أبحاثاللغة والأدب والنّقد

التّواصل المضمر في المجتمع: استراتيجيّاته وأساليبه وأهدافه

التّواصل المضمر في المجتمع: استراتيجيّاته وأساليبه وأهدافه

د. كميل مخايل

  1. ملخص

يقدم هذا البحث دراسة لموضوع التّواصل المضمر واستخداماته في سياقات متنوعة. يبدأ البحث بشرح بعض الجوانب التداوليّة والاجتماعيّة والفكريّة المؤثرة في إجراء التّواصل، ويرافق الشّرح المذكور عرض للجوانب الّلسانيّة المتّصلة بموضوع التّواصل المضمر؛ ويحاول البحث الإجابة عن أسئلة عديدة، منها: لماذا يختار المتكلّم أحيانا المعاني المضمرة لتحقيق غاياته؟ وما دور لانهائية المعنى والغموض في ذلك؟ فالبحث إذًا يقدم دراسة عن الأساليب الّلسانيّة المضمرة التي تترافق واستراتيجيات التّواصل للتّأثير في الآخرين. أظهرت بعض نتائج البحث أنّ دور المنهج التّداوليّ يترافق أحيانا ودور منهج الّلغة الاجتماعيّ في تحليل الخطاب، وأن الاستلزام التّحاوريّ الذي ينتج عن جهد إدراكيذ أكثر أهمية من غيره.

– الكلمات المفاتيح: تواصل مضمر، استلزام تحاوريّ، قصديّة، ملفوظة، تداوليّة، سلطة.

Implicit Communication in Society:

Strategies, Styles, and Goals

  • Abstract

This research presents a study of implicit communication and its uses in various contexts. It starts by explaining some pragmatic, social, and intellectual aspects that influence the communication process. This explanation is associated with presenting some linguistic elements which touch on implicit communication. Therefore, the research tries to answer multiple questions: Why does the speaker sometimes choose implicit meanings to achieve his intentions? What are the roles of under-determinacy and vagueness in the process? Why does it succeed? The research studies the implicit means that are the most efficient in influencing others. The findings show that the role of the pragmatic approach is accompanied by the use of a sociolinguistic approach during discourse analysis, and the implicature the cognitive efforts produce is more important than others.

– Keywords: Implicit communication, Implicature, intentionality, utterance, pragmatics, power.

  1. 2. اللّسانيّات والتّواصل

    أدى تطور اللّسانيّات وتشعب دراساتها في العقود الأخيرة إلى الإقرار بأن سيرورة الإجراء التّواصليّ تحتاج

إلى عناصر لسانيّة وغير لسانيّة. تتّصف العناصر الّلسانيّة بأنّها محدّدة، أمّا العناصر غير الّلسانيّة فتتّصف بأنّها عفويّة أحيانًا وترتبط ارتباطًا وثيقًا بالفكر والّلغة والثّقافة، ما يجعل الإجراء التّواصليّ يتّصف بالإبداع والدّيناميّة. اتّصفت هذه الدّيناميّة بطبيعتها المتنوّعة والمرنة وفق ما تتميز به أطراف التّواصل من خبرات ومهارات، إلا أنّها شجعتهم في الوقت نفسه على استغلال الجوانب الإدراكيّة والنّفسيّة والاجتماعيّة المرافقة لإجراء التّواصل، فساعد ذلك أحيانًا على الاقتصاد في استعمال الّلغة والاستفادة من الفرص المتاحة لبيان المقاصد.

لذلك لجأت أطراف التّواصل إلى استغلال مستويات الّلغة المتنوّعة استغلالًا إبداعيا لتوليد الدّلالة بغية التّعبير عن أفكارهم المتنوّعة وإغنائها، لأنّ الاكتفاء بمستوى واحد غير كافٍ؛ فقد أظهرت دراسات التّداوليّة (Pragmatics) مؤخرًا أنّ الإبداعيّة (Creativity) تترافق وإنتاج أنواع عديدة من الخطابات، ومنها الخطاب السّياسيّ الذي يستخدم الّلغة ويستغلها في الوقت نفسه للتّعبير عن مقاصد معينة. لكن ولما كانت هذه المقاصد ترتبط ارتباطًا مباشرًا ببعض خصائص الإجراء التّواصليّ وآلياته بسبب ورودها فيه، أي أنّ إجراءات التّواصل تضع أحيانًا قيودًا على المقاصد التّواصليّة للمتكلّم، استحسن المتحادثون استعمال المحتوى الضّمني أو المضمر أكثر من استعمال المحتوى الصّريح للتّعبير عن مقاصدهم([1]).

هذا الكلام يعني أنّ أهمية العناصر غير الّلسانيّة المستخدمة في الإجراء التّواصليّ تماثل أهمية العناصر الّلسانيّة، لأنّها قد تكون نفسية أو سياسيّة أو تاريخيّة أو دينيّة، أو قد تكون مجتمعة معا، مما أدّى إلى تسييق المعنى وربط علاقة معنى الجملة بالعالم الخارجيّ، أي الثّقافيّ؛ هذا الأمر لا يعد إجراء خاطئًا، لأنّ الإتكاء على الدّلالة أو المعنى الّلغويّ نفسه لا يكفي، إلا أنّ العلاقة المذكورة للتو شاركت في استخدام الّلغة استخدامًا مقصودًا أدى إلى التّشكيك بمقاربة المعنى المشروط بالحقيقة (truth-conditional Meaning) تشكيكًا خطرًا([2]).

والمفارقة هنا، وعلى الرّغم من أنّ المعنى المتأتي من استخدام الّلغة فقط تعرض لانتقادات كثيرة، تبين أنه لا يمكن الاستغناء عن الّلغة؛ لإنّه لا يوجد بديل اصطلح على استخدامه في المجتمع حتى الآن للتّواصل والتّعبير عن مقاصد المرء وأفكاره غير المحدودة، ما أدّى إلى الرّبط بين الغرض من استعمال الّلغة والمحادثات اليومية.

لم تكن الفكرة الأخيرة فكرة حديثة، بل كانت موضوع بحث معمّق في دراسات اللّسانيّات المتنوعة ولا تزال، لأنّ المحادثات (Conversations)، وعلى الرّغم من أنّها الوسيلة الرّئيسة للتّفاعل الاجتماعيّ، لا تستهدف فقط إجراء التّواصل مع الآخرين، بل تستهدف غايات أخرى، فحاول اللّسانيون التّفريق بين الخطاب التّفاعليّ (Interactional) الذي يرمي إلى إجراء التّواصل الاجتماعيّ، والخطاب التّوافقيّ (Transactional) الذي يرمي إلى التّوافق على إنجاز الأعمال باستخدام المحادثات في أثناء إجراء التّواصل الواقعيّ. يستدعي هذا الأخير من المشاركين في الحوار أحيانًا أن يغير أحدهم الحالة العقلية للآخر تغييرا مقصودًا([3])، أي تغيير تفكيره النقدي وارتباطه بالآخر والتأثير في استقلاليته السلوكية تأثيرا مقصودا وأحيانا تأثيرا ملتبسا.

أظهرت أيضًا الأبحات الّلسانيّة التي نشرها الباحثون بأنّ دور القصديّة (Intentionality) في التّواصل الّلغويّ دور رئيس، وكثيرًا ما يتجلّى في البنية السّطحيّة والعميقة للكلام، وما تراكيب البنيّة السّطحية إلا دلائل على البنية العميقة للمقاصد. فقد بينت دراسات تحليل الخطاب على سبيل المثال أن معنى التّمثيلات الّلسانيّة التي وردت في السّياق الخطابيّ، وبخاصة في الخطاب السّياسيّ، لا يقتصر على معنى معجميّ أو قضوي، بل يتعداه إلى معنى مضمر (Implicit meaning) يستهدف التّأثير في أفكار الآخرين وعقولهم وتصرفاتهم([4]).

كتب دان سبيربر (Dan Sperber) وديدري ويلسون (Deirdre Wilson) في كتابهما الشّهير (نظرية الصلة) موضحين الجوانب التداوليّة للتواصل ما يأتي:

“إنّ البشر لا يستخدمون الأنموذج الترميزي في تواصلهم، أي  أنهم لا يتواصلون مستخدمين أسلوب تشفير الأفكار وإعادة حلها، بل يتواصلون بملفوظات كثيرا ما تحمل غموضا دلاليا وتعدديـة مرجعيــــــة

تتيح لاحقا عددا كبيرا من التأويلات”([5]).

يقول الكاتبان هنا أنّ التّواصل يتصف بالعفوية والدّيناميّة، أي أنّه لا يقتصر فقط على فكرة ترميز الكلمات والنطق بها وإعادة فك رموزها آليا، وهو أمر واضح في كلامهما، بل يتواصل البشر متأثرين بتجاربهم وثقافتهم وذكائهم، أي قدراتهم المعرفية ومهاراتهم المتداخلة؛ وكأن انفتاح النسق اللساني أمام العناصر غير اللّغويّة هو الركن الرئيس في تحليل الكلام تحليلا يتصف بالتداخل الاختصاصي (Interdisciplinary)، حيث ينظر إلى الظواهر كنسق (System)، وليس كذرات أو أجزاء منفصلة([6])، أي دراسة علاقة الظواهر المرتبطة معا بعلاقة.

هذا الكشف حث الفلاسفة واللسانيين على الاهتمام بهذه العلاقة المتبادلة، فدرسوا العلاقة بين الّلغة والفكر أو الذّكاء، وتبين أن كلاهما يؤثر في الآخر تأثيرا متبادلا، الّلغة تؤثر في الفكر، والعكس صحيح. والربط بينهما في الدراسات المتداخلة الاختصاص أظهر نتائج إيجابيّة في دراسات الخطاب الحجاجيّ والتّربويّ والطّبيّ والسّياسيّ وغيره. أضف إلى ذلك، أن نتائج تأثير الفكر في الّلغة واضحة للعموم، إنّما نتائج تأثير الّلغة في الفكر، ولا سيما تأثير الّلغة في أساليب التّفكير قد تبدو أحيانًا غير مألوفة، ما يدعو إلى استغلال هذه العلاقة الملتبسة في إجراء التّواصل الواقعي استغلالا ذكيا، فأدّى ذلك كلّه إلى دراسة التّواصل المضمر والصّريح.

 

  1. 3. التّواصل المضمر والصّريح

ارتبط ظهور مصطلح التّواصل المضمر (Implicit communication) بظهور مصطلح المعنى المضمر Implicit meaning)) في بحث الفيلسوف بول غرايس (Paul Grice) الشّهير والمعنون (Conversation Logic and). يصف الفيلسوف كنت باخ (Kent Bach) هذا البحث بأنه من أكثر الأبحاث أهمية في تاريخ فلسفة الّلغة، وأن فكرته عن الاستلزام التحاوري (Conversational implicature) لم تكن جديدة، وسبق أن تناولها كثير من الباحثين، وما أعطى هذا البحث أهمية تاريخية وعلمية هي فكرة مبدأ التعاون ومبادئ الحوار المتفرعة عنه، أي كيفية عمله([7])،  ولكن كيف يعمل هذا المبدأ؟

يشرح باخ طريقة عمله على النحو الآتي:

يمكن للمرء أن يعني شيئًا ما إما بقول شيء ما، وإما بقول شيء آخر، كأن يقول المرء شيئًا مختلفا، وما ينتج عن الكلام من استلزام تحاوري ليس شيئا يمكن وصفه بالإيحاء. لذلك استحدث غرايس ]والكلام للفيلسوف كنت باخ[ مصطلح استلزام تحاوري، وليس تضمين (Implication)([8]).

وبتعبير آخر، يفترض الوصول إلى الاستلزام التحاوري وجود إجراء تواصليّ بين شخصين أو عدد من الأشخاص، ويفترض أيضًا أنّ أحد طرفي التّواصل قصد استخدام القيود اللّغويّة المتداولة واستغلالها لتوليد دلالات جديدة أو استلزام تحاوري ينتج عن تصورات المتلقي ودلالة الكلام معا وليس عن تصورات المتكلّم أو دلالات الّلغة.

أما التّواصل الصّريح (Explicit communication) فقد شغل اهتمامات فلاسفة الّلغة وعلماء الدّلالة منذ فترة طويلة جدا بسبب ارتباطه ارتباطا مباشرا بنظريات الحوار ونظريات الدّلالة التي تعنى بدراسة المعنى، ومنهم عالمة اللّسانيّات روبين كارستون (Robyn Carston) التي أشارت في دراستها إلى أن التّواصل الصّريح هو عندما يحول التّعبير الّلغويّ كل رموز الصّيغة الافتراضيّة المنقولة في أثناء الإجراء التّواصليّ إلى رموز لغويّة([9])، أي عندما يتضمّن التّعبير الّلغويّ كل المعلومات التي يحاول المرء أن يضمنها إياه في أثناء الإجراء التّواصليّ، فلا تبقى أية معلومة ناقصة ولا يوجد أية معلومة زائدة. وهنا نستنتج أن التّواصل المضمر يحتوي معلومات زائدة وكثيرا ما تكون مضمرة.

كتب باخ أيضا في بحث آخر ملاحظة مهمّة جدا تشرح بأسلوب آخر ما ورد أعلاه:

“نحن نستخدم يوميا جملًا قصيرة في محادثاتنا، ومعظمها لا يعبر بدقة عن الأشياء التي يمكن أن نعنيها في أي وقت، ومعظم الأشياء التي يمكن أن نعنيها في أي وقت لا يمكن التّعبير عنها باستخدام

الجمل التي يمكن أن نقولها أيضا في أي وقت”([10]).

ذكر باخ هذه الملاحظة في سياق تحدث فيه عن تيسير فرضيات الدّلالة المتعلقة بالتّواصل وضرورة حصول ذلك، أي أنّه لا حاجة لتعقيد التّنظير المتعلّق بإجراءات التّواصل، وكأنّه هنا يفترض أنّ التّواصل نوعان، الصّريح والمضمر؛ الأوّل قاصر عن مهمة نقل المعنى كاملا أو كل ظلال المعنى، أي قاصر عن أداء ما في لحظة ما؛ لذا هناك حاجة لدراسة التّواصل المضمر وشروط عمله، ولكن لماذا؟

في دراسة نشرها كل من أوغدن وريتشاردز (Ogden & Richards) في أوائل القرن الماضي عرّفا المعنى بعشرات التّعريفات، سواء أكانت تنطلق من فرض لغويّ أم غيره([11]). وهذا يعني أنّ المعنى متنوع ودينامي ويتأثر بعناصر أُخر غير لغويّة، ويعني أيضًا أن المعنى قابل للاستغلال في الإجراء التّواصليّ بسبب طبيعة العقل الإنساني وعمله وارتباطه بالذاكرة الإنسانية، إذ أثرت أساليب التّفكير الإنسانية، مثل التّفكير السريع والبطيء، وأنواع الذاكرة، مثل الذاكرة العاملة والذّاكرة الطويلة الأمد وغيرها، أثرت كلها في صياغة تصوراته المتنوّعة عن العالم الخارجيّ ورسختها في عقله الباطن، حيث تبين أن هذه التصورات لا يمكن فصلها عن إجراء التّواصل.

هذه التصورات المتنوعة حثّت الفلاسفة واللسانيين على تنويع أبحاثهم وتطويرها، فحاول كثير من الفلاسفة

واللسانيين دمج المناهج البحثية معا ومنهم من حاول شيئا مختلفا؛ فعلى سبيل المثال ميّز بول غرايس بين المعنى واستخداماته([12])؛ وفي المراحل المتأخرة من حياته عنون إحدى دراساته المتأخرة على النحو الآتي: أن تستخدم الّلغة لتعني شيئا ما (Using Language to Mean Something)، وليس أن تستخدم الكلمات أو الجمل لتعني شيئا ما. والفرض الرئيس من وراء ذلك إظهار أن الدلالات الصّريحة الناتجة عن استخدام الّلغة تماثل المقاصد المضمرة الناتجة عن استخدام الّلغة أيضا([13])، أي قد يكون هناك معنى آخر مقصود غير المعنى الّلغويّ للملفوظات ويرافقها في الوقت نفسه أيضا.

فالقصديّة مثل ما وردت في كلام غرايس تفترض وجود نوايا ما، وهذه الأخيرة تفترض أيضا أن المتكلّم يسهم والّلغة أيضا في توليد معنى متفرع من معنى آخر في سياق ما باستخدام الّلغة بأسلوب معين، أي أن هناك إبداعا في استعمال الّلغة، وهو استعمال ذو طبيعة تداوليّة. يقول باخ في هذا السياق: لكي نتواصل مع الآخر بفعالية وكفاءة من المنطقي ألا يصرح الناس بما يحاولون إبلاغه للآخرين تصريحا صريحا إلا نادرا([14]).

واستخدام الّلغة هنا أشبه بلعبة يجيد استخدامها واستغلالها كثير من الأشخاص وليس كلهم، لأن الّلغة نفسها قاصرة عن ترجمة كل التصورات الذهنية، ولأن لانهائية المعنى (Under-determinacy of meaning) تتيح لمستخدم الّلغة استغلالها مثل ما سيتضح في المثال رقم (1) و(2) و(3) في الصفحات الآتية. لذا يعرض مستخدمو الّلغة على المستمعين شيئًا آخر للتّواصل معهم، وكثيرًا ما يدركه طرفي التّواصل ويتوقعونه أحيانًا؛ هذا الشّيء الآخر قد يكون ردة فعل أو علامات إرشادية أو تلميحًا([15]).

هذه الأفكار ليست غريبة، لا بل قد يكون من الطبيعي أن يفكر المرء على هذا النحو، إذ إن تجارب المرء وخبراته ومعارفه تحدد أساليب تصرفاته في المستقبل، وبخاصة إذا أثبتت هذه التصرفات في الماضي نجاعتها، ما يجعل منها أحيانا تصرفات قابلة للتوقع. والتوقع من أهم سمات الذّكاء الإنساني، لذا يحاول المرء شيئًا آخر، يحاول التّعلّم من ماضيه ومن فكرة أنّ المتحادث الآخر يريد أيضًا تحقيق الأهداف نفسها في أثناء الإجراء التّواصليّ، ويحاول أيضا التّملص من الأساليب المباشرة والصّريحة لأنّها متوقعة، حيث تصبح الإجابات بنعم أو لا أقل إعلامية (Informative)، ويلجأ أيضا هنا إلى التّواصل المضمر([16])، ولكن لماذا ينجح هذا الأخير؟

ينجح التّواصل المضمر لأسباب عديدة، منها ما سبق أن ذكرته، ومنها أنّ هناك نوعين من التّفكير، التّفكير الواعي والتّفكير غير الواعي، وهو ما سأتناوله أدناه؛ ومنها أيضا أن العقل البشري وآليات عمله الإدراكيّة صممت لفهم المعنى والقيام بعمليات استدلاليّة مجتمعة، حيث يعد إجراء فهم المعنى إجراءً لاسترجاع المعلومات المخزنة في الذّاكرة وربطها بالخطاب أو الكلام الذي نعالجه([17])، وهو ما يسهل الوصول إلى الاستلزام التّحاوريّ.

انطلاقًا مما ورد أعلاه ومن تعريف كارستون لمفهوم التّواصل الصّريح يمكن أن نفترض ما يأتي:

– يترافق الغموض والتّواصل الضّمني أو المضمر.

– التّواصل المضمر يحث على استخدام العمليات الإدراكية، ومنها الاستدلال، لذلك يحقق نجاحا ملحوظا.

– التّواصل المضمر يشترط مهارات لغويّة وتداوليّة وإدراكية متنوعة، ومنها مهارات الإبداع في استعمال الّلغة ومعرفة السياق الاجتماعيّ.

  1. 4. الّلغة والفكر والمجتمع

ذكرت أعلاه أن مستخدمي الّلغة يلجأون أحيانًا إلى نوع من أنواع العلامات الإرشاديّة أو التّلميحات في أثناء التّواصل، وهذه الأساليب كثيرا ما تكون ذات طبيعة لسانيّة، وأحيانًا قد تكون ذات طبيعة أخرى؛ ودورها هو مساعدة طرفي المحادثة على التّعبير بوضوح عن أفكارهم أو بغموض إذا قصدوا ذلك. ما يهمني في هذا البحث هو إلقاء نظرة على بعض الأساليب اللّغويّة التي قد تستخدم كعلامات إرشاديّة أو غيرها، لأنّ الأساليب الأخرى مثل لغة الجسد ودراسة الأصوات اللّغويّة وما يتعلق بها من تنغيم وغيره، وإن كانت تظهر بوضوح أن المرء يلجأ دائما إلى أساليب أو علامات غير لغويّة للتّعبير عن تصوراته الذّهنيّة أو لمساعدته على ذلك، تظهر أيضا أن استعمال الأساليب اللّغويّة فقط قاصر عن ترجمة كل الدلالات التي قد يتصورها المرء، ولكن لماذا؟

عزا بعض الباحثين سبب ذلك إلى مسائل عديدة، أهمها طبيعة الفكر الإنسانيّ، إذ يتّصف استخدام الّلغة بأنه غير مفصل أو تمهيدي (Sketchy)، أما الفكر فيتصف بأنه غني جدا حيث تعجز التمثيلات الّلسانيّة عن تبيان محتواه المتنوع([18]). أما ماريان لودويرر (Marianne Lederer) العالمة الشهيرة في دراسات الترجمة فتعزو سبب هذا العجز إلى استخدام اللّغات، أو الفكر الإنسانيّ، لما يسمى بـالمجاز المرسل (Synecdoche) المستخدم في علوم البلاغة؛ ينص هذا المبدأ على أن اللغات تلزم نفسها بوصف خصيصة واحدة من خصائص الفكرة بغية نقل الأخيرة كمجموعة متكاملة… لذلك لا يمكن أن تجري الترجمة انطلاقا من مستوى اللغات، بل من مستوى المعاني([19])، أي أن الفكر الإنساني يميل إلى الاقتصاد في استخدام الّلغة، ما يرجح بقاء كثير من المعاني مضمرة. لذلك يلجأ المرء إلى استخدام أساليب غير مباشرة أو منحرفة عن القيود المتداولة، وهذا ما أدى بدوره إلى تطور دراسات التداوليّة في العقود الأخيرة، لأن التداوليّة ليست فقط دراسة لأساليب استخدام الّلغة، بل هي أيضا فهم لأساليب التّفكير، حيث توظف الّلغة في عمليات الاستدلال الذهنية([20]).

هذه الأساليب كثيرا ما تتنوع في الثقافات البشرية، ومنها ما يبدو أنه ينتشر في ثقافات عديدة، ومنها أيضا

ما يبدو أنه يقتصر على ثقافة ما من دون غيرها، وهذا يظهر أنّ الفكر البشري أبدع هذه الأساليب، بسبب حاجة تلك الثّقافة. هذا الفكر، وبحسب الدّراسات الإدراكيّة، يرتكز على وجود نظام معرفي معقد الذي بدوره يعمل أحيانا بشكل مستقل عن الوعي الإنساني… إلا أنّ معظم المهمات الإدراكية من الفهم وعمل الذّاكرة وحل المشكلات والإبداعية هي من نتاج كل من التّفكير الواعي وغير الواعي([21])، أي التّفكير الظاهر والخفي.

لذلك فإن الإبداعية التي تكلم نوام تشومسكي (Noam Chomsky)، أو نتائج الإبداع الفكري في الّلغة يمكن ملاحظتها، وهي شغلت حيزًا كبيرًا من الدراسات الّلسانيّة، بدءا من اللّسانيّات التوليدية والتحويلية وصولا إلى دراسات تحليل الخطاب والدراسات الإدراكية في العقدين الأخيرين، حيث ازداد الاهتمام بالاستعارة المفهومية (Conceptual metaphor)، لأنها تمثل جانبا من جوانب الإبداع الفكري([22])، وسأتناولها أدناه بسبب دورها في الكشف عن ثقافة الشّعوب وآليات تفكيرهم المخزنة في الذّاكرة.

تعد الاستعارة المفهومية من نتائج الإبداع الفكريّ في الّلغة وتعود أهميتها إلى أنّها تؤثر أيضًا في الفكر، وهي إحدى تجليات العلاقة المتبادلة بين الّلغة والقدرات الإدراكيّة في العقل؛ لذلك عدّها بعض الباحثين نافذة إلى العقل([23])، أضف إلى ذلك أنّها تتجلّى في البنية السّطحية للغة([24])، وتؤثر في آليات أخذ القرارات وحل المشكلات وغيرها. لنأخذ الآن مثالا يشرح الاستعارة المفهوميّة باقتضاب، وهو أشبه بملفوظة قالها أحد الحبيبين للآخر:

(1) وصلت علاقتنا إلى طريق مسدود.

تبين هذه العبارة مفهوم الحب كرحلة (Journey)، وقد استعان بها جورج لاكوف (George Lakoff) في أحد أهم أبحاثه لشرح مفهوم الاستعارة المفهومية، أي أنّ الحب هنا صُوِّر تصويرا مفهوميا كرحلة، وهي رحلة متعثرة، حيث لا يمكن للحبيبين أن يستمرا في علاقتهما، فإما أن يقفلا عائدين وإما أن تنتهي علاقة الحب بينهما([25]).

ويمكن أن نستخرج هنا من الاستعارة المفهومية (الحب رحلة) الاستدلالات النسقية الآتية:

– للحبّ بداية ونهاية مثل الرحلة.

– للحبّ مصاعبه مثل الرحلة.

– للحبّ طرفان مثل أعضاء الرحلة.

هذه الاستدلالات نشأت في الجهاز الإدراكي ثم تجلت لاحقا في التعابير الاستعارية، لأن الاستعارة المفهومية

تتيح إنشاء تطابقات بين مجال مصدر محسوس، ومجال هدف غير محسوس([26]). لذلك تعد الاستعارة المفهومية

نافذة إلى التمثيلات المتنوعة في الجهاز الإدراكي، وليست فقط نتيجة من نتائج الفكر في الّلغة. لنتأمل مجددا مثالا أقرب إلى أن يكون جملة نحوية بدلا من الملفوظة الواردة في المثال رقم (1):

(2) أنا لا أحبكِ.

يبدو أن دلالات هذا المثال أكثر وقاحة من دلالات المثال رقم (1)، واستعمال الّلغة فيه لا يشي بعلاقة عاطفية جمعت الحبيبين سابقا قد يؤسف عليها، بل يوجد ذكر صريح للمسند إليه وأسلوب النفي، بخلاف المثال رقم (1) الذي استعملت فيه الّلغة استعمالا غير محكم (Loose use)، وهو استعمال يترافق والاستعارة([27])، حيث يفسح المجال لتأويلات مختلفة، أي أن هناك دلالات مضمرة، منها على سبيل المثال أن أحد الحبيبين أقر بوجود علاقة حب سابقا وبأنه حزين لما جرى؛ لذلك لم يعد ينظر فقط إلى الاستعارة نظرة بلاغية، حيث يقتصر دورها على تزيين الكلام، بل أصبحت الاستعارة مصدرا رئيسا لشرح عمليات التّفكير في المجتمع الإنساني([28]).

أضف إلى ذلك، لا تتجلى أساليب استعمال الّلغة، أي الأساليب التي تعبر عن إبداع فكري، من دون وجود سياق، بل تتجلّى في أثناء التّواصل الحواري؛ لأن الجمل النحوية تنتج عن النظام الّلغويّ المتبع، أما الملفوظات فتنتج عن تواصل حواري بين طرفين اثنين في أثناء استعمال الّلغة([29]). فالجملة (Sentence) تعد وحدة لغويّة أما الملفوظة (Utterance) فتعد وحدة تحاوريّة، والحوار (Dialogue) هو المبدأ المؤسّس لاستعمال الّلغة عند ميخائيل باختين (Mikhail Bakhtin). وهنا، أي في الحوارية (Dialogism)، تبرز كل أنواع استعمالات الّلغة([30])، ومنها المعنى المقصود. فالمثال رقم (1) أشبه بوحدة تحاورية قالها أحد الحبيبين للآخر، إلا أن الأمر نفسه لا ينسحب على الوحدات اللّغويّة التي لا تنتمي إلى الحوار، مثل المثال رقم )2(.

بتعبير أبسط، يبرز المعنى في سياقات استعماله، ومنها السياقات الاجتماعيّة، لأنـه لا يمكـن الفصـل بيـن

استعمال الّلغة والطبيعة الاجتماعيّة لاستعمالها؛ فالّلغة فن اجتماعي([31])، ولا يمكن استنتاج المعنى من مبادئ مجردة، ولا يمكن أيضا الإتكاء على المصطلحات الفلسفية لتفسير المعنى. لذلك يحتاج الفكر الإنساني إلى الجمع

بين الدّلالة والتداوليّة لكي يبرز المعنى([32])، وإلا فالبديل قد يكون شيئا آخر.

  1. 5. لانهائية المعنى: الغموض والإبهام

ذكرت سابقًا أن المعنى الّلغويّ للتمثيلات الّلسانيّة يتباين عن معناها التّداوليّ، حيث تتداخل إجراءات عديدة لإنتاج المعنى وفهمه. كتب أحد الباحثين شارحًا أنّ الملفوظات كثيرًا ما تترافق وأكثر من معنى، وباستطاعة سلاسل الفونيمات والحروف والعلامات اللّغويّة التي تكوّن الملفوظات أن تنقـل دلالات متباينـــة([33])،

وقد ورد ذلك في أثناء عرضه لموضوع الارتياب التأويلي (Interpretive uncertainty)، وقد ربط ذلك بموضوعي الغموض واللبس الدّلالي اللذين سأكتفي بدراستهما في هذا المبحث دراسة مقتضبة. لنبدأ الآن بالمثال الآتي:

(3) أذاك هو الهاتف؟

إذا سألت إحداهن السؤال الوارد في المثال رقم (3) فإنّ التّركيب الاستفهامي يُقصد به في الواقع وجود  أكثر من  معنى محتمل، أو قد يكون هناك غموض ما في الكلام أو ازدواجية دلالية. فما ورد في المثال رقم (3) قد يقصد به الاستفهام عما إذا كان الهاتف هو الذي يرن وليس غير؛ أو قد يُقصد به الطّلب من أحدهم أو إحداهن الإجابة على الهاتف، وبخاصة إذا كان يوجد مجموعة من الأشخاص في الصالة نفسها. وهذا ما يسمى بالازدواجية التداوليّة (Pragmatic ambivalence) التي تحدث عندما لا يحدد المتكلّم تحديدا دقيقا أي معنى وظيفي من نطاق المعاني الإنجازية هو المقصود، وبخاصة أن هذه المعاني كثيرا ما تكون مترابطة([34]).

ذكرت أعلاه أن مسألتي الغموض في الكلام (Ambiguity) واللبس الدلالي (Vagueness) هما من بين المسائل التي ارتبطت بلانهائية المعنى، ولقد اهتم اللسانييون بدراستهما دراسة لسانيّة؛ بالنسبة إلى الأولى فإن كل كلمة أو كل جملة تمتلك أكثر من معنى تصبح غامضة، لذلك يتكلم اللسانيون أقله عن نوعين من الغموض، الغموض المعجمي والتركيبي. يصف اللسانيون الغموض المعجمي بأن التعرف إليه سهل، وهو ينتج عن التماثل اللفظي (Homonymy)، ويطلق عليه في العربية اسم الاشتراك اللفظي، حيث تتعدد معاني الكلمة الواحدة.

أما الغموض التركيبي فإن التعرف إليه أكثر صعوبة، ويتسبب به وجود أكثر من بنية عميقة للجملة، نحو:

(4) نقد تشومسكي نقد مبرر.

تمثل الملفوظة أو الجملة رقم (4) البنية السطحية لجملتين في البنية العميقة، وهما:

(4a) نقد أحدهم لتشومسكي نقد مبرر.

(4b) نقد تشومسكي لأحدهم نقد مبرر([35]).

أما بالنسبة إلى اللبس الدلالي فهو استخدام لمعنى غير محدد تحديدا قاطعا([36])، وكثيرا ما يرتبط بذكر مسند يحتمل أكثر من معنى ويختلف تفسيره باختلاف السياق والثقافة والثروة والنظام الاقتصادي وغيره، نحو:

(5) سعر صفيحة البنزين غالي الثمن.

الالتباس هنا وقع في تأويل معنى المسند (غالي)، فما هو مرتفع الثمن في لبنان قد لا يكون كذلك في دولة قطر. بتعبير أبسط يرتبط تفسير المسند بكيفية استعمال الّلغة، أي بالتداوليّة. لذلك اشتهرت كثيرا العبارة القائلة بأن الحقيقة قبل جبال البيرينيه هي خطأ ما بعدها. ومن أمثلة استخدام المسند في الثقافـة العربيــة بأسلـــوب ملتبــس

دلاليا ما قاله الشاعر الحطيئة لأحد وجهاء بني تميم الزبرقان بن بدر، وهو من الصحابة المخضرمين:

(6) دع المكارم لا ترحل لبغيتها    واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

هذا البيت الشعري يحتمل وجهين، مدح وهو الأقل، وذم أو هجاء وهو الأرجح، ويمكن اكتشاف ذلك من أسلوب استعمال المسندين (الطاعم الكاسي)، إذ يظن الناقدون أن الشاعر قصد القول: أنت المطعوم المكسو، وهنا جاء اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول، وهو من المجاز العقليّ، وهي صيغة واردة في كلام العرب. ويبدو أن المقصود من كلامه الهجاء المضمر، لأنه عندما شكاه الزبرقان إلى الخليفة عمر بن الخطاب، لجأ الأخير إلى كل من حسان ولبيد ليحكما، فقال حسان: “إنّ الحطيئة سلح عليه، أي تغوط على الزبرقان”، وقال لبيد: “ما يسرني أنه لحقني من هذا الشّعر ما لحقه وأن لي حمر النعم”. ومنهم من قال ذرق عليه، أي أفحش عليه بمنطقه([37]).

  1. 6. القصديّة والمعنى والحوار

في العام 1962 بدأ جون أوستن (John Austin) دراسة موضوع فعل الكلام وما يرتبط به من لانهائية المعنى، وفي بداية الثمانينيات أصبحت دراسة موضوع لانهائية المعنى أكثر رسوخا في اللّسانيّات بسبب تطور دراسات القصديّة ومنها نظرية أفعال الكلام ومبادئ الحوار. لذلك اهتم فلاسفة الّلغة بآليات التّفاعل الاجتماعيّ والّلغويّ في آن واحد، ودرسوا دلالاته، وأظهرت نتائج الدّراسات الّلسانيّة أنّ معاني الفروق الاجتماعيّة وقوة النّفوذ لم تعد مسألة محددة تحديدا مسبّقًا، بل مسألة تـنجز في أثناء التّفاعل الّلغويّ([38])، أي لم يعد ينظر إليها كمعان نهائية ومستقلة عن العالم الخارجيّ، ولا سيما في دراسات تحليل الخطاب ودراسات التداوليّة.

لذا فإنّ إنتاج كثير من هذه الدّلالات وفهمها أصبح يُنظر إليه كأمر يرتبط بالعالم الخارجيّ، ولا سيما  بتأثير المقامية (Situationality) وأطراف الحوار وكفايتهم التداوليّة. لنأخذ مثالا يشرح ما ورد للتو:

(7) فادي: خلصت شغلك؟ (هل انتهيت من الأعمال المكلّف بها؟)

(8) نبيل: ايه ايه رح خلص. (نعم. شارفت على الانتهاء)

(9) فادي: اممممم… أولك كيف الطقس عبكرا؟ (حسنا. كيف هي حال الطقس غدا؟)

(10) نبيل: مني ليلى عبداللطيف! (لست ليلى عبداللطيف!)

(11) فادي: ليش معصب؟ (لماذا أنت غاضب؟)

دار هذا الحوار بين زميلين اثنين في مكتب من مكاتب المؤسسات اللّبنانيّة العامة، والزميلان لا يتساويان في التراتبية الهرمية، إذ إن درجة (فادي) تعلو درجة (نبيل) الموظف المنهمك في الأعمال اليومية. ولقد ذكرت الحوار مثل ما ورد حرفيا في اللهجة العامية اللّبنانيّة، ثم نقلت الحوار إلى الفصحى بين الهلالين، وقبل أن أشرح هذا المثال الذي جرت أحداثه في شتاء لبنان القارص عام 2022 كان بإمكان نبيل الإجابة على النحو الآتي:

(10a) ما بعرف ما شفت نشرة الأخبار مبارح، وأنا هلق مشغول بدي خلص شغل، تعبان وجوعان.

ولكن (نبيل) منهك وجائع وليس لديه الوقت للإجابة بأسلوب مسهب، والمعرفة المشتركة بين الزميلين في العمل سمحت لنبيل بخرق مبدأ الكيفية في نظرية غرايس والإجابة على السؤال الثاني بأسلوب لغوي مفاجئ مقصود وشبه غامض ومقتضب (لست ليلى عبداللطيف)، وهنا أسهمت المقامية في الاقتصاد في استعمال الّلغة.

وقد يرد الجواب رقم (10) على السؤال الآتي: ما اسمك؟ ولكن، من يتابع محطات التلفزة اللّبنانيّة ومواقع التّواصل الاجتماعيّ في لبنان يعلم جيدا أن ليلى عبداللطيف تعمل منجمة، وهي تتنبأ بالأمور اليومية لحياة اللبنانين، ما ساعد فادي على إدراك الاستلزام التّحاوريّ (لست منجمًا، إليك عني) لجواب (نبيل)، وقد عبّر فادي عن فهمه لذلك الاستلزام بردّه الأخير: “لماذا أنت غاضب” من دون حصول أية تداعيات أخرى لكلام نبيل.

يلاحظ أيضًا في هذا الحوار المقتضب أنّ ممارسة السّلطة بدأت مع فادي، فهو الذي بدأ الحوار وسأل الأسئلة، وهو أيضًا من استفهم عن الأعمال المحققة ثم أنهى الحوار. ويظهر الشّرح أعلاه تفسير التداوليّة أو نظرية غرايس لمعنى الملفوظة التي قالها (نبيل)، أي أن جواب (نبيل) ترافق ومعنى لم يكن ليظهر لو لم يجر الحوار بين طرفين، ويمكن اختزاله بأن (نبيل) المرؤوس في الوظيفة أظهر نوعا من التمرد وممارسة السّلطة المعاكسة بوجه الموظف الأعلى درجة منه، أي (فادي)، مما سمح لنبيل بالإجابة على النحو الذي أجاب عليه، حيث انحرف الجواب رقم (10) عن مبدأ الكيفية، إذ هناك نوع من الغموض المقصود، لكنه غموض قابل للتأويل، لأن المتكلّم يعلم أنّ المعرفة المشتركة وتصورات المتلقي ستتيح للأخير اكتشاف المعنى المضمر. وهذا يعني أن مقصد المتكلّم يترافق والمعنى الّلغويّ للملفوظة، وما مقصد المتكلّم إلا نتيجة من نتائج استعمال الّلغة وعناصرها التي ترد في أثناء التّواصل المضمر، أي هو اختيار مقصود، وهو ما يهتم به هذا البحث.

انطلاقًا مما ورد أعلاه، يتبين أن هناك فجوة بين المعنى القضوي للكلام والقصد من استخدامه، أي المعنى التّداوليّ، وهذه الفجوة كثيرا ما تترافق واستخدام الحوار، ما يتيح لكلا طرفي الحوار أن يستغلاها. لذلك سرعان ما يوظف طرفي الحوار خبراتهما ومهارتهما الشخصية، سواء أكانت لغويّة أو اجتماعية أو فكرية للتأثير في الآخرـ فالمعنى لا يمكن أن يكون نهائيا، وإلا لكان كل مستخدمي الّلغة متساوين في استخدام الّلغة، ولما كان للخبرات الشخصية والمهارات المكتسبة أي دور في حوار أو تفاعل بين اثنين، ولما كان للذكاء الإنساني، بدءًا بالذّكاءالعاطفيّ والاجتماعيّ وصولا إلى الذّكاء الثّقافيّ، أي دور في تأويل الأحداث والمعاني.

تبين لغاية الآن أنّ التّداوليّة تعنى بدراسة المعنى المضمر أو المقصود والمرافق للملفوظات، والمعنى المضمر لا يقتصر فقط على خرق مبادئ الحوار بل يتضمن أيضا إنجاز أفعال معينة تترافق والكلام، أو مثل ما يقول جون أوستن: كيف ننجز الأشياء بالكلمات؟ وكثيرا ما تتميز بأنها مضمرة، لأن المستمع أو المُخاطَب يعلم أكثر من غيره، أي يستطيع تفسير الكلام تفسيرا صائبا، وهو مبدأ حاول التركيز عليه جون سيرل (John Searle)([39]) في دراساته المرتبطة بأفعال الكلام. ماذا يعني هذا الكلام؟

يرى منظرو المقاربة الإدراكيّة أنّ إجراء توليد المعنى لا ينجز فقط باستخدام العناصر اللّغويّة والنّحويّة، أي أنّ المعنى ليس كامنا في الكلمات والجمل، بل يُنشَّط في العقل الإنساني، وذلك باستخدام التعابير الواردة في النص([40])، أي أن المعنى كامن في الدماغ الإنساني. أمّا بالنّسبة إلى معنى الكلام الوارد أعلاه، فإن المستمع كثيرا ما يستطيع تأويل كلام المتكلّم لأن كفايته التداوليّة ومهاراته الإدراكية تتيح له ذلك، أي تتيح عملية استرجاع المعلومات وربطها بالكلام. لنأخذ الآن مثالًا توضيحيا:

(12) مرر لي الملح.

(13) هل بإمكانك أن تمرر لي الملح؟

يتضمّن المثال رقم (12) طلبًا واضحًا اتّخذ التّركيب فيه صفة الأمر، أمّا المثال رقم (13) فتضمن تعديلا للفعل الإنجازي الوارد سابقا (الطّلب)، حيث ترافق الفعل الإنجازي ومعنى آخر، وهو معنى التأدب. فالمتكلّم يطلب بتأدب في المثال الأخير، وكفاية المستمع الإدراكية أتاحت استرجاع التأويلات التداوليّة المناسبة. وبتعبير آخر، ترافق معنى الطّلب ومعنى التّأدب معا، وهذه الازدواجية التي جمعت بين الدّلالة والتداوليّة أشبه بمقاربة مقصودة، وهي وضعت لحل المشكلة، ما يجعلها عنصرا رئيسا في نظرية أفعال الكلام. هذا الحلّ للمشكلة يمكن إعادة صياغته على النحو الآتي: كيف يمكن أن أغير من تفكير الآخر؟ وكيف أنتج ملفوظة تضمن النتيجة المرجوة؟

لنأخذ مثالا آخر يوضح السّؤالين الأخيرين، وهو مثال قاله أحدهم للمدير في غرفة الاجتماعات:

(14) أشعر بالبرد، أليس كذلك؟

تتضمّن هذه الملفوظة خطة لحل مشكلة البرد الذي يشعر به المتكلّم، إذ يرمي الأخير إلى الشعور بالدفأ، ولكي يقنع المستمع بذلك في أثناء الحوار استخدم أسلوبا غير مباشر، لأنه قد يكون أكثر فعالية، فلم يطلب تشغيل المدفأة التي قد تكون معطلة، بل أثار مشكلة البرد وكأن الاستلزام التحاوري للمشكلة التي أثارها هو طلب تشغيل المدفأة([41]). بدأت إثارة المشكلة المذكورة باستغلال المشاعر الإنسانية (أشعر بالبرد)، وما من شك أن معنى الملفوظة المذكورة نفسها لن يحل المشكلة، لأن الشعور بالبرد قد يكون ملتبسا أو نسبيا، ولا يساهم في إنجاز مضمون فعل الكلام الرئيس (أدر المدفأة)، إنما يزود المستمع بالدلائل المناسبة لهذه المساهمة([42]).

يتصف اختيار هذه الدلائل هنا بأنه ذو طبيعة لغويّة واستخدامها في سياق محدد يتصف بقصدية واضحة، إلا أنّ ما ترمي إليه هذه القصديّة بدوره غامض أحيانا، ولكن ما يراهن عليه المتكلّم هو أن المستمع يستطيع دائما اكتشاف المقاصد الفعلية لكلامه باستخدام الاستدلال([43])، مما يعني أن تجليات القصديّة في الملفوظات أشبه بإشارات أو تلميحات تتيح للمستمع تحديد المقاصد في الملفوظات وما تتضمنه من تواصل مضمر، وهي هنا أشبه بالتلميحات التي يستخدمها المتكلّم وقد تكلمت عنها سابقا. فلو عدلنا صيغة المثال رقم (14) بإضافة كلمة واحدة:

(15) أشعر بالبرد قليلا، أليس كذلك؟

لما تضمن المثال رقم (15) فعلا إنجازيا يفيد معنى الطّلب مثل المثال رقم (14)، أي: أدر المدفأة؛ لأن المستمع يستطيع بسهولة إدراك ما عناه المتكلّم. ولكن يمكن أن نعبر عن الفعل الإنجازي نفسه (أدر المدفأة) باستخدام تركيب قضوي آخر؛ وبتعبير آخر، يمكن لأكثر من صيغة قضوية أن تستخدم لتوليد فعل إنجازي محدد([44])، وبخاصة إذا ضم معا المعنى القضوي للجملة ومعنى الكلمات والمعنى النحوي. وهنا تتحوّل الأفعال الإنجازية إلى وسيلة لتفعيل معنى آخر، وهذا الأخير لا يمكن عده إلا معنى مشتقا من المعنى الرئيس للفعل الإنجازي([45])، وهو ما يعد أمرا جوهريا في استغلال الكلام تبعا لغايات المتكلّم، حيث تشارك الصيغة القضوية في توليد مقصد أو مقاصد عديدة؛ لذا يصبح اختيارها الناتج عن استخدام أنواع الذاكرة وآليات الاستدلال البشري في مجتمع محدد اختيارا إبداعيا في سياق الملفوظة أو النص وذات دلالات أيديولوجية مهمة جدا.

فعلى سبيل المثال، تعد عبارة (السلام عليكم) الموظفة لإلقاء التحية في العالم العربي أكثر تداولا من عبارة طاب نهارك (Good morning) أو مرحبا (Hi) المتداولة في العالم الغربي. لذلك عندما يزور السائح أو السّياسيّ الغربي بلاد العرب يختار استخدام العبارة الأولى تعبيرا عن احترامه لثقافة العرب المرتبطة ارتباطا وثيقا بتفكيرهم وعاداتهم الدينية؛ لأنه ولما كانت العناصر المفردة لا تثبت في الوعي من دون روابط، بل تكون على شكل قطع مدمجة([46])، فإنّ تنشيط الدلالات المرتبطة بها يصبح أكثر سهولة، سواء أكانت اجتماعية أم سياسيّة. وهذا ما يجعل من المعاني أو القوة الإنجازية غير المباشرة أكثر أهمية من المعاني أو القوة الإنجازية المباشرة([47]). 7. جوانب من استراتيجيات التّواصل المضمر وأساليبه وأهدافه

انطلاقا مما ورد سابقا، تبين لغاية الآن أن الملفوظة، أو الوحدة التحاورية، تتأثر بسياقات الكلام وتستعين بشروط المقامية التي تعد أنموذجا من نماذج العلاقات الخارجيّة، حيث يربط هذا الأنموذج عالم النص بالعالم الخارجيّ وضوابطه الاجتماعيّة. تؤثر هذه الأخيرة تأثيرا مباشرا على الملفوظات، ولا سيما على استعمالاتها المنتظمة، لأنها ذات طبيعة لغويّة من جهة، ودورها لا يقتصر فقط على نقل المعلومات في أثناء التّواصل، بل يشمل التّعبير عن المشاعر والدوافع والرغبات والمعارف والقيم وسلوكيات المرء من جهة أخرى([48]). هذه الأخيرة تحتاج أحيانا إلى التّواصل المضمر أو إلى التّواصل بأساليب غير مباشرة مرورا باستخدام بعض استراتيجيات التّواصل المضمر.

1.7 استراتيجيات التّواصل المضمر

استراتيجيات التّواصل المضمر عديدة وكثيرا ما ترتبط بالمقامية، ويقع أهمها على النحو الآتي:

– الرّغبة بجعل الكلام إما أكثر تشويقا وإما أقل تشويقا.

– الرّغبة بتعزيز القوة الإنجازية للكلام أو تعديلها.

– الرّغبة بجعل الكلام أكثر تنافسيّة لتحقيق الأهداف.

– الرّغبة بالالتزام بمبدأ التأدب([49]).

– الرّغبة بجعل الكلام أكثر إعلامية أو أقل إعلامية.

2.7 أساليب التّواصل المضمر

1.2.7 النّماذج المتكررة (Stereotypes): النماذج المتكررة معتقدات راسخة وعامة مكونة عن مجموعة محددة من الناس، وهي نوع من التحليل العاطفي، وكثيرا ما تشي بدلالات سلبية، ويعد التحقق منها صعبا، نحو:

(16) زعماء دول العالم الثالث.

(17) يجب على الرجال أن يقودوا السيارات لا النساء.

عبارة (دول العالم الثالث) في المثال السّادس عشر حكم يتضمن دلالات مضمرة ويستخدمه الغربيون للنظر إلى غيرهم نظرة دونية، وهذا ما يظهر جليا في المثال رقم (27)؛ وأما المثال السابع عشر فيضمر لامساواة اجتماعية بين الرجال والنساء، أي هناك تحيّز ناتج عن الأيديولوجيا المنتشرة في المجتمع المشار إليه.

2.2.7 مرتكبي الجرائم (Perpetrators): يقصد بمرتكب الجريمة المرء الذي يقترف فعلا غير شرعي أو فعلا جرميًا أو فعلا شريرًا. ويتفرّع هذا التّصنيف من الأسلوب السّابق، إلا أنّ هناك ما يميزه، وأكثرها ما يرتبط بأفعال جرمية، ويستغل المشكلات الطائفيّة والمذهبيّة والسّياسيّة والعرقيّة. لنأخذ الآن مثالا:

(18) جارنا الأسود يقتل زوجته.

ورد في هذا المثال تعنيف الزّوج لزوجته، وهو أشبه باتهام جرمي مضمر لأنّه شخص من أصول أفريقيّة، ولكن لو كان الزّوج شخصا من ذوي البشرة البيضاء لاختلفت صياغة الجملة، وربما وردت على النحو الآتي:

(19) جارنا يتشاجر وزوجته.

3.2.7 المقارنات (Comparisons): ترتبط المقارنات أو أسلوب المقارنة باستخدام ضمير المخاطب أي (أنت)، وكلما جمع الأسلوب المذكور بين الضمير المخاطب والموضوعات المجردة اتصف التّواصل بالإضمار وباستغلال الّلغة، ويستخدم أسلوب المقارنة للإشارة إلى دلالات إيجابية أو سلبية، نحو:

(20) أنت تبدو كشخص قد تحبه والدته فقط.

يستغل هذا المثال موضوع الحب المجرد وتشي دلالته المضمرة أن المخاطَب هو شخص مكروه من الآخرين.

4.2.7 اللاأنسنة (Dehumanization): يقصد بمصطلح (لاأنسنة) معاملة الناس معاملة غير إنسانية، أي نزع صفة الإنسانية عنهم واتهامهم بصفات مهينة، وهو نوعان، صريح ومضمر، ومن أمثلة النوع الأول:

(21) كيف نحمي أطفالنا من وحوش الإنترنت([50])؟

ومن أمثلة النوع الثاني الذي يهتم به البحث:

(22) أنا أملك زوجتي ومالها.

ففي المثال رقم (22) شبَّه الزوج زوجته بشيء كالسيارة، إذ نزع عنها صفة الإنسانية، لأنه يرمي من جراء  تشبيهه المذكور إلى الانتقاص من حقوق زوجته أو التّعبير عن ذكوريته، وهو تعبير يتضمن دلالات مضمرة.

5.2.7 التّراكيب الملطفة (Euphemistic constructions): التّراكيب الملطفة أو المخففة تراكيب متنكرة،

وكثيرا ما تشي بدلالات سلبية لو ترجمت دلالتها المضمرة إلى دلالتها المقصودة، نحو:

(23) الليبراليون ليسوا أذكياء جدا.

(24) لست متحمسا لوجودك بيننا.

لو أعيدت صياغة هذين التركيبين أو لو أعيدت ترجمتهما إلى دلالتهما المقصودة لوردا على النحو الآتي:

(23ب) الليبراليون متخلفون عقليا.

(24ب) أنا أكرهك.

بتعبير أبسط، عدَّل المتكلّم الفعلين الإنجازيين في التّركيبين أعلاه وأصبحا أكثر مقبولية بغية تجنب أية مقاومة في سياق المحادثة، وهذا التعديل، أو إضمار الدلالات الفعلية، ساعد المتكلّم على تحقيق أهدافه المرجوة.

6.2.7 الدعوة إلى حل المشكلة (Call for action): يقصد بها الرسائل المقتضبة التي تنشر إلكترونيا وتدعو إلى التعامل مع مشكلة طارئة وخطرة، حيث تستلزم لاحقا إجراءات فعلية أو قرارات أو حملات إعلامية متنوعة، منها الصّريح ومنها المضمر بغية حشد نسبة مرتفعة من التأييد لقضية معينة أو إيجاد الحلول لها. ومن أمثلة ذلك مشكلة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث اتهمت دول حلف الناتو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (Vladimir Putin) بأنه (مجرم حرب) للضغط عليه وحثه على التراجع عن أفعاله.

7.2.7 الاستغلال المتعدد الوسائط (Multimodal abuse): يقصد به الصور أو مقاطع الفيديو القصيرة التي تنشر إلكترونيا، وهي شبيهة بما ورد أعلاه، إلا أن الفرق بينهما أن الأولى تستدعي التعامل مع مسائل عامة، أما الثانية فإنّها أكثر خصوصية.

8.2.7 الاستفهام البلاغي (Rhetorical question): يقصد به الأسئلة التي تطرح ليس لطلب توضيح فكرة غامضة، بل للتّعبير عن رأي ما أو عن مشاعر ما.  ترتبط هذه المشاعر بقضية إنسانية أو سياسيّة أو دينية ويتأتى عنها ردا أو تعليقا([51])، وكثيرًا ما تترافق والاستلزام التحاوري، لأن هذه المشاعر تجذب انتباه المستمع وتحثّه أحيانًا على التّفكير أو على التّعبير عن مشاعره أو الاقتناع بفكرة ما؛ لذلك يعد الاستفهام البلاغيّ أسلوبا تواصليّا تداوليًا، وأمثلته كثيرة جدا في الثقافة العربيّة.

9.2.7 الاستعارة (Metaphor): الاستعارة تركيب من التّراكيب غير المحكمة، وسبق وعرضت في المثال الأول من هذا البحث لموضوع الدلالات المضمرة التي تترافق والاستعارة المفهومية في أثناء التّواصل.

3.7 أهداف التّواصل المضمر

1.3.7 التّلاعب بالعقول

تتنوّع جوانب استخدام التّلاعب بالعقول (Manipulation)، سواء أكان ذلك في عالم السّياسة أم في عالم

آخر، وهو يستغل خصائص خطابيّة عديدة، منها ما يقتصر على استغلال الّلغة، ومنها ما يستغل أنواع الذّاكرة في الدّماغ وأهمها الذاكرة العاملة، ومنها أيضا ما يتطلب استغلال الّلغة وأنواع الذاكرة الإنسانية معا وهو أكثرها لأنه يجمع بين الاثنين معا. ويترافق نجاح التّلاعب بالعقول أحيانا كثيرة والخطابات التي تلقى في وسائل الإعلام العامة([52])، لأن السّياسيّين يستغلون هذه الوسائل لإيصال رسائلهم في سياقات تناسب مصالحهم.

يعرف نورمان فاركلوف (Norman Fairclough) التّلاعب بالعقول بكلمات دقيقة جدا، ويقول بأن التّلاعب بالعقول هو الاستخدام الواعي للغة بأسلوب منحرف بغية السيطرة على الآخرين، ثم يشرح معنى عبارة الاستخدام الواعي للغة قائلا: “إنها تعني إخفاء استراتيجية المرء وأهدافه”، ثم يربطه بموضوع علاقة السّلطة بالّلغة([53])، وهو ما سأتطرق إليه أدناه. لذلك يتطلب التّلاعب بالعقول تواصلا مضمرا، لأن المتلاعب بالعقول لن يصرح للمتلاعب بهم قائلا: سأتلاعب بعقولكم! أما الآن فسأتوقف عند مثال جرت أحداثه في مؤسّسة لبنانيّة:

(25) لا يوجد أوراق.

ترددت هذه العبارة كثيرا على ألسنة الموظفين في المؤسّسات العامة اللّبنانيّة بسبب تردي الأوضاع الاقتصاديّة ردًا على طلبات المواطنين الذين سعوا إلى الاستحصال على مستندات الهوية اللّبنانيّة، وكثيرا ما كانت تعني تلاعبا بالمواطن وليس أنه لا يوجد أوراق، على الرغم من شح الأوراق في المؤسسات المذكورة؛ لذلك فإن الرد على الأرجح هو إما طلب غير مباشر لإجراء (الوساطة)، وإما هو طلب غير مباشر للحصول على (رشوة)، مثل ما حدث في أقلام النفوس التابعة للمديرية العامة للأحوال الشخصية في لبنان في عام 2022. وفي هذه الحالة، فإن استخدام الفعل التّأثيري (Perlocutionary act) هو ما يرمي إليه المتكلّم، لا سيما إذا كان يسعى إلى إحداث فعل تأثيري في المستمع([54])، وبخاصة أن السّياق لا يسمح إلا باستخدام استراتيجيات تواصليّة مضمرة.

2.3.7 ممارسة السّلطة والهيمنة

يرتبط استخدام السّلطة مباشرة بالتّلاعب بالعقول وكثيرا ما يترافقا معا، وتعد ممارسات السّلطة الناجحة شرطا رئيسا من شروط نجاح التّلاعب بالعقول. فالسّياسيّون المحترفون أو أصحاب النفوذ هم أكثر من يتلاعب بعقول غيرهم بسبب قدراتهم على استغلال الآخرين أو استغلال سلطتهم ونفوذهم في إدارة كلامهم أو خطاباتهم، حيث يتجرأون على ترجمة سلطتهم في البنية السطحية والعميقة للخطاب، كالموظف الذي ذكرته أعلاه؛ وما يتيح ذلك هو المفهوم القائل باشتراط وجود السّلطة وجودا مسبَّقا، حيث تتجلى ممارسة السّلطة في الخطاب (Power in discourse)، أي أن النظام المتداول هو مصدر رئيس لممارسة السّلطة في الخطاب([55]).

كتب بول شيلتون (Paul Chilton) في هذا السياق ما يأـتي: ينشأ التّواصل المنحرف عن القدرة غير المتساوية لطرفي التّواصل على الوصول إلى إجراء التّواصل نفسه، ومرد ذلك قدرة أحــد طرفـــي التّواصل على ممارسة السّلطة من دون الآخر([56])، حيث لا تتساوى قدراتهما التّواصليّة على المشاركة الفعالة. إلا أنّ ممارسة السّلطة واستغلالها ليس مضمونًا دائما، وهناك حالات عديدة يتحوّل الخطاب فيها وسيلة ديناميّة لممارسة السّلطة ممارسة نسبية، وعندها يتحوّل الصراع بين الأطراف المتخاصمة على قضية ما إلى صراع داخــل الخطـــاب وعليه (over discourse Power). فممارسة السّلطة تؤدّي أحيانا كثيرا إلى مقاومة تتجلى في الخطاب([57])، وتلاحظ هذه المقاومة باحتدام الحوار وارتفاع الأصوات، أو بالقول: “ليس هذا ما أعنيه”، أو قد يمتنع أحدهم عن المشاركة في إجراء التّواصل الّلغويّ، كأن يقفل عائدا من لقاء تحاوري أو اجتماع ما.

لذلك يسعى الطرف الذي يحاول الهيمنة (Hegemony) على الطرف الآخر إلى استغلال بعض الأساليب المضمرة لتعزيز هيمنته وفرض سلطته وهيمنته على الآخر لكي يتجنب أي نوع من أنواع المقاومة. ومن هذه الأساليب استغلال مبدأ التأدب والأيديولوجيا وبعض الممارسات الخطابية التي تمهد للهيمنة وممارسة السّلطة على الآخر، كتعديل الفعل الإنجازي، أي تخفيف قوته([58])، مثل ما ورد في المثالين رقم (23) و(24). ومن أمثلة الممارسات اللّغويّة المضمرة أيضا إعادة سبك الكلام، واستغلال انتباه الآخرين، وتدجين الكلام وغيره وذلك كله لجعل الخطاب أكثر تماسكا (Coherent)([59])، أي جعله أكثر مقبولية ورفع نسبة كفاءته التّواصليّة في فقرات محددة، وذلك لإيصال الأفكار التي يرمي إليها الخطيب بأساليب مضمرة لا تستدعي أية مقاومة.

ومن الأمثلة التي لجأ إليها السّياسيّون في خطاباتهم ولا يزالون مسألة لجوئهم إلى تدجين خطاباتهم وفق اللهجات المحلية أو العامية، وذلك لإيصال أفكارهم بأساليب مضمرة وسهلة للاستيعاب أكثر مما لو تكلموا بالفصحى أو خطبوا بها. ومن أشهرهم في تاريخ الجمهورية اللّبنانيّة الرئيس الراحل بشير الجميّل في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إذ كان يتكلم بالفصحى عمدا عندما يتكلم عن مسائل سياسيّة خارجية كالمسألة الفلسطينية، وكان يتكلم باللهجة العامية أو يخطب بها عندما يتناول في خطابه مسائل داخلية، كخطابه الشهير أمام نقابة الصحافة بتاريخ 8/9/1982 عندما طلب منهم أن يقولوا الحقيقة، محاولا بذلك، أي بأسلوب خطابه ودلالاته، البدء بممارسة سلطته كرئيس جديد منتخب وإظهار خططه لمستقبل لبنان من دون التسبب بأية مقاومة لخطابه السّياسيّ، لأنه لم يكن قد تسلم سلطاته الدستورية في أثناء إلقائه الخطاب المذكور. ومما جاء في خطابه المذكور:

(26) جاي أطلب منكن تقولوا الحقيقة أد ما كانت هالحقيقة صعبة تكون

لما منقول الحقيقة متل ما هي منسعى لتغيير هالحقيقة هاي ولتظبيط الوضع

منسعى لتجنب كل الأخطاء والممارسات يلي هي منا مظبوطة

بس وقت يلي منموها يمكن يكون في ميل أو يمكن متل ما بيقولوا لا توقعنا في التجارب…

3.3.7 السّخرية والفكاهة

يرى الباحثون أن أساليب استخدام الّلغة واستغلالها في موضوعي السّخرية والفكاهة تتشابه واستخدام الّلغة واستغلالها في موضوعات أُخر، وكثيرا ما تكون مضمرة([60])؛ أضف إلى ذلك أن موضوع السّخرية (Irony) يتماثل وموضوع الهجاء (Satire) والمحاكاة التهكمية (Parody) والتهكم (Sarcasm). لذلك سأكتفي في هذا المبحث بدراسة موضوعي الفكاهة والسّخرية، ولا سيما أنني كنت قد عرضت في المثال رقم (6) موضوع استخدام الهجاء الذي كثيرا ما يعد ممارسة خطابية، أي تجل من تجليات التّداوليّات الخطابية (Discursive pragmatics)([61]).

تتميز السّخرية بطبيعتها التداوليّة، حيث يترافق استخدام الّلغة والمعاني المضمرة، أما الفكاهة فتختلف قليلا،

لإنّه وإن بدأت الفكاهة باستخدام المعاني المضمرة فإنّ التّصريح بها في نهاية المطاف أمر لا بد منه، وهو أمر لا ينسحب على موضوع السّخرية([62]). فالساخر لا يصرح للمسخور منه بأنه يسخر منه، بل كثيرا ما يستخدم أساليب مضمرة لأسباب عديدة، منها قد يكون الكره والغيرة، ومنها أن المرء أحيانا يتمتع بشخصية ساخرة، وقد تجتمع المسألتان معا كما اجتمعت مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (Donald Trump) الذي سخر بتاريخ (21/9/2022) من مكان جلوس الرئيس الأميركي جو بايدن (Joe Biden) في الصف الرابع عشر في أثناء إقامة جنارة الملكة إليزابيث الثانية قائلا:

(27) “إذا كنت أنا الرئيس، فإنهم بالطبع لم يكونوا ليخصصوا لي هذا المقعد في الخلف… هذا ما حدث لأمريكا خلال شهور قليلة، لا يوجد احترام، إلا أن هذه فرصة جيدة للرئيس الحالي كي يتعرف عن قرب إلى زعماء دول العالم الثالث”([63]).

ففي قوله: “هذه فرصة… يتعرف عن قرب إلى زعماء دول العالم الثالث” يعبّر الرئيس الأميركي السابق ترامب

عن مشاعره وتقييمه للتجربة، إذ يوازي بين زعماء دول العالم الثالث ورئيس أميركا الحالــي!! أضــف إلـــى ذلك

أن السّخرية موقف عدائي وتحقيري([64])، وهذا ما حاول الرئيس الأميركي تضمينه في موقفه الساخر، فهو يقول

للرئيس بايدن: “أنا أكرهك ولا أحترمك”، ولكن بأسلوب غير مباشر ومضمر يمكن استنتاجه من الاستلزام التحاوري، لأن السّخرية هي خرق لمبدأ النوعية (Maxim of quality) في مبادئ الحوار([65]).

4.3.7 الحجاج والمغالطات المنطقيّة

يشمل التّواصل كل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان من كلام وأقوال اتخذت أشكالا وأجناسا متعددة تبعا

لغايات معينة، والحجاج (Argumentation) غاية من غايات استعمال المرء للغة في أثناء التّواصل، أي أن الحجاج والتداوليّة يرتبطان معا ارتباط وثيقا. وبما أن مبادئ المقامية لا تتيح للمرء الإطالة في تقديم الحجج، فإن فعالية الخطاب الحجاجي تأتي من طريقة بنائه وتفاعل عناصره ودينامية مكوناته، حيث يصبح دور الاقتصاد في الأدلة الحجاجية دورا مهما في عملية الإقناع([66]). لذلك يلجأ المرء أحيانا إلى استخدام مقدمات منطقية (Premises) أو أجزاء أخرى من الحجاج استخداما مضمرا  في حجاجه([67])، وقد يلجأ أيضا إلى الالتباس للغاية نفسها([68]).

وتشير دراسات التداوليّة إلى أن الإضمار لا يترافق واستعمال الحجج فحسب، بل يترافق أيضا واستعمال المغالطات المنطقية (Fallacies)([69]) التي تعد أنماطا شائعة من الحجج الباطلة، وهذه الأخيرة يمكن كشفها في عملية تقييم الاستدلال غير الصوري([70]). ومن أمثلة هذه المغالطات مغالطة الاحتكام إلى القوة (العصا) أو التهديد (Argumentum ad baculum) التي قد تعيق حل الاختلاف في الرأي بين طرفي الحوار([71])، نحو:

(28) أتعرف يا دكتور أدهم أني بحاجة إلى تقدير “ممتاز” في هذه المادة؟ يسرني أن أمر عليك فيما بعد لنتحدث في ذلك. إنني سأكون بجوار مكتبك على أي حال أزور والدي. إنه عميد كليتك بالمناسبة. مع السلامة. أراك بخير.

يمكن تجريد مغالطة الاحتكام إلى القوة في الصورة الآتية:

(28ب) اقبل الحجة أ وإلا فإن الحدث س سوف يحدث

الحدث س مؤذٍ أو مدمِّر أو مهدِّد

إذن الحجة أ حجة سديدة

كتب عادل مصطفى معلقا بأسلوب صريح عن موضوع إضمار التهديدات وفعاليته بغية الإقناع ما يأتي:

“نحن لا ننظر إلى الاختلاف في الرأي على أنه ثراء وخصب، بل على أنه انحراف وخيانة… ومن المؤسف في أمر العصا أن التهديدات، الصّريحة أو المستترة، الظاهرة أو المضمرة، بوسعها أن تخلق

وهما بأن امرءا ما قد تم إقناعه أو إفحامه”([72]).

بتعبير آخر يفيد الاستلزام التحاوري من المثال الوارد أعلاه أن هناك تهديدا، وهو تهديد مضمر لم يرد صريحًا، ولو ورد صريحًا لما كان على الأرجح فعالّا كما لو ورد مضمرا.

5.3.7 التفاهم وسوء التفاهم

    تبين أعلاه أنّ التّهديدات المضمرة تسهم أحيانًا في إقناع الآخر في أثناء عملية التفاوض، وهذا أسلوب منحرف من أساليب التفاهم المتنوعة. والتفاوض بغية التفاهم، أي معادلة رابح-رابح (Win-win situation)، يعد أـحد أبرز أهداف التّواصل الواقعي الذي ذكرته في بداية هذا البحث، وقد يتأتى ذلك عن التّواصل الصّريح أو المضمر، وآلياته شبيهة بآليات الحجاج المذكور أعلاه، إلا أن سوء التفاهم المقصود، أو معادلة رابح-خاسر (Win-lose situation)، قد يكون أيضا أحد أهداف التفاوض، وقد يتأتى سوء التفاهم المقصود عن عدم اختيار ملفوظات صريحة أو معلومات صريحة، أي اختيار التّواصل المضمر اختيارا مقصودا([73]).

فعلى سبيل المثال، عندما تفاوض رجل الأعمال الشهير إيلون ماسك (Elon Musk) والمسؤولين عن المنصة الاجتماعيّة تويتر (Twitter) لشرائها اكتشف ماسك لاحقا أن المنصة المذكورة تمتلك عددا كبيرا جدا من الحسابات الوهمية، فعدل عن شراءها؛ ومن ثم نشرت وسائل الإعلام لاحقًا أن ماسك يريد شراء المنصة مجددًا بسعر مماثل لما تم اقتراحه في العرض الأول، لأن المنصة المذكورة رفعت دعوى قضائية على ماسك([74]).  ما يهمني في هذا البحث هو ما ذكرته منصة تويتر التي قالت عن الموضوع ما يأتي: “إن مخاوف ماسك ]أي كلامه عن عدد الحسابات الوهمية[ هي ذريعة للخروج من الصفقة”([75]).

يمكن الاستنتاج من كلام المنصة المذكور أنه عندما اكتشف إيلون ماسك شيئا ما غير صحيح حاول إفشال عملية التفاوض لشراء المنصة، أو أقله حاول المماطلة في المفاوضات الممهدة لشراءها، فعبَّر عن ذلك بأسلوب مضمر، أي بأسلوب غير صريح، واستغل سلطته ونفوذه الهائلين لتحقيق ذلك، لئلا يتعرض للمساءلة القانونية، سواء أكان السبب يتعلق بعدد الحسابات الوهمية أم بصعوبة قيام ماسك بدفع المبلغ المذكور مثل ما قيل.

والجدير ذكره هنا، أنّ ما فعله ماسك هنا تفسره مقاربة ستيفن لوك (Steven Luckes) لاستخدام السّلطة

وأبعادها الثلاثة، ولا سيما البعد الثالث الذي يرتبط بالهيمنة، وهو أكثرهم شأنا، لأنه غدار وماكر وخفي (Insidious) ويؤثر في أفكار الأفراد ورغباتهم تأثيرا شديدا حتى أنهم يطلبون أشياء كانوا ليعارضوها في سياقات مختلفة([76]). وبتعبير آخر، تراوح أسلوب ماسك في المفاوضات التي جرت بين الضغط والخداع.

  1. نقاش وآفاق جديدة للبحث

يبدو مما ورد أعلاه أن التّواصل المضمر ترافق واستخدام العناصر الأخرى من عناصر التّداوليّات الخطابية

واستغلالها استغلالا ديناميا. هذا الاستغلال إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن التّواصل المضمر دينامي والنجاح في ممارسته يتطلب أنواعا لا يستهان بها من المهارات التّواصليّة والفطنة. أضف إلى ذلك أن التّواصل المضمر يتأثر بالجوانب الإدراكية والاجتماعيّة والنفسية التي تحكم عمل التّداوليّات الخطابية.

يبدو أيضا، وعلى الرغم من صعوبة الجمع بين الكفاية الإدراكية الخاصة بالمرء والجوانب الاجتماعيّة العامة التي تضع الانتظامات الاجتماعيّة معيارا لاستعمال الّلغة، يبدو أن تحليل التّواصل المضمر قد يكشف الممارسات الإبداعية الناتجة عن استعمال الّلغة استعمالا شخصيا واستغلالها استغلالا اجتماعيا في الوقت نفسه، ممارسات يحاول المنهج التّداوليّ أن يكشفها من دون الاستغناء عن النتائج التي قد يتيحها منهج علم الّلغة الاجتماعيّ في تحليل الخطاب، لأن هذا الأخير يهتم بدراسات العلاقات الخارجيّة لاستعمال الّلغة ومنها المقامية، ولا سيما أنه يعد منهجا شبيها باللّسانيّات التداوليّة.

تبين في المبحث الأخير أن العلم بالتّفكير الاجتماعيّ المعيار ضروري لكل من يريد استخدام الّلغة واستغلالها قي الوقت نفسه، ولا سيما إنجاز ما يقصد من التّواصل المضمر. فعلى سبيل المثال، عندما سخر الرئيس ترامب من الرئيس بايدن مستغلا الّلغة ترافق الاستلزام التحاوري والسّخرية في أسلوب الأول، ما جعل العمليات الإدراكية أكثر تعقيدا. لذا كلما ضمّن المتكلّم خطابه كلاما مضمرا ازداد الجهد الإدراكي لكشف الاستلزام التحاوري، لأن الأخير نفسه يرد مضمرا؛ زد على ما ورد للتو أن استراتيجيات التّواصل المضمر وأساليبه وأهدافه ليست قواعد نهائية، بل قد تختلف باختلاف الأجيال والأزمنة والأمكنة والثقافات.

أظهرت نتائج البحث أيضا أن آلية الوصول إلى الاستلزام التحاوري يمكن التّلاعب بها أيضا، ويمكن للعمليات الاستدلالية المرافقة له أن تكون متنوعة ومتدرجة مثل ما ورد تباعا في الأمثلة رقم (25) و(26) و(27)؛ وأسباب ذلك عديدة، ومن أهمها أن السّلطة التي تؤثر في عمليات الاستدلال ترافقت أيضا واستخدام التّواصل المضمر في معظم المسائل التى عرضتها في المبحث الأخير.  والجدير ذكره هنا، أن هذا البحث افترض الوجود المسبّق للسلطة في أثناء مقاربة بعض المسائل المطروحة. ولكن ماذا لو وظفت منهجية التحليل التي لا تفترض وجود مسبّق للسلطة، وماذا لو لم يترافق التّواصل المضمر والسّلطة وترافق التّواصل المضمر وغياب السّلطة! كيف كانت لتصاغ الملفوظات؟ وهل ينجح التّواصل المضمر في هذه الحالة؟

 

المصادر والمراجع العربية:

  1. سيرل، جون (1979) “تشومسكي والثورة اللّغويّة”، الفكر العربي. بيروت: معهد الإنماء العربي. ع8 و9.
  2. عشير، عبد السلام (2006) عندما نتواصل نغير: مقاربة تداوليّة معرفية لآليات التّواصل الحجاجي. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق.
  3. محسب، محي الدين (2008) انفتاح النسق اللساني: دراسة في التداخل الاختصاصي. بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة.
  4. مصطفى، عادل (2019) المغالطات المنطقية. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.

المصادر والمراجع الأجنبية:

  1. Allot, Nicholas (2010) key Terms in Pragmatics. London: Continuum.
  2. Apte, M. L. (2001) “Language in Society: Overview”, In Mesthrie, Rajend (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. pp. 36-48.
  3. Bach, Kent (2006) “Pragmatics and the Philosophy of Language”, In Laurence
  4. Horn & Gregory ward (eds) The Handbook of Pragmatics. Oxford: Blackwell

Publishing. pp. 463-487.

  1. Bach, Kent (2011) “Grice”, In Barry Lee (ed) Philosophy of Language: the Key Thinkers. London: Continuum. pp. 179-198.
  2. Bach, Kent (2012) “Saying Meaning and Implicating”, In Keith Allan & Kasia M. Jaszczolt (eds) The Cambridge Handbook of Pragmatics. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 47-67.
  • Bakhtin, M. M. (1994) “The Problem of Speech Genres” , In Caryl Emerson & Michael Holquist (eds) Speech Genres and Other Late Essays, Translated by Vern W. McGee. Austin: University of Texas Press. pp. 60-102.
  • Barker, S. (2006) “Intention and Semantics”, In Keith Brown et al. (eds) Encyclopedia of Language & linguistics 4. Amsterdam: Elsevier. pp. 721-724.
  • Brown, Gillian & Yule, George (1983) Discourse Analysis. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Carston, Robyn (2002) Thoughts and Utterances: The Pragmatics of Explicit Communication. Oxford: Blackwell Publishing.
  • Carston, Robyn (2016) “Contextual Adjustment of Meaning”, In Nick Riemer

(ed) The Routledge Handbook of Semantics. London: Routledge. pp. 195-210.

  • Chilton, P. A. (2001) “Politics and Language”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. pp. 584-591.
  • De Beaugrande, Robert & Dressler, Wolfgang (1981) Introduction to Text Linguistics. London: Longman.
  • Fairclough, Norman (2001) “Manipulation”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. 574-575.
  • Fairclough, Norman (2001) “power and Language”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. 591-597.
  • Fernández, Eva M. & Cairns, Helen Smith (2011) Fundamentals of Psycholinguistics. Oxford: Wiley-Blackwell.
  • Fraser, Bruce (1980) “Conversational Mitigation”, Journal of Pragmatics 4. 341-350.
  • Gleitman, Lila & Papafragou, Anna (2005) “Language and Thought”, In Keith J. Hoyloak & Robert G. Morrison (eds) The Cambridge Handbook of Thinking and Reasoning. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 633-661.
  • Grice, Paul H. (1975) “Logic and Conversation”, In Peter Cole & Jerry L. Morgan (eds) Syntax and Semantics 3. New York: Academic Press. pp. 41-58.
  • Grice, Paul H. (1978) “Further Notes on Logic and Conversation”, In Peter Cole (ed) Syntax & Semantics: Pragmatics 9. New York: Academic Press. pp. 113-127.

 

  • Grice, Paul H. (2014) “Using Language to Mean Something”, In Johannes Angermuller; Dominique Maingueneau & Ruth Wodak (eds) The Discourse Studies Reader: Main Currents in Theory and Analysis. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. pp. 60-68.
  • Gurillo, Leonor Ruiz & Ortega, M. Belén Alvarado (2013) “The Pragmatics of Irony and Humor”, In Leonor Ruiz Gurillo & M. Belén Alvarado Ortega (eds) Irony and Humor: From Pragmatics to Discourse. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. pp. 1-13.
  • Handl, Sandra & Schmid, Hans-Jörg (2011) “Introduction”, In Sandra Handl & Hans-Jörg Schmid (eds) Windows to the Mind: Metaphor Metonomy and Conceptual Blending. Berlin: De Gruyter Mouton. pp. 1-20.
  • Huang, Y. (2006) “Speech Acts”, In Keith Brown et al. (eds) Encyclopedia of Language and Linguistics 11. Amsterdam: Elsevier. pp. 656-665.
  • Kennedy, Christopher (2011) “Ambiguity and Vagueness: An Overview”, In Claudia Maienborn; Klaus Von Heusinger & Paul Portner (eds) Semantics: An International Handbook of Natural Language Meaning 1. Berlin: De Gruyter Mouton. pp. 507-535.
  • Kotthoff, Helga (2009) “An Interactional Approach to Irony Development”, In Neal R. Norrick & Delia Chiaro (eds) Humor in Interaction. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. pp. 49-77.
  • Lakoff, George (1993) “The contemporary Theory of Metaphor”, In Andrew Ortony (ed) Metaphor and Thought. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 202-251.
  • Langlotz, Andreas (2016) “Language Creativity and Cognition”, In Rodney H. Jones (ed) The Routledge Handbook of Language and London: Routledge. pp. 40-60.
  • Lederer, Marianne (2014) Translation: the Interpretive Model, Translated by Ninon Larché. London: Routledge.
  • Leech, Geoffrey (1990) Principles of Pragmatics. London: Longman.
  • Leech, Geoffrey & Thomas, Jenny (1990) “Language Meaning and Context: Pragmatics”, In N. E. Collinge (ed) An Encyclopedia of Language 1. London: Routledge. pp. 94-113.
  • Litman, Leib & Reber, Arthur S. (2005) “Implicit Cognition and Thought”, In Keith J. Hoyloak & Robert G. Morrison (eds) The Cambridge Handbook of Thinking and Reasoning. Cambridge: Cambridge University Press. pp.431-453.
  • Longworth, Guy (2017) “Semantics and Pragmatics”, in Bob Hale; Crispin Wright & Alexander Miller (eds) A Companion to the Philosophy of Language 1.

Oxford: Wiley-Blackwell. pp. 107-126.

  • Lukes, Steven (2005) Power: A Radical View. Houndmills: Palgrave Macmillan.
  • Masia, Viviana (2021) The Manipulative Disguise of Truth: Tricks and Threats of Implicit Communication. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
  • Mazzone, Marco (2017) “Why Don’t you Tell it Explicitly? Personal/Subpersonal

Accounts of Implicitness”, In Piotr Cap & Marta Dynel (eds) Implicitness: From Lexis to Discourse. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. pp. 259-279.

  • Mey, Jacob L. (2017) “Interdisciplinarity in Pragmatics and Linguistics”, In Anne Barron; Yueguo Gu & Gerard Steen (eds) The Routledge Handbook of Pragmatics. London: pp. 4-18.
  • Navarro, Jesús (2017) “Intention (Including Speech Act)”, In Anne Barrone; Yueguo Gu & Gerard Steen (eds) The Routledge Handbook of Pragmatics. London: Routledge. pp. 215-226.
  • Ogden, C. K. & Richards, I. A. (1923) The Meaning of Meaning. New York: A Harvest Book.
  • Quine, W.V.O. (2013) Words & object. Cambridge: The MIT Press.
  • Recanati, François (2006) “Pragmatics and Semantics”, In Laurence R. Horn & Gregory Ward (eds) The Handbook of pragmatics. Oxford: Blackwell Publishing. pp. 442-462.
  • Schäffner, Christina (2004) “Metaphor and Translation: Some Implications of a Cognitive Approach”, Journal of Pragmatics 36, pp. 1253-1269.
  • Simpson, Paul (2003) On the Discourse of Satire: Towards a Stylistics Model of Satire. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company.
  • Sperber, Dan & Wilson, Deirdre (1989) Relevance: Communication and Cognition. Oxford: Blackwell Publishing.
  • Thomas, Jenny (2013) Meaning in Interaction. London: Routledge.
  • Van Eemeren, Frans H. & Grootendorst, Rob (2004) A Systemic Theory of Argumentation: the Pragma-Dialectical Approach. Cambridge: Cambridge University Press.
  • Van Eemeren, Frans H. & Henkemans, A. Francisca Snoeck (2017) Argumentation: Analysis and Evaluation. London: Routledge.
  • Verdonik, Darinka (2010) “Between Understanding and Misunderstanding”, Journal of Pragmatics 42. pp. 1364-1379.

http://doi:10.1016/j.pragma.2009.09.0007 (Accessed 7/10/2022)

  • Wardhaugh, Ronald (2002) An Introduction to Sociolinguistics. Oxford: Blackwell Publishing.
  • Wiegand, Michael; Ruppenhofer, Josef & Eder, Elisabeth (2021) “Implicitly Abusive Language: What Does it Actually Look Like and Why are we Not Getting There?, Proccedings of the 2021 Conference of the North America. Stroudsburg: Association for Computational Linguistics. pp. 576-587.

المراجع الإلكترونية:

  • http://www.atahari.com/ترامب يسخر من موقع بايدن خلال جنازة الملكة إليزابيث/ (Accessed 22/9/2022)
  • http://www.atahari.com/فريق دفاع إيلون ماسك يوجه تهمة خطيرة لـ”تويتر””/ (Accessed 10/9/2022)
  • http://www.atahari.com/كيف نحمي أطفالنا من وحوش الإنترنت/ (Accessed 25/9/2022)
  • http://www.diwanalarab.com/دع المكارم لا ترحل لبغيتها/ (Accessed 28/7/2022)
  • http://www.lebeconomy.com/205774 (Accessed 5/10/2022)

)[1]( Mazzone, Marco (2017) “Why Don’t you Tell it Explicitly? Personal/Subpersonal Accounts of Implicitness”, In Piotr Cap & Marta Dynel (eds) Implicitness: From Lexis to Discourse. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. p. 261.

)[2]( Barker, S. (2006) “Intention and Semantics”, In Keith Brown et al. (eds) Encyclopedia of Language & Lnguistics 4. Amsterdam: Elsevier. p. 723.

)[3]( Fernández, Eva M. & Cairns, Helen Smith (2011) Fundamentals of Psycholinguistics. Oxford: Wiley-Blackwell. p. 262.

)[4]( Masia, Viviana (2021) The Manipulative Disguise of Truth: Tricks and Threats of Implicit Communication. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. p. 98.

)[5]( Sperber, Dan & Wilson, Deirdre (1989) Relevance: Communication and Cognition. Oxford: Blackwell. pp. 32-33.

([6]) محسب، محي الدين (2008) انفتاح النسق اللساني: دراسة في التداخل الاختصاصي. بيروت: دار الكتاب الجديدة المتحدة. ص 11.

([7]) Bach, Kent (2012) “Saying Meaning and Implicating”, In Keith Allan & Kasia M. Jaszczolt (eds) The Cambridge Handbook of Pragmatics. Cambridge: Cambridge University Press. p. 55.

([8]) Bach, “Saying Meaning and Implicating”, In Allan & Jaszczolt (eds) The Cambridge Handbook of Pragmatics. p. 55.

)[9]( Carston, Robyn (2002) Thoughts and Utterances: The Pragmatics of Explicit Communication. Oxford: Blackwell Publishing. p. 117.

([10]) Bach, Kent (2006) “Pragmatics and the Philosophy of Language”, In Laurence R. Horn & Gregory Ward (eds) The Handbook of Pragmatics. Oxford: Blackwell Publishing. p. 484.

)[11]( Ogden, C. K. & Richards, I. A. (1923) The Meaning of Meaning. New York: A Harvest Book. pp. 186-187.

([12]) Bach, Kent (2011) “Grice”, In Barry Lee (ed) Philosophy of Language: the Key Thinkers. London: Continuum. p. 179.

([13]) Grice, Paul H. (2014) “Using Language to Mean Something”, In Johannes Angermuller; Dominique Maingueneau & Ruth wodak (eds) The Discourse Studies Reader: Main Currents in Theory and Analysis. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. p. 68.

)[14]( Bach (2006) “Pragmatics and the Philosophy of Language”, In Horn & Ward (eds) The Handbook of Pragmatics. p. 484.

([15]) Gleitman, Lila & Papafragou, Anna (2005) “Language and Thought”, In Keith J.  Hoyloak & Robert G. Morrison (eds) The Cambridge Handbook of Thinking and Reasoning. Cambridge: Cambridge University Press. p. 636.

([16]) Mazzone (2017) “Why Don’t you Tell it Explicitly? Personal/Subpersonal Accounts of Implicitness”, In Cap & Dynel (eds) Implicitness: From Lexis to Discourse. p. 273.

)[17]( Brown, Gillian & Yule, George (1983) Discourse Analysis. Cambridge: Cambridge University Press. p. 236.

([18]) Gleitman & Papafragou (2005) “Language and Thought”, In Hoyloak & Morrison (eds) The Cambridge Handbook of Thinking and Reasoning. p. 636.

)[19]( Lederer, Marianne (2014) Translation: the Interpretive Model, Translated by Ninon Larché. London: Routledge. pp. 54-55.

([20]) Recanati, François (2006) “Pragmatics and Semantics”, In Laurence R. Horn & Gregory Ward (eds) The Handbook of Pragmatics. Oxford: Blackwell Publishing. p. 449.

)[21]( Litman, Leib & Reber, Arthur S. (2005) “Implicit Cognition and Thought”, In Keith J.  Hoyloak & Robert G. Morrison (eds) The Cambridge Handbook of Thinking and Reasoning. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 432-434.

)[22]( Langlotz, Andreas (2016) “Language Creativity and Cognition”, In Rodney H. Jones (ed) The Routledge Handbook of Language and Creativity. London: Routledge. p. 54.

)[23]( Handl, Sandra & Schmid, Hans-Jörg (2011) “Introduction”, In Sandra Handl & Hans-Jörg Schmid (eds) Windows to the Mind: Metaphor Metonomy and Conceptual Blending. Berlin: De Gruyter Mouton. p. 1.

([24]) Schäffner, Christina (2004) “Metaphor and Translation: Some Implications of a Cognitive Approach”, Journal of Pragmatics 36. p. 1265.

)[25]( Lakoff, George (1993) “The Contemporary Theory of Metaphor”, In Andrew Ortony (ed) Metaphor and Thought. Cambridge: Cambridge University Press. pp. 203-206.

)[26]( Lakoff (1993) “The Contemporary Theory of Metaphor”, In Ortony (ed) Metaphor and Thought. pp. 203-206.

)[27]( Carston, Robyn (2016) “Contextual Adjustment of Meaning”, In Nick Riemer (ed) The Routledge Handbook of Semantics. London: Routledge. p. 203.

)[28]( Schäffner (2004) “Metaphor and Translation: Some Implications of a Cognitive Approach”, Journal of Pragmatics 36. p. 1258.

)[29]( Bakhtin, M. M. (1994) “The Problem of Speech Genres” , In Caryl Emerson & Michael Holquist (eds) Speech Genres and other Late Essays, Translated by Vern W. McGee. Austin: University of Texas Press. p. 75.

)[30]( Mey, Jacob L. (2017) “Interdisciplinarity in Pragmatics and Linguistics”, In Anne Barron; Yueguo Gu & Gerard Steen (eds) The Routledge Handook of Pragmatics. London: Routledge. p. 9.

)[31]( Quine, W.V.O. (2013) Words & object. Cambridge: The MIT Press. p. XXIX.

)[32]( Mey (2017) “Interdisciplinarity in Pragmatics and Linguistics”, In Barron; Gu & Steen (eds) The Routledge Handbook of Pragmatics. London: Routledge. p. 12.

)[33]( Kennedy, Christopher (2011) “Ambiguity and Vagueness: An Overview”, In Claudia Maienborn; Klaus Von Heusinger & Paul Portner (eds) Semantics: An International Handbook of Natural Language Meaning 1. Berlin: De Gruyter Mouton. p. 507.

)[34](  Leech, Geoffrey & Thomas, Jenny (1990) “Language Meaning and Context: Pragmatics”, In N. E. Collinge (ed) An Encyclopedia of Language 1. London: Routledge. p. 106.

([35]) سيرل، جون (1979) “تشومسكي والثورة اللغوية”، الفكر العربي. بيروت: معهد الإنماء العربي. ع8 و9، ص 131.

([36]) Allot, Nicholas (2010) key Terms in Pragmatics. London: Continuum. p. 194.

)[37]( http://www.diwanalarab.com/دع المكارم لا ترحل لبغيتها/   (Accessed  28 july 2022)

)[38]( Leech & Thomas (1990) “Language Meaning and Context: Pragmatics”, In Collinge (ed) An Encyclopedia of Language. p. 106.

)[39]( Wardhaugh, Ronald (2002) An Introduction to Sociolinguistics. Oxford: Blackwell Publishing. p. 288.

)[40]( De Beaugrande, Robert & Dressler, Wolfgang (1981) Introduction to Text Linguistics. London: Longman. p. 84.

)[41]( Leech, Geoffrey (1990) Principles of Pragmatics. London: Longman. pp. 38-40.

)[42]( Longworth, Guy (2017) “Semantics and Pragmatics”, in Bob Hale; Crispin Wright & Alexander Miller (eds) A Companion to the Philosophy of Language 1. Oxford: Wiley-Blackwell. p. 120.

)[43]( Navarro, Jesús (2017) “Intention (Including Speech Act)”, In Anne Barrone; Yueguo Gu & Gerard Steen (eds) The Routledge Handbook of Pragmatics. London: Routledge. p. 217.

)[44]( Longworth (2017) “Semantics and Pragmatics”, in Hale; Wright & Miller (eds) A Companion to the Philosophy of Language 1. p. 114.

)[45]( Longworth (2017) “Semantics and Pragmatics”, in Hale; Wright & Miller (eds) A Companion to the Philosophy of Language 1. p. 114.

)[46]( De Beaugrande & Dressler (1981) Introduction to Text Linguistics. p. 88.

([47]) Huang (2006) “Speech Acts”, In Brown et al. (eds) Encyclopedia of Language and Linguistics 11. p. 662.

)[48](Apte, M. L. (2001) “Language in Society: Overview”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. p. 41.

)[49]( Thomas, Jenny (2013) Meaning in Interaction. London: Routledge. p. 143.

([50]) http://www.atahari.com/كيف نحمي أطفالنا من وحوش الإنترنت/   (Accessed 25/9/2022)

)[51]( Wiegand, Michael; Ruppenhofer, Josef & Eder, Elisabeth (2021) “Implicitly Abusive Language: What Does it Actually Look Like and Why are we Not Getting There?”, Proccedings of the 2021 Conference of the North America. Stroudsburg: Association for Computational Linguistics. pp. 577-580.

)[52]( Fairclough, Norman (2001) “Manipulation”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. p. 574.

)[53]( Fairclough (2001) “Manipulation”, In Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. p. 574.

([54]) Fairclough (2001) “Manipulation”, In Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. p. 574.

)[55]( Fairclough, Norman (2001) “Power and Language”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. pp. 592-593.

([56]) Chilton, Paul  A. (2001) “Politics and Language”, In Rajend Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. Amsterdam: Elsevier. p. 587.

([57]) Fairclough (2001) “Power and Language”, In Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. p. 595.

([58]) Fraser, Bruce (1980) “Conversational Mitigation”, Journal of Pragmatics 4. p. 342.

)[59]( Fairclough (2001) “Power and Language”, In Mesthrie (ed) Concise Encyclopedia of Sociolinguistics. pp. 594-595.

([60]) Kotthoff, Helga (2009) “An Interactional Approach to Irony Development”, In Neal R. Norrick & Delia Chiaro (eds) Humor in Interaction. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. p. 52.

)[61]( Simpson, Paul (2003) On the Discourse of Satire: Towards a Stylistics Model of Satire. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. p. 72.

)[62]( Gurillo, Leonor  Ruiz & Ortega, M. Belén Alvarado (2013) “The Pragmatics of Irony and Humor”, In Leonor Ruiz Gurillo & M. Belén Alvarado Ortega (eds) Irony and Humor: From Pragmatics to Discourse. Amsterdam: John Benjamins Publishing Company. pp. 1-5.

([63]) http://www.atahari.com/ترامب يسخر من موقع بايدن خلال جنازة الملكة إليزابيث/   (Accessed 22/9/2022)

)[64]( Grice, Paul H. (1978) “Further Notes on Logic and Conversation”, In Peter Cole (ed) Syntax & Semantics: Pragmatics 9. New York: Academic Press. p. 124.

)[65]( Grice, Paul H. (1975) “Logic and Conversation”, In Peter Cole & Jerry L. Morgan (eds) Syntax and Semantics 3. New York: Academic Press. p. 53.

([66]) عشير، عبد السلام (2006) عندما نتواصل نغير: مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل الحجاجي. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق. ص 59 و129.

([67]) Van Eemeren, Frans H. & Henkemans, A. Francisca Snoeck (2017) Argumentation: Analysis and Evaluation. London: Routledge. p. 43.

([68]) عشير (2006) عندما نتواصل نغير: مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل الحجاجي. ص 131.

([69]) Van Eemeren, Frans H. & Grootendorst, Rob (2004) A Systemic Theory of Argumentation: the Pragma-Dialectical Approach. Cambridge: Cambridge University Press. p. 180.

([70])  مصطفى، عادل (2019) المغالطات المنطقية. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع. ص 17.

([71]) Van Eemeren & Grootendorst (2004) A Systemic Theory of Argumentation: the Pragma-Dialectical Approach. p. 180.

([72]) مصطفى (2019) المغالطات المنطقية. ص 142-141.

)[73]( Verdonik, Darinka (2010) “Between Understanding and Misunderstanding”, Journal of Pragmatics 42, p. 1369.   http://doi:10.1016/j.pragma.2009.09.0007  (Accessed 7/10/2022)

)[74]( http://www.lebeconomy.com/205774  (Accessed 5/10/2022)

)[75]( http://www.atahari.com/فريق دفاع إيلون ماسك يوجه تهمة خطيرة لـ”تويتر”/  (Accessed 10/9/2022)

)[76]( Lukes, Steven (2005) Power: A Radical View. Houndmills: Palgrave Macmillan. pp. 25-28.

عدد الزوار:60

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى