بين الشاعر والقصيدة – ليندا نصّار
يعيش الشّاعر في بحث مستمرّ عن حقائق وجوديّة، ليستنبط زوايا الحياة ويحاول أن يكتشف مكنوناتها فيعود إلى ذاته معبّرًا عنها في القصيدة النّابعة من رؤيته لذاته من جهة، وللعالم الخارجيّ من جهة أخرى، فيدرك أسرار الكون بعد تأمّل عميق يجتمع فيه فكره ووجدانه.هذه الحركة العكسيّة الّتي يعيشها تكون من الخارج إلى الدّاخل أو من الدّاخل إلى الخارج.
لا نستطيع تحديد الشّعر ومفاهيمه. ولكن بمجرّد أن نلقي سبحة نورٍ عليه، يطلّ علينا الشّاعر الّذي يثابر ويركض في ضباب المستحيل متخطّيًا العقبات ليكمل قصيدة لا يريد لها نهاية. هو الذي يعرف أنّ النّهايات معظمها تقتل صاحبها وقصائده لا تنتهي إلا عندما يتوقّف عن النّبض.هو إنسان تسكن فكره دوائر يجول بها في عالمٍ بإحساسه الجامح وخياله اللّامحدود، وفي كلّ جولة يتجدّد ليصنع من التّجربة، بلغته الخاصّة، عناقًا بين القصائد والحياة.
إنّه ذاك الرّحّالة، المهاجر العائد، يجتاز عثرات الزّمن عبر محاولاته المستمرّة الّتي تشرق مع شروق الشّمس وتغيب مع غيابها.
الشّاعر يصنع القصيدة ساكبًا فيها من صمت روحه فيولد بولادتها ويموت بموتها.إنّه ذاك السّائر في درب الحبّ والألم والحياة يعبث في متعة الوجود، فيمتصّ رحيق كلّ ما فيه من تناقضات.إنّه رسّام الجمال الكونيّ بكلّ ما فيه من كائنات، وقصيدته مشاهد حياتيّة ممسرحة. هو الّذي يراقص الكلمات عبر إيقاعات وموسيقى تلتقطها حروفه من الكون. إنّه النّحات الّذي ينحت قصيدته، وفي كلّ مرّة يرمي قشورها ليسبح فيها بخفّتها في مدارات الكون. إنّه المجنون العاقل الّذي يتعمّق برؤياه تارة ويحجب نظره تارة أخرى ليعود إلى ذاته وذاته القصائد.