أبحاثاللغة والأدب والنّقد

الرّواية في أدبِ المُقاوَمَةِ اللّبنانيّة رواية “درب الجنوب” أنموذجًا، للروائي اللُّبناني عوض شعبان

الرّواية في أدبِ المُقاوَمَةِ اللّبنانيّة

رواية “درب الجنوب” أنموذجًا، للروائي اللُّبناني عوض شعبان

قمر نبيل بركات [1]

المقدّمة

إنَّ كلَّ عملٍ أدبيّ لا يقلُّ قيمةً، ولا أهميّةً، ولا شجاعةً عن أيِّ عملٍ مُقاوِمٍ سهِر اللّيالي الباردة، ليزرع عبوةً تحيْلُ المحتلَّ أشلاء. فالمقاومة وُلِدتْ مع الإنسان، منذ بدء الخليقة، وظلَّتْ مُلازِمةً له؛ لأنَّه مخلوقٌ مقاوِمٌ بطبعه وفطرته لكلِّ مايحسبه ضدّه، أيًّا يكن. فإذا تأمّل الإنسان الحياة لوجدَ أنَها بحدِّ ذاتها فعلٌ مُقاوِمٌ، فالإنسان يستطيع تحمَّل الظّروف المحيطة به، إن كانت لديه القدرة على مقاومة الصّعاب التي تواجهه، فلا يجدُ بدًّا من المقاومة؛ للاستمرار.

هذا على مستوى الجسم الإنسانيّ، لتمتدّ المقاومةُ أيضًا إلى المستوى الفكريّ، فعادةً ما يواجه الفكر صعوبات تُعْرف بالمشكلات، وهذه المشكلات تستوجب مِن أجل حلِّها “المقاومة”. وكانت اللّغة، ومازالت، تُشكِّلُ إحدى أدوات التواصل والمواجهة، فالتواصل اللغوي الفريد بين الأفعال (قام)، مِن المصدر قيام، قام يقوم، قُمْ قومًا وقِيامًا، فهو قائم، ومُقيم، واسم المفعول منه: مَقُوْم. و(قاوَم)، يُقاوِم، مقاومةّ، وقِوامًا، فهو مُقاوِم، واسم المفعول منه: مقاوَم. فتأمل! فالإنسان استخدم اللّغة عنصرًا مُؤثّرًا في الدّفاع عن النّفس، ونجد في التّاريخ عدَّة شواهد لتأثيرها، ثمَّ تحوَّلتْ فيما بعد إلى الأدبٍ بأنواعه.

ومنه أدب المقاومة الذي تقع على عاتقه مهمَّةَ صياغةِ أحداث المقاومة، وذاكرتها، والتّأريخ لمنعطفاتها وتطوُّرها، وذلك من خلال لغةٍ حيَّةٍ تستمد قوّتها من قوّة الأدب، وسطوته على الجمهور. إذًا يسعى الأدب المقاوِم، عبر منظومة متكاملة من وسائل الدفاع، إلى تحصين السّاحة، وتبيان أحقية المقاومة، والدّفاع عن رؤيتها، ووجهة  نظرها في مواجهة  العدوان، متوسلًا في سبيل ذلك لغةً لها بنيتها، وآليات اشتغالها، ومساراتها المتنوعة، لغةً  لها مجازها ومعجمها، وتوظيف ذلك في خدمة مقاصدها في أدبها المقاوم.

إن أدب المقاومة، نشاطٌ إنسانيٌّ، يُقاوِم عوامل الضّعف التي تنتاب النّفس البشريَّة في لحظات الانكسار، وهذا ما أعطاه وَجْهه الإنسانيّ العام، فتعدى الأُطر القوميّة، والقوالب الاجتماعيّة، بجانبه وعامله الإيجابي، كونه عامل “تجمّع” لاعامل “تفرقة”، فأدب المقاومة يشمل جميع الأجناس من عرب فلسطين، ولبنان،..إلى الحديث عن مآسي الزّنوج، وغير ذلك؛ لنصرة حقهم، ورفع صوت قضاياهم عاليًا.

لكن السّؤال المشروع الآن هو “أين أدب المقاومة” بعد انقضاء أكثر من نصف قرن على الوجود الإسرائيلي في قلب الأمة، واحتلالها لأجزاء عزيزة في الوطن العربيّ والإسلاميّ.

السّؤال يأخذنا مباشرة إلى التّجرية الفلسطينيّة؛ كونها تمثّل الأب الحقيقي للتّجربة اللّبنانيّة، كما كانت المقاومة اللّبنانيّة الإسلاميّة فيما بعد، امتدادًا لحالة المقاومة الفلسطينيّة، التي تزامنت مع بداية الاحتلال، والاستيطان المسلّح، والمدعوم من القوى الخارجيّة على وجه العموم.

ولا يمكننا الحديث عن أعمال فنَّية في الرّواية قبل عام النّكبة، فقد كانت أعمالًا أقرب إلى الحكايات الشّعبيّة، وقصائد الملحميّة والأهازيج. وهي بمعظمها تدور حول هجرة اليهود، وبيع الأراضي، وأثر الاحتلال الأجنبي على المجتمع الفلسطينيّ.

والرّواية الأبرز بين روايات تلك المرحلة هي رواية (لجبرا إبراهيم جبرا) الرّوائيّ، والرّسام، والنّاقد التّشكيليّ، الفلسطينيّ السّرياني، الذي شكَّل منعطفًا في الرّواية الفلسطينيّة. ويسطع أيضًا في الأدب الفلسطينيّ المقاوِم (غسان كنفاني) روائي، وصحفي فلسطينيّ، وهو من أهمّ الكتاب العرب في القرن العشرين، الذين عبَّروا في إبداعهم عن الشّخصية الفلسطينيّة من النّكبة الى المنفى. ننتقل الى الضّفة اللّبنانيّة، فلم تشهد الرّواية اللّبنانيّة المقاوِمة، تلك القوَّة التي عرفتها الرّواية الفلسطينيّة المقاوِمة، وتكاد الأعمال الرّوائيّة، والقصصيّة اللّبنانيّة، التي تحدثت عن المقاوَمة، تعدُّ على أصابع اليد. أبرز هذه الروايات، رواية “درب الجنوب” لعوض شعبان (حائزة على جائزة اتحاد الكُتّاب اللبنانيين عن أدب المقاوَمة عام 1988).

– التعريف بالمُؤلّف، وروايته “درب الجنوب”

رواية “درب الجنوب” لمؤلِّفها وكاتبها الرّوائيّ: عوض شعبان، وهو عوض العوض، المعروف بعوض شعبان، روائيٌّ، وكاتب قصصٍ، وصحافيٌّ، ومترجمٌ. ولد في بيروت العام 1931. ترجم أعمالًا عديدة من الأدب الرّوسيّ (تشيخوف، وغوغول)، والآداب اللاتينيّة (البرتغاليّة، والإسبانيّة، والإيطاليّة). نال جائزة اتّحاد الكتّاب اللّبنانيين لعام 1988، عن روايته “درب الجنوب”، هاجر إلى أمريكا اللاتينيّة 1953، وعاش في البرازيل، ثمَّ عاد لبنان العام 1960. أمّا غلاف روايته الخارجي فالخلفيّة الأساسيّة صفراء، وهو لون علم المقاومة الإسلاميّة، الذي يرتبط بالشمس والذهب..، وهي أمور توحي بالخير والجمال والتّقديس، وفي داخل الخلفية الصّفراء، مستطيلٌ مليئٌ بالعشب الأخضر، والورد الأبيض، واللّون الأخضر أيضًا اشتمل عليه علم المقاومة، وهو يدلُّ على الخصب، والحياة، والنّماء، والأبيض: رمز النّقاء والصّفاء. وكل هذه إشاراتٌ تصبُّ في خدمة الرّواية، وخدمة أبعادها التي رمز إليها عوض بالألوان.

في درب الجنوب[2] يعالج الكاتب معاناة المواطنين اللّبنانيين، منذ ما قبل الاحتلال الصّهيوني لأرض الجنوب، إلى وقت اندلاع المقاومة ضد هذا الاحتلال، فقد كان أبناء الجنوب يعيشون تحت نيْر السُّلطة اللّبنانيّة الداعمة لعسف الريجي[3]، التي صادرت محاصيل التّبغ في أرض الجنوب؛ بذريعة عدم الحصول على رخص لزراعة التّبغ، حيث أنَّ هذه الرُّخص ما كانت تُمنح إلا لمحاسيب البكوات، وعندما كانت السّلطة اللّبنانيّة تبعث برجالها من الدّرك لمصادرة الغلال، كان رجال الدّرك لا يتورَّعون عن نهب مواشي المزارعين البسطاء ودواجنهم. يروي عوض قصة عائلة جنوبيَّة، تُمثّل أنموذج العائلة الفقيرة، العاملة في الزّراعة، وهم – بشكلٍ مستمرٍّ- على خط المواجهة مع البيك، والسّلطة، والعدو الإسرائيلي!! إنَّ عائلة (علي حيدر)، الأب، الفلَّاح، تُوزّع الهموم، والتطلُّعات التي تتراوح بين الثّورة على الإقطاع، الذي كان “البيك” راعيه، وهذا التطلّع الثوري المقاوِم، كان من نصيب الابن “حسين”، أمّا الرغبة في الوصول إلى السّلطة، والاندماج بعلْيةِ القوم، فكانت من تطلُّعات الابن “يوسف”.

إذًا، في “درب الجنوب” نجد الصّراع المرير بين المناضل المنضم إلى المقاومة الإسلاميّة (حسين)، وأخيه (يوسف)، غير المؤمن بجدوى الجهاد، وهو الذي يسعى أن يكون بين محاسيب “البيك”؛ بُغية الوصول إلى الكليّة الحربيّة، ليغدو ضابطًا، وهذا أقصى أمانيه. فيكون الصّراع بينه وبين أخيه، صراعًا طبقيًّا، ودينيًّا، ووطنيًا، في الوقت ذاته، لكن استشهاد حسين في نهاية المطاف، يفتح النُّور في عيني يوسف المغمضتين، فيدرك مُتأخِّرًا أنّ لا سبيل إلى تحرير الأرض والإنسان، إلّا في مقاومة العدو وعملائه. وفي تلك المدّة الزّمنيّة، كانت تعْصِفُ بالجنوب أحداثًا مهولة، بين النّزاعات الدّاخلية، والسّلطة القامِعة، والاحتلال الإسرائيليّ. ومِن صميم هذه المأساة، والأحداث الجلل، انبثق ضوء المقاومة الإسلاميّة من حضن الجنوب، بهمومه الاقتصاديّة، والاجتماعيّة، والسياسيّة. ومن الملاحظ أنّ الراوي كان عارفًا، وعالمًا بكل شيء، وهو يتحدّثُ من خلال شخصيّات روايته، فأمَّنَ للقراء الإصغاء الوجدانيّ إليها، عندما تُناجي، وتُحدّثُ عن نفسها، فدخل بذلك أعماق النّفس البشريّة، يرمقُ الحسَّ الباطن ببلاغةِ أسلوبٍ، وسردٍ ممتع.

ومن ذلك مثلًا، إدراكه مشاعر الأب (علي حيدر)، حين “أحسَّ بشيءِ من الارتياح، مع أنّه بلغ شأوًا عظيمًا من الإعياء، عند اقتراب عودته  إلى البيت مساءً”. (شعبان، 1988، صفحة 102). أيضًا قفز شعبان بقدرته الإدراكيَّة، للغوص في قلب الابن حسين، في لحظاته الأخيرة حين استشهاده، “كان آخر طيفٍ رآهُ قبل أن يلفظَ أنفاسه، طيف أمِّه، وذلك قبل أن ينقُلَ رفاقه خبر صرخته: أمّاااه!!، لحظة وقوعه صريعًا”. (صفحة 115). ويركّز الراوي على سِّمة أخلاقية شائعة في المجتمع الذكوري، متمثّلةً في خلجات الأب: “فقوّة الذكورة الخاصّة بمجتمعه الفلاحيّ، تُحرِّم الإحساس ببعض المشاعر الطّبيعيّة، فهو يشعر أنَّ الدّمعة التي ذرفها منذ لحظات، مُهيْنة لرجولته!، فيغالط نفسه: لا، ما كانت دمعة ذرفتُها،؛ بل عرَقٌ مسحتُه عن وجهي!!” (صفحة 88). إنّ ظلم الحياة المُعيشة في ذاك الوقت، وقساوتها التي لا ترحم الضّعفاء، أدخلت في قلوبهم، وخَلَدِهم، أنَّ الضّعف والبكاء، محرّمٌ على الذّكور، حتى لو كان من طبيعتهم، وطينتهم البشريّة!! ورغم كل هذه الخطوط الحمراء الصّارمة على الذكور، إلا أنّها لم تمنع يوسف من تعلّقه بابنة المختار، وافتتانه بها، فهو -حسب ما ذُكر في الرّواية- أحبَّها؛ لأنَّ فيها شيئًا مميّزًا عن أمّه، وأخته، وجميع الإناث من حوله، فيها من الأنَفَة والكِبر الكثير، وهذا جديدٌ، وغريبٌ على فلّاح أنْ يرى لأنثى كلمةً ورأيًا وعِزّة شأن.

ولا يكشف لنا الانتماء الفلاحي عُقَد هؤلاء الفقراء المبهورين، فحسب؛ بل تعدَّى ذلك إلى مافي نفوسهم من أمراض، فيمثّل (يوسف) الوصوليّة، مسوِّغًا لأخيه (حسين) سبب تعاونه مع أذناب السلطة، ومن بينهم المختار: سيتغيّرُ كلّ شيءٍ بالنسبة إلينا، حالما نُصبح أقوى منهم..، عندما نغدو أثرياء وموظّفين كبارًا، ونكون جزءًا من السلطة التي يستأثرون بها علينا”. (صفحة 65).

فالمنظور الإيديولوجي[4]، لم يكن وحده السّائد في رواية (درب الجنوب)؛ بل هناك منظور خطير أيضًا، يتمثّل في وجهة نظر المختار إلى حركة اليسار، فيقول علنًا أمام يوسف “أنت تعلم حقيقة هذه الأفكار الفتيّة، التي تدعو إلى الثّورة، والاضطراب العام، بمناهضة السّلطة”. (صفحة 91)، وربط الثّورة بكلمة اضطراب، هو تشويه فكريّ، وثقافيّ، ودينيّ، لصورة الثّورة، ودسُّ السمِّ في معسول الكلام!! ففي كلام المختار منحيان خبيثان:

الأوّل: أنّ هؤلاء الثّوار هم فتية مغرّرٌ بهم، لم يبلغوا سنّ الرُّشد.

والثّاني: إلى قيادي هذه الثّورة، الذين يحمّلهم مسؤوليّة الاضطراب، وتزعزع الأمن، حسب قصديّته الخبيثة.

ثمَّ يتطاول بمفهومٍ تطبيعيٍّ أشدُّ خطورةً من سابقه، فيقول: ماذا تفيدنا استثارة إسرائيل في كلِّ مرّة، غير قصفها لقرانا، والإغارة عليها أحيانًا، وهدم بيوتنا، وقتل أبنائنا، وترويع نسائنا، وأطفالنا؟ “. (صفحة 78).

إنَّ ما يوحيه هذا الخبث: عبثيّة قتال إسرائيل، فالقتال ضدّها، وهمٌ لن يُجدي نفعًا، بل يصبُّ الويلات على النّاس. وهو بذلك القول، يهتمُّ بمصالحه المعادية لكل توجّهٍ نضالي، ولا تهمُّه ثورة، ولا نضال.

– الإشكاليّة

يُسلّط هذا البحث الضّوء على روايةٍ مُقاوِمةٍ، (درب الجنوب)، الحاصلةٍ على جائزة اتِّحاد الكُتَّاب اللبنانيين لعام 1988.

1-  فهل نجح عوض شعبان في روايته، بتسليط الضّوء أدبيًّا على أهداف المقاوَمة آنذاك؟ وأهميتها؟

2- هل حقّقت رواية “درب الجنوب” الواقع، أو المستقبل؟ بمعنى: هل تطابقت أحداثها قديمًا مع الأحداث الحاليّة في غزّة، والجنوب؟

– 3 ما دور المقاومة في حياة الشّعوب، رواية “درب الجنوب” أنموذجًا؟

 

– المنهج المتّبع

يعتمد هذا البحث على المنهج السّرديّ البِنيويّ، فهو منهجٌ ملائمٌ لدراسة “مظاهر الخطاب السّردي أسلوبًا، وبناءً، ودلالةً، ويهتمّ باستنباط القواعد الدّاخليّة للأجناس الأدبيّة، واستخراج النّظم التي تحكمها، وتوجّه أبنيتها، وتحدّد خصائصها وسماتها. وتبحث السّرديّة في مكوّنات البنية السّرديّة للخطاب، من راوٍ، ومرويٍّ، ومرويٍّ له”. (مهى جرجور، 2020، صفحة 57)، وحسب رأي النّاقد، والباحث الفرنسي جيرار جينيت Genette) Gérard) (1930-2018) “أنّ البنية السّرديَّة للخطاب تتشكّل من تضافر ثلاثة مكوّنات، هي: الرّاوي، والمرويّ، والمرويّ له”.(مهى جرجور، 2020، صفحة 58).

“وفي مطلع السّبعينيات طرح الباحث السّوفياتي أوسبنسكي (Uspensky) (1937)، وجهة نظر من خلال ما سمّاه “بوطيقا التّوليف” أو “شعريّة التّأليف”،  ساعيًا إلى معاينة المواقع التي يحتلُّها المؤلِف من خلال أربعة منظورات، هي: المنظور الإيديولوجيّ، المنظور التعبيريّ، المنظور النّفسيّ، والمنظور الزمكانيّ.

“واهتمّ البنيويُّون أيضًا بدراسة المكان الرّوائيّ؛ لما له من أهميّة خاصة في المتخيّل القصصي، فهو يُجسّد الحاضنة الاستيعابيّة، والإطار العام الذي تتحرّك فيه الشّخصيّات، وتتفاعل معه، وأحد العوامل الأساسيّة التي يقوم عليها الحدث، وأولى وسائل تقديم المنظور الرّوائيّ. وعليه، يشمل مجموع الأمكنة في الرّواية، وعلاقتها بالأحداث، والمنظورات، والشّخصيّات، والزّمان، ومن ارتباط المكان بالزّمان تكتسب الرّواية تماسُكَها وانسجامها، ومن التحامه به ينشأ الفضاء الرّوائيّ”. (صفحة 58)

بناءً على ما تقدّم، نستنبط أنَّ المنهج السّردي البِنيوي، سيساعد في استنباط القواعد الداخليّة للجنس الأدبي “رواية درب الجنوب”، وتحديد خصائصها، وسماتها، من أجل استظهار فرضيات الإشكاليّة، والإجابة عنها.

– ماهيّة المقاومة

بدايةً، لابدَّ من القول إنّ “المقاومة ليست مجرد تعبير، وليست مجرد إظهار لعواطف وأحاسيس؛ بل هي في الواقع فعلٌ وسلوكٌ خارجيٌّ يقوم به الإنسان، على أثر عقيدة، أو هدف، أو قيم عالية، وتاليًا فإنّ هذا الفعل يختزن في داخله معاني سامية تدعو إلى التّمجيد والقبول والاستحسان”. (الثقافيّة، 2016، صفحة 1).

و”ليست المقاومة المسلحة قشرة، هي ثمرةٌ لزرْعةٍ ضاربةٍ جذورها عميقًا في الأرض، وإذا كان التّحرير ينبع من فوهة البندقيّة، فإنَّ البندقية ذاتها تنبع من إرادة التّحرير، وإرادة التّحرير ليست سوى النِّتاج الطبيعي والمنطقي، والحتمي للمقاومة في معناها الواسع: على صعيد الرّفض، والتّمسك الصّلب بالجذور والمواقف”. (كنفاني، ط1 1968/ ط2 2013، صفحة 9)؛ لهذا، ومن خلال ما تقدّم تنجلي الصّورة أكثر في أهمية التّرابط والتّعاون بين المقاومة السّياسية، والمقاومة الثّقافية، فمهما كانت المقاومة سامية وشريفة وفاعلة، إنْ لم يرافقها عمل بمستواها لجهة التّأريخ والتخليد، فإنّها لن تسمو بقيمتها الأصيلة السموَّ المناسب.

وتصبح على هذا الأساس مسؤولية الأدب والأدباء كبيرة، حيث يفترض أن يُعمل على استخراج المفاهيم الأساسية للمقاومة، وتبيين الأسباب، والأهداف، والغايات، والحفاظ على المصطلحات التي يتركها العمل المقاوم كالشهادة وغيرها. “إنَّ مثل هذا النّوع من المقاومة، يتّخِذ شكله الرّائد في العمل السّياسي، والعمل الثّقافي، ويشكّلان معًا الأرض الخصبة التي تستولد المقاومة المسلحة، من هنا فإنّ الشّكل الثّقافي في المقاومة يطرح أهمية قصوى، ليست أقل قيمة من المقاومة المسلّحة”. (صفحة 9).

 الرّواية المقاوِمة

“في أزمنة الانعطافات الكبرى، والمصائر الحاسمة، والصِّراعات، تنهض الكلمةُ القضيّة، بأشكالٍ شتى؛ لتعلن عن حضور الرّفض والاحتجاج، وفي وضعنا العربيِّ الراهنِ المتردّي انتصبت المقاومة، في فلسطين ولبنان، ماردًا في وجه العدوان، والاحتلال، والتّدمير، وكلِّ ما يمارسُه العدّو الصهيوني، وتمثّلت بها الكلمة”. (الثقافيّة، 2016، صفحة 48)، والكلمة المقاوِمة، تُولد من رحم المعاناة، هاجسها تحرير الأرض، وحرية الإنسان.

فالرّواية المقاومة إذًا، هي نوع من أنواع الأدبِ المقاوم، الذي برز في العصر الحديث، بفعل المقاومة الفلسطينيّة بداية، وهي ترتبطُ بواقعِ مقاومة الاحتلال، وتتّصف بالكفاحيّة، شخصياتها المحورية نبيلة، يحدوها النّزوع إلى النّضال، والتّضحية، ونشدان الحرية، ورفض الظّلم والعدوان على كل مستوى، وهي وجهٌ من وجوه العمل السّياسي النّضالي، و”إذا كانت المقاومة، أصلاً، حركةً ثوريّةً ظهرت أثناء عدوانٍ أو غزو واحتلال..، فإن روايتها ستُحدّد حتميَّة حركيّتها الكفاحيّة، مما يوجب أن تكون شخصياتها المحورية القتالية، تمارس بشكل سرّي ما يقتضيه قتالُ من تدريب، وحمل سلاح، وتخطيط عمليات حربية. “. (صفحة 49).

–  ظروف نّشأة المقاومة

ترتبط الرّواية المقاوِمة، أيضًا، بالواقع الاجتماعيّ، وتتحرّك وتتفاعل مع قضاياه، وهذا ما سينعكس على أبطالها، ويدخلُهم في مواجهة مع العدوان، وتسليط الضّوء على الظّواهر السّلبية، التي تحول دون تقدّم المجتمع.

“فأدب المقاومة في فلسطين، ارتبط  ببُعدٍ اجتماعيّ، يطرح ولاءه  للطّبقة الكادحة، التي على أكتافها تعلِّق المقاومة بنادقها، ومصيرها”. (كنفاني، ط1 1968/ ط2 2013، صفحة 105). ورواية “درب الجنوب” في لبنان، مرتبطة بالواقع الاجتماعيّ، وانبثقت من ثناياه المؤلمة. فكانت قبل سرد الرّواية، وفي أثنائها، أحداثٌ مهولةٌ، وخطيرةٌ، من تسلّط الإقطاع، واحتلال العدو.

أيضًا ترتبط بما اشتمل عليه التاريخ العربيّ من عوامل انهيارٍ وتراجعٍ، فعلتْ فِعْلها في إنساننا، فكادت أنْ تثفرِّغ شخصيته من العروبة، والقوّة، والكرامة، والأنَفة العربيّة، فأصبحت الثّقافة الغربيّة السّلبية منها، بديلًا عن الانتماء العربيّ، وأخلاقه، واتُّخِذَتْ المعيار الأساس، والمحرّك الفاعل في مجريات الأحداث بين فئات الشباب، الذين هم عِمادً الأمّة وأُسَّها وقوامها!!

أهداف المقاومة

         إنّ المقاومة في لبنان، نشأت في ظلِّ ظروف قاسية -كما سبق ذكْره-، وأخذت على عاتقها تحقيق هدفين، سلّط شعبان في روايته الضّوء عليهما، من خلال مجريات أحداث روايته، وشخصيّاتها، ومكانها، وفضائها الزّماني، وهما:

1- “مواجهة المحتل، وإخراجه من أرضنا التي دُنِّستْ باحتلاله”. (الثقافيّة، 2016، صفحة 5). وهذا ماكان الابن حسين بن علي حيدر، -ابن العائلة الجنوبية- حريصًا عليه، إذ انتمى برفقة شبّانٍ من عمره إلى الجهاد في سبيل الدفاع عن الأرض، ورفع الظّلم والعدوان.

2- “مواجهة الواقع البائس من أجل تجاوز كل العقبات، والموانع المثقلة بتراكمات جعلتْ هويتنا الثقافية الأصليّة، غريبةً في مجتمعها وأمتها!”. (صفحة 5)، واصطبغ الابن يوسف بن علي حيدر بالانسلال من هويته في الرّواية، حيث سعى جاهدًا الانتساب لأزلام المختار، والدخول في الكليّة الحربية؛ ليغنى؛ ويتطلّع للسلطة والنفوذ والمال، معتقدًا أنه حين وصوله سيغيِّر الواقع!!، لكن مرضه النّفسي، والانتمائيّ، قد حال به دون الوصول، فظلَّ غارقًا طويلًا، إلى أن عاد لانتماءه وبصيرته حين علِم باستشهاد أخيه حسين.

المقاومة الثقافيّة

الاحتلالُ، خصوصًا الاستيطانيُ منه، فيروسٌ خطيرٌ، تواجهه المقاومة الإسلاميّة، والإسلامُ ثقافةُ مقاومةٍ بطبيعته، فلا بد من أن نبتكر ممّا يكْمن في وجداننا، وتُراثنا، عوامل قوَّة، تُلغي مفاعيل الآلة الفيروسيّة العسكرية الإسرائيلية الهائلة.

فإمكانيَّة الانتصار العسكريّ على إسرائيل إمكانية متاحة، برهن على حقيقتها ما اجترحته المقاومة الإسلامية سابقًا، وفي الوقت الراهن، في غزّة، والجنوب اللبناني؛ لكنَّ المقاومة الأصعب، وإنْ كانتْ لا تكلِّف دمًا غزيرًا، هي المقاومة الثقافية.

فما الثّقافة المطلوبة منّا؟

تبدأ ثقافة الأمة بفهمٍ وإدراكٍ لمشكلاتها، وللتّحديات التي تواجهها، وتنتهي بوضع حلولٍ لتلك المشكلات والتحديات، يعني أن ثقافة الأمة مرتبطة بواقعها، وتاريخها، ومستقبلها. فلكلِّ أمَّةٍ خصوصيَّةٌ ثقافيَّةٌ هي دواء دائها، وهي مساهمتها الإنسانية في إغناء الثّقافة العالمية. إنَّ ما يقوم به الغرب من اجتياحٍ عابرٍ للقارات تحت أسماء مختلفة: العولمة ،الشرق الأوسط الكبير، إنما يستهدف في -ما يستهدفه- ثقافتنا.

فالمطلوب منا إذًا بناء مقاومةً ثقافيّةً حديثةً، تناسب عصرنا، وتتماشى مع شبابنا، ثقافةً قادرةً على فهم مشكلاتنا، ومعالجتها، إنَّ تغيُّب هذه الثّقافة عن ساحة الفعل والتّطبيق، خصوصًا في المرحلة التي تلت خروج المستعمر الغربيّ، قد هيّأ الظروف للثقافة اليسارية كي تملأ فراغنا المقيت، وتحتل موقع الفعل والتطبيق من واقعنا، وسلوكنا، وتاريخنا، ومستقبلنا، أمَا وقد دخلت الثّقافة اليسارية المكان، صار الصراع بين ثقافة إسلامية ربَّانيّةٍ جاهد أسلافنا في إنتاجها وبنائها؛ لتصلح لزمانهم وزماننا، وثقافة مشروع الشرق الأوسط الكبير التي تريد أن تنتج إسلامًا، وثقافةً على مقياس المصالح الأمريكية الإسرائيلية.

ومن يفهم الثّقافة، ووظيفتها وِفاق هذا الفهم، يعِ أن الأجناس الأدبيَّة، ومن بينها الرّواية، غيرُ منفكّة عن تلك الثّقافة، فالرّواي الأرِق؛ الذي يعيش قلق الوضعية التي تحتلها ثقافة الأمة، والثّقافة الضّحلة التي تفورُ وتمورُ بين أبنائها، يكن قادرًا على الإمساك بخيط الثّقافة الأثير، ويسعى جاهدًا إلى انبثاق الوعي، والنّضوج، ونشره في محيطه، بين القاصي والداني، قدْر استطاعته.

فالأدب ليس بلاغةً وزخرفة ألفاظٍ، وتنميقَ معانٍ،  فحسب؛ بل هو أكبر وأوسع وأهم، فأدباء الأمم، والعالم الذي خّلدهم كتاباتهم، لم يكونوا بلاغيين كبارًا فقط؛ بل كانوا مثقفين كبارًا أيضًا.  إن انكسار الأمة العسكري هو بُعدٌ من أبعاد انكسارها الثقافي.

إن المقاومة وليدة الثّقافة، وهذا الأمر أدركته الإدارة الاستعمارية، فأرادوا أن يحولّوا هذه الثّقافة التي تولّد المقاومة إلى شيء مُضلّ، واهتدوا إلى مسألة الانحلال الخلقي، وانتشاره في المجتمعات التي تحمل ثقافة المقاومة، أرادوا أن يحوِّلوا هذه الثّقافة، من ثقافة فاعلة، إلى انحلالٍ خُلُقيٍّ يُميت، ويُنهي، ويفني، هذه الثّقافة. فوجب دخول هذه الثّقافة (الشعر ـ الأدب) إلى الوجدان الشعبي؛ لتكون الشعلة الأولى للمقاومة، والطّريق القويم للشّعوب. وقد كان جليًّا للمقاومة وأبنائها منذ البداية، أنَّ الانتصار في المواجهة الثّانية (مواجهة الواقع البائس)، هو الذي يؤسِّس للانتصار في المواجهة الأولى (مواجهة المحتل)؛ لذا كانت المهمة شاقة وطويلة.

إنّ أهميّة المقاومة إذًا، لا تكمن فقط في الجهاد، ومواجهة العدو الإسرائيلي؛ بل في فرض الشخصيّة العربيّة الأصيلة، والوفيّة لدمها وشعبها، التي تأبى التطبيع[5]، وموالاة العدوان الغاشم. وسعيها الدائم في تثقيف الشباب، بنشر الوعي والمعرفة. والمقاومة وإنْ حقّقت تباشير انتصار على المستوى العسكري، في جنوب لبنان، أو في فلسطين، إلا أنّها لم تحسم الصِّراع، وسنظلّ ننتظر انتصارًا آخر يجب أن تحققه المقاومة على المستوى الثقافي.

 

رواية “درب الجنوب” بين الواقع والمستقبل

– تعريف الرّواية

“أدب نثري، وسرد قصصي، وهي تطوّر لفن القصة القصيرة في الطول، والشّكل، والمضمون، واللّغة، وتتضمّن العديد من الشّخصيّات التي لها أحاسيسها، واندفاعاتها، وانفعالاتها، ودواخلها، ودواخلها التي تميزها فيما بينهما”. (نقاوة, 2022, p. 1) أو “هي فنّ من فنون النثر الأدبيّ، قائم على الحكاية، ينتظِم سلسلة من الأحداث الحقيقية، أو المتخيَّلة، تقوم بها شخصيات، أو قوى معينة، وتستغرق وقتًا طويلًا من الزّمن”. (العربية، 2023، صفحة 1).

عناصر الرّواية

يجتمع في الرّواية، عناصر تختلف أهميتها بحسب نوعها، ويربط ذلك كله حبكة ترتفع بها إلى التأزُّم، الذي يصل مداه قبل النهاية، فيأتي الحلُّ إيجابًا، أو سلبًا، أو تكون النهاية مفتوحة، لا تُقدِّم حلاً؛ بل تدفع القارئ إلى المشاركة في الصراع، والبحث عن حل للتأزم والعقدة.

 

1- الحبكة

هي “مجموعة من الحوادث مرتبطةً زمنيًّا، ومعيار الحبكة الممتازة هو وحدتها”. (صالح، 2018، صفحة 75). وكما مرَّ ذكره، تُنتج الفكرة لدى الرّوائيّ مجموعة من الحوادث، وصراعاتٍ متفرِّقة، تخدم غاية الكاتب. ومن الملاحظ في رواية شعبان، اعتماده على النَّظْم الانحداري المناسب، الذي من شأنه أنْ يُحقق الانسجام والتّركيز. فلم يهبِط بالقارئ من موقفٍ إلى آخر بشكلٍ فجائيٍّ مزعجٍ؛ بل ارتبطت أحداثها، ووقائعها بشكلٍ منسجمٍ، متسلسلٍ، مُقنع. إنَّ الحبكة توصل إلى العُقدة، وتتكوَّن العُقدة في هذه الرّواية، من:

أ- العرض

ابتدأ الرّاوي شعبان بعد حبكته، بعرضٍ عن بدايات نشوب ماعُرِفَ بالحرب الأهلية في لبنان[6]، وبدايات التّدخّل الإسرائيليّ في الجنوب اللّبنانيّ، الذي انتهى بحرب لبنان عام 1982[7]. “تظهر هنا أسباب الخلاف أوالأزمة، إذ تبدأ العقدة بالصعود والتطوّر ببطيء”. (المستنصريّة، 2020، صفحة 3). فيعالج شعبان بدايةً، -وكما ذكرنا- المرحلة التي سبقت انتصار المقاومة، مُوظِّفًا تشعُّب منطلقات المقاومة وفئاتها في ذاك الوقت؛ لخدمة روايته، ومن هذه الفئات العقيدةُ الماركسية[8] على رأس تلك المنطلقات؛ بسبب انتشارها الواسع، في تلك المرحلة، بين الشبَّان الفقراء الذين عاينوا من خلالها الملكيَّة الخاصة، ورأوا أنّها قد غدت إقطاعيّات، ومزارعَ للقلَّة من الناس، فيما الكثرةُ لا تجد حتى قبورًا لرُفاتها، إن حديث اليساريين عن الملكيَّة الخاصة المتعلّقة بالعقارات، واضحُ الغمز باتجاه الملكيَّة الزراعية في الجنوب اللبناني، حيث تستأثرُ القلةُ بالكثير، من دون أن تبقي للكثرة إلا القليل. وبذلك يكون يوسف، وفق هذه النظرة، مُضلّلاً.

كما يجدر بنا أن نتوقف عند رؤية هؤلاء الماركسيين إلى المسجد الجامع، والإسلام، والتي تتكشّفُ عن تلفيقٍ موقفٍ موحِّدٍ، في محاولة ذكية لا تخفى على اللبيب؛ فحسين، المرتبط بحلقة حزبيَّة يساريّة، يتمنّى أنْ يلتحق أخيه يوسف به ” فمكانه الطبيعي معنا، في الجامع وفي حجرة الأستاذ فهيم، وليس في بيت المختار”. (شعبان، 1988، صفحة 57)، وتناسى المخاض العسير، الذي شهدته السَّاحة الوطنيَّة في أثناء بروز الصَّحوة الإسلامية. ولا يعني هذا أن نتجاهل التناقض القائم بين الاتجاه الديني، والاتجاه الجدلي المادي، ويعني هذا افتراقًا، على مستوى الإيديولوجيا، بين الجامع، والحلقة الحزبية، وعلى مستوى الممارسة، كما كشف الواقع. صحيح أن الموروث الإسلامي، الشيعي منه على وجه الخصوص، يركّز على ما مُتّع به الأغنياء، وحُرم منه الفقراء، إلاّ أن ما ذهب إليه الشيخ في خطبة الجمعة، والتي ذكرها الراوي بكلماتها ـ إنما يلامس الخطاب الشيوعي بشكل واضح. ويعود سبب هذا الخلل إلى المنظور الرّوائيّ، ويؤكد هذا الحكم بقاءُ حديث الشيخ عن عاشوراء، حديثًا، يبدو زُخرفيًّا،  شكليًّا، خارجيًّا، لم يتحوَّل إلى نسْخٍ تطبيقيٍّ يجري في عروق الرّواية.

ج- الذّروة

“هي النقطة التي تتأزّم فيها الأحداث، فتصل العُقْدة إلى أقصى درجات التكثيف والتوتر”. (المستنصريّة، 2020، صفحة 3). وهذا بالفعل ما لُوحِظ في رواية “درب الجنوب”. حيث تتأزّم الأمور في ثنائية (الأخ حسين المجاهد اليساري، ومن معه، والأخ يوسف الوصولي، غير المؤمن بجدوى الجهاد والمقاومة، ومن معه). فكيف ليساريٍّ مسلمٍ أنْ يمتلئ قلبه بالإيمان الجهاديِّ، وكلَّ مقصديّته تحرير الأرض المقدسة، وحريّة الإنسان!! ولا تخفى علينا الإجابة، إنْ أدركنا فهم الاسم الذي اختاره الرّوائيّ لبطل روايته “حسين علي حيدر”.

د- الحدث النازل

“وهو يعقب الذروة، حين يشرع التّوتر بالانتهاء؛ تمهيدًا للحل”. (صفحة 4). حيث وضَعَنا عوض شعبان في روايته “درب الجنوب”، أمام حل هو “إرهاصات ولادة المقاومة الإسلاميّة. لقد كان قادرًا على إيجاد عمارة روائيّة تستوعب تلك الإرهاصات المنذِرة بولادة عملاقٍ كبيرٍ، سيهزُّ لبنان، والمنطقة، ويدفع الكيان الإسرائيليّ إلى إعادة حساباته، وأهدافه، ومنطلقاته”. (الإخباري, p. 1)، فبذلك حقّقت رواية “درب الجنوب”، الواقع: من خلال الوصول لحلٍّ لابُدَّ منه، وهو المقاومة، التي من شأنها السّعي والجهاد في كل الاتجاهات؛ لتحقيق الذّات، ورفع راية الحق، وبذلك نجد  التّطابق في مسيرتها وأهدافها، بين القديم (1988)، والأحداث الحاليّة المهولة في غزّة والجنوب(2023-2024). فهي في كلا البلدين: فلسطين (حماس)[9]، ولبنان (حزب الله)[10]، نبعت من كنَف شعبٍ مظلوم مقهور، فكان لابدَّ منها؛ لأنّها مجابهة القوّة بالقوّة، وصمودٌ في وجه المعتدي، ومن دونها لا حياة، ولا كرامة. وبئس هؤلاء المثبّطين الخانعين، أمثال المختار في الرّواية، الذي لا يرى قيمة للثّورة والجهاد، وكلّ مقصديّته التّحقير مِن شأن المقاومين، وتهويل إسرائيل!! وأمثاله في زماننا كثير. وقد ذكرهم الله في محكم تنزيله: ﴿ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ المُعَوِّقِينَ مِنكم والقائِلِينَ لِإخْوانِهِمْ هَلُمَّ إلَيْنا ولا يَأْتُونَ البَأْسَ إلّا قَلِيلًا أشِحَّةً عَلَيْكم فَإذا جاءَ الخَوْفُ رَأيْتَهم يَنْظُرُونَ إلَيْكَ تَدُورُ أعْيُنُهم كالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ فَإذا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلَقُوكم بِألْسِنَةٍ حِدادٍ أشِحَّةً عَلى الخَيْرِ﴾. الأحزاب18-19.

“أيْ: فاللَّهُ يُنْبِئُ رَسُولَهُ بِكم، بِأنَّ فِعْلَ أُولَئِكَ تَعْوِيقٌ لِلْمُؤْمِنِي. و(قَدْ) مُفِيدٌ لِلتَّحْقِيقِ؛ لِأنَّهم لِنِفاقِهِمْ ومَرَضِ قُلُوبِهِمْ يَشُكُّونَ في لازِمِ هَذا الخَبَرِ، وهو إنْباءُ اللَّهِ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، بِهِمْ، أوْ لِأنَّهم لِجَهْلِهِمُ النّاشِئِ عَنِ الكُفْرِ يَظُنُّونَ أنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ خَفايا القُلُوبِ. وذَلِكَ لَيْسَ بِعَجِيبٍ في عَقائِدِ أهْلِ الكُفْرِ…والمُعَوِّقُ: اسْمُ فاعِلٍ مَن عَوَّقَ الدّالِّ عَلى شِدَّةِ حُصُولِ العَوْقِ. يُقالُ: عاقَهُ عَنْ كَذا، إذا مَنَعَهُ وثَبَّطَهُ عَنْ شَيْءٍ”. (والتنوير، 1984، صفحة 293).

 

و- الحل، أو الخاتمة

“هو القسم الأخير من العُقدة، وفيه تأتي النتيجة التي تنتهي إليها أزمة الرّواية”. (المستنصريّة، 2020، صفحة 4).

ففي النّهاية، المقاومة دفعت الإسرائيليّ إلى إعادة حساباته، وأهدافه، ومنطلقاته. لقد عاين شعبان الخيط الأبيض الذي حاكته المقاومة الإسلاميّة لجسد الجنوب؛ لكنَّها -في النّهاية- لم تجد حتى الآن من يُساندها في إكمال الحِياكة، ويزفَّها بالعناية والدّعم.

إنَّ هذه المقاومة شقيقة لمقاومة أخرى، هي المقاومة الفلسطينيّة التي تواجه العدو نفسه، وفي ظروف أشدَّ قساوة وصعوبة. والمقاومتان واجَهَتا وتواجهان الآن آلة عسكرية تُعدُّ من أكثر الآلات العسكرية تطوّرًا في العالم، والمقاومة العسكريّة. ومِن المُلاحظ أنَّ المقاومة الممتدَّة من غزّة الصُّمود، إلى جنوب التَّحدي، يبدو أنَّها البقعة المقدّسة، والنُّور الوحيد في تاريخنا المعاصر، وإنَّ من بين كل إناث الأرض، ليس أطهر أنوثةً من المقاومة، ومن بين كل رجال الأرض، ليس أكثر رجولةً من مقاومين حملوا أرواحهم على أكفّهم ودفعوا من دمائهم ضريبة صمتنا المقيت!!

2- الشخصيّات

“هي التي تُشكّل بتفاعلها ملامح الرّواية، وتتكوّن بها الأحداث؛ لِذا فعلى الراوي أنْ ينتقي شخوص روايته بحكمة، بحيث يجعل الشّخصيّة المناسبة في المكان المناسب”. (صفحة 5). ونلاحظ في رواية “درب الجنوب”، اهتمام الرّاوي بالبُعْد الاجتماعيّ والوجدانيّ لشخصيّات روايته، أكثر من اهتمامه بالبُعْدِ التّكوينيّ الذي يصِفُ الخِلْقَة (الشكل الخارجي للجسم). فمثلًا، الأب علي حيدر، تأثّر بمجتمعه الصّارم، فحرَّم على نفسه مشاعر البكاء!!، وحسين تأثر بمن حوله من الشباب، ويوسف تأثّر بأزلام السّلطة، والمختار، والبيك، والشّيخ… كلًّ واحدٍ منهم طاله بالضّرورة، تأثرٌ اجتماعي وجدانيّ.

3- الزّمان

“هو الموجود المعنوي الذي يُدْرَك بالموجودات الحسيّة، فتغيُّر المحسوسات يُوحي بتقدُّم الزمن، ولولا التَّغيُّر لمَا أدركنا الزمن”. (صفحة 6). لقد اعتمد الرّاوي شعبان في روايته على الديمومة، وهي زمن دوام الحدث، وتتفاوت في الرّواية بين لحظات تستغرق عدَّة صفحات، وبين أيام وشهور لا تأخذ حيِّزًا في الرّواية، إلا عدّة أسطر. والرّاوي قد استطاع تجاوز الزّمن الماضي المنصرم، إلى الماضي المستمر!! فقد وظَّف الماضي في استشرافِه المستقبل، فالمقاومة كانت، ولا تزال، وستبقى تسري في دم كلِّ حرٍّ مقاوِم.

صورة الوطن اختلفت، التراب ارتفع إلى مقام النّشيد، واللغة توضأت بالدم، وصار القلم كما السّيف قادرًا على الفعل، قادرًا على التّجرؤ على المخرز وقاموس التّبعيّة والانكسار المستبد!

4- المكان

حين نلفظ كلمة مكان، فإن أول ما يخطر ببالنا، ذلك الموقع المرئيّ والملموس، سواء أكان سهلًا، واديًا…، غافلين -في كل الأحوال-، عن السماء والفضاء، وغير متنبهين إلى مُركَّباته، وحيثياته المتعددة. وهو يرتبط ارتباطا عضويًّا بالزمان، مما حدا بالفيلسوف، واللغوي الروسي باختين إلى اجتراح مصطلح الخرونوتوب، الزّمكانية[11]. ويرى الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار أنّ المكان مرتبط  بالانتماء والألفة، وهي رؤية صائبة جدًا. فالمكان يتحول من مجرَّد موقع جغرافي، إلى انتماء وجدانيّ وعاطفيّ.

وهو يعدّ من أهم مكونات الشّخصيّة، سواء كان ذلك في الفنّ أو في الواقع. والمكان جزءٌ من التّكوين النّفسيّ والعاطفيّ للبشر، فقضية العلاقة التي تربط الإنسان بالمكان، هي قضية إنسانيّة من الدّرجة الأولى، ولم يغفله الأدب الإنساني على مر العصور، خاصة في ظل الحروب والمآسي التي مرّت بها البشرية. ولما كانت غالبية سكان رواية “درب الجنوب”، من الفلاحين، والطّبقة الكادحة؛ فإنّ صورة القرية، بأهلها وبيوتها وأزقتها، نموذج لحياة عامة الفلاحين في بلادنا.

وللمكان أهمية قصوى في حياة الإنسان، تتبلور شخصيته في إطاره، ويلتصق بوجدانه إلى آخر يوم من عمره. يتغير الزّمان ويسير إلى الأمام؛ لكنَّ المكان يظل راسخًا في الوجدان والذاكرة عميقًا. والمكان “هو المحيط الذي تجري فيه الأحداث، أو تدور فيه، ويرتبط جدًا بالزمان، إذ لا فصْل معقول بينهما”. (صفحة 6).

والمكان المذكور في رواية “درب الجنوب”، هو مكانٌ مفتوح، “وهو المكان المحدد بغير البنيان، والمكشوف للعيان”. (صفحة 6). ورواية “درب الجنوب”، تفيضُ بمعنى الالتحام بالأرض، ولقد دعا غير شاعرٍ أو أديبٍ جنوبيٍّ للإقامة في المكان، وهي إقامة ضَنَك؛ لكثرة الأحداث المهولة، وأفواج الشهداء المستمرَّة. وفي الإقامة، وَصْل للجذور القريبةِ في المكان، بالجذور البعيدة، فيما يشبْهُ الوصايا المقدّسة بالحفاظ على مطارح الآباء والأجداد.

إنَّ الجنوب في رواية “درب الجنوب”، هو مكانٌ كونيٌّ شاسعٌ، كدرب التَّبانة، مكانٌ معلقٌ في الفضاء، يزدحم بالنجوم الفستقية، شذراتُ تِبْنِه المتناثرة وراء عدائل الحصَّادين، تِبْرٌ أَحَالتْه الدماء الزكية مفتاحًا يدور في أقفال البلاد، مهما أُوْصِدّتْ، وازداد إحكامها.

فالجنوب سقف العالم، كان يمكن لقاطنيه أن يذهبوا إلى الإحباط والصّمت، وأن يدخلوا -كما كلنا دخلنا- مستنقع الهزيمة، ولُذنا بالسكوت. لكن نهر دم المقاوِمين، الجارف والقاني، كان المصْل لزمن عربيّ كلّه يرقد في غرفة العناية المشددة فثمَّة حراسة للمكان، قريبة من السِّحر أو القداسة، إنَّ رجال المقاومة في غزّة، والجنوب، قد التحموا مع الأرض التحامًا يصل لحدود الاتحاد الصُّوفي، مِنْ فرْط حبِّهم، وتشبُّثهم بأرضهم، ومكانهم.

إنَّ المقاومة تضحّي، على أمل أن يستعيد العرب حيوية النخوة والتشظي، إثر كل قذيفة كاتيوشا تُسجَّل في الطرف الآخر،العدو، أننا مازلنا على قيد الحياة. وسجَّل جهاز تخطيط القلب، شريانًا مقاوِمًا يعجُّ بالحيويّة، فكل شيء كان مواتًا، خط الحياة كان جنوبيًّا، كان يزداد امتدادًا، والمسافة نحو الفجر تقصر، وتقصر كلَّ يوم. إنَّ وظيفة الزمان والمكان في رواية شعبان، هي خلق الوهم لدى القارئ، بأنَّ مايقْرأه قريبٌ مِن الواقع، أو جزءًا منه.

5- الكاتب

“هو واضع العناصر ومنتج الفن، ومن العيب أن نذكر العُنصَر، ونهمل المعنْصِر. والرّوائيّ هو المتحكّم في طبيعة المكتوب يختار ما يشاء لما يشاء، وكثيرًا ما ينثر الكاتب أبعاد شخصيته على إنتاجه الأدبي، وهذا ليس غريبًا؛ فإنّ الفكرة لا تتولَّد من الفراغ؛ بل هي عبارة عن حدث وقع في حياة الرّوائيّ، وأثَّر فيه، وليس بالضّرورة أن يكون قد حدث له شخصيًّا، إنَّما حدث في حياته، فشارك في بناء فكرته؛ لأنّ المحيط يؤثر في النّفس، والنّفس تؤثر في الإنتاج. فالواقع دوافع والصنائع نوابع”. (صفحة 5)، كما فعل الكاتب عوض شعبان في روايته “درب الجنوب”.

دور المقاومة في حياة الشعوب

إنّ مقاومة أيَّ شعبٍ، هي التّجسيد الأروع لإرادة الحياة الكريمة، وهي الطّريق القويم لتحقيق الإنسانيّة، ورفع الظّلم عن المظلومين، والمضطهدين. والمقاومة في قاموس شعوب الكرامة: الذَّخيرة الوجدانيّة، والمرجع الأول، والذاكرة التي لاتموت، وتنطوي على أسمى معاني الافتخار، والاعتزاز؛ لتكون الحقيقة الممتدَّة في تاريخ الشعوب؛ ولِتغْدو جزءًا من التكوين الثقافي، وتُسهم في ترسيخ الانتماء لكل الأجيال.

إنَّ ماوصل إليه حال الأمّة من الانحدار، والسّقوط، لأمْرٌ جللٌ؛ حتى لقد أصبح الكلام عن منطق الحق في بعض المراحل، كلامًا غير واقعيّ، وخارج سياق الأحداث، وهذا أسوأ ماوصل إليه الحال!!

وكما ذكرنا سابقًا، فإنَّ مِنْ أهمِّ أدوار المقاومة، هو مواجهة الواقع البائس، فإذا عاد الشّباب لرشْدِهم، وتخلَّوا عن التَّبعّية الغربيّة السّلبيَّة، وزادت ثقافتهم، وتشبَّثت في وجدانهم الوطنيّة، والانتماء؛ لاستطعنا الانتقال للدور الأول مِن أدوارالمقاومة، وهو مواجهة العدو. فهل هذا الدور أو المهمّة لا تستحقُّ منَّا التغيُّر الإيجابي، والوعي؟

ومن الدّور الإيجابي للمقاومة، التّماسك والتّضامن، الذي يُرفَدْ من المستوى الثقافي للمقاوِمين، فيتحوّل إلى سلوكٍ يوميٍّ يحمله الأفراد، والجماعات. فيجمع كلمتهم، ويزيد وعيهم وثقافتهم، فيتكوّن لديهم مفهومٌ مُضادٌّ  لكل الأفكار السلبيّة، التي تعمل على تآكل روح المجتمع الأصيل، وتعمل على تهاوي قدرته على الصمود

 

الخاتمة

أظهر هذا البحث تأثّر الجنس الأدبي (الرّواية)، ورواية”درب الجنوب”، أنموذجًا، بالمجتمع المحيط به، كما تأثّر الكاتب عوض شعبان، بالأحداث المهولة حين تدوينه روايته، من سطوة الإقطاع، إلى حرب الجنوب. إن أجمل ما في هذه الرّواية أنها تنقل نبضاتَ قلبٍ، وخواطرَ فكرٍ، وترسم ألوانًا لحياةِ أشخاصٍ عاشوا في فترةٍ زمنيّةٍ معيَّنةٍ، وفي حيِّزٍ مكانيٍّ معيَّن، وأفقٍ محدَّدٍة، وغيرِ محدَّدةٍ، وبذلك فهي تحكي الحياة بما فيها، من حلوٍ ومرٍّ، ومن ضَعْفٍ وقوَّةٍ، ومن صعودٍ وهبوطٍ.

ولرواية المقاومة نكهة أخرى تتميز عن غيرها: إنها تمدُّ جسًرا بين واقع لم يدخل في حيِّز الماضي، وبين أديب يحاول أن يُخرِج هذا الواقع في قالبٍ إبداعيٍّ،عاش ولا يزال يعيش قارئه. إنَّ رواية “درب الجنوب”، لم تُعط الاهتمام في دائرة الكتابة، إلا أنَّ دورها سيبقى خالدَا في الذّاكرة والوجدان. ففيها: صورة الوطن اختلفت، التراب ارتفع إلى مقام النشيد، واللغة توضأت بالدم، وصار القلم  كما السَّيفُ قادرًا على الفعل، قادرًا على التجرُّؤ على المخرز، وقاموس التبعيَّة، والانكسار المستبد!

غير أنَّ الراوي عوض قد أغفل في روايته حضور المقاومين من خارج الجنوب، مع أن الواقع يؤكد مشاركة هؤلاء في المقاومة، ولهم فيها شهداء. وإغفاله هذا ربّما من ضيق الرّؤية، أو السهو غير المقصود.

ويبقى أن عوض شعبان، وإن إضاء على إرهاصات ولادة المقاومة الإسلاميّة، إلاّ أنه لم يكن قادرًا على استيعاب أبعادها، بسبب ثقافته اليساريَّة. “من هذا المنطلق كتب هذه الرّواية، معتمدًا على الأمل، البارقة الوحيدة التي ستظهر في نهاية النفق، وهي الإيمان الديني، والايمان الأممي اليساري الذي سيبقى متوقِدًا رغم العسف والاضطهاد”. (السفير، 2006، صفحة 1)، وبما أنَّ الرّواية تُعبّر عن الواقع بمواضيع حقيقيّة ومتخيّلة، ولمسات جماليَّة، فلا بدَّ لها أن تتناسب مع واقعها، وتنبثق منه؛ لتكون صوت زمنها، ومُتنفَّس مُنتجها ومجتمعه. وبناءً على هذه المعطيات، فإنّ الرّواية  تأثّرت بالحياة، وبالمجتمع وثقافته، وتأثّرت كذلك بالمقاومة، فوُلِدتْ رواية “درب الجنوب” مِن رحم المعاناة الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة وغيرهم.

لكن، إلى أيِّ مدى أثّر هذا الجنس الأدبي، (الرّواية) في عالمها المتلقي، والمحيط؟

وأين وظيفة النقد الأدبي من هذا الجنس الأدبي؛ ليثبِّته، ويبرزه بشكلٍ واضح وحاسم، له مقوماته، وعناصره، وكتّابه، ومتلقيه؟

 

المصادر والمراجع

الكتب:

–  بن عاشوراء، محمد الطّاهر (1984)، تفسير تحرير المعنى السديد، وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد. ج 21، تونس: الدار التونسية للنشر.

–  جرجور، مهى؛ لبّس، جوزف (2020)، دليل مناهج البحث العلمي (طبعة إلكترونيّة). بيروت: كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة –الجامعة اللّبنانيّة.

– جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافيّة (2016). الأدب المقاوم رؤى وتطلعات. بيروت: جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة.

– شعبان، عوض (1988). رواية “درب الجنوب”.ط1، بيروت: دار الفارابي للنشر والتوزيع.

–  كنفاني، غسّان (ط1 1968/ ط2 2013). الأدب الفلسطينيّ المقاوم تحت الاحتلال -1948 -1968. قبرص: مطبعة كركي. بيروت: دار منشورات الرمال.

الدّوريّات الإلكترونيّة:

–  الجامعة المستنصريّة ( 12كانون الثاني 2020). “الرّواية وعناصرها”. تمَّ الاسترجاع في (3شباط 2024 – 8 مساءً) من:  Uomustansiriyah.edu.iq/ media/Lectures.

–  نقاوة، عمَّار (3-نيسان-2022). “تعريف الرّواية”. موضوع. تم الاسترجاع في: (1شباط 2024-7صباحًا)من: Mawdo33.Com.

–  فن باحثو اللغة العربية (30كانون الأول2023). “تعريف الرّواية، وعناصرها، وأنواعها”. تمَّ الاسترجاع  في (8 شباط 2024 6 – مساءً) من: com. Arabicrws.

–   مجلة السفير (17-حزيران-2006). “كرم يتسلّم كتاب الزميل عوض شعبان”. (ع 10420). تمَّ  الاسترجاع في: (4 شباط 2024- 5مساءً)من: alchive.assafir.com.

–  نعيم، حسن (30-تشرين الأول-2006). “الانتقادات، مقالات، حازت جائزة إتّحاد الكتّاب اللبنانيين لعام 1988: درب الجنوب رواية عوض شعبان المنسيّة”. أرشيف موقع العهد الإخباري. (ع 1151). تمَّ الاسترجاع في: ( 27كانون الثاني2024 – 11.40مساءً) من: Archive.alahed news.com.ib.

 

 

[1] طالبة ماستر في قسم اللّغة العربيّة – الجامعة اللبنانيّة – عمادة كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة.

 

[2] الجنوب اللبناني: تُشكِّل محافظة لبنان الجنوبي، لسانًا ساحليًّا، يمتد من صيدا عاصمة الجنوب، ومركز المحافظة شمالًا، حتى الناقورة جنوبًا. تضم المحافظة ثلاثة أقضية: صيدا- الزهراني- صور، على الساحل بالإضافة إلى قضاء جزّين، الذي يشكّل مجموعة من البلدات الداخلية المنتشرة على منحدرات جبلية، وصولًا إلى ارتفاع يفوق ال 1000 متر من سطح البحر؛ لذلك تشكل مركزًا مهمًّا. وفقًا لبيانات سجلات الناخبين، فإنَّ الشيعة يشكلون حوالي 60%، والسُنّة 20%، ويشكل المسيحيين حوالي 20% من السكان. وتضم محافظة لبنان الجنوبي 178 مدينة، وقرية، منها 133 فيها مجالس بلدية.

[3] وهي سلطة إدارة حصر التّبغ والتنباك في ذاك الوقت، وبمكان الرّواية، “الجنوب”2، وأصبحت منذ عام 1935 مُرفقًا عامًّا تعمل تحت وصاية وزارة المال.

 

[4] الأيديولوجيا، أوعلم الأفكار باليونانية القديمة: النسق الكلي لـلأفكار، والمعتقدات، والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه. فضلًا عن أن الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء أكانت على المستوى المحلي أم العالمي.

 

[5] تطبيع العلاقات (بالإنجليزية الأمريكية  normalization)، من يُطبّع، أي: يُسوّي (normalize)،  وتطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى «جعل العلاقات طبيعية» بعد فترة من التوتر أو القطيعة لأي سبب كان، حيث تعود العلاقة طبيعية، وكأن لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة. أما التطبيع في علم الاجتماع أو التطبيع الاجتماعي؛ فهي العملية التي يتم من خلالها اعتبار الأفكار والسلوكيات التي قد تقع خارج الأعراف الاجتماعية على أنها “طبيعية”، والتطبيع العربي الإسرائيلي، يُشير إلى جهود ومعاهدات السلام بين جامعة الدول العربية وإسرائيل لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. منذ سبعينيات القرن الماضي، بُذلت جهود موازية لإيجاد شروط يمكن على أساسها الاتفاق على السلام في الصراع العربي الإسرائيلي، وكذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطينيّ على وجه التحديد. على مر السنين.

[6] الحرب الأهلية اللّبنانيّة، هي حرب أهلية متعددة الأوجه في لبنان، واستمرت من عام ،1975 إلى عام 1990، وأسفرت عن مقتل ما يقدر بـ 120 ألف شخص. في عام 2012، كان ما يقرب من 000 76 شخصًا لا يزالون مشردين داخل لبنان. ونزوح لما يقرب من مليون شخص من لبنان نتيجة للحرب.

[7] حرب لبنان 1982، أو ما أطلقت عليه إسرائيل اسم عملية السّلام للجليل. حوَّلت الحرب أراضي لبنان إلى ساحة قتال بين منظمة التّحرير الفلسطينيّة وسوريا،  وإسرائيل. ترجع أسبابها إلى عدد من الأحداث التي جرت في الشرق الأوسط خلال السّنين التي سبقتها، من اتفاق القاهرة الذي نظَّم وجود الفصائل الفلسطينيّة المسلحة في لبنان، إلى الحرب الأهلية اللّبنانيّة.

 

[8] الماركسية، هي ممارسة سياسية، ونظرية اجتماعيّة، مبنية على أعمال كارل ماركس الفكرية، وهو فيلسوف من أصول ألمانية يهودية من القرن التاسع عشر. وكان عالم اقتصاد، وصحفي وثوري شاركه رفيقه فريدريك إنجلز في وضع الأسس واللّبِنات الأولى للنظرية الشيوعية، ومن بعدهم بدأ المفكرون الماركسيون في الإضافة والتّطوير للنظرية بالاستناد إلى الأسس التي أرسى دعائمها ماركس، سميت بالماركسية نسبة إلى مؤسسها الأول كارل ماركس، تفرَّد ماركس وأنجلس بالتوصل إلى فكرة الاشتراكية كتطور حتمي للبشرية، وفق المنطق الجدلي وبأدوات ثورية. كانت أعمالهم تهتم في المقام الأول في تحسين أوضاع العمال المهضومة حقوقهم من قبل الرأسماليين، والقضاء على استغلال الرأسماليين للإنسان العامل.

 

[9] حركة المقاومة الإسلاميّة، حماس: (1987)، هي حركة سياسية إسلامية، سُنية، فلسطينيّة، وطنية، مُسلَّحة، مقاوِمة للاحتلال الصهيوني، وهي جزء من حركة النهضة الإسلامية، تُؤْمِن أنَّ هذه النهضة هي المدخل الأساسي لهدفها، وهو تحرير فلسطين كاملة من النهر إلى البحر.

[10] حزب الله أو المقاومة الإسلامية في لبنان(1982)، هو حزب سياسي، إسلامي، شيعي، مُسلَّح، مقره في لبنان، وهو جزء من محور المقاومة ضدّ إسرائيل، وحلفائهم في الشرق الأوسط. الجناح العسكري لحزب الله هو: مجلس الجهاد، وجناحه السياسي هو: حزب كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني. وبعد وفاة السيّد عباس الموسوي العام 1992، ترأّس السيّد حسن نصر الله، أمينها العام.

 

[11] الزّمكان (بالإنجليزية: Spacetime)‏ (الزّمان-مكان)، أو الزمان المكاني، هو دمج لمفهومي الزمان والمكان، هو الفضاء بأبعاده الأربعة، الأبعاد المكانية الثلاثة التي نعرفها؛ الطول والعرض والارتفاع، مضاف إليها الزمن كبعد رابع، هذا الفضاء الرباعي يُشكّل نسيج أو شبكة، تحمل كل شيء في هذا الكون، كل جسم مهما كان حجمه، وكل حدث يخضع لها، فلا وجود للأشياء ولا للأحداث خارج نطاقي الزمان والمكان.

 

عدد الزوار:54

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى