قراءة في ديوان “أيّ خبز فيك يا هذا المطر” – ليندا نصّار
أيّ خبزٍ فيك يا هذا المطر هو الدّيوان العاشرللشّاعر عمر شبلي وله عدّة مؤلّفات ودراسات ضمّها إلى الثّقافة والمعرفة.
في كتابه، تخطّى عمر شبلي حدود الكلمات والمعاني ليصنع من قصائده تمرّدًا على كلّ حزنٍ، وقوّة تتغلّب على الضّعف.
للخبز والمطر علاقة وطيدة تحمل في ثناياها رموز الحياة والأمل والاستمراريّة، فكيف إذا التقى كلّ منهما في عبارة واحدة، تُحوّل علاقتهما من تناغم إلى تنافر، ويصير التّشتّت هو الفارق فيما بينهما؟ ويأتي السّؤال الاستنكاريّ الحازم هنا: أيّ خبز فيك يا هذا المطر؟
لقد بدأت تجربة عمر شبلي الصّادقة والصّائبة في نظرته الّتي صقلتها تجربة الحياة، فأصبحت عميقة ومؤثّرة ممّا جعله يصنع هذا المزيج بين الفكرة واللّغة، فجاءت في الكتاب عناوين رئيسة تفرّعت منها التّجربة لتنجب شعرًا من رحم القيود:
1-
تجربة السّجن:
لم يستطع هذا الجسد أن يقيّد رؤى الشّاعر ولا أن يفقده صحوة الانتظار الّتي تخطّت المستحيل، بل تحوّلت العقوبة إلى فرصة للتّعبير عن النّفس، فأصبحت الزّنزانة صومعة يتنسّك فيها ليتّصل اتّصالاً روحيًّا بالذّات الإلهيّة الّتي بثّت فيه الأمل، وصنعت منه تمثالاً ينتظر ويعدّ عدد النّزلاء منتظرًا دوره فلا يأتيه… يتأمّل على الرّغم من ضآلة الأمل فيقول:أغلق الباب ولكن، قبضة ظلّت على الباب تدقّ، ربّما قبضة أمّي، ربّما قبضة من ليس ينام…
2-
التّفاؤل في خضمّ المعاناة:
على الرّغم من المعاناة الحادّة والشّاقّة، ظلّ الشّاعر يتجوّل داخل الحزن وصديقه الجرح القديم الّذي حمله معه من وطنه إلى زنزانته، فكانت الدّموع نوره الوحيد الّذي يضيء الوحدة المظلمة. حمل غربته وجعلها تنجب أصدقاء سلكوا معه دروب الجبال الوعرة، ظلّ يتفاءل بالمطر ويحنّ إلى ذكريات القرية والجلوس قرب المدفأة حيث الحنان والأمان، وكان في كلّ لحظة يقطع أصابع الغياب ويلاحق الحلم الهارب وهو يحصي نجومًا وهميّة يتخيّلها في سماء مفقودة.
3-
الصّراع بين فرار الزّمن وسكون السّجن:
لقد كانت اللّحظات طويلة لا يفرّ منها الزّمن إلاّ بعد أن يرتدي سواد المستحيل. هناك كان العمر يجري ووسط سكون السّجن، تزداد التّساؤلات فيقول:
ليس بصدري سوى الأسئلة، لماذا يهبّ السّؤال مع العاصفة… لماذا ننام وليست تنام فينا الأسئلة…
4- تحوّل الانهيار الذّاتيّ إلى قوّة وإبداع:
في وادي الحرير الّذي ذكره في قصيدة دفتر العاصفة، راح عمر ينسج أحلامًا ويحاكي النّهر ليعبّر من خلاله عن الشّكوى وألم حرمانه من المرأة الّتي حنّ إليها كحنينه إلى وطنه. وكان كلّما مرّ الزّمان به، يزداد جرحه الصّامت فيصنع من انهياراته الذّاتيّة قوّة تتجسّد إبداعًا لا يبوح به إلاّ في أشعاره.
ظلّ عمر يدفع بالموت البطيء، الّذي عاشه، بإيمانه العميق. فهو يقول في قصيدة أقرع باب الله: عشرون سنةً وأنا أقرع باب الله، وأنا أتأهّب للموت الرّابض عند الباب، لكنّ نداءً كان يجيء عند الباب ويغسلني من خوفي…
أيّ خبز فيك يا هذا المطر، والخبز حياة والمطر خير وعطاء… هذه الأبعاد الفكريّة والرّوحية، صنعت من تجربة الشّاعر مذكّرات نعتها بمذكّرات القرصان، لينهي فيها كتابه بهذه القصيدة مجاهدًا بالصّبر ومتطلّعًا إلى البحار الّتي لا تعرف حدود النّهايات