الطّعام عند اللّبنانيين من خلال أمثالهم (الحبوب نموذجًا)
الطّعام عند اللّبنانيين من خلال أمثالهم
(الحبوب نموذجًا)
بقلم مريم علي عدرة
مقدمة
الطّعام، في اللّغة، مَصْدَر “طَعَمَ”، و”طَعَمَ فلانٌ: أكَلَ، وذاقَ. وهو “كلُّ ما يؤكَل، وبهِ قِوامُ البَدَن، وكلُّ ما يُتَّخَذ منه القوت من الحنطة والشّعير والثّمَر”([1]).
والأطعمة كثيرة، وهي تُتَّخَذ من الحبوب، والإنتاج الحيوانيّ (لحم، بيض، عسل، لبن،…) والخُضَر، والفواكه، والنّباتات المختلفة.
وليس للطّعام أهمّيّة غذائيّة وحسب، فبالإضافة إلى كونها “قوام البَدَن”، لها فوائد صحّيّة في الوقاية من الأمراض وعلاجها، وقد كثرت الكتب في العصر الحديث بعنوان: “الغذاء لا الدّواء”، و”الغذاء محلّ الدّواء”، و”التّدواي بالطّعام”، ونحو ذلك.
ونظرًا إلى هذه الأهمّيّة، تناولتُ الفواكه في بحث لي، واليوم سأتناول الحبوب، على أن أفرد لباقي أنواع الأطعمة أبحاثًا خاصّة.
والحبوب اللّبنانيّة كثيرة ومتنوّعة، نظرًا إلى خصوبة أرض لبنان، واعتدال مناخه، واختلاف تضاريسه المتدرِّجة من ساحل البحر حتّى الجبال العالية بارتفاع ثلاثة آلاف متر. وقد عرف اللّبنانيون منها، وبالتّرتيب الألفبائيّ: الأرزّ، البرغل، التّرمس، الحِمّص، الذُّرة، الشّعير، العـــدس،
الفاصوليا، الفول، القمح.
وإلى أهمّيّة الحبوب الغذائيّة، تبرز أهمّيّة الأمثال الاجتماعيّة والحضاريّة، فلا شيء أقدر على كشف هويّة المجتمع الثّقافيّة والحضاريّة والتّربويّة والنّفسيّة من الأمثال، فهي مرآة صادقة تنعكس عليها ثقافة الشّعب في حضارته وقِيَمه الخلقيّة، وعاداته، وتقاليده، وحِكْمته، وتجاربه. وهي أيضًا جزء من تاريخه.
وقد أدرك العربُ قديمًا أهمّيّة الأمثال، منذ عهدهم بالكتابة، فجمعوها، ودوّنوها في كُتُب أُفردت بكاملها لها، شارحينها، وموردين قصصها ومضارِبها([2])، وكذلك فعل الكُتّاب المعاصرون الّذين اهتمّوا بأمثال أوطانهم الشّعبيّة([3]).
وكُتُب الأمثال اللّبنانيّة كثيرة([4])، وسأركِّز في بحثي هذا على ما أظنّه أهمّها، وهو:
– كتاب المونسينيور ميشال فغالي: Proverbes et dictons Syro-Libanais، وسأرمز إليه في حواشي البحث بــ”فغالي”.
– كتاب الدّكتور أنيس فريحة: A dictionary of a modern lebanese proverbs، وسأرمز إليه في حواشي البحث بــ”فريحة”.
– أطروحة عبد الرّزاق رحم “الأمثال العامّيّة وأثرها في المجتمع“، وسأرمز إليه بــ”رحم”.
– كتاب فردينان أبيلا: Proverbes populaires du Liban Sud : Saïda et ses environs، وسأرمز إليه بــ”أبيلا”.
– كتاب الدّكتور زاهي ناضر: “الثّقافة الصّحّية والغذائيّة وآدابها في الأمثال الشّعبيّة“، وسأرمز إليه بــ”ناضر”.
– رسالة حسن الحرّ: الأمثال الشّعبيّة الجنوبيّة من خلال بلدة جباع، وسأرمز إليه بــ”الحرّ”.
- الأَرُزّ
“جنس نبات عشبيّ مائيّ من فصيلة النّجيليّات. يُزْرع في معظم البلاد الحارّة والمعتدِلة. جذوره سطحيّة، سوقه قائمة أسْطوانيّة فارغة. ازهراره عُنْقوديّ. حَبَّته مُسْتطيلة يابسة مأكولة، وغنيّة بالمواد النّشويّة، وهي الغذاء الأساسيّ لحوالي نصف سكّان العالم”([5])
وهو في لغة اللّبنانيّين “الرّزّ”، ورمز للخصب والنّماء والحياة، والفخر ، والفرح؛ ولذلك يرشّونه على العروسين، وعلى زائر كريم يحتفلون بمجيئه([6]).
يُسْتخدم في الكثير من المأكوت، وأكثر ما يُسْتعمل مع اللّحم، فيُحشى بهما ورق العنب، وورق السّلق، وضِلع الحيوان المذبوح، ومِعاه، والدّجاج وغيره . ويقولون مُشيرين إلى فرح الأولاد بهما: “إحِمْ إحِمْ: رِزّ بلحم“([7]).
ويُسْتعمل مع الحليب طعامًا للمرضى؛ ولذلك قالوا في الدّعاء على الآخر: “ريت الرّز والحليب بدارك“([8]). وكانوا أكثر ما يستلذّون به عندما يكون باردًا، قالوا: “الرّز بحليب: كُلّ ما بَرَدَ بطيب“([9]).
وكان الرّز، في أوّل قدومه إلى لبنان، غالي الثَّمن، لا يأكله إلّا الأغنياء؛ أمّا الفقراء فكانوا يأكلون البرغل؛ ولذلك قالوا: “العزّ للرِّزّ، والبرغل شَنَقْ حالو“([10])، و”العِزّ لطبيخ الرِّز، والبهدلَه عَ السّميد“([11]).
وخبرتهم في الطّعام علَّمتهم أنَّ طبخ الرّزّ على نار هادئة يُطيِّب أكله؛ أمّا البرغل، إذا طُبِخ على نار هادئة، فإنَّه يُفَشْفِش” (يُخرج ما في داخله)، فلا يعود صالحًا إلّا طعامًا للدّجاج؛ ولذلـــــــك
قالوا: “الرّزّ إذا تهدّا، للملوك بيتودّا؛ والبرغل إذا تهدّا، للدّجاج بيِتْودّا“([12]).
- البرغل
هو جَريش القمح المسلوق خَشِنًا وناعمًا، يدخل في تحضير الكثير من الأطعمة، وخاصّةً الكبّة، وهو غذاء مُقَوٍّ ومُنشِّط، قالوا: “البرغل مَسامير الرّكَب“([13]).
- التُّرْمُس
“جنس نبات زِراعيّ حَوْليّ من فصيلة القرنيّات. ساقُه قويّة مستقيمة، أوراقه مُرَكَّبة. أزهارُه إلى الزُّرقة الورديّة. قُرونه عريضة كثيفة تحتوي على حبّات مُرّة الطّعم. تُؤْکل بعد نقْعها بالماء بَعْض الوقت. وقد يُزْرَع عَلفًا للمواشي. يصْقُل مسحوقُ حَبِّه البشرة، ويُليِّنها. يونانيّة”([14]).
وفي المجتمع اللّبناني يدّعي بائعو التّرمس أن ترمسهم حلو لذيذ الطّعم، فينادون: “تِرمِس یا حلو“، فقال اللّبنانيّون لمن يستطيع خِداع الصّغار لا الكبار:”تِرْمِس يا حلو: ضِحِك عَ ولاد الزّغار“([15])، وقالوا : “التّرْمِس أحلى من اللّوز: كِلّو ضِحِك عَ ولاد الزّغار“([16])، و”يا تِرْمِس أحلى من اللّوز“([17]).
- الحِمِّص
“جنس نبات زِراعيّ حَوْليّ من فصيلة القطانيّات الفراشيّة. تكثر زراعته في البلدان المتوسِّطيّة، ولا سيَّما في إيطاليا، والشَّرق الأوسط. ويُزْرَع لِحَبِّهِ المأكول نيئًا أو مطبوخًا. أزهاره صغيرة، وثماره قرون بَيْضيّة الشّكْل تغلِّف جبّة أو حبّتين. بَذْره يتمّ بين منتَصَف الشّتاء وأواخره. وهو غنيّ بالموادّ الغذائيّة، وأخصّها الدّهنيّة الّتي تقود إلى السِّمَن. يُسْتفاد من تبنه عَلَفًا للأبقار والأغنام. آراميّة“([18]).
يأكله اللّبنانيّون أخَضَر، وجافًّا مطحونًا، وفي العديد من المأكولات، وهو “نافع، مُلَيِّن، مُدِرّ، جيِّد الغذاء، مُقَوٍّ، ومُنَشِّط للجسم، وله دور فعّال في تنشيط القدرة الجنسيّة، ويزيد من الطّاقة والرّغبة في العشرة الزّوجية”([19]).
وهو أحد العناصر الأساسيّة للمونة، قالوا: “بأيلول (أو بشهر أيلول)، دَبِّر المَكْيول للعدس والحمّص والفول“([20]).
وفي أهمّيّته الغذائيّة، يرى اللّبنانيّون أنَّه يُعادل اللّحم، قالوا: “إذا كلّ ما كان عندك لحم ضاني، عليك بالمحمْصاني“([21]) أو “إذا فاتك الضاني، عليك بالحمّصاني“([22])، وقالوا في فاعليّته الجنسيّة: “الحمّص والزّبيب يرضي الحبيب“([23]). ومن أمثالهم في تفضيل القليل التّافه مقرونًا بالحريّة على النّفيس مقرونًا بالعبوديّة: “حمّصة في حرّيّة، ولا وليمة في عبوديّة“([24]).
5- الذُّرة
“الذّرة نبات عُشبيّ حَوْليّ، زِراعته مُنْتَشِرة في جميع أصقاع العالم، وأنواعه عديدة. ساقه ليفيّة منتصبة. أوراقه أسنانيّة الشّكْل. ثماره حبوب مستديرة. إنتاجه وافر المحصول. عديد الفوائد الاقتصاديّة“([25]).
وينطق اللّبنانيّون بكلمة “الذُّرة”، مستبدلين الذّال بالدّال “الدّرة”. وهي تؤكل مشويّة أو مسلوقة، ويطحنها بعضهم لصناعة الخبز. وهي تدخل فى إعداد السّلطات ، وبعض المأكولات والحلويات. والذّرة مُغذِّية، مُسَمِّنة، تُنشِّط الجسم، وتُساعد على بناء الخلايا والتّخلّص من مشاكل الهضم والإمساك، كما أَنَّها تضبط ضغط الدّم، وتحمي القلب([26]).
وخبز الذّرة أقلّ جودة من خبز القمح. وكان لا يأكله إلّا الفقراء، أو في الأزمات المعيشيّة؛ ولذلك قيل: “متل خبز الدّرة: مأكول مذموم“([27])، و”شو جاب الثّريّا للثّرى، وشو جاب خُبْز القمح لخبز الدَّرة؟“([28]).
6- الشّعير
“الشَّعير جنس نبات زِراعيّ عشبيّ حَبّي سنويّ، من فصيلة النّجيليّات. يُزْرَع في جميع البلدان المعتدلة المناخ. يُقَدَّم علفًا للدّواب، ويمكن تحويله إلى دقيق، لكنَّ الخبز المصنوع منه غيرُ جيِّد . يُسْتعمل في صِناعة الجعة”([29]).
يقرن اللّبنانيون الشَّعير بالقمح في ثنائيّة ضِدّيّة ، معتبرينه رمزًا للخيبة والشّؤم، في حين يرمز القمح عندهم إلى النّجاح والتّوفيق والخير. فيقولون لمن يأتي بخبر جديد: “قَمْحة ، ولّا شعيرة“([30]) . وقالوا في تفضيل مقتنيات الإنسان على مقتنيات غيره، وإن كانت هذه أفضل من تلك: “شعيرنا ولا قَمْح غيرنا“([31]).
والشَّعير علف الحيوانات الأليفة. وكان بعض الفقراء يأكلون خبزه، وهو غير صحّيّ. قالوا: “خبز شعير، ومويّة بير، والعافية مْنَيْن بِتْصير“([32])، و”خبز شعير بلا مُنْخُل، والعافية منين بتِدْخُل؟“([33])، و”جازة الكبير، ورعاية الحمير، وخبز الشّعير بَلا منفعة“([34]). وقالوا فيمن يُحْسِن ويُذَمّ: “متل خبز الشّعير: مأكول مَذموم“([35]).
وكان الفقراء يأكلونه مع الزّيتون، وهو طعام الفقراء أيضًا؛ ولذلك قيل: “خبز الشَّعير مهلِك للزّيتون“([36])
7- العَدَس
العَدَس جنس نبات حَوْليّ زِراعيّ من فصيلة القرنيّات الفراشيّة. ضروبه عديدة. جميعها صغيرة القَدّ، جذورها سطحيّة، أوراقها مركَّبة ريشيّة، أزهارها بيضاء اللّون، ثمارها قرون صغيرة مُفَلْطَحة، مالِسة البَشرة. وهو مشهور بغزارة موادّه الغِذائيّة. تصلح سيقانه للماشية”([37]).
يدخل في إعداد عدد من المأكولات، وخاصّةً “المجدّرة”، ويُعَدّ غذاء القوّة والحَيَويّة والنّشاط، ويُعْتَمَد، بفضل غناه بالحديد، لمكافحة فقر الدّم. وهو يُفيد في مقاومة التَّعب والإرهاق، والشّعور بالضّعف([38]). وكانوا يمنعون المصاب بالجُذام([39]) مِنْ أَكْله؛ ولذلك قالوا فيمن ما عاد ينفعه الحذر والوقاية: “قالوا للمجذّمين: لا تاكلوا عدس. قالوا: الّي جرى ما بقى يجري“([40]).
وهــو عنصــــر أساســــيّ مــــن مونــــــة اللّبنانيّ. قالـــوا : “بأيلول دبّر المَكْيول للعَدَس، والحمّص، والفول“([41]).
وأشار اللّبنانيّون إلى أهمّيّته الغذائيّة بقولهم في “المجدّرة” الّتي يدخل العَدَس في إعدادها: “المجدّرة مسامير الرّكب“([42]). وتزداد قيمة المجدّرة الغذائيّة إذا أُكلت مع اللّبن؛ ولذلك قالوا: “مجدّرة ولبن: عافية بالبدن“([43]).
8- الفاصوليا
“الفاصولية أو الفاصوليا جنس نبات حَوْليّ من فصيلة القرنيّات الفراشيّة. أنواعه عديدة، تشمل جميع المناطق الحارّة والمعتدلة. سوقه مُلْتفّة عارِشة، وبزوره مستطيلة الشّكل، ثُنائيّة الفِلْقة، عديدة الألوان، غنيّة بالمواد الغذائيّة، تُطْبَخ رَطبة ويابسة. يُزْرع لِجَني ثِماره الخضراء القرنيّة، أو لاستثمار حبوبه الجافّة. والكلمة يونانيّة“([44]).
تُعْتبر الفاصوليا عنصرًا أساسيًّا من مؤونة اللّبنانيّين لِفصل الشِّتاء، وتدخل في تحضير بعض الأطعمة. وهي تزيد النّشاط في الجسم وصحّته وعافيته، وتفيد مرضى القلب، وأصحاب الضّغط المرتفع، وفي تنظيف الدّم، وتجديد خلاياه([45]).
قال اللّبنانيّون في فائدتها الغذائيّة : “البيت الّي ما فيه حبّة فاصوليا ما فيه عافية“([46]).
9- الفول
“الفــول جنــس نبات حَوْليّ من فصيلة القرنيّات الفراشيّة. أنواعـــه عديـــدة. غليـــظ الجـــذور.
ساقه منتصبة محزوزة عارِمة الفروع. أزهاره كبيرة القدّ، بَيْضاء اللّون أو حمراء تعلوها رُقْشة سوداء. ثماره قرون مُفَلْطَحة مُسْتطيلة، تُغَلِّف حبوبًا صالحة للأكل نيئة ومطبوخة. تُعْتَبَر من أغنى المآكل الزِّراعيّة“([47]).
يُعَدّ الفول عند اللّبنانيّين، بسبب غناه بالحديد، البديل عن اللّحم. وهو مفيد للمصابين بفقر الدّم، ويُسْهِم في بناء خلايا الجسم، ومدِّه بالنّشاط، ويقوّي الطّاقة الجسميّة عند الرّجال، ويزيد من شهوة الجِماع([48]).
والفول من الحبوب الّتي تدخل في مؤونة اللّبنانيّ. قالوا : “بأيلول (أو بشهر أيلول)، دبّر المَكْيول للعَدَس، والحمّص، والفول“([49]).
أشهر أطباقه طبق الفول المدمَّس المتبَّل بالثّوم والحامض والزّيت والبقدونس، وهو يؤكل عند الصَّباح، فيُقيت المرء طوال النّهار، کما يدخل في إعداد بعض الأطعمة كالفلافل والطّعميّة.
قالوا في فائدته الغذائيّة: “الفول بِرَبّي العجول“([50]). وهو طعام الفقراء، قالوا في الدّعاء الفارغ: “رحنا الدار، وشفنا الحال: الغدا خِبّيزة، والعشا فول حارّ“([51]). وقالوا في الشّيء يعود إلى أصله: “أكل فولو، ورِجِع لأصولو“([52])، وهو يعبِّر عن رأي الطّبقة العليا في الطّبقة الدّنيا، وحتميّة عودتها إلى أصلها، مهما يعلو شأنها.
10- القمح
“القمح من جنس نبات حَوْليّ زِراعيّ من فصيلة النّجيليّات. سوقه أسطوانيّة فارغة، تــنــتــهــي بــســنــابــل فــيــهــا ثــمــار يــابــســة لا منفرِجـة، تُشكَّل الغِذاء الـمُفَضَّل عند الإنسان. والكلمة
آراميّة”([53]).
والقمح أهمّ الحبوب، عند اللّبنانيّين، من النّاحيتين: الغذائيّة والاستهلاكيّة، فمنه خبزهم اليوميّ. ومن أبرز مشتقّاته البرغل الّذي يدخل في تحضير العديد من المآكل وأصناف الطّعام. وهو، عندهم، يُنْبت اللّحم، ويشدّ العظم، ويرقِّق البشرة، ويزيد في القوّة الجنسيّة”([54]).
ويُعدّ رمزًا للخير، والتّفاؤل، والتّوفيق، في حين يُعدّ الشّعير رمزًا للخَيْبة والفشل والشّرّ، فيقولون لِمَنْ ينتظرون منه خبرًا جديدًا: “قمحة ولّا شعيرة“([55]). وقالوا في تفضيل مقتنيات الإنسان على مقتنيات غيره، وإن كانت هذه أفضل بكثير من تلك: “شعيرنا ولا قمح غيرنا“([56]).
کما قرنوه بالزُّؤان في ثنائيّة ضدّية جاعلينه فيها رمزًا للأصلح والأنسب والأفضل، فهو لعافيتهم، والزُّؤان لماشيتهم: “القمع للعافية، والزِّوان للماشية“([57])، وقالوا، عند رؤيتهم العظيم يُسْتَبْدل بدونه: “ألله يلْعن هالزمان الّي بَدّل القمح بالزّوان“([58])؛ وفي تفضيل الزّواج ببنت البلد على البنت من خارجه: “زوان بلدك، ولا القمح الصّليبي“([59])، و”تجوَّزْنا وجِبْناها غريبة، زوان بلدنا ولا القمح الصّليبي“([60]).
والقمح من أهمّ عناصر مونة اللّبنانيّ، لا يُشركه في هذه الأهمّيّة سوى الزّيت. قالوا: “إذا
(أو إنْ) حِضر القمح والزّيت، تسَوْكرت مونة البيت“([61])، و”قمح وزيت مونة البيت“([62]).
وقالوا في فائدته الغذائيّة: “خبْز وزیت، وناطح الحيط“([63]). وقالوا للنّاشئ كي يصبح يافعًا، وفي ضرورة الصّبر طويلًا، مشيرين إلى أهمّيّة الخبز الغذائيّة: “يا ما بَدّك فَتّ خبز“([64]).
خاتمة
كثُرت حبوب اللّبنانيّين، نظرًا إلى اعتدال مناخ وطنهم، وتنوّع فصوله، وخصب تربة أرضهم، وكثرة مياهها، وتدرّج تضاريسها من سهول ساحليّة تعانق شاطئ البحر الأبيض المتوسّط في امتداد 220 كلم، إلى جبال عالية تلامس الثّلاثة آلاف مترًا ارتفاعًا، إلى ما بعد هذه الجبال، أعني سهل البقاع الخصب الغنيّ بمزروعاته، والّذي كان يشكّل قديمًا أهراءات الشّرق الأوسط.
وكان من الطّبيعيّ أن تظهر مزروعاتهم في أمثالهم، نظرًا إلى أهمّيّتها الغذائيّة والصّحّية من ناحية، وإلى طول تجربتهم معها، وخبرتهم فيها من ناحية ثانية.
وقد كشف هذا البحث أهمّيّة معظم الحبوب الّتي يأكلها اللّبنانيّون، وما يتعلّق بها من أمثال تتعلّق بقيمتها الغذائيّة. وكان من الطّبيعيّ أن يغفل هذا البحث الحبوب الّتي لم تظهر في الأمثال، كما أَغْفَل الأمثال الّتي تتعَلَّق بالحبوب، ولكن ليس من ناحيتها الغذائيّة، بل مــــن ناحية شكلها، أو أوقات زراعتها، أو جَنْيها، أو غير ذلك من أمور زِراعيّة تتعلّق بها.
وللأمثال المتعلّقة بالحبوب من النّاحية الغذائيّة أهمّيّة في كشف ناحية من نواحي الثّقافة الصّحّية للّبنانيّين فيما يتعلّق بالطّعام عمومًا، وبالحبوب خصوصًا، وفي إظهار خبرة اللّبنانيّين الغذائيّة، واستغلال هذه الخبرة في أمورهم الصّحّية.
صحيح أنّ العلم كَشَف اليوم، بفعل المختبرات الحديثة، والتّطوّر التّقنيّ في التّحليل الكيميائيّ وغيره، الكثير الكثير من مركّبات الحبوب، وخصائصها الغذائيّة، وكيفيّة تناولها كمّيّةً، وأوقاتًا في كلٍّ من حالتي الصّحّة والمرض، لكنّ خبرة اللّبنانيّين الغذائيّة بقيت مفيدة في مجال التّغذية، وهي الأكثر انتشارًا بينهم من نتائج المختبرات الغذائيّة، فهي، بالتّالي، الأهمّ عندهم من هذه النّتائج.
المصادر والمراجع
–أبيلا = Proverbes populaires du Liban Sud : Saïda et ses environs-
–الأعمال الكاملة لمؤلّفات سلام الرّاسي، دار نوفل، بیروت، ط2، 2000م.
–أمثال الأقدمين في جبّة المقدّمين، أنطوان جبرايل طوق، بشاريا للنّشر، زوق مكايل، لبنان، ط1، 1992م.
–الأمثال الشّعبيّة الجنوبيّة من خلال بلدة جباع، حسن الحر، رسالة أُعِدَّت لنيل شهادة الماجستير في اللّغة العربيّة وآدابها، كلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة، الجامعة اللّبنانيّة، الفرع الأوّل، بيروت، 1987م.
–الأمثال العامّيّة اللّبنانيّة وأثرها في المجتمع، عبد الرّزاق رحم، أطروحة أُعِدّت لنيل شهادة الدّكتوراه (الحلقة الثّالثة) في اللّغة العربيّة وآدابها، جامعة القدّيس يوسف، بيروت، 1982م.
–إنسانيّات الأمثال الشّعبيّة، زاهي ناضر، أطروحة أُعِدّت لنيل شهادة الدّكتوراه في الفلسفة، جامعة القدّيس يوسف، بيروت، 1985م.
–الثّقافة الصّحّية والغذائيّة وآدابها في الأمثال الشّعبيّة، الدّكتور زاهي ناضر، دار الفارابي، بيروت، ط1، 2019م.
–جمهرة الأمثال، العسكري (الحسن بن عبد الله)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، دار الجيل، بيروت، ط2، 1988م.
–الحرّ= الأمثال العامّيّة اللّبنانيّة وأثرها في المجتمع.
–حكي قرايا وحكي سرايا، سلام الرّاسي، مؤسّسة نوفل، بیروت، ط4، 1982م.
–الحياة الاقتصاديّة عند اللّبنانيّين من خلال أمثالهم، هدى محمّد نعمان، أطروحة أُعِدَّتْ لنيل شهادة الدّكتوراه في اللّغة العربيّة وآدابها، جامعة القدّيس يوسف، بيروت، 2020م.
–رحم = الأمثال الشّعبيّة الجنوبيّة من خلال بلدة جباع.
–سنن ابن ماجه، ابن ماجه (محمّد بن يزيد)، تحقیق محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، لاط، لات.
–الطبّ الشّعبيّ اللّبناني، وديع جبر، جروس برس، طرابلس، طبعة جديدة، 2005م.
–العادات والتّقاليد اللّبنانية، لحد خاطر، دار لحد خاطر، بیروت، 1977م.
–الغذاء محلّ الدّواء، محسن عقيل، دار المحبّة البيضاء، بيروت، ط1، 1998م.
–فريحة = – A dictionary of a modern Lebanese proverbs
–مأكولاتك في شهر العسل، رضا علي رضا، دار الرضا، بیروت، ط1، 1996م.
–مجمع الأمثال، الميداني (أحمد بن محمّد)، تحقيق محمّد محيي الدّين عبد الحميد ، دار القلم، بيروت، لاط، لات.
–المستقصى في أمثال العرب، الزّمخشريّ (محمود بن عمر)، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1987م.
–المعاني الغنيّة في الأمثال الشّعبيّة، فارس يوسف، مكتبة ومطبعة حرمون (حاصبيا-لبنان)، ط1، 2013م.
–المعجم الوسيط، مجمع اللّغة العربيّة، القاهرة، ط5، 2021م.
–المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، أنطوان نعمة وغيره، دار المشرق، بیروت، ط1، 2000م.
–موسوعة أمثال العرب، الدّكتور إميل بديع يعقوب، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995م.
–موسوعة الأمثال اللّبنانيّة، الدّكتور إميل بديع يعقوب، دار جرّوس برس، طرابلس (لبنان)، ط2، 1993م.
–ناضر = إنسانيّات الأمثال الشّعبيّة.
–يعقوب = موسوعة الأمثال اللّبنانيّة.
-Abela, Ferdinand-Joseph: Proverbes populaires du Liban sud, Saïda et ses environs, Paris, Maisonneuve et Larose, 1981.
-Feghali, Michel: Proverbes et dictons Syro-libanais, Paris, institut d’éthnologie, 1938.
-Fregha, Anis: A dictionary of modern lebanese proverbs collated annotated and translated into English, Beirut, librairie du Liban 1979.
[1]– المعجم الوسيط، مادّة (طعم).
[2]– انظر: أسماء كتب الأمثال العربيّة ومصنّفيها في موسوعة أمثال العرب للدّكتور إميل بديع يعقوب 1/71-195.
[3]– انظر: أسماء بعض كتب الأمثال الشّعبيّة العربيّة في موسوعة الأمثال اللّبنانية للدّكتور إميل بديع يعقوب 1/34-36.
[4]– انظر: المرجع نفسه 1/37-43.
[5]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، ص 540.
[6]– العادات والتّقاليد الشّعبيّة اللّبنانيّة، ص 98.
[7]– ناضر، ص 502.
[8]– رحم 2630؛ يعقوب 3687؛ ناضر، ص 322.
[9]– فريحة 1779؛ يعقوب 3615؛ ناصر، ص 509.
[10]– فغالي 1097؛ فريحة 2366؛ أبيلا 1450؛ يعقوب 4750؛ ناصر، ص 322.
[11]– ناضر، ص 496.
[12]– المرجع السّابق، الصّفحة نفسها.
[13]– يعقوب 1776.
[14]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، ص 1047.
[15]– فغالي 2070؛ فريحة 1165؛ ناصر 1834؛ يعقوب 2461.
[16]– الحرّ 270؛ يعقوب 5259.
[17]– أبيلا 431؛ يعقوب 8041.
[18]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، ص 326.
[19]– الغذاء محلّ الدّواء، ص 76.
[20]– فريحة 796؛ يعقوب 1609؛ وأمثال الأقدمين في جبّة المقدّمين، ص 229.
[21]– يعقوب 391.
[22]– ناضر، ص 321.
[23]– المرجع نفسه، الصّفحة نفسها.
[24]– المرجع نفسه، الصّفحة نفسها.
[25]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، ص 508.
[26]– ناضر، ص 321-322.
[27]– المرجع نفسه، ص 486.
[28]– المرجع نفسه، الصّفحة نفسها: شو جاب: شتّان بينَ…
[29]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة ، ص 774.
[30]– يعقوب 8593؛ ناضر، ص 486.
[31]– فريحة 2031؛ يعقوب 4071؛ ناضر، ص 486.
[32]– فغالي 1044؛ فريحة 1151؛ يعقوب 3116؛ ناضر، ص 485.
[33]– فريحة 151؛ يعقوب 3115.
[34]– أمثال الأقدمين في جبّة المقدّمين، ص 144.
[35]– فريحة 3511؛ يعقوب 6828.. وأصله المثل العربيّ: “الشَّعير (أو خبز الشَّعير) يُؤكَلْ ويُذَمّ” (جمهرة الأمثال 2/425؛ ومجمع الأمثال 1/365؛ والمستقصى 1/327).
[36]– فغالي 1043.
[37]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة ، ص 954.
[38]– ناضر ، ص 326.
[39]– الجُذام: داء كالبَرَص يُسَبِّب تساقط اللّحم والأعضاء (المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، مادّة (جذم).
[40]– فغالي 2305؛ ناضر، ص 327.
[41]– فريحة 796؛ يعقوب 1609؛ أمثال الأقدمين في جبّة المقدّمين، ص 229؛ ناضر، ص 327.
[42]– رحم 1200؛ يعقوب 7051؛ ناضر، ص 326، 497.
[43]– ناضر، ص 498.
[44]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة ، ص 1097.
[45]– الغذاء محلّ الدّواء، ص 652.
[46]– ناضر، ص 327.
[47]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة، ص 115.
[48]– ناضر، ص 328.
[49]– فريحة 796؛ يعقوب 1609؛ وإنسانيّات الأمثال الشّعبيّة اللّبنانيّة، الرقمان: 1215، 1379؛ وأمثال الأقدمين في جبّة المقدّمين، ص 229.
[50]– ناضر، ص 328.
[51]– ناضر، ص 327.
[52]– فغالي 7؛ فريحة 301؛ أبيلا 368؛ يعقوب 679.
[53]– المنجد في اللّغة العربيّة المعاصرة ، ص 1183.
[54]– ناضر، ص 320.
[55]– يعقوب 8593.
[56]– فريحة 2031؛ يعقوب 4071.
[57]– ناضر، 320.
[58]– رحم 1124؛ يعقوب 784.
[59]– فغالي 1970؛ فريحة 1856؛ الحرّ 286؛ أبيلا 194؛ يعقوب 3744.
[60]– يعقوب 2436.
[61]– فريحة 645؛ يعقوب 1295.
[62]– المعاني الغنيّة في الأمثال الشّعبيّة، ص 95.
[63]– يعقوب 3123؛ ناضر، ص 320.
[64]– فغالي 538؛ فريحة 4218؛ ناضر، ص 320.
عدد الزوار:132