّت عيناه حتى صارت مثل الجمر…”[51]. فقد عبّر بـِشخر ونخر أجمل تعبير وجدانيّ انفعاليّ يعتمل في نفسه ويخالج فؤاده.

وتعلو الأصوات غير اللّغويّة في مواقف التّعجّب، ويعلو الصّياح فيما يرون من استغراب، كحال الزّير “وهو راكب على ظهر أسد غير مبالٍ بأحد، لأنّه بلغ المقصود والأرب… ولما دخل الحيّ جفلت الخيل والجمال، ودهشت النّساء والرّجال لما رأوا الأسد على تلك الحال، فكثرت الضّجّات، وتصايحت النّساء والبنات…”[52]. وهل أبلغ من الصّوت لما في التّعجب[53] من انفعال لا يؤدّى بغيره من الأساليب.

وتستمر وتيرة الأصوات غير اللّغويّة صعدًا، مسجّلة كلّ مواقع السّيرة بمعاركها وصداها من بأساء وضرّاء، من سعادة وسراء. من أمثلة الضّراء ما حدث للجارية عندما تقدّمت “وأخذت المخلاة، فوجدت فيها رأس شيبان فاستعظمت الأمر وأعلمت مولاتها بواقعة الحال فطار عقلها لما نظرت رأس ابنها مقطوع وضجّت بالبكاء والنّواح والعويل والصّياح…”[54]. فقد أعلنت عن حزنها بسيمياء الصّوت “بالبكاء والنّواح والعويل والصّياح”. وتستمر الأصوات تؤدّي النّذير بإيقاعها، لا تعتمد على القول الكثير. حقيقة رسمتها واقعة مقتل كُليب: “ولما اشتهر موت كليب… وعلمت بذلك جميع أهله فمزّقوا الثّياب وأكثروا من البكاء والانتحاب، ووقع في الحيّ العويل والصّياح…”[55].

وفي المقلب الآخر، يؤدّي سيمياء الصّوت بيان النّصر، يسطّرها انهزام جسّاس، بما رافقها من إيقاع يبشّر بذلك: “وكانت وقعة عظيمة… انهزم فيها جسّاس أقبح هزيمة، وغنم المهلهل غنيمة جسيمة، لها قدر وقيمة. ورجع إلى الدّيار بالعزّ والانتصار، فالتقته النّساء بالدّفوف والمزاهر…”[56]. لقد أدّى سيمياء صوت الدّفوف والمزاهر دور خطاب النّصر في التّواصل وإعلان الخبر.

وحملت الأصوات أوصاف الطّبقات الاجتماعيّة، من بدو وحضر. تجلّى الصّوت في نعت حال بني مرّة عند علمهم بقتل جسّاس: “…ولا دار إلا مشتتين في البراري والقفار، يقضون حياتهم بضرب الطّبل ونفخ المزمار…”[57]. يقصد من ذلك تبديد شملهم، وجعلهم بدوًا يقضون حياتهم في القفار، يضربون الطّبل وينفخون المزمار… وبذلك تكون نهايتهم، تعلن عنها أفعلهم كبدوٍ رُحّل، لا وطن لهم ولا أمجاد ولا تاريخ.

 

5- سيمياء الجسد

لمّا كانت السّيرة معارك بين قبيلتَين، برز دور الجسد بأعضائه المتباينة في تأدية الدّلالة، والخطاب بغير الكلمة. لقد سجّل الأبطال بأجسادهم وأفعال القتال بأعضائهم سطورًا أبلغوا فيها عن غاياتهم. وقد جاء خفقان القلب إعلانًا عن الخوف والفزع بغير تصريح “فلمّا سمع مرّة بقدوم وزير تبّع خفق قلبه من شدّة الخوف والفزع…”[58]. والقلب في حركته واضطرابه يعلن: الخوف والفزع بكلّ طبيعة وواقع.

ويعلن القلب بخفقاته؛ نتيجة شهيق المقاتلين وزفيرهم، عن حقيقة واقعهم؛ لأنّ القلب عضلة غير إراديّة، لا يتحرّك إلا بمشاعر داخليّة، وحوافز نفسيّة. فقوّة القلب عنوان الشّجاعة، تحكيه واقعة الأمير مُرّة عند قتاله عمران: “…وفي اليوم العاشر برز الأمير مرّة لقتال عمران ولمّا صار في الميدان تقنطر عن ظهر الحصان… فعند ذلك نزل إلى عمران الأمير جسّاس وصدمه بقوّة قلب وشدّة بأس…”[59]. وقوله: بقوّة قلب عنوان الشّجاعة والإقدام.

ويسطّر القلب معاني أخرى، حين يعبّر عن الحزن بإضافته صيغة: “احتراق” القلب: “…ولمّا بلغ أبو همام وأمّه ضياع قتل شيبون احترق قلبهما عليه لأنّه كان ابنهما الوحيد بعد أخيه شيبان…”[60].

وتأتي الألوان لتكون علامة إعراب المعنى؛ وذلك حين ترافق القلب، كأنّها حركة علت أواخر الكلمة. فالقلب يرتعش خوفًا يفصح عنه اللّون الأصفر: “فلما فرغ كليب من شعره ونظامه فخاف جساس واصفرّ لونه وارتعش قلبه”[61]. وبذلك تعانقت حركة القلب مع اصفرار الوجه؛ ليسطّر المعنى بأفصح لفظ سيميائيّ.

وفي مواقف الاستبسال، وهو عنوان قوّة الرّجال، يضفي القلب على الوجه لون الحُمرة، كعلامة إعراب سيميائيّة تختلف عن الاصفرار، كاختلاف الضّمّة بدلالتها عن الفتحة أو الكسرة. رُوِيَ أنّ كُليبًا عندما علم في أثناء حربه مع الأمير جسّاس أن الأمير عمران لم يأبه به، “رجع في المساء عن حربه ونزاله فوقعت هيبة عمران في قلوب الفرسان والشّجعان، فاستعظم كُليب ذلك الأمر واشتعل قلبه بالجمر…”[62]. وما غليان القلب في موقف البطولة إلّا دافع لنخوة الرّجولة والإقدام إلى ساحة المقاتلة. عند ذلك تحمرّ الوجوه وَجَلًا؟ هكذا يملي القلب اللّونين: الاصفرار عنوان الخوف والوجل، والاحمرار عنوان الاضطراب والاستعظام والخجل. مسألةٌ فسّرتها مواقف حياة العاشقين. فاللّون الأصفر يحدث نتيجة انفراج القلب لمحبوبه، ومبادرته إلى تلقيه، فيهرب الدّم منه فيبرد ويرعد ويحدث الاصفرار[63]. ويتعانقان في موقف عشق واحد، إذ يصفرّ وجه الحبيب وجلًا ويحمرّ وجه الحبيبة خجلًا. أصلٌ شاع في بيئة المحبّين، فاستدلوا بالألوان على صدق الصّادقين. أنشد الشّاعر واصفًا رمزيّة اللّونين الأصفر والأحمر: [من المنسرح]

يَصْفَرُ لوني إذا تأَمَّلهُ             طَرْفي ويحمَّرُ وجْهُه خجلًا

حَتَّى كأنَّ الذي بِوَجْنَتِهِ            مِنْ دَمِ وَجْهي إليهِ قَدْ نَقَلا[64]

وتبرز في السّيرة سيميائيّة الجسد الأخرى، كالكفّ حين يضرب الكفّ الأخرى، معلنًا عن حالته، ومعبّرًا عن النّدامة والأسف. جاء في خطاب أبي جسّاس لأولاده، وخوفه من سيف المهلهل: “فلما فرِغ جسّاس من كلامه، قال له أبوه: سوف ترى ما يحلّ بنا من البلاء والويل من سيف المهلهل، ثمّ بكى وضرب كفًّا بكفّ وقال لأولاده: إنّ الرّأي عندي أن نكتّف جسّاس ونرسله إلى الزّير…”[65]. إنّها الحسرة من تقاعس جسّاس سطّرتها مفردات سيمياء الكفّ. ويتكرّر مشهد الأسف بمفردة “كفًّا على كف”، من أمثلة ما حصل عند وصول كتاب شيبون إلى خاله الزّير “فلما فتحه وقرأه وعرف فحوى معناه غاب عن دنياه، وشقّ عليه وتأسّف وصفّق كفًّا على كفّ…”[66]. ولغة الكفّ سيميائيّة، معروفة في رحاب التّواصل، عند مواقف الحسرة والنّدامة. قال تعالى: ﴿فَأَصۡبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيۡهِ﴾[67]. قال الرّاغب في تفسير الآية: “وتقليب اليد: عبارة عن النّدم ذاكرًا لحال ما يوجد عليه النّادم”[68]. وقد تدخله علامات إعراب أخرى كالعضّ على الكفّ واليدين: منه قول الشّاعر: [من الوافر]

كمغبونٍ يعَضُّ على يَدَيْهِ         تَبيَّنَ غَبْنُه بَعْدَ البياعِ[69]

وتحكي لغة العين بإشارتها غير معنى في السّيرة. وتزيد إعرابًا وضبطًا ما يدخلها من ألوان. من صور إشارة العين بالإضافة إلى اللّون، قول تُبَّع لجليلة، وكّليب يلعب بالسّيف: “والله يا كاملة المعاني وشريكة عمري وزماني لقد أصبت في منادمة هذا البهلول. فسلّ الحسام من غِمده بيده، ثمّ دخل على الملك وقد احمرّت عيناه، تذكّر أباه فصال وجال ولعب بالسّيف كما تلعب الأبطال…”[70]. فقد دلّت إشارة “احمرّت عيناه” عند غضبه، بدليل أنّه تذكّر أباه… فثارت في نفسه عاطفة الثّأر، ولم يعبّر عنها إلّا بالإشارة. ويتكرّر التّعبير بسيمياء العين في أكثر من مقام في السّيرة، وتظهر مفردات مختلفة يمليها الموقف الحربيّ من جهة، والاجتماعيّ من جهة أخرى. من ذلك “عيونه محمرّة”، “صار الضّياء في عينيه كالظّلام” و”وصار الضّياء في عينها ظلام”[71]، وسواها من التّراكيب والتّواصل بسيمياء العين متداول في مقام التّعبير، وبخاصّة في المقامات الوجدانيّة، والحقول الّتي يخشى منها الافتضاح، فيلجأ إلى القول من دون إفصاح. أصلٌ معروف في بيئة الأدباء، يشهد له قول الشّاعر : [من البسيط]

العينُ تُبدي الّذي في نَفْسِ صاحِبِها                         منَ المحبّةِ أو بُغضٍ إذا كانا

والعينُ تَنْطِقُ والأفواهُ صَامِتَةٌ                                حتَّى تَرَى مِنْ ضَميرِ القَلبِ تِبيانا[72]

 “وقوله العين تنطق” أصل سيمياء العين، يؤكّده النّطق من دون كلام: “والأفواه صامتة”.

 

خلاصة

يخلص البحث بعد ما تقدّم إلى رسم أُطر سيرة الزّير سالم بكلّ تشعباتها وتفاصيلها. كان الاعتماد في ذلك على علم السّيمياء أو علم العلامات، لحاجته في مقام تحليل السّيرة، ودقّته في أُطُرها ورسم معالمها، ومن أَقدَرُ من السّيمياء على ذلك؟!

وينبجس من بين ثنايا السّيرة درسٌ منهجيّ لا يمكن تجاهله. إنّه يضيف أهميّة إلى مستقبل السّيرة ومتلقيها، يتمثّل بالمخرجات الثّقافيّة والفكريّة الّتي أنبتها. وعلى رأس تلك الثّمرات المحصلة التّاريخيّة، إذ رسمت السّيرة تاريخ قبيلَتَي تغلِب وبكر، صراعها المستحكم الّذي تمثّل بحرب البسوس الّتي دامت أربعين سنةً، سجّلَت وقائعها السّيرة بطريقة جماليّة – أدبيّة فنيّة. وهو درس تاريخيّ يمتاز بالجمال أسلوبًا وسردًا، ممّا يعود على الطّالب والدّارس سرعةً في الفهم والاستيعاب، بعد أن يتحرّر من لغة الأرقام، ووقائع المعارك والأيّام، بما تتضمّنه من فافٍ يبعثُ حينًا الملل والسّأم، والزّهد فيما يتلقاه من العِلم. والسّيرة تفّل مصادر التّاريخ البحت ودراساته الطّويلة بما حشيت وتضمّنت. فالمتلقي للسّيرة يجد نفسه أمام لوحةٍ زيتيّةٍ، عمادها الألوان الطّبيعيّة، وحركيّة الاحداث العسكريّة.

وهل أجلى للبصر من لونٍ به يأنس؟ [73] أو يوازي الألوان ما يتخلّل السّيرة من إيقاع[74] وموسيقى تطرب، وعلى ضوئها الفكر يعي ويستوعب!؟

وتؤازر التّاريخ صور العادات والتّقاليد العربيّة، المعروفة في تلك الأيام، كاستقبال الضّيوف، والأعراس، وعادات الأخذ بالثّأر… وما يعرف عندهم من محرّمات (تابو)… وما يتلو من عقائد تقوم على الإيمان بالسّحر والبخت، والسّير على منواله في تنفيذ أعمالهم وتوجيه سلوكهم. كلّ ذلك جاء في قالبٍ فنيٍّ، راح يُحاكي الحِسَّ، ويقدّم الدّرس، بما تستريح إليه النّفس، فيغدو التّلقي له يمتّع المستمعين، ويطرب المتابعين في كلّ أوانٍ[75] وحين.

لائحة المصادر والمراجع

1- ابن أبي عون، كتاب التّشبيهات، عُنِيَ بتصحيحه محمد عبد المعيد خان، مطبعة جامعة كمبردج، 1369هـ -1950م.

2- ابن عبد البرّ القرطبيّ، بهجة المَجالس وأنس المُجالس وشحذ الذّاهن والهاجس، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلميّة بيروت، ط2، لا.تا.

3- ابن قتيبة، الشّعر والشّعراء، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، دار التّراث العربيّ، القاهرة، ط 3، 1977م.

4- ابن قيم الجوزيّة، روضة المحبّين ونزهة المشتاقين، خرّج أحاديثه ووضع حواشيه أحمد شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط 1، 1415هـ -1995م.

5- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط1، 1410هـ -1990م.

6- ابن هشام، شرح شذور الذّهب، بتحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، مطبعة السّعادة، القاهرة، ط10، 1385هـ -1965م.

7- ابن هشام، شرح قطر النّدى وبلّ الصّدى، تحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، صيدا – بيروت، 1439هـ -2018م.

8- الأحمر، فيصل، معجم السّيميائيّات، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010م.

9- الأخطل، (غيّاث بن غوث التّغلبيّ)، الدّيوان، صنعة السّكريّ، تحقيق د. فخر الدّين قباوة، دار الفكر المعاصر ودار الفكر، بيروت ودمشق، ط4، 1416هـ -1996م.

10- الأصفهانيّ ، أبو فرج ، كتاب الأغاني، تحقيق وإشراف لجنة من الأدباء، دار الثّقافة، بيروت، لا. تا، مج 19.

11- الأصفهانيّ، عماد الدين، خريدة القصر وجريدة العصر، تحقيق محمد بهجة الأثريّ، مطبعة المجمّع العلميّ العراقيّ، بغداد، 1384 هـ -1964م.

12- الأعلم الشّنتمريّ، شرح حماسة أبي تمام، تحقيق وتعليق د. علي المفضّل حمودان، مطبوعات مركز جمعة الماجد للثّقافة والتّراث، دبي، ط1، 1413هـ 1993م.

13- الأنباريّ، الإنصاف في مسائل الخلاف، تحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت،لا.تا.

14- البهنسي،عفيف، النّقد الفنيّ وقراءة الصّورة، دار الكتاب العربيّ، دمشق، لا. تا.

15- توسان، برنار (B. Toussaint): ما هي السّيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، أفريقيا الشّرق، المغرب، ط 2، 2000م.

16- الجاحظ، البيان والتّبين، تحقيق وشرح عبد السّلام هارون، دار الفكر، بيروت، ط 4، لا. تا.

17- الحصريّ، نُور الطّرف ونَوْر الظّرف، تحقيق ودراسة لينة عبد القدّوس أبو صالح، مؤسّسة الرّسالة بيروت، ط1 1416هـ -1996م.

18- الرّاغب الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط5، 1433 هـ -2011م.

19- الرّويلي، ميجان و البازعي، سعد، دليل النّاقد الأدبيّ، المركز الثّقافي العربيّ، بيروت، ط 3، 2002م.

20- عبّاس،إحسان تاريخ الأدب الأندلسيّ، عصر الطّوائف والمرابطين، دار الثّقافة بيروت، ط 6، 1981م.

21- عبد الحكيم، شوقي، السّير والملاحم الشّعبية العربيّة، مؤسّسة هندواي للتّعليم والثّقافة، القاهرة، 2014م.

22- قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل ، شرحها محمد عبد الرّحيم، مؤسّسة الكتب الثّقافية، بيروت، ط1، لا. تا.

23- القاضي الجرجاني، أبو العبّاس، كنايات الأدباء وإشارات البلغاء، تحقيق د.محمود شاكر القحطان، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 2003م.

24- المتنبي، الدّيوان، شرح أبي البقاء العُكبري، ضبطه وصحّحه ووضع فهارسه مصطفى السّقّا وإبراهيم الأبياريّ وعبد الحفيظ شلبي، دار الفكر، بيروت، 1431هـ -2010م.

25- ناصر الجميل، الرّموز المسيحيّة، لا.تا، بيروت، 2011م.

26- وغليسي، يوسف، كتاب إشكاليّة المصطلح في الخطاب النّقديّ العربيّ الجديد، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت، ط1، 2008م

27- يوسف،آمنة، سيميائيّة النّصّ القصصيّ، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، ط1، 2016م.

28- يونس، عبد الحميد ، معجم الفولكلور، مكتبة لبنان، بيروت، ط 1، 1983م.

29- De Saussure, Fernand,Cours De Linguistique Générale, Publie Par Charles Bally et Albert Sechchaye, Payot, Paris, 1967.

30- Mounin,George, Dictionnaire de la linguistique, quadrige, PUF, 1978, P: 138. ,

[1] باحثة في الدّكتوراه  جامعة القدّيس يوسف معهد الآداب الشّرقيّة قسم اللّغة العربيّة.

[2] – الأخطل/ غيّاث بن غوث التّغلبيّ: الدّيوان، صنعة السّكريّ، تحقيق د. فخر الدّين قباوة، دار الفكر المعاصر ودار الفكر بيروت ودمشق، ط4، 1416هـ -1996م، ص 560.

[3] – ابن عبد البرّ القرطبيّ: بهجة المَجالس وأنس المُجالس وشحذ الذّاهن والهاجس، تحقيق محمد مرسي الخولي، دار الكتب العلميّة بيروت، ط2، لا.تا، مج 1، ف1، ص90.

[4] – ابن هشام: شرح شذور الذّهب، بتحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، مطبعة السّعادة، القاهرة، ط 10، 1385هـ -1965م، ص 29. ويطلق “كلام الله” على ما ننطق به أيضاً، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ﴾. سورة التّوبة، الآية 6.

[5] – ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط1، 1410هـ -1990م، مج 14، ص 401، مادة [سما].

[6] – ابن منظور لسان العرب، مج 14 ص401، مادة [سما]، وأضاف ابن سيده بالقول: “الاسم اللفظ الموضوع على الجوهر أو العرض لتَفْصل به بعضه من بعض، كقولك مبتدئًا اسم هذا كذا”.

[7] – الأنباريّ: الإنصاف في مسائل الخلاف، تحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لا. تا،ج1 ص6.

[8] – سورة الفتح، الآية 29.

[9] – الرّاغب الأصفهانيّ: مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، دار القلم، دمشق، ط5، 1433 هـ -2011م، ص 438.

[10] – أبو فرج الأصفهانيّ: كتاب الأغاني، تحقيق وإشراف لجنة من الأدباء، دار الثّقافة، بيروت، لا. تا، مج 19، ص.

[11] – د.آمنة يوسف: سيميائيّة النّصّ القصصيّ، المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، ط1، 2016م،
ص 16-17.

[12]– F.De Saussure: Cours De Linguistique Générale, Publie Par Charles Bally et Albert Sechchaye, Payot, Paris, 1967, P:33.

[13] – فيصل الأحمر: معجم السّيميائيّات، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2010م، ص 17.

[14] – ينظر، د. يوسف وغليسي: كتاب إشكاليّة المصطلح في الخطاب النّقديّ العربيّ الجديد، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، بيروت، ط1، 2008م، ص 233.

[15] – يراجع، د. آمنة يوسف: سيميائيّة النّصّ القصصيّ، ص 25.

[16] – برنار توسان (B. Toussaint): ما هي السّيميولوجيا، ترجمة محمد نظيف، أفريقيا الشّرق، المغرب، ط 2، 2000م، ص 205.

[17] – السّالم في الأندلس – على سبيل المثال – من سلم من البدع ومن العمل في الفلسفة. رُوِيَ أنّه في الأندلس “كفّر العلماء كلّ من عمل في علم الكلام وأُحرقت كتب الغزالي…” ينظر د. إحسان عبّاس: تاريخ الأدب الأندلسيّ، عصر الطّوائف والمرابطين، دار الثّقافة بيروت، ط 6، 1981م، ص 99.

[18] – يراجع، الأعلم الشّنتمريّ: شرح حماسة أبي تمام، تحقيق وتعليق د. علي المفضّل حمودان، مطبوعات مركز جمعة الماجد للثّقافة والتّراث، دبي، ط1، 1413هـ 1993م، ج2، ص627.

[19] – يعزز ذلك، قول أحد الشعراء فيه: [من الكامل]       * ومُهَلْهِلُ الشّعراءِ ذاكَ الأوّلُ*

ابن قتيبة: الشّعر والشّعراء، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، دار التّراث العربيّ، القاهرة، ط 3، 1977م، ج1 ص303.

[20] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، شرحها محمد عبد الرّحيم، مؤسّسة الكتب الثّقافية، بيروت، ط1، لا. تا، ص44.

[21] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 84.

[22] – د. آمنة يوسف: سيميائيّة النّصّ القصصيّ، ص 46.

[23] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 5.

[24] – د. آمنة يوسف: سيميائيّة النّصّ القصصيّ، ص 47.

[25] – القاضي أبو العبّاس الجرجاني: كنايات الأدباء وإشارات البلغاء، تحقيق د. محمود شاكر القحطان، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، القاهرة، 2003م، ص 44.

[26] – ينظر ابن أبي عون: كتاب التّشبيهات، عُنِيَ بتصحيحه محمد عبد المعيد خان، مطبعة جامعة كمبردج، 1369هـ -1950م، ص 86.

[27] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 12.

[28] – يعزّز ذلك قول الشّاعر: [من الخفيف]

زَعَمَتْني شيخاً وَلَسْتُ بِشَيْخٍ            إنَّما الشيخ مَنْ يَدُبُّ دَبِيبا

يراجع، ابن هشام: شرح شذور الذّهب، ص 358.

[29] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 92.

[30] – سورة الأنبياء، الآية 48.

[31] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 81.

[32] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 30.

[33] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 95. كان الفينيقيون أسياد اللّون الأرجوانيّ أيّ الأحمر القاني، الّذي استخرجوه من صدفة الموركس، فشكّل لباس الملوك ولباس كاهن فينيقيا الأكبر. ينظر ناصر الجميل: الرّموز المسيحيّة، لا.تا، بيروت، 2011م، ص 117.

[34] – المتنبي: الدّيوان، شرح أبي البقاء العُكبري، ضبطه وصحّحه ووضع فهارسه مصطفى السّقّا وإبراهيم الأبياريّ وعبد الحفيظ شلبي، دار الفكر، بيروت، 1431هـ -2010م، ج 3 ص381.

[35] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 36.

[36] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 38.

[37] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 103.

[38] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 38.

[39] – يراجع تفصيل دلالة بقيّة الألوان، د. عفيف البهنسي: النّقد الفنيّ وقراءة الصّورة، دار الكتاب العربيّ، دمشق، لا. تا، ص 43-44.

[40] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 20.

[41] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 22.

[42] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 43.

[43] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 48.

[44] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 48.

[45] – القاضي أبو العبّاس الجرجاني: كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء، ص 41.

[46] – ينظر، عماد الدين الأصفهانيّ الكاتب: خريدة القصر وجريدة العصر، تحقيق محمد بهجة الأثريّ، مطبعة المجمّع العلميّ العراقيّ، بغداد، 1384 هـ -1964م، ج2، ص 85.

[47] – عبد الحميد يونس: معجم الفولكلور، مكتبة لبنان، بيروت، ط 1، 1983م، ص 194.

[48] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 64.

[49] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 10.

[50] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 13.

[51] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 12.

[52]– قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 41.

[53] – التعجّب انفعال ممّا يستعظمه الإنسان، يوضّحه ما جاء في تعرفيه: “التّعجّب تفعّل من العجب؛ ذلك جاء في معنى صيغته: “ما أفعله”. “ما” مبتدأ بمعنى شيء عظيم… ابن هشام: شرح قطر النّدى وبلّ الصّدى، تحقيق محمد محيي الدّين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، صيدا – بيروت، 1439هـ -2018م، ص 357. وتوضّح الألسنيّة صورته الصّوتيّة – الدّلاليّة على النّحو التّالي: “صورة تتمثّل في القطع المفاجئ للخطاب التّوكيد تحت تأثير انفعال أو شعور خياليًّا أو واقعيًّا.

George Mounin: Dictionnaire de la linguistique, quadrige, PUF, 1978, P: 138.

[54] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص59.

[55] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 60.

[56] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص69.

[57] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 119.

[58] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 16.

[59] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 30.

[60] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 105.

[61] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 53.

[62] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 30.

[63] – ينظر: ابن قيم الجوزيّة: روضة المحبّين ونزهة المشتاقين، خرّج أحاديثه ووضع حواشيه أحمد شمس الدّين، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط 1، 1415هـ -1995م، ص 194.

[64] – يراجع، الحصري: نُور الطّرف ونَوْر الظّرف، تحقيق ودراسة لينة عبد القدّوس أبو صالح، مؤسّسة الرّسالة بيروت، ط1 1416هـ -1996م، 198.

[65] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 56.

[66] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 102.

[67] – سورة الكهف، الآية 42.

[68] – الرّاغب الأصفهانيّ: مفردات ألفاظ القرآن، ص 682.

[69] – ينظر، الرّاغب الأصفهانيّ: مفردات ألفاظ القرآن، ص 682.

[70] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص23-24.

[71] – قصّة الزّير سالم أبو ليلى المُهلهل، ص 36 و51 و77 و… .

[72] – الجاحظ: البيان والتّبين، تحقيق وشرح عبد السّلام هارون، دار الفكر، بيروت، ط 4، لا. تا، مج 1، ج1، ص79.

[73] – يوضّحه قوله:﴿ إِنَّهَا بَقَرَةٞ صَفۡرَآءُ فَاقِعٞ لَّوۡنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِين ﴾، سورة البقرة، الآية 69. وما المسرّة إلا محصلة اللّون.

[74] – بواسطة الإيقاع تربطنا الموسيقى بالمنابع العميقة للحياة. وتلعب الإيقاعات دورًا مهمًّا في الموسيقى وفي جميع الفنون. “فالإيقاع موجود في حركة أو نشاط أو أجهزة الجسم كالشّهيق والزّفير والرّاحة والتّعب وفي دورات الكواكب وتعاقب اللّيل والنّهار والفصول الأربعة. والإيقاع هو عنصر التّنسيق والتّنظيم المطرد في الموسيقى”. د. شاكر عبد الحميد: التّفضيل الجماليّ، مجلّة عالم المعرفة، الكويت، العدد 267، مارس 2001م، ذو الحجة 1421هـ، ص290.

[75] – ناهيك عن أشعاره ومعلّقاته وفواجعه الّتي وجدت صداها على طول العصور، لمُستَمِعِي السّير والملاحم في الأسواق والموالد والمنتديات الشّعبيّة في عصور ما قبل المعرفة بالتّلفزيون ومسلسلاته الملفّقة إيّاها. يراجع، شوقي عبد الحكيم: السّير والملاحم الشّعبيّة العربيّة، ص120.

عدد الزوار:295

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى